عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
قَالَ ابْنُ الْأَثِيْرِ فِي النِّهَايَةِ (الْمُفْتِرُ هُوَ الَّذِي إِذَا شُرِبَ أَحْمَى الْجَسَدَ وَصَارَ فِيهِ فُتُورٌ وَهُوَ ضَعْفٌ وَانْكِسَارٌ، يُقَالُ أَفْتَرَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُفْتِرٌ إِذَا ضَعُفَتْ جُفُونُهُ وَانْكَسَرَ طَرْفُهُ).
وقَالَ الطِّيبِيُّ (لَا يَبْعُدُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْبَنْجِ (وهو عشب) وَالشَّعْثَاءِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُفْتِرُ وَيُزِيلُ الْعَقْلَ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ إِزَالَةُ الْعَقْلِ مُطَّرِدَةٌ فِيهِمَا).
وَفي التوضيح في شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب لسيّدي خليل بن إسحاق بن موسى ضياء الدين الجندي المالكي المصري (المتوفى 776 هـ)، كتاب الطهارة أقسام المياه:
فائدة (تنفع الفقيهَ يَعرف بها الفرق بين المسكر والمفسد والمرَقِّدِ، فالمسكرُ ما غيّب العقلَ دون الحواسِّ مع نشوة وفرح، والمفسدُ ما غيّب العقل دون الحواس لا مع نشوة وفرح كعسل البلادر، والمرقد ما غيب العقل والحواس كالسَّيْكَرانِ.
وينبني على الإسكارِ ثلاثة أحكام دون الآخرين الحدُّ والنجاسةُ وتحريمُ القليل، فإذا تقرر ذلك فللمتأخرين في الحشيشة قولان هل هي من المسكرات أو من المفسدات المرقدات؟ مع اتفاقهم على المنع مِن أكلها واختار القرافي أنها من المفسدات المرقدات، وقال لأني لم أَرَهُم يميلون إلى القتال والنصرة بل عليهم الذلة والمسكنة وربما عَرَضَ لهم البكاءُ، وكان شيخنا رحمه الله تعالى الشهير بأبي عبد الله المَنُوفي يختار أنها من المسكرات، قال لأنا رأينا مَن يتعاطاها يبيع أموالَه لأجلِها، فلولا أن لهم فيه طرباً ما فَعَلوه بدليل أنا لا نجد أحداً يبيع داره ليأكل بها سيكراناً وهو واضح).
وفي شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية لأبي عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن شهاب الدين بن محمد الزرقاني المالكي (المتوفى 1122هج) وأما الحشيشة وتسمى القنب الهندي والحيدرية والقلندرية فلم يتكلم فيها الأئمة الأربعة ولا غيرهم من علماء السلف لأنها لم تكن في زمنهم وإنما ظهرت في أواخر المائة السادسة وأول السابعة واختلف هل هي مسكرة فيجب فيها الحد أو مفسدة للعقل فيجب التعزير والذي أجمع عليه الأطباء أنها مسكرة وبه جزم الفقهاء وصرح به أبو إسحاق الشيرازي في كتاب التذكرة في الخلاف والنووي في شرح المهذب ولا نعرف فيه خلافا عندنا) وقال (وقد تضافرت الأدلة على حرمتها ففي صحيح مسلم كل مسكر حرام وقد قال تعالى (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِث) وأي خبيث أعظم مما يفسد العقول التي اتفقت الملل والشرائع على إيجاب حفظها ولا ريب أن تناول الحشيشة يظهر به أثر التغير في انتظام العقل والقول المستمد كماله من نور العقل وقد روى أبو داود بإسناد حسن عن ديلم الحميري قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله! إنا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا وإنا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا، قال فهل يسكر؟ قلت نعم، قال فاجتنبوه، قلت فإن الناس غير تاركيه، قال فإن لم يتركوه فقاتلوهم، وهذا منه صلى الله عليه وسلم تنبيه على العلة التي لأجلها حرم المزر فوجب أن كل شيء عمل عمله يجب تحريمه ولا شك أن الحشيشة تعمل ذلك وفوقه.
وروى أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن أم سلمة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر، قال العلماء المفتر كل ما يورث الفتور والخدر في الأطراف وهذا الحديث أدل دليل على تحريم الحشيشة وغيرها من المخدرات فإنها إن لم تكن مسكرة كانت مفترة مخدرة ولذلك يكثر النوم من متعاطيها وتثقل رءوسهم بواسطة تبخيرها في الدماغ).
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وَقَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ (يُحْكَى أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْعَجَمِ قَدِمَ الْقَاهِرَةَ وَطَلَبَ الدَّلِيلَ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَشِيشَةِ، وَعُقِدَ لِذَلِكَ مَجْلِسٌ حَضَرَهُ عُلَمَاءُ الْعَصْرِ، فَاسْتَدَلَّ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَأَعْجَبَ الْحَاضِرِينَ) انْتَهَى، كَذَا مِنْ فَيْضِ الْقَدِيرِ لِلْمُنَاوِيَّ.
وقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ (قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارك وَاسْتُدِلَّ بِمُطْلَقِ قَوْلِهِ (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) عَلَى تَحْرِيمِ مَا يُسْكِرُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَرَابًا، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحَشِيشَةُ وَغَيْرُهَا، وَقَدْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ، وَجَزَمَ آخَرُونَ بِأَنَّهَا مُخَدِّرَةٌ، وَهُوَ مُكَابَرَةٌ لِأَنَّهَا تُحْدِثُ بِالْمُشَاهَدَةِ مَا يُحْدِثُ الْخَمْرُ مِنَ الطَّرَبِ وَالنَّشْأَةِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا وَالِانْهِمَاكِ فِيهَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُسْكِرَةٍ فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَبِي دَاوُدَ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ وَهُوَ بِالْفَاءِ، وَاللهُ أَعْلَمُ).
وقَالَ الْخَطَّابِيُّ (الْمُفْتِرُ كُلُّ شَرَابٍ يُورِثُ الْفُتُورَ وَالرَّخْوَةَ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْخَدَرَ فِي الْأَطْرَافِ وَهُوَ مُقَدِّمَةُ السُّكْرِ، وَنَهَى عَنْ شُرْبِهِ لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إِلَى السُّكْرِ، وَحَكَى الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَشِيشَةِ).
وَقَالَ ابْنُ الْبَيْطَارِ (إِنَّ الْحَشِيشَةَ، وَتُسَمَّى الْقِنَّبُ يُوجَدُ فِي مِصْرَ، مُسْكِرَةٌ جِدًّا إِذَا تَنَاوَلَ الْإِنْسَانُ مِنْهَا قَدْرَ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ، وَقَبَائِحُ خِصَالِهَا كَثِيرَةٌ، وَعَدَّ مِنْهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِائَةً وَعِشْرِينَ مَضَرَّةً دِينِيَّةً وَدُنْيَوِيَّةً، وَقَبَائِحُ خِصَالِهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْأَفْيُونِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ مَضَارٍّ).