الملحة في إعتقاد اهل الحق، كذا سماها ابن السبكي في طبقات الشافعية الكبرى 8/239 وذكرها الداودي في طبقات المفسرين 1/314 بأسم الملحة في تصحيح العقيدة وسماها حاجي خليفة في كشف الظنون 1817 ملحة الإعتقاد وفي موضع آخر 1158 عقيدة الشيخ عز الدين وسماها البغدادي في هدية العارفين 1 / 580 العقائد.
وسبب تصنيف الرسالة أن الملك الأشرف موسى بن الملك العادل، لما اتصل به ما عليه الشيخ عز الدين من القيام لله والعلم والدين أحبه وصار يلهج بذكره ويتعرض إلى الاجتماع به. وكان للشيخ أعداء من حشوية الحنابلة القائلين بالحرف والصوت، وكان الملك الأشرف قد صحب جماعة منهم في صغره، وكانوا يقولون له: هذا اعتقاد السلف واعتقاد الإمام أحمد بن حنبل وفضلاء أصحابه، وحاشاهم عن ذلك، وقرروا ذلك عند السلطان، فقالت له طائفة منهم: ابن عبد السلام أشعري المذهب غير معتقد للحرف والصوت، بل يخطئ من يعتقد الحرف والصوت ويسبه ويذمه ويقدح في دينه أتم القدح، ومن جملة اعتقاده أنه يقول بقول الأشعري، أن الخبز لا يشبع والماء لا يروي والنار لا تحرق. فاستهول ذلك السلطان، واستعظمه، واتهمهم ولم يصدقهم، ونسبهم إلى التعصب عليه. فكتبوا فتوى في مسألة الكلام وأحضروها إليه، وكان قد اتصل به ما ألقوه إلى الملك في ذلك، فقال إن هذه الفتيا كتبت امتحاناً لي، والله لأكتبن فيها ما هو الحق.
الملحة في إعتقاد أهل الحق
قال الشيخ الإمام سلطان العلماء المعز لدين الله عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام السلمي رحمه الله تعالى “الحمد لله ذي العزة والجلال والقدرة والكمال والإنعام والإفضال الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد, وليس بجسم مصور ولا جوهر محدود ولا مقدر ولا يشبه شيئا ولا يشبهه شىء ولا تحيط به الجهات ولا تكتنفه الأرضون ولا السماوات، كان قبل أن كون المكان ودبر الزمان وهو الآن على ما عليه كان، خلق الخلق واعمالهم وقدر ارزاقهم وآجالهم، فكل نعمة منه فهي فضل وكل نقمة منه فهي عدل {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}، استوى على العرش المجيد على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده، استواء منزها عن المماسة والإستقرار والتمكن والحلول والإنتقال، فتعالى الله الكبير المتعال عما يقول أهل الغي والضلال، بل لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون في قبضته، احاط بكل شىء علما وأحصى كل شىء عددا، مطلع على هواجس الضمائر وحركات الخواطر. حي مريد سميع بصير عليم قدير متكلم بكلام أزلي، ليس بحرف ولا صوت ولايتصور في كلامه أن ينقلب مداداً في الألواح والأوراق شكلاً ترمقه العيون والأحداق، كما زعم أهل الحشو والنفاق، بل الكتابة من أفعال العباد، ولايتصور في أفعالهم أن تكون قديمة، ويجب احترامها لدلالتها على كلامه كما يجب احترام أسمائه لدلالتها على ذاته، وحق لما دل عليه وانتسب إليه أن تعتقد عظمته وترعى حرمته، وكذلك يجب احترام الكعبة والأنبياء والعُباد والعلماء صلوات الله عليهم.
أمُـرُ على الديار ديار ليلى أُقبـِلُ ذا الجدارَ وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا
ولمثل ذلك نقبل الحجر الأسود، ويحرم على المحدث مس المصحف، أسطره وحواشيه التي لا كتابة فيها وجلده وخريطته التي هو فيها. فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ العباد، أو رسم من أشكال المداد.
واعتقاد الأشعري رحمه الله يشتمل على ما دلت عليه أسماء الله التسعة والتسعون والتي سمى بها نفسه في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واسماؤه مندرجة في أربع كلمات، هن الباقيات الصالحات:
الكلمة الأولى: قول “سبحان الله ” ومعناها في كلام العرب التنزيه والسلب وهي مشتملة على سلب العيب والنقص عن ذات الله وصفاته، فما كان من أسمائه سلبا فهو مندرج تحت هذه الكلمة، كالقدوس وهو الطاهر من كل عيب, والسلام وهو الذي سَلِم من كل آفةٍ.
وأما قوله تعالى {إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون} فلا خلاف بين أئمة العربية أنه لا بد من كلمة محذوفة يتعلق بها قوله {في كتاب مكنون}، ويجب القطع بأن ذلك المحذوف تقديره “مكتوب في كتاب مكنون”، لما ذكرناه، وما دل عليه العقل الشاهد بالوحدانية وبصحة الرسالة، وهو مَناطُ التكليف بإجماع المسلمين.
وإنما لم يستدل بالعقل على القدم وكفى به شاهداً،لأنهم لا يسمعون شهادته، مع أن الشرع قد عدَّل العقلَ وقبل شهادته، واستدل به في مواضع من كتابه الكريم، كالاستدلال بالإنشاء على الإعادة، وكقوله تعالى {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتها}، وقوله تعالى {وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض}، وقوله تعالى {أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء}.
فيا خيبة من رد شاهداً قبله الله تعالى، وأسقط دليلاً نصبه الله تعالى، فَهُم يرجعون إلى المنقول، فلذلك استدللنا بالمنقول وتركنا المعقول، كميناً إن احتجنا إليه أبرزناه، وإن لم نحتج إليه أخرناه.
وقد جاء في الحديث المشهور “من قرأ القرآن وأعربه كان له بكل حرف عشر حسنات، ومن قرأه ولم يعربه فله بكل حرف منه حسنة”، والقديم لا يكون معيباً باللحن وكاملاً بالإعراب، وقد قال تعالى {وما تجزون إلا ما كنتم تعملون}، فإذا أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بأنا نُجزى على قراءة القرآن دل على أنه من أعمالنا، وليست أعمالنا بقديمة، وإنما أتي القوم من قبل جهلهم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسان العرب وسخافة العقل وبلادة الذهن، فإن لفظ القرآن يطلق في الشرع واللسان على الوصف القديم، ويطلق على القراءة الحادثة، قال الله تعالى {إن علينا جمعه وقرآنه}، أراد بقرآنه قراءته، إذ ليس للقرآن قرآنٌ آخر، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}، أي قراءته. فالقراءة غير المقروء، والقراءة حادثة والمقروء قديم، كما انا إذا ذكرنا الله عز وجل كان الذكر حادثا والمذكور قديم، فهذه نبذة من مذهب الاشعري رحمه الله.
والكلام في مثل هذا يطول، ولولا ما وجب على العلماء من إعزاز الدين وإخمال المبتدعين، وما طَوَّلَت به الحشوية ألسنتهم في هذا الزمان، من الطعن في أعراض الوحدين، والإزراء على كلام المنزهين، لما أطلتُ النفس في مثل هذا مع إتضاحه، ولكن قد أمرنا الله بالجهاد في نصرة دينه، إلا أن سلاح العالم علمه ولسانه، كما أن سلاح الملك سيفه وسنانه، فكما لا يجوز للملوك إغماد أسلحتهم عن الملحدين والمشركين، لا يجوز للعلماء إغماد ألسنتهم عن الزائغين والمبتدعين، فمن ناضل عن الله وأظهر دين الله كان جديرا أن يحرسه الله بعينه التي لا تنام، ويعزه بعزه الذي لا يضام، ويحوطه بركنه الذي لا يرام، ويحفظه من جميع الأنام {ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض}، وما زال المنزهون والموحدون يفتون بذلك على رؤوس الأشهاد في المحافل والمشاهد، ويجهرون به في المدارس والمساجد، وبدعة الحشوية كامنة خفية لا يتمكنون من المجاهرة بها، بل يدسونها الى جهلة العوام، وقد جهروا بها في هذا الأوان، فنسأل الله تعالى أن يعجل بإخمالها كعادته، ويقضي بإذلالها على ما سبق من سنته، وعلى طريقة المنزهين والموحدين درج الخلف والسلف، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
والعجب أنهم يذمون الأشعري رحمه الله بقوله إن الخبز لا يشبع، والماء لا يروي، والنار لا تحرق، وهذا كلام أنزل الله تعالى معناه في كتابه الكريم، فإن الشبع والري والاحراق حوادث تفرد الرب سبحانه وتعالى بخلقها، فلم يَخلُقِ الخُبزُ الشبع، ولم يَخلُقِ الماءُ الري، ولم تخلق النار الاحراق، وإن كانت أسباباً في ذلك، فالخالق تعالى هو المسبب، كما قال تعالى{وما رميت إذ رميت، ولكن الله رمى}، نفى أن يكون رسوله صلى الله عليه وسلم خالقاً للرمي، وإن كان سبباً فيه، وقد قال تعالى {وأنه هو أضحك وأبكى}، {وأنه هو أمات وأحيا} فاقتطع الإضحاك والإبكاء والإماتة والإحياء عن أسبابها، وأضافها إليه، فكذلك اقتطع الأشعري رحمه الله الشبع والري والاحراق عن أسبابها وأضافها إلى خالقها؛ لقوله تعالى {الله خالق كل شيء}، ولقوله تعالى {هل من خالق غير الله}، {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعمله ولما يأتهم تأويله} {أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماً أماذا كنتم تعملون}.
الكلمة الثانية: قول “الحمد لله” وهي مشتملةٌ على إثبات ضروب الكمال لذاته وصفاته، فما كان من أسمائه متضمناً للإثبات، كالعليم والقدير والسميع والبصير، فهو مندرج تحت الكلمة الثانية. فقد نفينا بقولنا “سبحان الله” كل عيبٍ عَقَلْناه وكل نقص فَهِمناه، وأثبتنا بـ “الحمد لله” كل كمالٍ عرفناه وكل جلالٍ ادركناه، ووراء ما نفيناه وأثبتناه شأن عظيم قد غاب عنا وجهلناه، فنحققه من جهة الإجمال بقولنا: “الله أكبر” وهي الكلمة الثالثة، بمعني أنه أجلُّ مما نفيناه وأثبتناه، وذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم “لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك”، فما كان من أسمائه متضمناً لمدح فوق ما عرفناه وأدركناه، كالأعلى والمتعالي، فهو مندرج تحت قولنا “الله أكبر” فإذا كان في الوجود مَن هذا شأنه نفينا أن يكون في الوجود من يُشاكِلهُ أو يُناظِرهُ، فحققنا ذلك بقولنا “لا إله إلا الله” وهي الكلمة الرابعة، فإن الألوهية ترجع إلى استحقاق العبودية، ولا يستحق العبودية إلا من أتَّصفَ بجميع ما ذكرناه، فما كان من أسمائه متضمنا للجميع على الإجمال، كالواحد والأحد وذي الجلال والإكرام، فهو مندرج تحت قولنا ” لا إله إلا الله” وإنما استحق العبودية لما وجب له من اوصاف الجلال ونعوت الكمال الذي لا يصفه الواصفون ولا يَعُدُه العادُّون، فسبحان من عظُم شأنُه وعز سلطانه {يسأله من في السماوات والأرض} لإفتقارهم إليه، {كل يوم هو في شأن} لإقتداره عليه، له الخلق والأمر والسلطان والقهر، فالخلائق مقهورون في قبضته {والسماوات مطويات بيمينه}{يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون} فسبحان الأزلي الذات والصفات، ومحيي الأموات وجامع الرفات، العالم بما كان وما هو آت. فهذا إجمالٌ من إعتقاد الأشعري رحمه الله تعالى، وإعتقاد السلف واهل الطريقة والحقيقة، نسبته الى التفصيل الواضح كنسبة القطرة إلى البحر الطافح.
والحشوية المشبهة، الذين يشبهون الله بخلقه ضربان: أحدهما لا يتحاشى من إظهار الحشو {يحسبون أنهم على شىء ألا إنهم هم الكاذبون}، والآخر يتستر بمذهب السلف لسُحتٍ يأكله أو حطام يأخذه:
أظهروا للناس نُسكاً وعلى المنقوش داروا
{يريدون أن يَأمَنُوُكُمْ ويَأْمَنُوُا قَومَهُم}، ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه، دون التجسيم والتشبيه، وكذلك جميع المبتدعة يزعمون أنهم على مذهب السلف، فهم كما قال القائل:
وَكلٌّ يدعُون وِصالَ ليلى وليلى لا تُقِرُّ لهم بِذاكا
وكيف يُدَّعى على السلف أنهم يعتقدون التجسيم والتشبيه أو يسكتون عند ظهور البدع، ويخالفون قوله تعالى {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} وقوله جل قوله {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} وقوله تعالى ذكره {لتبين للناس ما نزل إليهم}. والعلماء ورثة الأنبياء، فيجب عليهم من البيان ما يجب على الأنبياء. وقال تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، ومن أنكر المنكرات التجسيم والتشبيه، ومن أفضل المعروف التوحيد والتنزيه، وإنما سكت السلف قبل ظهور البدع، فورب السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع، لقد تشمر السلف للبدع لما ظهرت، فقمعوها أتم القمع، وردعوا أهلها أشد الردع، فردوا على القدرية والجهمية والجبرية وغيرهم من أهل البدع، فجاهدوا في الله حق جهاده.
والجهاد ضربان: ضرب بالجدل والبيان، وضرب بالسيف والسنان، فليت شعري، فما الفرق بين مجادلة الحشوية وغيرهم من أهل البدع ! ولولا خُبثٌ في الضمائر وسوء إعتقاد في السرائر {يَسْتخفُونَ من الناس ولا يَسْتَخفُونَ من الله وهو معهم إذ يُبَيِّتُون ما لا يرضى من القول}، وإذا سُئل أحدهم عن مسألةٍ من مسائل الحشو أمر بالسكوت عن ذلك، وإذا سُئل عن غير الحشو من البدع أجاب فيه بالحق، ولولا ما انطوى عليه باطنه من التجسيم والتشبيه لأجاب في مسائل الحشو بالتوحيد والتنزيه، ولم تزل هذه الطائفة المبتدعة قد ضُرِبَت عليهم الذلة أينما ثُقِفُوا{كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين}، لا تلوح لهم فرصة إلا طاروا إليها، ولا فتنة إلا أكبوا عليها، وأحمد بن حنبل وفضلاء الحنابلة أصحابه وسائر علماء السلف بُراءٌ الى الله مما نسبوه إليهم، وإختلفوا عليهم، وكيف يظن بأحمد بن حنبل وغيره من العلماء أن يعتقدوا، أن وصف الله القديم بذاته هو عين لفظ اللافظين، ومداد الكاتبين مع أن وصف الله قديم وهذه الألفاظ والأشكال حادثة بضرورة العقل وصريح النقل وقد اخبر الله تعالى عن حدوثها في ثلاث مواضع من كتابه العزيز:
الموضع الأول: قوله تعالى {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث}، جعل الآتي محدثاً، فمن زعم أنه قديم فقد رد على الله سبحانه وتعالى، وإنما هذا المحدث دليل على القديم، كما أنا إذا كتبنا اسم الله عز وجل في ورقة لم يكن الرب القديم حل في تلك الورقة، فكذلك الوصف القديم إذا كتب في شيء لم يَحُلَّ الوصف المكتوب حيث حلت الكتابة.
الموضع الثاني: قوله تعالى {فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم}، وقول الرسول صفة للرسول، ووصف الحادث حادث يدل على الكلام القديم، فمن زعم أن قول الرسول قديم فقد رد على رب العالمين.
الموضع الثالث: قوله تعالى {فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم}.
والعجب ممن يقول: القرآن مركب من حرف وصوت، ثم يزعم أنه في المصحف، وليس في المصحف إلا حرف مجرد لا صوت معه؛ إذ ليس فيه حرف متكون من صوت، فإن الحرف اللفظي ليس هو الشكل الكتابي، ولذلك يدرك الحرف اللفظي بالآذان ولا يشاهد بالعيان، ويشاهد الشكل الكتابي بالعيان ولا يسمع بالآذان، ومن توقف في ذلك فلا يعد من العقلاء فضلا عن العلماء، فلا أكثر الله في المسلمين من أهل البدع والأهواء، والإضلال والإغواء.
ومن قال بأن الوصف القديم حال في المصحف، لزمه إذا احترق المصحف أن يقول إن وصف الله القديم احترق، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً، ومن شأن القديم أن لا يلحقه تغير ولا عدم، فإن ذلك مناف للقدم.فإن قالوا أن القرآن مكتوب في المصحف غير حال فيه، كما يقوله الأشعري رحمه الله، فلم يلعنون الأشعري، وإن قالوا بخلاف ذلك، فانظر{كيف يفترون على الله الكذب، وكفى به إثماً مبيناً}.
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً وآفته من الفهمِ السقيمَ
فسبحان من رضي عن قومٍ فأدناهم، وسخط على آخرين فأقصاهم {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}، والمخاطرة بالنفوس مشروعة في إعزاز الدين، ولذلك يجوز للبطل من المسلمين أن ينغمس في صفوف المشركين، وكذلك المخاطرة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة قواعد الدين بالحجج والبراهين مشروعة.
وعلى الجملة، فمن آثر الله على نفسه آثره الله، ومن طلب رضا اللهِ بما يُسخَطُ الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن طلب رضا الناس بما يُسخِطُ الله سَخِط الله ُ عليه وأسخط عليه الناس، وفي رضا الله كفاية عن رضا كل أحد:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وقد قال عليه الصلاة والسلام “احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك” وقال بعض الأكابر “من أراد أن ينظر منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده”. اللهم فأنصر الحق، وأظهر الصواب، وأبرم لهذه الأمة أمراً رشدا، يَعِزُ فيه وليك، ويَذِلُ فيه عدوك، ويُعملُ فيه بطاعتك، وينهى فيه عن معصيتك.
والحمد لله الذي اليه استنادي وعليه اعتمادي، وهو حسبي ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين آمين.”