اشتهرت مقولة نابليون بونابرت المدونة على صفحات التاريخ: “لقد أنستني عكا عظمتي، لو سقطت عكا لغيرت وجه العالم، فقد كان حظ الشرق محصورا في هذه المدينة الصغيرة… لو لم أقف أمام عكا لاستوليت على الشرق بكامله”.
فكيف تمكنت الحملة العثمانية في عكا من تحطيم حملة نابليون على أسوار عكا؟
خرج نابليون من القاهرة في 20 شباط/ فبراير 1799، وهو يقود حملة من 13 ألف جندي، متوجها إلى الشام، وعند وصوله إلى العريش، احتل قلعتها التي كانت تحت إمرة أحمد باشا الجزار وهزم الجيش العثماني.
ثم دخل غزة، واحتل في طريقه خان يونس، ومنها إلى الرملة، حتى وصل إلى يافا في 7 آذار/ مارس 1799 وارتكب فيها أبشع الجرائم.
مذبحة يافا
في بداية الأمر، قاومت يافا فحاصرها نابليون ودخلها عنوة، فآثر أهلها التسليم وإلقاء السلاح بشرط ضمان أرواحهم ومعاملتهم كأسرى حرب.
فأعطاهم نابليون اﻷمان خديعة منه ليتمكن من قتل حاميتها، وبعد دخوله يافا، أمر بقتل الحامية والتي تبلغ 4 آلاف، حيث سيق الأسرى إلى البحر وتم إعدامهم رميا بالرصاص، وبرر نابليون قتلهم أنه عاجز عن إطعامهم وحراستهم، ولخوفه من انضمامهم لقوات عكا.
وعقب قتلهم انتشر بالمدينة مرض الطاعون من كثرة عدد الجثث.
عكا.. مفتاح بلاد الشام
بعد احتلال يافا، تابع نابليون تقدمه باتجاه عكا لاحتلالها، وكان السلطان العثماني سليم الثالث قد أوكل مهمة الدفاع عن عكا إلى القائد أحمد باشا الجزار.
وكان جيش نابليون يواجه صعوبات كالأمراض والتعب وقلة المؤن والعتاد، فأتاهم دعم فرنسي عبر البحر من مصر بقيادة كليبر، الذي احتل في طريقه حيفا في 17 مارس 1799، التي لم تقابل مقاومة تذكر، نظرا لنقل حاميتها ومدافعها إلى عكا.
وبعد ذلك انضم كليبر بجيشه المكون من 12 ألف جندي، إلى نابليون وقواته لتتشكل قوة مشتركة ويتجهوا إلى عكا ويخضعوا واليها الجزار.
تمثل عكا موقعا استراتيجيا هاما، نظرا لموقعها المطل على البحر على الطريق بين سوريا ومصر.وصل الجيش الفرنسي في 19 مارس لمشارف عكا، وفرض الحصار حول المدينة وباشر بضربها بالمدفعية، وتركزت قواته على هضبة إلى الشرق من عكا تدعى بتل الفخار (عرفت فيما بعد بتل نابليون).
اهتم أحمد باشا الجزار 1775 – 1804، بتحصين عكا وبناء أسوار ضخمة حولها في وقت سابق،وبناء مرابض للمدفعية وتشييد خندق حول الأسوار بعمق 8 أمتار، فكان للجزار الفضل الأكبر في صد وردع القوات الفرنسية.
وذكرت المصادر التاريخية أن عدد المدافع على أسوار عكا بلغت 250 مدفعا أثناء الحصار الفرنسي، واهتم الجزار بجمع كميات كبيرة من الغذاء والقمح والأرز والمؤن، باﻹضافة إلى توفير كميات كافية من المياه، وذلك من أجل الاستعداد للحصار قبل وصول الفرنسيين إلى عكا.
في 23 مارس، طوق نابليون عكا من كافة الجهات البرية وحاصرها، وقصفها بالمدفعية قصفا مكثفا، وفشل في اختراق أسوار عكا المنيعة. وكان لبطولة الجزار المستميتة، أثر كبير على الحامية وسكان المدينة في التصدي للقوات الفرنسية.
وعندما لم تنجح محاولات نابليون باختراق أسوار عكا، أصدر أوامره باستمرار الحصار والحيلولة دون وصول أي مساعدة للجزار. ونجح نابليون خلال الحصار، بإلحاق هزيمة بقوات عثمانية قادمة من دمشق لمساعدة الجزار، بمعركة قرب طبريا، واحتل نابليون طبريا والناصرة وصفد.
وخلال فترة الحصار، سيطر الفرنسيون على منطقة الجليل الغربي، والتي امتدت من حيفا جنوبا وحتى مدينة صور شمالا، ومن البحر حتى شفا عمرو شرقا، وبعد معركة جبل تابور في 16 نيسان/ أبريل 1799، سيطر الفرنسيون على بقية مناطق الجليل ومرج ابن عامر.
خلال الحصار، استغل نابليون دير الرهبان الكرمليين على جبل الكرمل، واستعمله كمستشفى لمداواة ومعالجة الجرحى والمرضى الفرنسيين، وتم تحويل قلعة سرايا ظاهر العمر في شفا عمرو إلى مستشفى عسكري لمعالجة المرضى والجرحى المحاصرين لعكا.
وبعدما فشل نابليون وجيشه باختراق أسوار عكا المنيعة، ومرور 62 يوما حول عكا، من 18 مارس إلى 21 مايو، وتفشي الأمراض والطاعون بين الجنود الفرنسيين، وقلة العتاد والمؤن والخسائر البشرية و المادية التي تكبدها الجيش الفرنسي على أسوار عكا، قرر نابليون الانسحاب.
في 20 أيار انسحبت قوات نابليون، وفك الحصار عن عكا وأمر جنوده برمي ما بقي معهم من قذائف على المدينة وأبنيتها، لا سيما قصر الجزار وما حوله، ملحقا دمارا كبيرا في أبنية المدينة.
وبعد أن فك الجنود الفرنسيون مقر قيادتهم ومعسكرهم من تل الفخار، عادوا إلى مصر دون أن يشعر بذلك المدافعون عن عكا، وألقى الفرنسيون مدافعهم الثقيلة وعتادهم وأسلحتهم في البحر، تاركين عكا وعلامات الفشل واﻹرهاق والخسارة تلاحقهم.
ومن عكا تلاشت وتحطمت أحلام نابليون باحتلال إسطنبول والقضاء على الدولة العثمانية.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website