أرسل الله تبارك وتعالى نبيه نوحًا عليه السلام لقومه الكافرين الذين كانوا يعبدون الأصنام مبشراً ونذيراً يدعوهم لدين الإسلام وعبادة الله تعالى وحده ونبذ عبادة الأصنام، ولبث فيهم عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ليردهم عن غيهم وضلالهم، ولكنهم تكبروا عن اتباع الحق وأصروا على كفرهم وباطلهم.
لقد صبر نوح عليه السلام على قومه بعد أن لقي منهم مختلف أنواع الأذى، ومع ذلك ظل يدعوهم مدة طويلة إلى الإسلام ثم أوحى الله تعالى إليه أنه سيرسل طوفاناً كبيراً يعم الأرض، وأمره أن يصنع سفينة كبيرة أمام منزله ليركب فيها ومن ءامن معه من قومه ويغرق الكافرين الذين كذبوه. وصار نوح عليه السلام يصنع السفينة كما أمره الله عزَّ وجلَّ وكان كلما مر عليه ملأ من قومه الكافرين سخروا منه واستهزءوا به كيف يصنع سفينة على أرض يابسة ليس عليها ماء.
ولما جاء موعد الطوفان الكبير، أمر نبي الله نوح عليه السلام قومه المؤمنين أن يركبوا معه في السفينة كما قال الله تعالى عز وجل (وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (سورة هود/اية 41). فلما ركب نوح عليه السلام السفينة هو ومن ءامن معه فتح الله عز وجل أبواب السماء بماء منهمر كثير فصارت السماء تمطر بغزارة، وفجر الله تعالى عيون الأرض فالتقى ماء السماء وماء الأرض وكان الطوفان الكبير الذي غطى أرجاء المعمورة، قال الله عز وجل (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ) (سورة القمر/ءاية 11-14)
ورأى نوح عليه السلام ابنه “كنعان” وكان كافرًا عنيدًا كذب والدهُ ولم يؤمن بما جاء به من عند الله تعالى، وكان يقف متنحيا، فأشفق نوح على ابنه “كنعان” فدعاه أن يؤمن ويركب معه في السفينة مع من ءامن فلا يغرق مثل ما يغرق الكافرون، ولكنه أبى وأصر على كفره واعتقد لجهله أن الطوفان لا يصل إلى رؤوس الجبال. فقال ردا على أبيه نوح وفي كبر وغرور (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء) (سورة هود/ءاية 43) فقال له أبوه نوح عليه السلام ما أخبر الله عز وجل عنه (قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ) ( سورة هود/ءاية 43)
ثم كان من الأمر كما قال تعالى (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (سورة هود/ءاية 43) حيث أنهى الموج الهائج حوار الأب مع ابنه فنظر نوح عليه السلام فلم يجد ابنه ووجد الأمواج الهائلة كالجبال الشاهقة، فغرق كنعان مع من غرق من الكافرين بذلك خسر الدنيا والآخرة ولم تنفعه درجة قرابته من أبيه مع كفره وتكبره عن الإيمان واتباع الحق الذي جاء به أبوه نوح عليه السلام، فليس للنسب هنا اعتبار فكل إنسان مجزي بعمله كما قال الله عز وجل (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) أي مرهونة بعملها إن كانت خيرا فخير وإن كانت شرا فعذاب شديد، يقول الله تبارك وتعالى (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى) (سورة النجم/ءاية 39-41) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال “من أبطأ به عمله لم يُسرع به نسبه” رواه أبو داود (سنن أبي داود: كتاب العلم :باب الحث على طلب العلم).
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website