فليعلم أن خلاف غير المجتهدين بعد ثبوت الإجماع لا يلتفت إليه سيما إن كان مخالفا لنص قرءاني أو حديثي. فمتى نص كتاب الله عز وجل وكلام النبي صلى الله عليه وسلم على أمر فليس لنا إلا السمع والطاعة. فمن قال قولا يتوصل به إلى تكذيب الله والنبي صلى الله عليه وسلم فهو لا يعرف الإسلام. فالاجتهاد لا يكون بتكذيب الشريعة، وليس كل أحد يحق له الاجتهاد، حتى المجتهد يجوز عليه الخطأ، فكيف من لم يكن مجتهداً، فلا تصدقوا كل إنسان قال قولا يكذب فيه كتاب الله أو يكذب السنة الثابتة الصحيحة أو الإجماع بمثل منام يفهم على غير وجهه مثلاً، كزعم بعض الجهلة بأن أبا لهب يُخفف عنه عذاب جهنم كل يوم اثنين لأنه فرح بولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم استنادا إلى كلام مرسل ذكره البخاري عن عروة وهذا نصه “قَالَ عُرْوَةُ: وثُوَيْبَةُ مَوْلاةٌ لأبِي لَهَبٍ كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ قَالَ لَهُ مَاذَا لَقِيتَ قَالَ أَبُو لَهَبٍ لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ”.اهـ
فكما هو واضح وجلي أن هذا ليس حديثا نبويا، وإنما خبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به، وهو تكذيب صريح لقول الله تعالى [وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ] {فاطر:36} وعلى تقدير أن يكون موصولا فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه، لأنها ليست رؤيا نبي، فلا يبنى على ذلك حكم شرعي. ثم إنه ليس في النص المذكور الكلام عن التخفيف في نار جهنم، وإنما مراد الراوي التخفيف بشىء يسير عنه في القبر كل يوم اثنين، لأن جهنم لا يدخلها الكفار للاستقرار فيها إلا في الآخرة، وقبل الآخرة يكون عذابهم في القبر.
وممن رد هذه القصة الواهية الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري في المجلد التاسع كتاب النكاح باب الرضاع حيث يقول “(لكنه مخالف لظاهر القرءان) قال الله تعالى “وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا” (سورة الفرقان / ءاية: 23)” إ.هـ، وقد نقل القاضي عياض في كتابه إكمال المُعلم بفوائد مسلم [ ج1/597 ] “الإجماع على أن أعمال الكفار لا تنفعهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب وإن كان بعضهم أشد عذابًا من بعض” إ.هـ.
وفي كتاب إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد الشافعي القسطلاني – الجزء 11 – كتاب النكاح يقول: “واستدل بهذا على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة وهو مردود بظاهر، قوله تعالى “وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا” (سورة الفرقان / ءاية: 23)، لا سيما والخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدّثه به وعلى تقدير أن يكون موصولا فلا يحتج به إذ هو رؤيا منام لا يثبت به حكم شرعي”.
فإذا قيل لك هذه القصة صحيحة أو رواها فلان أو هي موجودة في بعض كتب الحديث فاثبت على الحق ولا تحد عنه واذكر ما قاله الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه، ما نصه: “وإذا روى الثقة المأمون خبرًا متصل الاسناد رد بأمورٍ، أحدها: أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه لأن الشرع إنما يَرِدُ بمجوّزات العقول وأما بخلاف العقول فلا، والثاني: أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ، والثالث: أن يخالف الإجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له لأنه لا يجوز أن يكون صحيحًا غير منسوخ وتجمع الأمة على خلافه” إ.هـ.
وإذا قال قائل هذا الحديث إنما في فضائل الأعمال ومنها الاحتفال بذكرى مولد الرسول فنقول ما قاله الشيخ عبد الله الغماري في هذا الغمار “ما يوجد في كتب المولد النبوي من أحاديث لا خطام لها ولا زمام هي من الغلو الذي نهى عنه الله ورسوله عنه فتحرم قراءة تلك الكتب ولا يقبل الاعتذار عنها بأنها في الفضائل لأن الفضائل يتساهل فيها برواية الضعيف أما الحديث المكذوب فلا يقبل في الفضائل إجماعًا بل تحرم قراءته وروايته” إ.هـ، وهذا في الضعيف فكيف بالكلام المخالف لصريح القرءان وصحيح السنة وإجماع الأمة. فليتق الله امرؤ يحاول نشر هذه القصة ونحن ننصح كل من اعتقدها أو صدقها أن يرجع عن هذا الضلال المبين للحق والصراط المستقيم بالشهادتين لأنه كذّب الله تعالى بكلامه هذا.
وفي الختام نسأل الله تعالى الثبات على الحق إلى الممات والدفاع عن دين الله تعالى فكم هو جميل منهج العدل والاعتدال والدفاع عن الإسلام ورد مفتريات الكائدين والجاهلين والمحرفين. وإنما قمنا بهذه النصيحة لوجه الله تعالى وخوفًا على المسلمين من أن يقعوا فيما يخالف شرع الله. وفي الأثر “إذا ظهرت البدع (أي العقائد الفاسدة) وسكت العالم لعنه الله”، وقال أبو علي الدقاق “الساكت عن الحق شيطان أخرس”. ونرجو الله أن يعم النفع بهذا الرد الوجيز وءاخر نصيحة لمن يقرأها أن يقرأها بعين الإنصاف فالحق أحق أن يتبع والحمد لله أولا وءاخرًا وسلام على عباده الذين اصطفى.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website