خضعت بلغاريا للحكم العثماني من عام 1393 وحتى عام 1877. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأ الروس بتحريض البلغار ومدّهم بالعون والمدد ضد تركيا والكنيسة اليونانية، ممّا أيقظ الحقد في قلوبهم.
وكانت حكومة الجبل الأسود قد أصدرت قانونًا في عام 1484 يعاقب كل من يفر من ساحة القتال مع الأتراك بالاحتقار والنبذ وإلباسه ثوب امرأة وإعطائه مغزلًا يشتغل به مع النساء. وفي عام 1875، حصل تمرّد في البوسنة والهرسك وذُبِحَ المسلمون في بعض القرى، إلا أن الجنود العثمانيين تمكنوا من ردع التمرّد.
ومع انتهاء الحرب العثمانية الروسية (1877-1878) بانتصار الروس، طمعت كل دولة في المنطقة في بسط نفوذها واسترجاع مجدها القديم على أراضي الدولة العثمانية.
وبعد مؤتمر برلين، الذي عدّل معاهدة “سان استفاني” التي أعطت للبلغار والجبل الأسود ولم تُعطي للصّرب، خرجت بلغاريا بمطامع كبيرة، وتولّدت ضغائن وأحقاد بين الصرب واليونانيين والبلغاريين في ولايات “مقدونيا”، مقتنعين بأن مطامعهم مبنية على حقوق تاريخية.
كما طمع الصرب في استرجاع البلدان التي كانت تحت ملكهم أيام إمبراطورهم “دوشان” المتوفي عام 1346. فقد سيطر اﻷتراك على أراضي الصرب في أثناء توجههم نحو شبه جزيرة البلقان لفتحها ونشر اﻹسلام في أراضيها.
أما روسيا فكانت تطمع بضم صقالبة النمسا وصقالبة البلقان إلى صقالبة روسيا، وتريد أن تكون إسطنبول عاصمة الاتحاد الصقالبي، فكان إضعاف الدولة العثمانية ضمن مصالحها. تركت روسيا “بلغاريا” تخترق
المعاهدة وتأخذ “الرومللي الشرقية”، و”النمسا” ضمت إلى أراضيها “البوسنة و الهرسك”. وسعت روسيا والنمسا بعد ذلك لمنع الحرب، ونصحت حكومات البلقان بالعدول عن الحرب.
قال المؤرخ “شوبلبيه” إن الدول لم ترغب في أن تفنى تركيا بصدمة واحدة، ولكنها لم تعارض تقسيمها شيئا فشيئا، وكان غرضها تأخير سقوطها ﻻ أن تنقذها. ولذلك فرح الروس عند انتصار البلقانيين.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
كان لغفلة كبار الدولة العثمانية وتنازعهم المتواصل على السلطة دور رئيسي في طمع الخصم بها، فلو لم ينقسم السياسيون العثمانيون لما انتبهت دول البلقان إلى ضعفهم، عبر جواسيس صرب وبلغار ويونان يملؤون “اﻷستانة”. وفوق كل ذلك، زادت الحرب الطرابلسية الدولة ضعفا.
بدأت حكومات البلقان بالدفع لتعبئة الجيوش بهدف “كشف الظلم عن المقدونيين المسيحيين،” كما شكوا من إهمال المادة 23 من معاهدة برلين، التي تقضي بتنفيذ نظام أساسي في كل ولاية عثمانية بأوروبا بتكليف لجان من أبناء البلاد.
معاهدة برلين
احتوت المعاهدة 64 مادة، ووضعت الدولة العثمانية تحت وصاية أوروبا، وأجازت تصدي الدول العظمى للشؤون العثمانية، كما تشهد المادة 23،ثم قررت منح البلقان استقلالا كاملا، وألزمت الدولة العثمانية بالاعتراف باستقلال الجبل اﻷسود.
تنازعت دول البلقان فيما بينها بعد المعاهدة وانتهاكها من قبل النمسا وبلغاريا، وطمعت دول البلقان باﻷراضي العثمانية وتنازعت عليها، حتى اصطبغت هضاب مقدونيا بدماء البلغاريين والصربيين واليونانيين والرومانيين المتنازعين فيما بينهم.
تحالف البلقان
لم يكن يدور في خلد أحد أن العصابات اليونانية التي قامت بحرق القرى البلغارية والتمثيل بأهلها، والعصابات البلغارية التي أقدمت على قتل أي يوناني تجده شرّ قتلة، يمكنهم أن يتحالفوا.
أخذت العصابات المختلفة تُسلّم أسلحتها إلى ولاة اﻷمور، ابتهاجا بالدستور العثماني الذي صدر في شهر أيلول/ سبتمبر 1912،ومن بعده نشبت الحرب الطرابلسية بين العثمانيين واﻹيطاليين. وثبت لساسة البلقان وجود خلل في عاصمة الدولة العثمانية أعاد إليها الفوضى، فتناست الدول البلقانية عداوتها لتتحالف على “العدو العام” كما ذكرت جرائدها.
في 13 آذار/ مارس 1912، وقعت معاهدة هجومية دفاعية بين حكومتي “بلغراد” و”صوفيا”. وقال المعتمد الصربي: “إن الغاية من الحرب إنقاذ إخواننا البلقانيين ومحو السلطة العثمانية.” و أشار إلى أن “جنودنا ستقاتل قتال اﻷسود والبغضاء تغلي في قلوبها وحب الانتقام يملأ صدورها، و الضمان الوحيد الذي تعيش به الدول اليوم هو اتفاق فرنسا وإنجلترا مع روسيا على العمل يدًا واحدة في مسائل البلقان بعد إسكات المدفع و غمد السيف.”
انضمت اليونان للصرب والبلغار وتحالفت ضد “العدو العام”. سرت ريح هذا النبأ إلى الصحافة، ولم تقم الحكومة العثمانية بكل ما وجب عليها من التأهب تلافيا للهزيمة.
وفي خضم ذلك، اقترحت النمسا على الحكومة العثمانية أن تتبع طريقة الاستقلال اﻹداري المحلي. كانت دول التحالف ترى طمع النمسا بجعل “ألبانيا” مستعمرة نمساوية بادعائها حماية الكاثوليك الألبانيين.
أخذت حكومة الصرب تفاوض الجبل اﻷسود، وتتفق معها على الشؤون السياسية والاقتصادية ثم تحالفت معها عسكريًا قبل نشوب الحرب بمدة قصيرة.
روى “المسيو وجنر” أن رئيس وزراء بلغاريا “المسيو جيشوف” عقد في فيينا اجتماعا مع معتمدي دولته السياسيين في باريس، وفيينا، وروما، وبرلين، وشاورهم في أمر الحرب.
كان رأي معتمدي فيينا وبرلين “أن الوقت غير مناسب لحل العقدة بحد السيف”، ولم يعجب معتمد باريس ذلك، أما معتمد روما فقد طلب أن لا تضيع فرصة الحرب الطرابلسية كما ضاعت فرصة 1908-1909.
لم يكن المسيو جيشوف ميالا لمعاداة الدولة العثمانية، على الرغم من طمعه بها وحقده عليها. ويذكر المؤلف “وجنر” أن ولاة اﻷمور العثمانيين قبضوا عليه بمدينة “فليبولي” في شهر أيلول 1877، وزجّوه في السجن لنشره سلسلة مقالات في جريدة التايمز طعن فيها على الحكومة العثمانية وحوكم باﻹعدام، وما لبث أن نجا بأعجوبة من المشنقة، وبعد ذلك الحادث بـ35 عامًا صار رئيسًا لمجلس النظام البلغاري، فبعد أن كان يميل لمجاملة الدولة العثمانية، تسيّد حربًا عليها.
وفي 5 تشرين الأول/ أكتوبر 1912، وقف ملك بلغاريا في مجلس النواب عاري الرأس، وهتف له الحضور هتافا طويلا، وطلب الموافقة على مبلغ 50 مليون فرنك لنفقات عسكرية استثنائية. لزمت رومانيا الحياد، ولم تنوي النمسا التدخل.