الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
قال الله تعالى {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}[سورة الطلاق].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودّع منهم] رواه الحاكم في المستدرك.
لقد حرّم الله سبحانه وتعالى الظلم على عباده وجعل العقاب عليه شديدا وأمرهم بالعدل والقسط. والظلم هو وضع الشىء في غير موضعه وهو أنواع كثيرة منها: إيذاء المسلمين وأخذا أموالهم بغير حق عن طريق الإحتيال والغش، وأكل أموال الأيتام بالباطل، وأكل الأمانات ظلما، ومنع الأجير أجرته. ومنها أيضا ترك أداء الصلوات الخمس ممن وجبت عليه، وأكل أموال الربا، وشرب الخمور على أنواعها، وعقوق الوالدين ولعب القمار. ومنها أيضا التصدر لتدريس الدين ممن هو ليس أهلا لذلك فيحل ويحرّم على هواه دون الإستناد إلى مستند شرعي.
أمّا أشد أنواع الظلم وأخطرها على الإطلاق فهو الكفر بجميع أنواعه فقد قال الله تعالى {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[البقرة] أي أنّ الكافرين بلغوا نهاية الظلم ولما كان الكفر هو أعلى الظلم وأكبره وأشدّه، أطلق الله في القرءان “الظالمين” وأراد به الكافرين، لأنّ كل أنواع الظلم التي هي أقلّ من الكفر بالنسبة إلى الكفر كلا ظلم، أي أنّ ما سوى الكفر من المعاصي كأكل أموال الناس بالباطل وإيذاء المسلم هو قليل بالنسبة للكفر الذي هو أشدّ أنواع الظلم.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [انصر أخاك ظالما أو مظلوما] فقال رجل: أنصره إذا كان مظلوما أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال [تحجزه أو تمنعه من الظلم فإنّ ذلك نصره]. ونصرة الظالم لا تكون بإعانته على الظلم والتمادي فيه بل تكون بأن نمنعه من الظلم. وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم [إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودّع منهم] حث على مواجهة الظالم وزجره عن ظلمه وتبيان لخطورة ترك هذا الأمر، فإنّ الناس إذا تركوا زجر الظالم في وجهه والتحذير منه فإنّ الله تبارك وتعالى يتخلى عنهم أي يقطع نصرته عنهم. والرسول حذّر أمته أنهم إذا وصلوا إلى حالة يهابون فيها أن يقولوا للظالم يا ظالم عندئذ تودّع الله منهم أي تخلى الله عنهم وتركهم ووكلهم إلى أنفسهم أي قطع عنهم نصرته.
لقد كان الإمام الشافعي مجاهرا بالحق مجابها للباطل شأته في ذلك شأن الأئمة المهديين والعلماء العاملين بنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد جاءه ذات يوم رجل يقال له “حفص الفرد” فناقشه في مسألة في العقيدة وكان هذا الرجل معاندا متكبرا عن قبول الحق يعتقد اعتقادا مكذبا لشهادة أن لا إله إلا الله ويشبّه الله بمخلوقاته. ولما أقام عليه الإمام الشافعي الحجة والدليل وظلّ على اعتقاده السفيه قال له الشافعي رضي الله عنه [لقد كفرت بالله العظيم]. فهل يلام الإمام الشافعي على قوله هذا؟ لقد كان رحمه الله من أئمة الهدى ومن السلف الصالح. وكان من كبار المدافعين عن العقيدة الإسلامية، وما كان ليرضى أن يسكت عن شخص يعتقد خلاف عقيدة المسلمين فزجره في وجهه ووبخه على كفره وضلاله، فهل أحسن في ذلك أم أساء؟ إنّ ما فعله الشافعي كان صوابا ولم يكن شيئا مذموما.
ثمّ إنّ الدعوة إلى الله تعالى تكون بالحكمة والاسلوب الحسن قال تعالى {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} وقال تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}. فمن علمت منه ضلالا كمسبّة الله أو مسبة الأنبياء أو الاستهزاء بالشريعة وكان بحيث أذا كلمته بحضرة الناس يزداد تكبرا وعنادا ولو كلمته سرا يصغي للحق ويرجع عن غيّه وضلاله فإنّ هذا يكلّم سرا حتى يصلح ما أفسده إلا إذا نشر كفره وفساده لبعض الناس فليحذّر هؤلاء منه. وأما من عرف عناده وكان لا يرجع ولو أقيمت عليه الحجة فهذا يقال له من باب زجره وردعه عما فيه تكذيب القرءان “أنت كذبت القرءان ومن كذّب القرءان فقد كفر” أو يقال له “قولك الذي قلته كفر” ويقال للناس أيضا “فلان قال كذا فاحذروا منه”.
وإن قال قائل “أليس جاء في سيرة الرسول أنه كان أذا أراد أن يحذّر شخصا من شىء يقول “ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، من غير أن يسميهم” فالجواب على ذلك أن هذا إذا كان الشخص يكتفي بمجرد التحذير منه من غير تسميته أو إذا كنا نأمن أن لا يصل ضرره إلى الغير أما إذا كان تعدى ضرره إلى الغير بأن اقتدى به أناس في ضلاله فإننا نصرح باسمه ونحذر منه إن لم يرجع عن خطئه، وهذا هو المطلوب منّا شرعا لا المداهنة والسكوت عن مجابهة الباطل. وقد قال سيدنا أبو علي الدقاق [الساكت عن الحق شيطان أخرس].
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
والله أعلم