في كتاب أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ لأحمد بن يوسف القرماني المُتوفى سنة 1019 هجرية صحيفة 100 من الجزء الثاني:
المعتصم بالله: إبراهيم بن هارون الرشيد. بويع له بالخلافة يوم موت أخيه المأمون بعهد منه بسُرَ من رأى. ولد سنة ثمانين ومائة. نقش خاتمه: سل الله يُعْطك. ولم يكن في بني العباس مثله في القوة والشجاعة والإقدام. ومما يؤيد ذلك ما نقله سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان: أنَ المعتصم كان جالسا في مجلس أنسه والكأس في يده ؛ فبلغه أنَ امرأة شريفة في الأسر عند عِلْج من علوج الروم في مدينة عمورية؛ وأنَه لطمها على وجهها يوما فصاحتْ: وامعْتصِماه؛ فقال لها العِلْجُ: مايجيء إليك المعتصم إلاَ على أبلق. فلمَا سمع ذلك اغتم غمَا شديدا؛ وختم الكأس وناوله لساقيه وقال: والله لا شربته إلا بعد فك الشريفة من الأسر وقتل العِلج. فلما أصبح وكان يوم برد عظيم وثلج فلم يقدر أحد على إخراج يده؛ ولا إمساك قوسه؛ فنادى بالرحيل إلى غزوة عمورية؛ وأمر عسكره أن لا يخرج أحد منهم إلا على فرس أبلق. فخرجوا في سبعين ألف أبلق فأناخ عليها ؛ وما زال يحاصرها حتى فتحها عنوة. فلما دخلها كان يقول لبيكِ لبيكِ. وطلب العِلج صاحب الأسيرة الشريفة فضرب عنقه؛ وفك قيود الشريفة؛ وقال للساقي: اءتني بكأسي التي أودعتها. فأتاه بها؛ وفك ختمه وشربه وقال: الآن طاب الشراب.
العِلج: الواحد من كفار العجم.
أبلق: الفرس فيه سواد وبياض.
وفي هامش صحيفة 280 من الطرائف الأدبية لعبد العزيز الميمني: كان الروم حملوا على الثغر وقتلوا من كان بقلعة زبطرة من المسلمين، فنادت امرأة هاشمية مُستصرخة ( وامُعتصِماه) فهاجم المعتصم عمورية وهدمها وحرقها .
قلنا: فتح عمورية سنة 223 هجرية أبرز المعارك بين المسلمين والبيزنطيين في عهد المعتصم بالله، وكان سببها اعتداء الإمبراطور البيزنطي (تيوفيل بن ميخائيل) على بعض الثغور والحصون على حدود الدولة الإسلامية ، وحين بلغ المعتصم ما وقع للمسلمين في هذه المدن، وصيحة امرأة مسلمة وقعت في أسر الروم: وامُعْتصِماه، فأجابها وهو جالس على سريره: لبيك، لبيك، وجهّز جيشًا ضخمًا أرسله على وجه السرعة لإنقاذ المسلمين، ثمّ خرج بنفسه على رأس جيش كبير وفتح عمورية، وهي من أعظم المدن البيزنطية، واستولى على ما بها من مغانم وأموال كثيرة جدًا.
ونقول: وقصّةُ هذه المرأةِ التي أسَرَها الرّوم أيامَ الخَليفةِ المعتَصِم أنها قالت وامُعتَصِماه، فبلَغَ الخبَرُ مُعتَصِمًا فخرَجَ لغَزوِهم فانتَصر عليهم واستَردّ الأسرى وفيهِم تلكَ المرأة. لم يعِبْ أحَدٌ مِنْ عُلَماءِ الإسلام قولَ تلكَ المرأة وامُعتَصِماه.
فهي عندَ نفاة التوسل كافرةٌ لأجلِ قولها هذا لأن مِن عَقائدِهم أنّ مَن نَادَى مَيّتا أو حيّا غيرَ حاضِر كافِر. وقصّةُ هذه المرأةِ مَذكُورةٌ في كتُب التاريخ فتَبَيّن بهذا أن نفاة التوسل عقيدتهُم مخالفةٌ لعقيدةِ السّلفِ والخَلف وأنّ عقيدتَهم دِينٌ جَديدٌ. ومِن شِدّة إفراطِهم في تكفيرِ المؤمنين تكفيرُهم للأشاعرة وهم جمهُور الأمّةِ حتى إنهم لما علِمُوا أنّ صلاحَ الدِّين رضي الله عنه أشعَريّ كفّره بعضُهم وقال بعضٌ إنه ضَالّ، وقد كانَ صلاحُ الدِّين يَهتَمّ بتَعليم العقيدةِ الأشعرية وكانَ قَرّر تدريسَ مَنظُومةٍ في العقيدةِ الأشعَرية في المدَارس حتى للصِّغار الذين في الكتَاتِيب. ومنَ العجَب العجيب تكفِير فرقةٍ عدَدُ أفرادِها مَليونٌ واحِد وزيادة لمئاتِ الملايِين مِنَ المسلمينَ وهمُ الأشعَرِية.
ونقول: وهذا من الأدلّة الظاهرة على استحسان المسلمين لما حصل من هذه المرأة المسلمة من نداء غير الحىّ الحاضر مستغيثة، وهذا ما عليه كلّ المسلمين علماؤهم وعوامّهم خلافا للمشبّهة نفاة التوسّل.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website