يداوم شيوخ الوهابية على وصف أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بـ”خوارج العصر”، وينفون أن يكون للفكر الوهابي أية علاقة بالأفكار والتوجهات التي يتبناها التنظيم المتطرف الذي ملأ الدنيا وشغل الناس وتوَّج انتشاره الواسع بإعلان الخلافة الإسلامية قبل أن يتقلص نفوذه بسبب الضربات الكبيرة التي تلقاها مؤخرا في أماكن سيطرته في سوريا والعراق.
إن الباحث المدقق في المنطلقات الفكرية والعقائد التي قام عليها تنظيم “داعش” سيجد فوارقا جوهرية بينها وبين عقائد الخوارج الذين عرفوا بالمعتزلة في وقت من الأوقات، وهو أيضا سيدرك أن ما يجمع “داعش” مع الفكر الوهابي (الذي يسمونه سلفي) أكبر بكثير مما يجمعه بفكر الخوارج وهو الأمر الذي ينفي ادعاءات شيوخ السلفيين بأن “داعش” هم خوارج العصر.
إن الخوارج، شأنهم شأن المعتزلة، يقولون “بخلق القرآن”، وهو الأمر الذي يخالفه “داعش” ويخالفه الفكر السلفي. وهم أيضا يقولون بكفر مرتكب الكبيرة بعكس تنظيم “داعش” والوهابيين الذين لا يرون مرتكب الكبيرة كافرا.
ومن ناحية أخرى، فإنه لا يستطيع باحث جاد النظر في المنهج وطرائق التفكير والمصادر التي تقوم عليها المدرسة السلفية الوهابية دون أن يجد رابطا وثيقا بينها والسلوك الاقصائي والعنف والتكفير الذي يتصَّف به “داعش”. فالمتابع يرى أن كلا الطرفين, الوهابي و الداعشي يرجع اساس فكرهم إلى شخصين وهما: ابن تيمية الحراني و محمد بن عبدالوهاب. فالدين الوهابي الجديد يتشابه مع الدين اليهودي في نسبة المكان والجسم للرب و يتشابهان أيضًا بالفكر الاقصائي لكل البشر, وهذا هو حال داعش ايضًأ
صحيح أن موجة انتشار الجماعات التكفيرية العنيفة الأخيرة قد بدأت من مصر في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي بتأثير مباشر من أفكار “سيد قطب” التي كانت بدورها تطويرا لأفكار “أبو الأعلى المودودي”، ولكن الصحيح أيضا أن الأخير تأثر كثيرا بدعوة محمد بن عبد الوهاب.
وعندما يقول البعض إن المجرى العام للدعوة السلفية يرفض التكفير، ويُناهض استخدام العنف ضد غير المسلمين، فإنهم إنما ينظرون للحقيقة بنصف عين، إذ أن المصادر التي يستقي منها الوهابيون والتكفيريون أفكارهم، هي مصادر مشتركة، وهم كذلك يتفقون في الكيفية التي تتم بها قراءة النصوص (الفهم الحرفي)، وبذلك يُصبح الاختلاف بينهم اختلافا في الدرجة وليس في النوع.
إن الناظر إلى الخلفية الفكرية لغالبية المنضمين تحت لواء “داعش” والشيوخ الذين يقفون خلفهم يجدهم قد نهلوا من فتاوى بن تيمية، وكتابات تلميذه ابن القيم الجوزية، إضافة لتعاليم محمد بن عبد الوهاب.
أما التجربة العملية فإنها تُحدثنا عن جنود الملك عبد العزيز بن سعود المعروفون باسم “الإخوان”، والذين كانوا من أكثر الناس إخلاصا لتعاليم محمد بن عبد الوهاب، وعن طريقهم استطاع الملك الراحل بسط سلطانه على نجد والحجاز وتأسيس المملكة الحالية.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
لم يكن الإخوان يختلفون كثيرا عن “داعش”، فقد كانوا شديدي الكراهية لغير المسلمين، الذين درجوا على تسميتهم جميعا بالكفار، ولم يكونوا يحتملون وجودهم في الجزيرة العربية. قد نشأ الإخوان وتربوا على عقيدة “الولاء والبراء” التي تُقسِّم العالم إلى فسطاطين: الكفر والإيمان، وهي نفس العقيدة التي يتربى عليها السلفيون اليوم بمختلف أطيافهم، ومنها ينهل الشباب الذي يذهب لينضم لـ”داعش”.
كان الإخوان جنودا مخلصين لفكرتهم التطهرية، متعطشين للدماء ومستعدين دوما للموت، ومُعادين لجميع مظاهر الحياة المدنية الحديثة مثل التلفون والسيارة والمذياع باعتبارها بدعا لا يجوز استخدامها!
كانوا أيضا لا يعترفون بأي فكر أو تصور للإسلام يخالف الوهابية، وعلى رأس ذلك التصوف وأهله حيث فعلوا فيهم الأفاعيل. كان هدفهم هو إدخال جميع المناطق العربية في اسلامهم رغم أن أهلها مسلمون موحدون، وكان أحد أسباب خلافهم مع الملك عبد العزيز هو رفضه مواصلة الحروب لإخضاع سوريا والعراق والأردن لسلطانه وإدخال أهلها تحت سلطان العقيدة الوهابية.
وأخيرا ندلل على طرحنا هذا بالاعتراف النادر الذي جاء قبل عدة سنوات على لسان إمام الحرم المكي السابق والداعية السلفي المعروف، عادل بن سالم الكلباني، حين قال: “داعش نبتة سلفية حقيقية يجب أن نواجهها بكل شفافية”، كما طالب بمراجعة جريئة وشجاعة للفكر الوهابي
لا تنسوا متابعتنا على الانستاغرام