الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد
فليعلم أن من البدع المخالفة لدين الله تعالى والتي ظهرت بين أدعياء المشيخة قولهم بعدم تكفير المعين، ومرادهم بذلك أن الشخص المعين الذي ثبت كفره لا يحكمون عليه بالكفر، وكلام هؤلاء ليس من الدِّين في شىء. ثم إن هذه البدعة التي يتنطع بها هؤلاء هي هدم للدين وتضيع لأحكامه و ابطال لباب الردة الذي نص عليه الفقهاء و العلماء في مؤلفاتهم وتعطيل لمسألة الاستتابة وغير ذلك من الأمور التي تترتب عليها. فمن ثبت عليه انه وقع في الكُفر فلا ضرر أن يُقال عنه كافِر. فكيف بالذي مُلأت كتبه بالضلالات والكُفر والتشبيه وتكفير للمسلمين.
وليس معنى كلامنا هو تكفير الناس بغير وجه حق فهذا خطره شديد و لكن كلامنا هو من باب بيان حكم شرعي و تحذير الناس ممن يحرف دين الله. فهؤلاء منهم من يحكم على الكلمة أنها كفرية ولكن لا يحكم بتكفير قائلها، ومنهم من يدعي الورع بزعمه ويتبجح بترك تكفير الكافر متوهما أن هذا من تمام الورع, و الحق أن هذا القول المخالف للشريعة لا يُثبت لقائله علماً ولا فهماً في الدين فضلا عن ورع أو صلاح، وهو قولٌ لا طائل تحته وقائله ليس أحرص على دين الله من رسول الله، ولا من أبي بكر ولا من عمر، ولا من عثمان ولا من عليّ رضي الله عنهم، وقائل هذا القول الفاسد الكاسد ليس بأورع من أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والأوزاعي رضي الله عنهم، فكل هؤلاء قد كفّروا المعيّن الَّذي ثبت كفره، وهم أئمة الهدى، فإن لم يكونوا هم قدوتنا فمن قدوتنا؟! وإن لم تُؤخذ أحكام الدين عنهم فعمن تُؤخذ؟
هؤلاء يقال لهم: هل تدعون على من قذف أهلكم بالزنى وتشتكون عليه بعينه أم تقولون: “ندّعي على لفظ القذف وليس على القاذف” ؟ ويقال لهم أيضا: لو أن إنسانًا سرق لكم أموالكم أكنتم تدّعون عليه أم على السرقة؟ ولو أن إنسانًا قتل لكم أولادكم أكنتم تدعون على القاتل بعينه أم على الفعل الذي هو القتل؟ فإن كنتم في مثل هذه الأمور التي هي كلا شىء بالنسبة للكفر لا تقبلون إلا الإدعاء على الفاعل بعينه فلماذا تهاونتم في أمر الكفر فسكتم عن القول لمن كفر “كفرت ارجع إلى الإسلام بالشهادتين”؟ وإن كان لا يقبل الرجوع إلى الإسلام قلتم للناس: “هذا كافر”، تحذيرًا لهم منه؟ ثم في قولكم: “لا نكفر المعين” معناه أن يُترك على الكفر، وأن لا يؤمر بالشهادتين، وهذا غَشٌّ للناس وتحريفٌ للدين وحسبنا الله و نعم الوكيل.
1- الدليل على جواز تكفير المعين الذي ثبت كفره
الدليل على جواز تكفير المعين من القرآن قول الله تعالى ﴿قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من ترابٍ ثم من نطفةٍ ثم سواك رجلا﴾ [سورة الكهف آية 37] فهذا الذي أنكر البعث وأنكر الجزاء والحساب وأنكر الٱخرة قال له صاحبه في وجهه “كفرت بالله” وهذا تكفير للمعين، والقرٱن أورده وما عاب عليه. وذكر بعض المفسرين مثل الإمام المفسر أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي في تفسيره والإمام المفسر النحوي أثير الدين محمد بن يوسف أبو حيان الأندلسي في كتابه تفسير البحر المحيط، ذكروا أن المؤمن قال لصاحبه الكافر “أكفرت” في وجهه. أما من الحديث فقد روى الطبراني عن رافع بن خديج أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “يكون قوم في أمتي يكفرون بالله وبالقرٱن وهم لا يشعرون”. وغير هذا من الأدلة كثير.
وأما الدليل على جواز التكفير من كلام العلماء, فقد جاء في كتاب “الإعلام بقواطع الإسلام” لابن حجر الهيتمي ص 9 ما نصه: “ومعنى كفّر الرجل أخاه نسبته إياه إلى الكفر، بصيغة الخبر نحو: “أنت كافر”، أو بصيغة النداء نحو: “يا كافر”، أو باعتقاد ذلك فيه كاعتقاد الخوارج تكفير المؤمنين بالذنوب، وليس من ذلك تكفير جماعة من أهل السنة أهل الأهواء لما عندهم من الدليل على ذلك”، ثم قال ابن حجر في الصحيفة 10 ما نصه: “ومع ذلك فالموافق للقواعد أنه حيث ثبت كفره باطنا كان حكمه حكم المرتد، ولا تعزير على من قال له يا كافر”.اهـ
وقال الحافظ البيهقي في شعب الإيمان: “وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه ليس بجوهر ولا عرض، فلأن قوما زاغوا عن الحق فوصفوا البارئ جل وعز ببعض صفات المحدثين، فمنهم من قال: إنه جوهر. ومنهم من قال: إنه جسم. ومنهم من أجاز أن يكون على العرش قاعدا كما يكون الملك على سريره، وكل ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك”. انتهى
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
كما ثبت أيضا أن أبا حنيفة قال لجهم “يا كافر” و كذلك الإمام الأوزاعي كفر غيلان القدري. وكذلك الإمام السكوني نزيل تونس كفر الزمخشري فقال في كتابه “لحن العامة والخاصّة في المعتقدات” ما نصه: وأما تفسير الزمخشري فأكثره اعتزال وفيه مواضع انتهى فيها إلى الكفر والعياذ بالله”. انتهى
وهذا هو مذهب الإمام مالك و يشهد لذلك ما قاله أبو العباس البسيلي التونسي في الصحيفة 482 من كتابه نكت و تنبيهات في تفسير القرآن ما نصه: وذكر الزمخشري هنا مذهب أبي حنيفة و الشافعي و أعرض عن مذهب مالك, وكان الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن سلامة يقول: كان مالك يكفر المعتزلة, فلذلك لم يذكره إلا في مواضع قليلة من كتابه. انتهى و هذا أيضا مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري الذي قال في كتابه اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع صحيفة 154 ما نصه: قَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُ ضَرْبٌ فَهُوَ ضَارِبٌ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُ قَتْلٌ فَهُوَ قَاتِلٌ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُ كُفْرٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُ فِسْقٌ فَهُوَ فَاسِقٌ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُ تَصْدِيقٌ فَهُوَ مُصَدِّقٌ، وَكَذلِكَ مَنْ كَانَ فِيهِ إِيمَانٌ فَهُوَ مُؤْمِنٌ…”
فالحق الذي كان عليه السلف و تبعهم الخلف عليه, أن من ثبت كفره كفر, وأما من لم يثبت كفره, بأن كان اللفظ الذي خرج من لسانه محتملا أنه صدر منه وهو لا يعلم معناه, أو كان هناك احتمال أنه خرج منه على وجه سبق اللسان, فلا بأس أن يقال فيه إن كلامه هذا كفر, عوض أن يقال له كفرت لأن هذا من الاحتياط و الاحتياط مطلوب, وعلى هذا يحمل قول الغزالي “الخطأ في ترك ألف كافر في الحياة, أهون من الخطإ في سفك دم لمسلم واحد” كما في كتابه الاقتصاد في الاعتقاد. وهذه الكلمة التي قالها إمام الحرمين و الغزالي, بعض المتسرعين يحتجون بها لترك تكفير من ثبتت ردته, وهذا تعطيل لشرع الله.
ومن الذي تصدروا لترويج بدعة ترك تكفير المعين الشيخ فريد الباجي التونسي رئيس ما يسمى بدار الحديث الزيتونية. وهو من الذين ينادون بتجريم التكفير بجميع أنواعه في الدستور التونسي. وهذا الرجل متضارب في أقواله و من ذلك ما وجدناه على الصفحة المسماة “دار الحديث الزيتونية” تحت عنوان “إلى كل مسلم يعرف قدر نبيه صلى الله عليه وسلم، هذا حكم جلال الشيطان الذي سب نبيينا اليوم…” ثم أورد كلام القاضي عياض في الشفا ونصه “اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع من سب الأنبياء عموما أو تعرّض للنبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرض به أو شبّهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له فهو ساب له والحكم فيه حكم الساب كافر يقتل ولا نمتري فيه تصريحا”. انتهى
فما معنى أن يقال هذا حكم جلال الشيطان ثم يستدل بكلام القاضي عياض و فيه تكفير لمن سب الرسول؟ أليس هذا تكفيرا عينيا لذلك المدعو جلال؟ أليس هذا دليل على تناقضات فريد الباجي في فتاويه و أقواله؟
2- تكفير المعين ليس خاصا بالقاضي
مما يروج له بعض أدعياء المشيخة قولهم أن تكفير الأشخاص المعينين أو طائفة معينة هو من مهام القضاء فقط. و هذا الكلام باطل مردود و الصحيح أن الحكم على الشخص بعينه بالكفر ليس أمرا خاصا بالقاضي الشرعي و إنما إقامة الحد عليه هو الذي يختص به الخليفة أو الذي يقوم مقامه من القضاة و غيرهم. والدليل على أنه لا يشترط حكم القاضي حتى يحكم بكفر من صدر منه كفر صريح حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: “من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدُهما”. ففي هذا الحديث دليل على أن الشخص إن كفر شخصا آخر بحق لم يخالف الشرع بهذا , والرسول ما اشترط أن يكون الشخص الذي قال لأخيه يا كافر أن يكون قاضيا. فقول الرسول “إن كان كما قال” معناه إن كفّره بحق فلا يكفر، وأما إذا كفره بغير حق وبلا تأويل هو يكفر، فإذًا في قوله عليه السلام “إن كان كما قال” معناه يجوز تكفير المعيّن الَّذي كفرَ، وإلا فما معنى قول النبي “إن كان كما قال”؟ أما الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: مَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ. فليس فيه حجة لهؤلاء المداهنين لأن معناه من رمى مؤمنا بغير وجه حق و من غير أن تثبت في حقه قضية يُحكم بها عليه أنه كافر, فهذا الذي حذر منه الرسول. وليس معنى الحديث أنه لا يجوز التكفير على الاطلاق كما يتوهم هؤلاء بل فيه التحذير من قول الشخص لأخيه المؤمن يا كافر بلا سبب شرعي. قال العلامة العيني الحنفي في عمدة القاري شرح البخاري 24/ 386 في تفسير الحديث الآنف الذكر: الخامس في قذفه مؤمنا بقوله: يا كافر أو أنت كافر، فهو كقتله في الإثم. انتهى
فالشخص الذي يقول للمسلم يا كافر كأنه سمى الاسلام الذي عليه كفرا وهذا خطره عظيم. و الحاصل أن الشخص إن كان قاضيا أو غيره له أن يكفر المعين الَّذي ثبت كفره. بل في تكفيره فوائد دينية منها: أن يعرف نفسه أنه كفر ليرجع إلى الإسلام بالشهادتين. ومنها أن يعرف الناس أن هذا الإنسان كافر فلا يصلون وراءه، ولا يصلون عليه إذا مات، ولا يدفنوه في مقابر المسلمين، ولا يأكلون ذبيحته،ولا يشهدونه على الأنكحة، وإلا فإن شهد فهذه الأنكحة فاسدة، ومنها أن يحذر الناس من مثل قوله أو اعتقاده أو فعله الكفري.
هذا وقد ثبت أن كثيرا من العلماء كفروا أشخاصا على التعيين ولم يكن هؤلاء العلماء قضاة. جاء في المجلة الزيتونية في الجزء الأول من المجلد الأول لعام 1936 مـيلادي صحيفة 40 فتوى في حكم لبس البرنيطة في دار الحرب و دار الإسلام للشيخ محمد الشاذلي ابن القاضي حيث قال “فما يقضي به القاضي من الكفر هو ما يفتي به المفتي إذ لا فرق بين ما به القضاء و ما به الفتوى”. انتهى معناه المفتي له أن يحكم بالكفر عن شخص ثبت كفره و للقاضي أن يقضي بهذه الفتوى. فيستتيبه و إلا يقتله كفرا.
فهل من سبّ الله أو الرسول مثلا يشترط أن لا نكفره حتى يحكم القاضي؟! هذا شيء معلوم من الدين بالضرورة أن ساب الله كافر بالإجماع يكفّر بعينه فور وقوعه في هذا الكفر إن لم يكن في الحالات المستثنية من التكفير كالإكراه بالقتل و غير ذلك. وكل شرط ليس من الشرع يضرب به عرض الحائط. فهناك أفعال و اعتقادات و أقوال معلومة حتى بين العوام أنها كفر لا تحتاج لفتوى من القاضي للحكم على الشخص الذي وقع في احدى هذه الكفريات بأنه كافر. قال البرزلي في المجلد 6 من نوازله صحيفة 186 ما نصه: ابن سهل: عندي أن البدع نوعان: فالواحد منهما كفر صراح لا خفاء به و ضلالة, كقول بعض الرافضة إن عليا إله من دون الله, تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا, و كقول صنف منهم يقال لهم الجمهورية إن عليا نبي مبعوث وإن جبريل غلط بُعث إليه فأتى محمدا. و القائل بهذا كعابد وثن وكافر مفتر على الله مخلد في النار, و لا يُبرح رائحة الجنة أبدا. من قال غير هذا أو ارتاب فيه فهو كافر. فلاحظوا قوله “من قال غير هذا أو ارتاب فيه فهو كافر” مع قول من قال “أنا لا أكفر أحدا”. فهذه المقالة الخبيثة يجب الحذر و التحذير منها.
روى القاضي عياض في كتابه الشفا أن فقهاء القيروان وأصحاب سحنون أفتوا بقتل “ابراهيم الفزاري” وكان شاعراً متفنناً في كثير من العلوم، رفعت عليه أمور منكرة كالاستهزاء بالله وأنبيائه ونبينا صلى الله عليه وسلم، فأحضر له القاضي “يحيى بن عمر” وغيره من الفقهاء، وأمر بقتله وصلبه. وَحَكَى بَعْض المؤرخين أنَّه لَمّا رفعت خشبته وزالت عَنْهَا الأيدي استدارت وحولته عَن القبلة فكان آية للجميع وكبر النَّاس . وهذه القصة فيها الدليل على أن هؤلاء الفقهاء ما أنكر عليهم أحد اكفارهم لابراهيم الفزاري و لا قالوا لهم هذا خاص بالقاضي و فيها أيضا أن القاضي الذي وكله الخليفة هو الذي يقيم حد الردة. فينبغي التنبيه أن اقامة الحد على الشخص بعينه بعد ثبوت كفره هو خاص بالخليفة أو من يقوم مقامه و أن الحكم عليه بالكفر ليس أمرا خاصا بالخليفة أو القاضي الشرعي كما يدعي هؤلاء.
روى البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد والطبراني والحاكم أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال “من بدّل دينه فاقتلوه”. وفي رواية مالك في الموطإ “من غيّر دينه فاضربوا عنقه”. ففي هذا الحديث الصحيح أمرٌ صريح من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم للخلفاء والسلاطين والحكام والأمراء وولاة الأمر بأن يقتلوا من ثبت عندهم بالطريق الشرعي أنه ارتد عن الإسلام. وما يحتج به هؤلاء المحرفون بما قاله الشيخ الدردير المالكي في شرحه على مختصر خليل فليس لهم فيه حجة فقوله “أي في الكفر وجوبا فلا يكتفي القاضي بقول الشاهد أنه كفر بل لا بد من بيان ما كفر به بيانا واضحا لا إجمال فيه”.انتهى
وكلامه يستفاد منه أنه يجوز للشخص إن سمع من شخص كفرا أن يقول “أنه كفر” ويشهد عند القاضي بما قال. ويستفاد منه أيضا أن الخليفة أو الذي يقوم مقامه هو الذي يستتيب ذلك الشخص الذي تكلم بالكفر إن ثبت عنه ذلك وليس عامة الناس. فالخليفة هو الذي ينظر في كلام الشخص ليحكم عليه وينظر هل اللفظ الذي قاله لفظ صريح أم ظاهر (الظاهر ما كان بحسب وضع اللغة وجهان فأكثر ولكنه إلى المعنى الكفري أقرب, وأما الصريح فليس له بحسب وضع اللغة إلا وجه واحد كفري). فإن تبين أنه تكلم بلفظ صريح فإنه لا يُقبل منه تأويل، ولا يُسأل عن مراده ، إلا أن يكون لا يعرف ذلك المعنى الصريح بل يظن أن معناه غير ذلك، فإن هذا اللفظ بالنسبة إليه تصير عندها ليس لها حكم الصريح.
أما إن تبين أن اللفظ من قبيل الظاهر في الكفر فلا يحكم الخليفة (أو الذي يقوم مقامه) بكفره حتى يتبين مراده منه. فإن تبين القاضي أنه ما أراد المعنى الكفري يتركه و أما الشخص الذي حكم بكفره فلا يكفر أيضا لأن له في ذلك نوع شبهة والتباس. وأما إن تبين منه أنه أراد المعنى الكفري فيحكم بكفره. هذا هو الفرق بين الخليفة ومن دونه, ولا يقال الخليفة فقط هو الذي يحكم إن كان الشخص كافر أو لا. فالذي يقول عن الله جسم ويفهم أن معنى جسم “ما له طول و عرض و تركيب” يكفر و لا ينفعه قوله بعد ذلك “لا كالأجسام”. ولا ننتظر القاضي حتى يحكم عليه. أما عند هؤلاء فلا فرق بين المسلم المؤمن المنزه الموحد وبين عابد الصنم والوثن وهذا تكذيب للدين والقرءان لأن الله تعالى قال: “افنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون”