نقول: هذا الحديث موضوع لا أصل له وهو مخالف للقرءان الكريم، وللحديث الصحيح الثابت.
أما مخالفته للقرءان قال الله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَىْءٍ حَيٍّ﴾ (سورة الأنبياء/30).وأما مخالفته للحديث فقد روى البخاري والبيهقي من حديث عمران بن حصين أنَّ أناسًا من أهل اليمن أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: جئناك يا رسول الله لنتفقه في الدين فأنبئنا عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال [كان الله ولم يكن شىء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شىء ثم خلق السموات والأرض]، فهذا نص صريح في أنَّ أول خلق الله الماء والعرش لأن أهل اليمن سألوه عن بدء العالم. فقوله عليه الصلاة والسلام [كان الله ولم يكن شىء غيره] إثبات الأزلية لله أي أنه تعالى لا ابتداء لوجوده، وقوله [وكان عرشه على الماء] معناه أنَّ هذين أولُ المخلوقات، أما الماء فعلى وجه الإطلاق وأما العرش فبالنسبة لما بعده كما أفاد ذلك قوله عليه السلام [على الماء] وذلك يدل على تأخر العرش عن هذا الأصل.وفي تفسير عبد الرزّاق عن قَتادة في شرح قوله تعالى ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء﴾ [سورة هود/7] ما نصّه [هذا بدء خلقه قبل أن يخلق السموات والأرض]. وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء﴾ [سورة هود/7] قال [قبل أن يخلق شيئًا]. وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه [قال الطيبي: هو فصل مستقل لأن القديم من لم يسبقه شىء، ولم يعارضه في الأولية، لكن أشار بقوله “وكان عرشه على الماء” إلى أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم لكونهما خلقا قبل خلق السموات والأرض ولم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء] اهـ. وروى ابن حبّان وصححه من حديث أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرّت عيني فأنبئني عن كل شىء، قال [كل شىء خلق من الماء]، وفي لفظ [أن الله تعالى خلق كل شىء من الماء].
فإن قيل: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أوّل ما خلق الله تعالى نور نبيّك يا جابر، خلقه الله من نوره قبل الأشياء”؟.
فالجواب: أنه يكفي في ردّ هذا الحديث كونه مخالف للقرءان وللأحاديث الصحيحة السابقة، وأما عزو هذا الحديث للبيهقي فغير صحيح إنما ينسب إلى مصنّف عبد الرزّاق ولا وجود له في مصنّفه بل الموجود في تفسير عبد الرزاق عكس هذا، فقد ذكر فيه أنَّ أوّل الأشياء وجودًا الماء كما تقدّم. قال الحافظ السيوطي في الحاوي [ليس له ـ أي حديث جابر ـ إسناد يُعتمد عليه]. ووقال السيوطي في شرحه على الترمذي [أنّ حديث أولية النور المحمّدي لم يثبت].
وقد ذكر الشيخ عبد الله الغماري محدّث المغرب أن عزو هذا الحديث الموضوع إلى مصنّف عبد الرزّاق خطأ لأنه لا يوجد في مصنّفه، ولا جامعه ولا تفسيره. كما أنّ محدّث عصره الحافظ أحمد بن الصدّيق الغماري حكم عليه بالوضع محتجًا بأنّ هذا الحديث ركيك ومعانيه منكرة. والأمر كما قال، ولو لم يكن فيه إلا هذه العبارة “خلقه الله من نوره قبل الأشياء” لكفى ذلك ركاكة، لأنه مشكل غاية الإِشكال، لأنّه إن حُمِلَ ضمير من نوره على معنى نور مخلوق لله كان ذلك نقيض المدعى لأنه على هذا الوجه يكون ذلك النور هو الأوّل ليس نور محمّد بل نور محمّد ثاني المخلوقات، وإن حُمِلَ على إضافة الجزء للكل كان الأمر أفظعَ وأقبحَ لأنّه يكون إثبات نور هو جزء لله تعالى، فيؤدي ذلك إلى أن الله مركب والقول بالتركيب في ذات الله من أبشع الكفر لأنّ فيه نسبة الحدوث إلى الله تعالى. وبعد هذه الجملة من هذا الحديث المكذوب ركاكات بشعة يردّها الذوق السليم ولا يقبلها. ثم هناك علّة أخرى وهي الاضطراب في ألفاظه، لأن بعض الذين أوردوه في مؤلفاتهم رووه بشكل وءاخرون رووه بشكل ءاخر، فإذا نُظِرَ إلى لفظ الزرقاني ثم لفظ الصاوي لوجد فرق كبير.
فإن قيل: أليس قال الرسولُ “كنتُ أوّل النبيين في الخلق وءاخرهم في البعث”، وقال أيضًا “كنت نبيًّا وءادم بين الماء والطين”، و “كنت نبيًّا ولا ماء ولا طين”.
فالجواب:أن الحديث الأوّل ضعيف كما نقل ذلك العلماء، وفيه بقية بن الوليد وهو مدلّس، وسعيد بن بشير وهو ضعيف، ثمّ لو صحّ لم يكن فيه أنّه أوّل خلقِ الله وإنما فيه أنه أوّل الأنبياء، ومعلومٌ أن البشر أولهم ءادم الذي هو ءاخر الخلقِ باعتبار أجناس المخلوقات.وأمّا الثاني والثالث فلا أصل لهما.
فإن قيل: ولكن جاء أن ميسرة الفجر قال: يا رسولَ الله متى كنت نبيًّا، قال [كنت نبيًّا وءادم بين الروح والجسد].
فالجواب: أن هذا الحديث صحيح رواهُ أحمد في مسنده، وقال الحافظ الهيثمي بعد عزوه لأحمد وللطبراني أيضًا ما نصه “ورجاله رجال الصحيح”. ولكن معناه لا يدلّ على أوّليّته صلى الله عليه وسلم بالنسبة لجميع الخلق، وإنما يدلّ على أنّ الرسول كان مشهورًا بوصف الرسالة بين الملائكةِ في الوقتِ الذي لم يتم تكوُّنُ جسدِ ءادم بدخولِ الروح فيه. وقد أخرج أحمد والحاكم والبيهقي في الدلائل عن العِرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [إني عند الله في أمّ الكتاب لخاتمُ النبيّين، وإن ءادم لمنجدل في طينته]. قال البيهقي [قوله صلى الله عليه وسلم “إني عبد الله وخاتم النبيين وإن ءادم لمنجدل في طينته”، يريد به أنّه كان كذلك في قضاء الله وتقديره قبل أن يكون أبو البشر وأوّل الأنبياء صلوات الله عليهم]. ا.هـ.
ثم فليعلم هؤلاء القوم أنَّ الأفضلية ليست الأسبقية في الوجود بل الأفضلية بتفضيل الله، ونقول لهؤلاء القائلين بأن الرسولَ هو أول خلق الله، [ألستم تعتقدون أن إبليس خُلق قبل ءادم؟ فيقولون: بلى للنص الوارد في القرءان وهو قوله تعالى ﴿وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ فيقال لهم: وهل سَبْقُ إبليسَ ءادم عليه السلام بالخلق يقتضي أفضليته؟ فلا شك أنهم لا يقولون إن ذلك يقتضي أفضلية إبليس فيقال لهم: لماذا تتشبثون بقولكم “الرسول أولُ خلق الله” وأي طائل تحت قولكم هذا؟!]
وأخيراً نقول إن التشبث بهذا الحديث يقوّي الوهابية على الطعن في أهل السنة وتسفيههم وهم السفهاءُ، فلا خير في التمادي على قول يزيد أولئك الوهابية طعنًا في أهل السنة وتشنيعًا مما ليس له أصل عند أهل السنة، ثم التمادي على دعوى القول بأن نور محمد أول خلق الله لا يزيد الكافرين إذا سمعوا ذلك إلا نفورًا من الإسلام واستبشاعًا له، فأيُّ فائدة للتعصب لهذا الحديث؟!
والحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد صلاةً يقضي بها حاجاتنا، ويفرّج بها كُرُباتنا، ويكفيَنا بها شرَّ أعدائنا، وسلم عليه وعلى ءاله الأطهار وصحابته الأخيار سلامًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
نقول: هذا الحديث موضوع لا أصل له وهو مخالف للقرءان الكريم، وللحديث الصحيح الثابت.
أما مخالفته للقرءان قال الله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَىْءٍ حَيٍّ﴾ (سورة الأنبياء/30).وأما مخالفته للحديث فقد روى البخاري والبيهقي من حديث عمران بن حصين أنَّ أناسًا من أهل اليمن أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: جئناك يا رسول الله لنتفقه في الدين فأنبئنا عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال [كان الله ولم يكن شىء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شىء ثم خلق السموات والأرض]، فهذا نص صريح في أنَّ أول خلق الله الماء والعرش لأن أهل اليمن سألوه عن بدء العالم. فقوله عليه الصلاة والسلام [كان الله ولم يكن شىء غيره] إثبات الأزلية لله أي أنه تعالى لا ابتداء لوجوده، وقوله [وكان عرشه على الماء] معناه أنَّ هذين أولُ المخلوقات، أما الماء فعلى وجه الإطلاق وأما العرش فبالنسبة لما بعده كما أفاد ذلك قوله عليه السلام [على الماء] وذلك يدل على تأخر العرش عن هذا الأصل.وفي تفسير عبد الرزّاق عن قَتادة في شرح قوله تعالى ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء﴾ [سورة هود/7] ما نصّه [هذا بدء خلقه قبل أن يخلق السموات والأرض]. وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء﴾ [سورة هود/7] قال [قبل أن يخلق شيئًا]. وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه [قال الطيبي: هو فصل مستقل لأن القديم من لم يسبقه شىء، ولم يعارضه في الأولية، لكن أشار بقوله “وكان عرشه على الماء” إلى أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم لكونهما خلقا قبل خلق السموات والأرض ولم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء] اهـ. وروى ابن حبّان وصححه من حديث أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرّت عيني فأنبئني عن كل شىء، قال [كل شىء خلق من الماء]، وفي لفظ [أن الله تعالى خلق كل شىء من الماء].
فإن قيل: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أوّل ما خلق الله تعالى نور نبيّك يا جابر، خلقه الله من نوره قبل الأشياء”؟.
فالجواب: أنه يكفي في ردّ هذا الحديث كونه مخالف للقرءان وللأحاديث الصحيحة السابقة، وأما عزو هذا الحديث للبيهقي فغير صحيح إنما ينسب إلى مصنّف عبد الرزّاق ولا وجود له في مصنّفه بل الموجود في تفسير عبد الرزاق عكس هذا، فقد ذكر فيه أنَّ أوّل الأشياء وجودًا الماء كما تقدّم. قال الحافظ السيوطي في الحاوي [ليس له ـ أي حديث جابر ـ إسناد يُعتمد عليه]. ووقال السيوطي في شرحه على الترمذي [أنّ حديث أولية النور المحمّدي لم يثبت].
وقد ذكر الشيخ عبد الله الغماري محدّث المغرب أن عزو هذا الحديث الموضوع إلى مصنّف عبد الرزّاق خطأ لأنه لا يوجد في مصنّفه، ولا جامعه ولا تفسيره. كما أنّ محدّث عصره الحافظ أحمد بن الصدّيق الغماري حكم عليه بالوضع محتجًا بأنّ هذا الحديث ركيك ومعانيه منكرة. والأمر كما قال، ولو لم يكن فيه إلا هذه العبارة “خلقه الله من نوره قبل الأشياء” لكفى ذلك ركاكة، لأنه مشكل غاية الإِشكال، لأنّه إن حُمِلَ ضمير من نوره على معنى نور مخلوق لله كان ذلك نقيض المدعى لأنه على هذا الوجه يكون ذلك النور هو الأوّل ليس نور محمّد بل نور محمّد ثاني المخلوقات، وإن حُمِلَ على إضافة الجزء للكل كان الأمر أفظعَ وأقبحَ لأنّه يكون إثبات نور هو جزء لله تعالى، فيؤدي ذلك إلى أن الله مركب والقول بالتركيب في ذات الله من أبشع الكفر لأنّ فيه نسبة الحدوث إلى الله تعالى. وبعد هذه الجملة من هذا الحديث المكذوب ركاكات بشعة يردّها الذوق السليم ولا يقبلها. ثم هناك علّة أخرى وهي الاضطراب في ألفاظه، لأن بعض الذين أوردوه في مؤلفاتهم رووه بشكل وءاخرون رووه بشكل ءاخر، فإذا نُظِرَ إلى لفظ الزرقاني ثم لفظ الصاوي لوجد فرق كبير.
فإن قيل: أليس قال الرسولُ “كنتُ أوّل النبيين في الخلق وءاخرهم في البعث”، وقال أيضًا “كنت نبيًّا وءادم بين الماء والطين”، و “كنت نبيًّا ولا ماء ولا طين”.
فالجواب:أن الحديث الأوّل ضعيف كما نقل ذلك العلماء، وفيه بقية بن الوليد وهو مدلّس، وسعيد بن بشير وهو ضعيف، ثمّ لو صحّ لم يكن فيه أنّه أوّل خلقِ الله وإنما فيه أنه أوّل الأنبياء، ومعلومٌ أن البشر أولهم ءادم الذي هو ءاخر الخلقِ باعتبار أجناس المخلوقات.وأمّا الثاني والثالث فلا أصل لهما.
فإن قيل: ولكن جاء أن ميسرة الفجر قال: يا رسولَ الله متى كنت نبيًّا، قال [كنت نبيًّا وءادم بين الروح والجسد].
فالجواب: أن هذا الحديث صحيح رواهُ أحمد في مسنده، وقال الحافظ الهيثمي بعد عزوه لأحمد وللطبراني أيضًا ما نصه “ورجاله رجال الصحيح”. ولكن معناه لا يدلّ على أوّليّته صلى الله عليه وسلم بالنسبة لجميع الخلق، وإنما يدلّ على أنّ الرسول كان مشهورًا بوصف الرسالة بين الملائكةِ في الوقتِ الذي لم يتم تكوُّنُ جسدِ ءادم بدخولِ الروح فيه. وقد أخرج أحمد والحاكم والبيهقي في الدلائل عن العِرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [إني عند الله في أمّ الكتاب لخاتمُ النبيّين، وإن ءادم لمنجدل في طينته]. قال البيهقي [قوله صلى الله عليه وسلم “إني عبد الله وخاتم النبيين وإن ءادم لمنجدل في طينته”، يريد به أنّه كان كذلك في قضاء الله وتقديره قبل أن يكون أبو البشر وأوّل الأنبياء صلوات الله عليهم]. ا.هـ.
ثم فليعلم هؤلاء القوم أنَّ الأفضلية ليست الأسبقية في الوجود بل الأفضلية بتفضيل الله، ونقول لهؤلاء القائلين بأن الرسولَ هو أول خلق الله، [ألستم تعتقدون أن إبليس خُلق قبل ءادم؟ فيقولون: بلى للنص الوارد في القرءان وهو قوله تعالى ﴿وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ فيقال لهم: وهل سَبْقُ إبليسَ ءادم عليه السلام بالخلق يقتضي أفضليته؟ فلا شك أنهم لا يقولون إن ذلك يقتضي أفضلية إبليس فيقال لهم: لماذا تتشبثون بقولكم “الرسول أولُ خلق الله” وأي طائل تحت قولكم هذا؟!]
وأخيراً نقول إن التشبث بهذا الحديث يقوّي الوهابية على الطعن في أهل السنة وتسفيههم وهم السفهاءُ، فلا خير في التمادي على قول يزيد أولئك الوهابية طعنًا في أهل السنة وتشنيعًا مما ليس له أصل عند أهل السنة، ثم التمادي على دعوى القول بأن نور محمد أول خلق الله لا يزيد الكافرين إذا سمعوا ذلك إلا نفورًا من الإسلام واستبشاعًا له، فأيُّ فائدة للتعصب لهذا الحديث؟!
والحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد صلاةً يقضي بها حاجاتنا، ويفرّج بها كُرُباتنا، ويكفيَنا بها شرَّ أعدائنا، وسلم عليه وعلى ءاله الأطهار وصحابته الأخيار سلامًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.