عندما تُفكر في دولة السنغال، لا شك أن أول ما قد يخطر ببالك هو المشاهير من الرياضيين المُسلمين هناك، أمثال اللاعب المُسلم المحب لأعمال الخير ساديو ماني، ولكن هل خطر ببالك أن تتساءل كيف دخل الإسلام إلى السنغال، وكم عدد المُسلمين هناك؟
دخول الإسلام إلى السنغال
يعتبر الدين الإسلامي هو دين الأغلبية في السنغال، ويقدر أنّ نحو 94% من سكّان هذا البلد الواقع غربي القارة الإفريقية من المسلمين.
ووفقاً لما ذكره موقع Muslim Population فإنّ مُعظم المسلمين في السنغال هم أعضاء في إحدى الطرق الصوفيّة (مثل: التيجانية، والقادرية، والمريدية، واللايينية)، أمّا تاريخ دخول الإسلام إلى السنغال فيعود إلى قبل نحو ألف عام، من خلال ممالك التكرور “Toucouleur.
ومملكة التكرور هي عبارة عن شعوب كبيرة من عِرقيات السيريريين والولوف والفولاني، وهي أقدم المجموعات العرقيّة التي قطنت في السنغال.
وامتدت مناطق سيطرتها من غرب السودان حتى سواحل المُحيط الأطلسي بمساحة شاسعة تزيد عن مساحة بلاد الشام والجزيرة العربية معاً.
وقد ضمت مملكة التكرور الدول المعروفة حالياً باسم السنغال وموريتانيا ومالي ونيجيريا والنيجر وتشاد وصولاً إلى حدود دارفور في السودان.
وعلى الرغم من قوّة هذه المملكة آنذاك، فقد دخل الإسلام إليها طواعية من دون أي قتال، فوفقاً لما ذكره موقع Ilm Feed البريطاني المتخصص في التاريخ الإسلامي، فقد بدأ الناس في السنغال في التحول لأول مرة للدين الإسلامي في عام 850 تقريباً من خلال التفاعل مع التجار المسلمين القادمين من شمال إفريقيا وتحديداً من برقة بليبيا، والقيروان بتونس، وتلمسان بالجزائر، ومن طريق لمتونة بالمغرب.
ولكن اعتناق الإسلام كان خجولاً بعض الشيء حتى عام 1030، عندما أعلن ملك التكرور “وارديابي” اعتناقه للدين الإسلامي وإدخاله للشريعة الإسلامية إلى قوانين البلاد، وهو ما دفع الطبقة الأرستقراطية ورجال المملكة والعلماء إلى الإسلام معه.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وقد قال العالم المغربي الإدريسي عن مملكة التكرور: “إنهم مملكة تجارتها مربحة، وشعبها شهم، وإنهم جزء من نطاق منطقة التكروري، وحاكمها هو سلطان قوي وحازم وصبور ومشهور بعدالته، كما أنّ بلده آمن وهادئ”.
دخول الطرق الصوفية إلى السنغال وترسيخها اللغة العربية
بعد دخول عدد كبير من سكان مملكة التكرور في الدين الإسلامي بدأت دعوات الطرق الصوفيّة وعُهَد الشيوخ تجتاح البلاد من خلال المرابطين القادمين من المغرب، وكان لهم الفضل في دخول ما تبقى من الوثنيين إلى الدين الإسلامي، وبدأوا باتباع تلك الطرق التي كانت موجودة في ذلك الوقت لا سيما القادرية والتيجانية والشاذلية.
وبما أنّ الشيوخ والدعاة الأوائل كانوا يهتمون جداً باللغة العربية والنثر والشعر، فقد جعلوا من اللغة العربية لغة البلاد الرسميّة، حتى بعد دخول الاحتلال الفرنسي إليها الذي فرض اللغة الفرنسية على السكان بالقوة.
الاحتلال الفرنسي للسنغال
في منتصف القرن الخامس عشر، نزل البرتغاليون على ساحل السنغال، وتلاهم تجار يمثلون بلداناً أخرى، بمن فيهم الفرنسيون والهولنديون والبريطانيون الذين تنافسوا على التجارة في المنطقة.
وفي عام 1659، أسست فرنسا مركزاً تجارياً فيما يُعرف اليوم بسانت لويس وكان تحت إدارة شركة الهند الغربية الفرنسية (عُرفت لاحقاً باسم شركة السنغال).
وفي العام 1677، استحوذت فرنسا على ما أصبح نقطةَ انطلاق صغيرة في تجارة الرقيق، وهي جزيرة جوريه بجوار العاصمة السنغالية الحديثة داكار، والتي استُخدمت قاعدة لشراء العبيد من الممالك المتحاربة في البر الرئيسي.
وخلال حرب السبع سنوات من 1754 حتى 1763 بين فرنسا وبريطانيا، خسرت فرنسا ملكية السنغال، ومن ثمّ عادت إليها عام 1783 بعد انتصار فرنسا في الحرب الثورية الأمريكية.
وأثناء الحروب النابليونيّة، استولت بريطانيا العظمى على الممتلكات الفرنسية في السنغال في عام 1807 قبل أن تعلن إلغاء تجارة العبيد فيما عُرف “بقانون تجارة العبيد لعام 1807”.
وفي عام 1816، أعادت بريطانيا لفرنسا ممتلكاتها في السنغال، التي بدأت بفرض سيطرتها المُطلقة على نهر السنغال والمناطق الداخلية في البلاد، وبحلول عام 1895، أصبحت السنغال كاملةً جزءاً من مستعمرة غرب إفريقيا الفرنسي وكانت عاصمتها سانت لويس قبل أن تُنقل إلى دكار عام 1902.
دور الصوفية في إنهاء الاحتلال الفرنسي
عندما بدأ الفرنسيون بالاحتلال الكامل للسنغال في القرن الـ18، اتخذ المسلمون هناك رد فعل لمقاومتهم من خلال الانضمام إلى الجماعات والطرق الصوفية التي بدأت في الاتحاد لمقاومة الاحتلال الفرنسي.
ومن بين تلك الطرق كانت طريقة التيجانية لقائدها الحاج عمر الفوتي الذي قاتل الفرنسيين واختفى في ظروف غامضة في منحدرات بَنْجَغارة بمالي في فبراير/شباط 1862.
وفي العام 1972 ظهر على الساحة الشيخ أحمدو بمبا الذي أسس طريقة جديدة للصوفية، وهي الطريقة المريدية، فكان لدعوته أثر كبير لدى مسلمي السنغال واستطاع خلال فترة قصيرة كسب الكثير من الأتباع لقتال الاحتلال الفرنسي.
كما أسس مدينة جديدة في السنغال جعلها نواة مجتمع مسلم نموذجي وسماها “طوبى”، إلا أنّ السلطات الفرنسية نفته نحو الجابون ثم موريتانيا، قبل أن تضعه تحت الإقامة الجبرية حتى توفي في 1927.
وبعد وفاته أسس المُريدون ضريحاً لشيخهم بامبو في مدينة طوبى، وباتت بمثابة مزار يأتي إليه الملايين سنوياً لتخليد ذكرى نفيه من قِبل الفرنسيين.
في حين بقيت السنغال تحت سيطرة الاحتلال الفرنسي حتى نالت استقلالها في 20 يونيو/حزيران 1960، وذلك بعد نحو عام من اتحادها مع السودان الفرنسي تحت اسم “اتحاد مالي”.
ولكن هذا الاتحاد لم يدُم بعد الاستقلال سوى شهرين فقط عندما انفصلا لأسبابٍ سياسية، قبل أن تعلن السنغال انضمامها رسمياً إلى الأمم المتحدة في 28 سبتمبر/أيلول 1960.