في نوفمبر من عام 1566م، تمت صياغة مرسوم ملكي متضمِّناً إجراءات صارمة بحق الموريسكيين إسبانيا، وصدَّق عليه الملك فيليب الثاني في عام 1567م.
تضمَّن المرسوم الملكي، صراحةً، منع جميع أشكال اللغة العربية في اللغات المنطوقة والمكتوبة، والتخلص من كل النصوص المكتوبة بالعربية، ومنح مجتمع الموريسكيين فترة 3 سنوات لتعلُّم اللغة القشتالية، ومحو جميع أسماء العائلة المستمدة من العربية واستبدالها.
وكذلك أية علامات من أصل غرناطي، مثل ارتداء الزي التقليدي والملابس العربية وضمن ذلك الحجاب بالنسبة للنساء، واستخدام الحنّاء وأداء الموسيقى الموريسكية المعروفة بإسم Zambra، والرقص وآلات العزف المرتبطة بالثقافة العربية، وكذلك استخدام الحمامات العامة أو الاستحمام فيها، وحيازة العبيد، والاحتفال بالزفاف خارج التقليد المسيحي في الاحتفال بالزواج، والالتزام بفتح أبواب البيوت يوم الجمعة.
أحد هؤلاء الموريسكيين المتحولين للمسيحية، واسمه فرانسيسكو نونيز مولي، كتب خطاباً يشرح فيه القوانين الصارمة وسياسات الإدماج القسري التي اتبعها التاج الإسباني وفرضها على الموريسكيين في أمور اللباس والطعام والزواج والاحتفالات.
وشمل المرسوم تفاصيل تحدِّد كل حظر، وضمن ذلك تأكيد حظر الأسلحة النارية، مما يوحي بأن المجتمع الموريسكي لم ينفِّذ، بشكل كامل، المرسوم السابق الذي أصدره فرناندو الثاني، ملك ليون، في عام 1492م، واستدعى تجديده عام 1526م من قِبل كارلوس الخامس بخصوص حظر الأسلحة على الموريسكيين.
بداية القصة في أواخر القرن الخامس عشر
في عام 1491م، استسلم أبو عبد الله الصغير، آخر ملوك بني الأحمر في غرناطة، للملكين الكاثوليكيين إيزابيلا الأولى وزوجها الملك فيردياند، وقام بتسليم المدينة بعد حصار طويل، وفق شروط، تضمنت الاحتفاظ بحقوق مدنية ودينية للموريسكيين:
“أن للمورسكيين أن يحتفظوا بدينهم وممتلكاتهم، أن يخضع المورسكيون لمحاكمة قضاتهم حسب أحكام قانونهم، وليس عليهم ارتداء علامات تشير إلى كونهم مورسكيين كما هو الحال مع عباءة اليهود. ليس عليهم دفع ضرائب للملكين المسيحيين تزيد على ما كانوا يدفعونه. لهم أن يحتفظوا بجميع أسلحتهم ما عدا ذخائر البارود. يُحترَم كل مسيحي يصبح موريسكياً ولا يعامَل كمرتد. أن الملكين لن يُعيِّنا عاملاً إلا من كان يحترم المورسكيين ويعاملهم بحب، وإن أخلّ في شيء فإنه يغيَّر على الفور ويعاقَب. للمورسكيين حق التصرف في تربيتهم وتربية أبنائهم”.
بدا أن الملكين المنتصرين سيلتزمان بالتعهد، خاصة بعد أن جددا التوكيد والقسم بالحفاظ عليه، وتوقيع ابنهما وكثير من الأمراء عليه، لكن التوترات الدينية لم تختفِ، فقامت ثورة حي البيازين في 1499، وتبنَّت الكنيسة سياسة التنصير القسري.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
أصدرت الملكة إيزابيلا، سنة 1499م، مرسوماً يقضي بإجبار جميع مسلمي إسبانيا على التحول الديني، وألغت 1502م امتيازات التعهد الملكي السابق في مملكة قشتالة، بينما ظلت مملكة أراغون أكثر تسامحاً مع مسلميها حتى عام 1526.
لماذا تذكَّر فيليب الثاني الموريسكيين مرة أخرى؟!
هناك أسباب مختلفة لتفسير مرسوم فيليب الثاني، من أهمها التنافس على العرش الملكي بين عائلتي مندوزا وديزا المتصارعتين، وقد أدى ذلك التنافس العائلي إلى إحراج الأشخاص الذين عُرفوا بالتساهل مع الموريسكيين.
وفي منتصف القرن السادس عشر، ظهر التهديد العثماني في البلاط الإسباني، فقد تنامت القوة البحرية العثمانية في حوض البحر المتوسط، ونشبت صدامات بين الإمبراطوريتين، وخشي فيليب الثاني من ولاء المورسكيين المحتمل للعثمانيين إذا دخلت القوتان في حرب، لكن التهديد العثماني تراجع، وصار العثمانيون أكثر انشغالاً بقضايا داخلية وإقليمية بعيدة عن إسبانيا، التي تقع في أقصى غربي أوروبا.
وتسببت قرارات فيليب الثاني في توترات اجتماعية كبيرة، وفي أضرار اقتصادية أثرت سلباً على إسبانيا ككل، فرغم توسُّع الأراضي الخاضعة لحكم فيليب الثاني، فقد شهد عهده فقراً اقتصادياً وتراجع التجارة والأيدي العاملة، خصوصاً بعد الحروب المكلفة، وطرد اليهود عام 1492، والتضييق المتزايد على الموريسكيين حتى طردهم نهائياً (عام 1609).
ثورة المورسكيين 1568
تسمى أيضاً حرب “البشرات”، فقد ثار الموريسكيون على مرسوم الملك فيليب الثاني، واندلعت ثورة مسلحة في مناطق مملكة غرناطة السابقة، وقادها شخصيات ترجع أصولهم لبني الأحمر، وطلبوا العون من ملوك شمال إفريقيا العرب.
لكن الملك فيليب الثاني أرسل قوات عسكرية إسبانية وإيطالية، قمعت التمرد الذي كان حقق بعض الانتصارات، وقُتلَ قائدُ الثورة محمد بن عبو، وأُخمدت الثورة سنة 1571م.
وتم نقل سكان البشرات إلى مناطق قشتالة وغرب الأندلس، وأُخليت قرى الموريسكيين وتشتت شملهم في البلاد، حتى طُردوا نهائياً في الفترة من 1609 إلى 1614، في عهد الملك فيليب الثالث ابن الملك فيليب الثاني.