تصطدم رغبة ولي العهد السعودي في العودة ببلاده إلى إسلام معتدل ونبذ التطرف بعقبات كثيرة، إذ لا بد له من تغيير “معادلة الحكم” هناك التي قامت على التحالف بين الدين والسياسية، فما هي فرصه وأدواته لتحقيق مثل هذا التحول؟
“يجب أن نتحد في السعي إلى تحقيق هدف واحد يتجاوز كل اعتبار آخر. وهذا الهدف هو مواجهة اختبار التاريخ العظيم – القضاء على التطرف وقهر قوى الإرهاب”. جملة قالها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قبل أشهر قليلة في كلمته أمام القمة العربية-الإسلامية خلال زيارته للسعودية، حيث شدد على أهمية التصدي للإرهاب والتطرف. بعد زيارة ترامب، توالت التغييرات التصريحات والمواقف السعودية التي تصب في هذا الاتجاه.
كما تم بعد تلك الزيارة الإعلان عن الحد من صلاحيات المؤسسة الوهابية الرسمية التي تسمى بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسماح للمرأة بقيادة السيارة. ما يعني أن زيارة ترامب قد أعطت دفعاً لعملية التغيير في السعودية، محمد بن سلمان بدأ مشروعه الإصلاحي بالإعلان عن “رؤية السعودية 2030” ولديه خطط طموحة في إطار سعيه للتحديث والإصلاح، وآخر ما أعلنه في هذا الإطار هو مشروع “نيوم” العملاق والمشترك مع مصر والأردن.
هل يمكن التخلي عن الوهابية؟
طموحات الأمير الشاب لا تقف عند الإصلاح الاقتصادي، إذ يسعى إلى تحقيق إصلاح اجتماعي أيضاً من خلال الحد من نفوذ المؤسسة الدينية ومحاربة الفكر الديني الوهابي المتطرف، حيث تم إنشاء هيئة “لمراقبة تفسير الأحاديث” مؤخراً، وفي جلسة حوارية ضمن منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” في الرياض وعد الامير الشاب بإسلام وسطي معتدل بقوله “نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم”
مضيفاً “لن نضيع 30 سنة من حياتنا بالتعامل مع أفكار مدمرة، سوف ندمرها اليوم وفوراً”. وتابع: “سوف نقضي على التطرف في القريب العاجل”.
حديث ولي العهد الشاب عن العودة إلى الوسطية والاعتدال والقضاء على التطرف، يثير التساؤل فيما إذا كان يعني بذلك الوهابية التي لم يسمها، والتي أمنت الغطاء الديني والشرعي لحكم آل سعود منذ تأسيس المملكة على يد عبد العزيز آل سعود عام 1902. المحلل السياسي السعودي عبد المجيد الجلال يرى أن ولي العهد السعودي يقصد بكلامه الوهابية و أفكار ومعتقدات ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب “فهذا الفكر الوهابي المتشدد أدخل المجتمع السعودي والمملكة في إشكالات ثقافية شديدة. وهناك اتجاه من الدولة للخروج من هذا الفكر المتشدد، وهي عملية صعبة تحتاج جهوداً مشتركة من الدولة والمجتمع، فالدولة هي من زرعت هذا الفكر المتشدد”.
لكن هل تستطيع المملكة التخلي عن الفكر الوهابي وإبعاد رجال الدين وفقهاء الوهابية عن مؤسسة الحكم والقضاء على نفوذهم؟ الباحث في الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية سيباستيان زونس لا يعتقد أن العائلة الحاكمة تستطيع التخلص من الوهابية ونفوذها، إذ أنه “لولا الدعم الديني من الوهابيين لما حصلت العائلة المالكة على السلطة السياسية. وقد استمر هذا التحالف (بين الوهابية والعائلة المالكة) لعقود. لذلك فمن الصعب للعائلة المالكة الاحتفاظ بالسلطة السياسية إذا فقدت دعم رجال الدين. وبالتالي فإن الأمر لا يعني القضاء على الوهابية أو إصلاحها بشكل جذري”
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
والملفت حسب رأي زونس، المختص بالشأن السعودي، أنه ليس هناك معارضة كبيرة من رجال الدين للإصلاحات، ويعود ذلك إلى أن “فقهاء الوهابية قد تم الحد من نفوذهم خلال السنوات الأخيرة، وهو ما واصله الأمير محمد بن سلمان. وهناك دعم شعبي كبير له وللإصلاحات الاقتصادية بين الشباب الذين يعلقون آمالاً كبيرة عليه”.
تزامن الحديث عن الاعتدال ومحاربة التطرف والفكر المتطرف، مع الإعلان عن إصلاحات اقتصادية ومشاريع كبيرة، يشير إلى وجود علاقة بين “الإصلاحات الاقتصادية والدينية” يقول زونس. ويتابع بأن السعودية بحاجة إلى صورة جديدة مختلفة عن السابقة السائدة في الخارج، والتي تنظر إلى المملكة على أنها “بلد محافظ وبالتالي كل شيء فيه ممنوع”، وهي تحتاج لصورة جديدة “جيدة” لأنها بحاجة لاستثمارات ومستثمرين أجانب.
وبالتالي فإن على السعودية “أن تصبح جذابة ومغرية لهم للعمل والاستثمار في السعودية، وتظهر أنه ليس هناك إصلاحات اقتصادية فقط وإنما دينية وثقافية واجتماعية أيضا وهناك سعي للتحديث وتطوير البلاد”، يضيف زونس.
لكن يبقى السؤال، كيف سيحقق الأمير الشاب طموحاته التي يشاركه إياها طيف واسع من الشباب السعودي، وما هي الأدوات والوسائل التي يملكها من أجل ذلك؟