قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا}
اعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتبركون بآثار النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته ولا زال المسلمون بعدهم إلى يومنا هذا على ذلك وجواز هذا الأمر يعرف من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه صلى الله عليه وسلم قسم شعره حين حلق في حجة الوداع. فقد روى البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قسم شعره بين أصحابه أي ليتبركوا به لا ليأكلوه لأن الشعر لا يؤكل، وليستشفعوا إلى الله بما هو منه ويتقربوا بذلك إليه، قسم بينهم ليكون بركة باقية بينهم وتذكرة لهم. وكان أحدهم أخذ شعرة والآخر أخذ شعرتين وما قسمه إلا ليتبركوا به فكانوا يتبركون به في حياته وبعد مماته، حتى إنهم كانوا يغمسونه في الماء فيسقون هذا الماء بعض المرضى تبركا بأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى الحافظ البيهقي في دلائل النبوة والحاكم في مستدركه وغيرهماأن خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك، فقال: اطلبوها، فلم يجدوها، ثم طلبوها فوجدوها، فقال خالد: اعتمر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فحلق رأسه، وابتدر الناس جوانب شعره، فسبقتهم إلى ناصيته، فجعلتها في هذه القلنسوة، فلم أشهد قتالا وهي معي، إلا رزقت النصر. أي ببركة شعر النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ البوصيري رواه أبو يعلى بسند صحيح وقال الحافظ الهيثمي: رواه الطبراني وأبو يعلى بنحوه ورجالهما رجال الصحيح، ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء، ورواه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية.
وروى مسلم عن عبد الله، مولى أسماء بنت أبي بكر قال: أخرجت إلينا جبة طيالسة كسروانية. لها لبنة ديباج. وفرجيها مكفوفين بالديباج. فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت. فلما قبضت قبضتها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها. والطيالسة جمع طيلسان، بفتح اللام على المشهور كسروانية بكسر الكاف وفتحها. والسين ساكنة والراء مفتوحة. وهو نسبة إلى كسرى صاحب العراق ملك الفرس. لبنة بكسر اللام وإسكان الباء وهي رقعة في جيب القميص، وفرجيها مكفوفين كذا وقع في جميع النسخ: وفرجيها مكفوفين. ومعنى المكفوف أنه جعل لها كفة، بضم الكاف، وهي ما يكف به جوانبها ويعطف عليها. ويكون ذلك في الذيل وفي الفرجين وفي الكمين.
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك. قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها. وليست فيه. قال: فجاء ذات يوم فنام على فراشها. فأتيت فقيل لها: هذا النبي صلى الله عليه وسلم نام في بيتك، على فراشك. قال فجاءت وقد عرق، واستنقع عرقه على قطعة أديم، على الفراش. ففتحت عتيدتها فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها. ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تصنعين؟ يا أم سليم! فقالت: يا رسول الله! نرجو بركته لصبياننا. قال: أصبت. (استنقع أي اجتمع. عتيدتها أي كالصندوق الصغير تجعل المرأة فيه ما يعز من متاعها. ففزع أي استيقظ من نومه)
وعن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يوما، فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر، فأخذ برقبته. وقال: أتدري ما تصنع؟ قال: نعم. فأقبل عليه، فإذا هو: أبو أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه-فقال: جئت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-، ولم آت الحجر سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول (لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله). رواه أحمد والطبراني وغيرهما وصححه الحاكم ووافقه الذهبي
وروى البخاري وغيره أن عتبان بن مالك، كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إنها تكون الظلمة والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين تحب أن أصلي، وفي رواية للبخاري: فقال (أين تحب أن أصلي لك من بيتك). فأشار إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في الفتح: وقد تقدم حديث عتبان وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته ليتخذه مصلى وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين.اهـ
وذكر الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتحرى الصلاة في الأماكن التي كان يصلي فيها رسول الله . قال الحافظ الزبيدي في الإتحاف: وإنما كان ابن عمر يصلي في هذه المواضع للتبرك.
وأخرج البخاري عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الْوَضُوءَ فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ.
وروى البخاري وغيره عن جابر بن عبد الله أنه قال: جاءني النبي يعودني وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ وصب من وضوئه علي فعقلت. وفي صحيح البخاري عن أبي جحيفة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، فأتي بوضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، وبين يديه عنزة. وقال أبو موسى: دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه، ثم قال لهما: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما، وفي رواية مسلم: ثم قال “اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما. وأبشرا ” فأخذا القدح. ففعلا ما أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنادتهما أم سلمة من وراء الستر: أفضلا لأمكما مما في إنائكما. فأفضلا لها منه طائفة. (بالهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر، سميت بذلك لأنهم يهجرون السير عندها. (فضل وضوئه) ما فضل من الماء الذي توضأ منه. (فيتمسحون) يمسح كل منهم بما أخذه وجهه ويديه تبركا. (وبين يديه عنزة) قدامه عصا أقصر من الرمح. (قدح) ما يشرب فيه. (مج فيه) صب ما تناوله من الماء بفمه في الإناء. (لهما) لأبي موسى وبلال رضي الله عنهما. (نحوركما) جمع نحر، وهو موضع القلادة من الصدر
وفي صحيح البخاري ومسند أحمد وسنن البيهقي: فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نُخَامَةً إِلاَّ وَقَعَتْ فِى كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ. وروى ابن حبان وغيره عن نافع قال: كان ابن عمر يتتبع ءاثار رسول الله وكل منزل نزله رسول الله ينزل فيه فنزل رسول الله تحت شجرة فكان ابن عمر يجيء بالماء فيصبه في أصل الشجرة كي لا تيبس”.
وقال البخاري بَاب الشُّرْبِ مِنْ قَدَحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآنِيَتِهِ وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَلَا أَسْقِيكَ فِي قَدَحٍ شَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ. وروى البخاري في الصحيح عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ حَتَّى جَلَسَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ثُمَّ قَالَ اسْقِنَا يَا سَهْلُ فَخَرَجْتُ لَهُمْ بِهَذَا الْقَدَحِ فَأَسْقَيْتُهُمْ فِيهِ، قال: فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ ذَلِكَ الْقَدَحَ فَشَرِبْنَا مِنْهُ قَالَ ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَهَبَهُ لَهُ. اهـ
وروى البزار في كشف الأستار تحت باب دفن الآثار الصالحة مع الميت: عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك أنه كان عنده عصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمات فدفنت معه بين جنبيه وبين قميصه ” ورجاله موثوقون. وذكر هذا أيضا في أسد الغابة لابن الأثير وفي مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر وفي كنز العمال للمتقي الهندي. ثم تبع الصحابة في خُطتهم في التبرك بآثاره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أسعده الله وتوارد ذلك الخلف عن السلف واستمر ذلك إلى هذا الوقت
وعن ثابت قال: كنت إذا أتيت أنسًا يخبر بمكاني، فأدخل عليه، فآخذ بيديه فأقبلهما، وأقول: بأبي هاتان اليدان اللتان مستا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبّل عينيه وأقول: بأبي هاتان العينان اللتان رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الهيثمي : رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أبي بكر المقدمي وهو ثقة.
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: رَأَيْتُ أَبِي يَأْخُذُ شَعرةً مِن شَعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَضَعُهَا عَلَى فِيْهِ يُقبِّلُهَا.وَأَحسِبُ أَنِّي رَأَيْتُهُ يَضَعُهَا عَلَى عَيْنِهِ، وَيَغْمِسُهَا فِي المَاءِ وَيَشرَبُه يَسْتَشفِي بِهِ.ورَأَيْتُهُ أَخذَ قَصْعَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَسلهَا فِي حُبِّ المَاءِ، ثُمَّ شَرِبَ فِيْهَا، وَرَأَيْتُهُ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ يَسْتَشفِي بِهِ، وَيَمسحُ بِهِ يَدَيْهِ وَوَجهَه، قُلْتُ: أَيْنَ المُتَنَطِّعُ المُنْكِرُ عَلَى أَحْمَدَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ سَأَلَ أَبَاهُ عَمَّنْ يَلمَسُ رُمَّانَةَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَمَسُّ الحُجْرَةَ النَّبَوِيَّةَ، فَقَالَ: لاَ أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، أَعَاذنَا اللهُ وَإِيَّاكُم مِنْ رَأْيِ الخَوَارِجِ وَمِنَ البِدَعِ. اهـ
ونقل البهوتي الحنبلي في كشاف القناع عن الإمام المجتهد إبراهيم الحربي وهو من علماء السلف أنه قال : يستحب تقبيل حجرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروى البخاري عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ قُلْتُ لِعَبِيدَةَ عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَسٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ فَقَالَ لَأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. وذكر النووي في كتاب تهذيب الصفات ج3ص24: وأوصى عمر بن عبد العزيز أن يدفن معه شىء كان عنده من شعر النبي صلى الله عليه وسلم وأظفار من أظفاره وقال: إذا مت فاجعلوه في كفني. ففعلوا ذلك.
إخوة الإيمان والإسلام هذا قليل من كثير فالتبرك بالنبي وءاثاره أمر يحبه الله ورسوله لا كما تقول المجسمة إنه من عادات الوثنيين ، ومعنى التبرك أن يخلق الله لنا البركة بسبب ذلك. كيف لا ومحمد خير خلق الله كلهم ذاك محمد وله الحوض الأكبر ذاك محمد وله نهر الكوثر ولواء الحمد المرفوع وكلام الحق المسموع محمد شمس الدنيا بدر الكون الأنور محمد نور الدهر وأكثر، قائد ركب الحق وسيد كل الخلق، حبيب الله محمد رسول الله محمد.
أذابت فؤادي معاني الغرام أنادي وفي القلب حر اللهيب
وفي دين طه شفاء السقام وفي دين طه شفاء السقام
أحييك يا سيدي يا رسول الله على بابكم يا رفيع المقام
أحييك يا سيدي باحترام على بابكم يا رفيع المقام
نظرة من جنابكم يا سيدي يا رسول الله ألا داوني يا أجل الأنام
فمن كنت داويت أنَّى يضام ألا داوني يا أجل الأنام
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website