الحكومة العثمانية نقلت أثناء الحرب العالمية الأولى جزءاً من الأرمن من أماكن وجودهم إلى أماكن آمنة داخل حدود الدولة وأسكنتهم هناك، كإجراء وقائي تتطلبه الضرورة الحربية لتأمين سلامة القوات العثمانية وهي تخوض حرب البقاء ضد القوات الروسية. ويعرف هذا النقل بــ”تهجير الأرمن” مع أنه يذكر في الوثائق العثمانية بــ”النقل” و”الإسكان”.
الأعمال الإرهابية التي قامت بها العصابات الأرمنية لم تكن بسبب قرار التهجير، بل جاء قرار التهجير كضرورة بسبب خيانة الأرمن وإرهابهم، ولم يرحَّل الأرمن بسبب احتمال وقوع التمرد والعصيان، بل رُحِّلوا بسبب العصيان والخيانة الواقعة.
الإرهاب الأرمني بدأ قبل قرار التهجير بكثير، وبالتحديد حين رأى قادتهم فرصة لاستغلال ضعف الدولة العثمانية واقتطاع جزء من أراضيها لإقامة دولتهم بمساندة الدول الأجنبية. وكانت محاولة اغتيال السلطان عبد الحميد الثاني -رحمه الله- من أبرز أعمالهم الإرهابية الكثيرة التي قاموا بها لتحقيق أهدافهم.
القضية الأرمنية ظهرت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909)، ورغم الضغوط الخارجية المتزايدة على السلطان وتدهور حالة “الرجل المريض”، لم تتحقق أهداف الأرمن في عهده لسياسته الصارمة. ويذكر عن السلطان في المشكلة الأرمنية قوله: “أفضل الموت ولا أطبق المادة الحادية والستين من معاهدة برلين التي تعطي الأرمن حكماً ذاتياً في شرقي الأناضول.”
ولهذا، كانت المنظمات الأرمنية الإرهابية ترى السلطان عبد الحميد الثاني عدواً رئيسياً للأرمن وعائقاً كبيراً أمام تحقيق آمالهم، وقررت في مؤتمر جمعية طاشناك في صوفيا سنة 1904 اغتيال السلطان مع قيام مزيد من الأعمال الإرهابية في إسطنبول وإزمير.
ورغم وصول خبر استعداد الإرهابيين الأرمن لاغتيال السلطان إلى إسطنبول من عدة طرق وتطرق الصحف الأرمنية إليه، لم يكن لدى السلطات العثمانية علم بزمن محاولة الاغتيال ومكانها.
شرع الإرهابيون الأرمن في تخطيطهم وتشكل فريق الاغتيال من كل من كريستوفر ميكائيليان وبنته روبينا فاين وقنسطنطين كابوليان وهؤلاء الثلاثة من أرمن روسيا وانضم إليهم أدوارد جوريس من بلجيكا. وهذا الأخير لم يكن من الأرمن ولكنه كان فوضوياً تأثر بأفكار هؤلاء الأرمن الفوضويين واقتنع بضرورة قتل السلطان.
تحرك الفريق أولا لمراقبة حركات السلطان عبد الحميد الثاني لتحديد أنسب وقت وطريقة للاغتيال وقرروا اغتيال السلطان في ساحة جامع يلديز بعد خروجه من صلاة الجمعة بتفجير قنبلة عند مرور موكبه. وبعد مراقبة السلطان عدة أسابيع رأوا أن وصوله من باب الجامع إلى موكبه يستغرق دقيقة واثنتين وأربعين ثانية ورأوا أن أنسب طريقة للاغتيال وضع عربة على طريق موكب السلطان فيها قنبلة موقوتة تنفجر حين مرور الموكب من جانبها وهكذا يقضون عليه.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
جاء الإرهابيون الأرمن إلى ساحة جامع يلديز 21 يوليو / تموز 1905 يوم الجمعة بالعربة التي وضعوا فيها القنبلة الموقوتة لتنفيذ خطتهم الشنيعة، ولكن حدث شيء لم يكن في حسبانهم، وأراد الله أن لا يموت سلطان العثمانيين وخليفة المسلمين على أيديهم، ووقف السلطان عبد الحميد الثاني عند باب الجامع ليتحدث مع شيخ الإسلام جمال الدين أفندي عدة دقائق، وبينما هما يتحدثان انفجرت القنبلة الموقوتة واضطرب الناس وخافوا على حياة السلطان وناداهم السلطان عبد الحميد الثاني بصوت عال ليطمئنهم وهكذا خابت آمال الإرهابيين الأرمن ومن يساندهم من أعداء السلطان العثماني وذهبت جهودهم أدراج الرياح.
وسقط في الحادث 26 قتيلا و 56 جريحا وقبضت السلطات العثمانية على أدوارد جوريس وبعض المتورطين في محاولة الإغتيال ولكن البعض الآخر منهم لاذوا بالفرار إلى خارج البلاد. وكشف التحقيق مع أدوارد حوريس النقاب عن الحادث وحكم عليه بالإعدام ولكن السلطان عفا عنه وأحسن إليه واستخدمه في خدمة الدولة العثمانية.
الأرمن يحيون في 24 أبريل / نيسان من كل عام ذكرى “إبادة الأرمن”. ولكن، يا ترى، ماذا حدث في 24 أبريل / نيسان 1915؟ هل وقعت فيه مجزرة كبيرة أم اتخذ فيه قرار تهجير الأرمن؟
وزارة الداخلية العثمانية أصدرت في 24 أبريل / نيسان 1915 تعميماً لإغلاق مراكز الجمعيات الأرمنية ومصادرة أوراقها واعتقال زعماءها، وعلى هذا التعميم اعتقل في إسطنبول 235 أرمنياً وهذا هو اليوم الذي يقوم الأرمن فيه بأنشطة لذكرى “إبادة الأرمن”.
ومن الملاحظ أن اليوم الذي اختاره الأرمن لذكرى الإبادة المزعومة ليس إلا يوم اعتقل فيه عدد من رؤساء الإرهاب الأرمني ولا علاقة لذاك اليوم بعملية التهجير، لأن قرار تهجير الأرمن اتخذ في 27 مايو / أيار 1915.