بينما كنت جالسا أقرأ تعليقات بعض الأصدقاء، على منشور قد نشرته سابقًا، يبيّن تاريخ الدولة العثمانية، حتى وجدت كثيراً منهم يتهمني بالعاطفة الزائدة، وآخر يتهمني بتزييف التاريخ لصالحهم ويصفهم بالاحتلال، وآخر يثنى عليهم قائلاً، إن العثمانيين شيّدوا حضارة لا ننكرها، لكن العرب أيضا لهم مكانة كبيرة في تاريخ الحضارات، ومن هنا تذكرت ما تعلّمه الكثيرون في مدارسهم حين كانوا صغارًا، وكيف يصفون تلك المرحلة التاريخية من حكم العثمانيين بالاحتلال للبلاد العربية، حتى ترسخت في ذاكرة الكثيرين صورة ذهنية سيئة تجاة دولة الخلافة الإسلامية!
لكن بالنظر إلى حال الأنظمة العربية التي كانت تضع هذه المناهج في تلك الفترة وأنها ما كانت سوى ذيل للاستعمار الغربي، يتأكد لنا أن ما ذُكر في تلك المناهج ما هو إلا ظلم وافتراء لا علاقة له بالحقيقة، فهناك حقائق خلت من صفحات التاريخ بهدف تشويه الدولة العثمانية الإسلامية التي كانت تحارب تحت راية الإسلام، وتذب عن عرض المسلمين في الشرق والغرب، وما إن سقطت بفعل الخيانة والفساد الداخلي المتعمد، حتى انفرط عقد البلاد العربية وتحولت إلى مناطق استعمارية تحت الوصاية والهيمنة الغربية، ما زلنا نعيش في أسرها ونكتوي بنارها حتى اليوم.
” التاريخ يكتبه المنتصرون”
مقولة شهيرة تجعلنا نشك في كثير مما تعلمناه من كتب التاريخ، فالمنُتصر هو من يسطر صفحات التاريخ ويرسم ملامح الصورة التي يريد أن تسود في أذهان الجماهير عن خصمه المهزوم، فيسلّط الضوء على سلبياته ويضخمها ويأوّلها كما يشاء حتى وإن كانت نقطة في بحر واسع من الإيجابيات والفضائل.
ومن المواقف التي تم تسويقها وتحريفها لتصبغ صفة الاحتلال على الدولة العثمانية معركة “مرج دابق” عام ١٥١٦ التي حدثت بين الدولة العثمانية بقيادة سليم الأول، وبين دولة المماليك بقيادة قانصوه الغوري، فكثير من الناس لا تعرف أسباب هذه المعركة وكيف حدث الصدام بين الدولتين، خاصةً وأن العلاقة السائدة بين دولتي العثمانيين والمماليك في تلك الفترة كانت مبنيّة على الودّ، الذي نتج عنه العديد من التحالفات، ويظهر الأمر جليّاً على هذا التحالف من خلال تعاون الأسطولين العثماني والمملوكيّ في حربهما ضد البرتغاليين، و بدأت الخلافات بين الدولتين تطفو على السطح مع بدء المشاحنات بين الشاه إسماعيل الصفوي سلطان فارس، والسلطان سليم، حيث سعى كلٌ منهم على حدة لعقد تحالفٍ مع المماليك لمواجهة الطرف الآخر.
أرسل السلطان سليم الأول رسالة يحثّ فيها قنصوه الغوري على التحالف معه ضد أعدائهم من الشيعة، وقام بتحذيره من مطامع الصفويين في حلب والشام، وعند عدم تلقي السلطان أي تجاوبٍ من قنصوه، حذّرهُ من مستقبل الصفويين الذي يهدد وجوده بشكلٍ مبطن، ومع ذلك لم يستجب قنصوه لنصائح السلطان العثماني.
سار السلطان سليم الأول باتجاه بلاد فارس، وقام في تلك الأثناء بمراسلة أمير سلالة ذا القدر التركمانيّة (علاء الدولة)، حيث طلب مساعدته في حربه ضد الصفويين، لكن الأمير اعتذر متعللاً بكبر سنه؛ وأن بلاده تقع تحت حماية المماليك، وبعد مضيّ الجيش العثمانيّ في طريقه لمحاربة الصفويين الشيعة، قام جيش علاء الدولة بمهاجمة مؤخرة الجيش العثماني، فقام قنصوه الغوري بإرسال رسالة شكرٍ للأمير علاء الدولة، وطالبه في تلك الرسالة باستمرارية مناوشة الجيش
العثماني.
علم السلطان سليم الأول بتلك الخيانة التى كادت أن تعرّض جيشه للهزيمة لاسيما وأنه كان يصد خطر الصفويين الذي تحالفوا مع الغرب ضد الدولة العثمانية بهدف إسقاطها ومحاصرة مكة ونبش قبر الرسول لمساومة المسلمين به على بيت المقدس، باتفاق برتغالي وقتها وهذه حادثة مشهورة ومذكورة في العديد من المراجع والكتب، من هنا قرر السلطان العثماني قتال قنصوه الغوري وبالفعل هزمه في معركة مرج دابق وقتله، ودخل الشام ومن بعدها مصر ليكونا تحت إدارة الدولة العثمانية.
إن الخلافة الإسلامية كانت لا تعرف طريقا للقومية بل كان شعارها منذ أن نشأت هو إعلاء كلمة الله وهو ما جاء على لسان جد العثمانيين “ارطغرل “حين قال :” نحن بالإسلام نحيا وبالإسلام نموت وبالجهاد يعم ديننا كل الآفاق ” وقال من بعده حفيده محمد الفاتح ” إن نيتي هي الامتثال لقول الله ( وجاهدوا في سبيل الله) ورجائي، هو نصر الله وسمو الدولة على أعداء الله
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website