كبيرهم الذى علمهم الإرهاب … هذا هو الانطباع الأول الذى يأتيك بمجرد قراءة الفتاوى الشاذة التى أطلقها ابن تيمية، والذى يعد «إمام المكفراتية» بلا منازع .. فهو تقى الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام النميرى الحرانى الشهير باسم ابن تيمية، والذى تتلمذ على كتاباته وفتاواه كل أئمة الكفر بدءا من سيد قطب و مرورًا محمد بن عبدالوهاب وصولا لباقى التيارت الدينية التى احترفت القتل والنهب باسم الدين زاعمين أنها فتاوى «لشيخ الاسلام»، على الرغم من مخالفة كل هذه الفتاوى لصحيح الدين، حتى أن هناك من حذر منها ونبه لخطورتها على العامة.
وُلد ابن تيمية سنة 661 هـ 1263م فى مدينة حران للفقيه الحنبلى عبدالحليم ابن تيمية ونشأ نشأته الأولى فى مدينة حران، بعد بلوغه سن السابعة، هاجرت عائلته منها إلى مدينة دمشق بسبب إغارة التتار عليها، وبعد وصول الأسرة إلى هناك بدأ والده عبدالحليم ابن تيمية بالتدريس فى الجامع الأموى وفى «دار الحديث السكرية»، وأثناء نشأته فى دمشق اتجه لطلب العلم فى مختلف العلوم، منها التفسير والحديث والفقه، وقد شرع فى التأليف والتدريس فى سن السابعة عشر، وبعد وفاة والده بفترة أخذ مكانه فى التدريس فى «دار الحديث السكرية»، بالإضافة إلى أنه كان لديه درس لتفسير القرآن الكريم فى الجامع الأموى ودرس «بالمدرسة الحنبلية» فى دمشق.
واجه ابن تيمية السجن والاعتقال عدة مرات، كانت أولها عام 1294 حيث اعتقله نائب السلطنة فى دمشق لمدة قليلة بتهمة تحريض العامة، وسبب ذلك أن ابن تيمية قام على أحد النصارى الذى بلغه عنه أنه شتم النبي محمد «صلى الله عليه وسلم»، وفى 1306م تم سجنه فى القاهرة مع أخويه «شرف الدين عبدالله» و«زين الدين عبدالرحمن» مدة ثمانية عشر شهرا بسبب مسألة العرش ومسألة الكلام ومسألة النزول الذي خالف فيها إجماع المسلمين، كما تم سجنه لعدة أيام بسبب شكوى من علماء أهل السنة، حيث تم سجنه ثمانية أشهر فى مدينة الإسكندرية، وخرج منها بعد عودة السلطان الناصر محمد بن قلاوون للحكم، تم سجنه مرة أخرى لمدة 6 أشهر بسبب «مسألة الحلف بالطلاق وسجن فى 1326 حتى وفاته 1328 ، بسبب مسألة «زيارة القبور وشد الرحال لها»، وبالإضافة إلى ذلك، فقد تعرض للهجوم بسبب عقيدته التى صرح بها فى الفتوى الحموية فى 1299 والعقيدة الواسطية فى 1306 التى أثبت فيهما الصفات السمعية التى جاءت فى الكتاب والسنة مثل اليد والوجه والعين والنزول والاستواء والفوقية، مع نفى الكيفية عنها.
ظهر أثر ابن تيمية فى أماكن مختلفة من العالم الإسلامى فقد ظهر فى الجزيرة العربية فى حركة محمد بن عبدالوهاب، وظهر أثره فى مصر والشام فى محمد رشيد رضا من خلال الأبحاث التي تم نشرها فى «مجلة المنار»، كما ظهر تأثيره فى المغرب العربي في الربع الثاني من القرن العشرين عند عبدالحميد بن باديس، وفي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وانتقل تأثيره إلى مراكش على أيدي الطلبة المغاربة الذين درسوا فى الأزهر، وهناك من يقول إن تأثيره فى مراكش أقدم حينما ظهر تأييد السلطانين محمد بن عبدالله وسليمان بن محمد لحركة محمد بن عبدالوهاب، وأنه ظهر فى موجة ثانية في أوائل القرن العشرين على يد كل من القاضى محمد بن العربي العلوي وعلال الفاسي، كما وصلت آراؤه لشبه القارة الهندية فى القرن الثامن الهجري بعد قدوم بعض تلاميذه إليها، منهم «عبدالعزيز الأردبيلي» و«علم الدين سليمان بن أحمد الملتاني» واختفى أثره فيها إلى القرن الحادي عشر الهجري، حتى ظهرت «الأسرة الدهلوية» ومنها ولي الله الدهلوي وابنه عبدالعزيز الدهلوي وإسماعيل بن عبدالغني الدهلوي الذين كانوا كلهم متأثرين بابن تيمية، ويبرز استدلال ما يسمى بالسلفية الجهادية بكتب وفتاوى ابن تيمية فى عدة مواقف، كما يظهر تأثر رموز هذا التيار به مثل محمد عبدالسلام فرج وأسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي.
وضع ابن تيمية بذرة القتل عندما افتى بأن «أي طائفة» يعني مجموعة «ذات شوكة»، أي قوة، ومنعة امتنعت عن تطبيق شعيرة من شعائر الله وجب قتالها، وهو ما وضع بذرة وحجة للقتال، وهي القاعدة التي طبقها بعد ذلك حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عمليا حينما أنشأ تلك الجماعة وأقام الجهاز الخاص استعدادا للقتال والمواجهة لإيجاد النظام الذى يريده حين قال في رسائله: نريد نظاما يتحقق فيه قول الله تعالى « وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوْكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ أَنْ يُصِيْبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوْبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيْرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ»، ثم جاء من بعده محمد عبدالسلام فرج فى كتابه «الفريضة الغائبة» ليضع التنظير الواضح لهذه الفكرة ويحكم على الحكام وحكوماتهم وأنظمتهم وشعوبهم بأنهم مرتدون كافرون، لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله وبدلوا شريعته بقوانين وضعية، ومن ثم فقد وجب الجهاد ضدهم وإقامة الدولة الإسلاميه لأجل تحكيم الشريعة الإسلامية
اتهم البعض ابن تيمية بأنه سار على نهج بعض الجماعات الخارجة عن الحنابلة، وهم ممن يسمون بـ«حشوية الحنابلة»، هم الأعراب المتأثرون بأحبار اليهود والمسيحيين الذين أظهروا الإسلام فى عهد الخلفاء الراشدين حيث كانت البداية تحريمه زيارة القبور والتوسل بالرسول والأولياء، ورفضه الشفاعة بالنبي، وإنكاره المذاهب الأربعة فى الفقه، وسار على نهجه تلميذه، ابن القيم الجوزية، ومن بعده إمام الوهابية، محمد بن عبدالوهاب، واتفقوا حول فكرة التجسيم، وهي من الإسرائيليات الموضوعة وهي أن الله يصعد إلى السماء العلا ويهبط إلى الأرض، ويبسط ويطوي الكون بيديه، كما يصافح خلق الله بهما، وكان ابن تيمية ينزل من على المنبر ويقول لتلاميذه: إن الله ينزل كما أنزل، ويهبط كما أهبط، ويمشي كما أمشي، ونقابله ونصافحه فى الأسواق كما أمشي وأصافحكم
وقال عنه الشيخ عبدالله الغصن فى كتابه «دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام»، أن ابن تيمية حمل لواء المذهب الكرامي، نصيرا ومؤيدا حيث ذكر ذلك أحدهم بقوله: (لم تمت الكرامية.. لقد عاشت الكرامية بعد موت مؤسسها… ثم احتضنها عالم متأخر، وهو تقي الدين بن تيمية).
ومع مرور الوقت بدأت انحرافات ابن تيمية فى الكثير من المسائل، وبدأ يواجه الكثير من اعتراضات علماء الإسلام المعاصرين له الذين وجهوا سهام نقدهم لأفكاره ونهجه التكفيري، ومنهم الإمام الحافظ تقى الدين على ابن عبدالكافى السبكي الذى قال عن ابن تيمية فى كتابه «الدرة المضيئة» بأنه خرج عن الاتباع إلى الابتداع، وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع. كما حذر منه الإمام ابن حجر الهيتمي فى كتابه الفتاوى الحديثية فقال: «اياك أن تصغى إلى ما فى كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله، وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود وتعدوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة فظنوا بذلك أنهم على هدى من ربهم وليسوا كذلك».
المعروف أن ابن تيمية استُتيب مرات عديدة لكي يرجع عن آرائه الشاذة والمتطرفة، وكان يسجن ويستتاب، فيرجع عن رأيه حتى يخرج من السجن، فإذا خرج عاد مرة أخرى إلى شذوذه الفكري ، حتى حبس بفتوى من القضاة الأربعة أحدهم شافعي والآخر مالكي، والآخر حنفي والآخر حنبلي، وحكموا عليه بأنه ضال يجب التحذير منه ، كما أصدر الملك محمد بن قلاوون منشورًا ليُقرأ على المنابر فى مصر وفى الشام للتحذير من ابن تيمية ومن أتباعه. وكان الذهبي وهو من معاصري ابن تيمية قد مدحه فى أول الأمر ثم لما انكشف له حاله حذر من كلامه، فقال ناصحا لابن تيمية: : «يا خيبة من اتبعك فإنه مُعَرَّضٌ للزندقة والانحلال ولاسيما إذا كان قليل العلم والدين لكنه ينفعك ويجاهد عنك بيده ولسانه وفى الباطن عدو لك بحاله وقلبه».
الغريب أن كتب ابن تيمية ومؤلفاته كانت قد تُركت لفترة طويلة حتى ظهر محمد بن عبدالوهاب فى الجزيرة العربية فأظهر أقوال وآراء ابن تيمية من جديد، واعتمدها مرجعية له لتكفير الناس حتى يستطيع محاربتهم للسيطرة على جزيرة العرب فأوقع الكثير من المذابح منها مذبحة حجيج الشام واليمن والحجيج الإيرانيين، وكان يعتبر أن كل من يخالف دعوته فهو كافر يجب قتاله، أو يدخل فى دعوته، وكان محمد ابن عبدالوهاب يقوم بهدم مقامات الصحابة وأمهات المؤمنين – مثلما تفعل داعش اليوم- بدعوى أنها شرك استنادًا على فتاوى لابن تيمية. وتبنت الوهابية طباعة كتب ابن تيمية والاهتمام بها بشكل كبير لدرجة أننا نجد مثلًا كتاب «مجموع الفتاوى» لابن تيمية الذى يحتوى على مايزيد على 30 مجلدًا بأبخس الأثمان. واعتمد منهج ابن تيمية فى فتاواه والذى انتهجه محمد بن عبدالوهاب من بعده التوسع فى التكفير وإدخاله بعض الخلافيات الفقهية فى باب «الشركيات»، وبذلك أحالوا هذه المسائل الفقهية المختلف عليها وأدخلوها ضمن مسائل العقيدة الكبرى، ولم تكن قبل عصر ابن تيمية كذلك، فقد كان قبل عصره تناقش مسائل التبرك والتوسل والاستغاثة مثلا من ضمن المسائل الفقهية الفرعية
ولعل من أخطر فتاوى ابن تيمية تلك التي يعتمد عليها تنظيم «داعش» الإرهابي في اعتدائهم على البلاد الفتوى المعروفة باسم :«فتوى ماردين»، والتى شجع فيها ابن تيمية على محاربة المدينة وأهلها، وقسم البلاد إلى «دار إسلام» و«دار كفر»، وأعطى بذلك للمتطرفين فتوى تبيح لهم شن الحرب على أي مدينة وفرض أحكام الشريعة الإسلامية بفهمهم المتطرف، حتى داخل الدول التى يدين أهلها بالإسلام، وقد كانت هذه الفتوى محل جدال طويل بين الفقهاء المسلمين
ولابن تيمية أيضا فتوى خطيرة تدعى فتوى «التترس»، وتنص هذه الفتوى على أن ما يسمونه بـ«المجاهد» الذى ينوى استهداف من يصفونهم بـ «الكفّار»، ووجد فى طريقه أو بينهم المسلمين، فإنه يجوز له قتل هؤلاء المسلمين من أجل الوصول إلى هدفه، وقد استند تنظيم القاعدة على هذه الفتوى فى تبرير قتل العراقيّين بأعداد هائلة من خلال تفجير السيّارات المفخّخة والعبوات الناسفة. وقد أطلق 428 فتوى تجيز قتل المسلم لأخيه تحت عنوان «يٌستتاب أو يٌقتل»، ناهيك عن فتاوى تكفير كثيرة، مع ربط التكفير بموقف فقهى يقضى بقتل المخالف
من جانبه حسم الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية المصرية السابق، فى لقاء سابق الجدل الدائر حول تدريس مؤلفات ابن تيمية بجامعات ومدارس الأزهر، مؤكدا أن الأزهر لا يُدرس كتب ابن تيمية نهائيا ولا يستخدمه كمصدر تعليم والمطلع على جميع مناهج كليات الشرعية وأصول الدين وغيرها من الكليات الأزهرية يجد ذلك، ويتم دراسته كحالة دراسية فقط ولكن لا يتم تدريسه كمصدر لتلقى العلم الشرعي
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website