من الأمور البديهية المعروفة بشكل كبير في الوطن العربي هي قصة رفض السلطان عبد الحميد الثاني بيع فلسطين لرئيس الوكالة اليهودية ثيودور هرتزل الذي قدم إلى إسطنبول في حزيران/ يونيو 1896 وحاول لقاء السلطان عبد الحميد الثاني لإقناعه بالسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين مقابل سداد ديون الدولة العثمانية بشكل كامل.
تبين الوثائق والمصادر التاريخية أن عبد الحميد الثاني كان على علم تام بالخطط الصهيونية تجاه فلسطين منذ 1882 بعد بدء الجماعات اليهودية بعقد اجتماعات سرية في بعض الدول الأوروبية والقيصرية الروسية من أجل تأسيس دولة يهودية تجمعهم وتراثهم وثقافتهم ودينهم ولغتهم في فلسطين وكان المُحرك الأساسي لهذه المؤتمرات والاجتماعات المفكر اليهودي ثيودر هرتزل الذي كتب كتاب الدولة اليهودية بتاريخ 14 شباط/ فبراير 1896 وذكر فيه قوله: “إن اليهود قومية بلا وطن، ولا تُحل قضيتهم إلا من خلال وطن جامع لهم ولا بد أن يكون هذا الوطن في أرض الله الموعودة “فلسطين” وإن لم ننجح بأخذ فلسطين يمكن أن يكون وطننا في أوغندا أو الأرجنتين ولكن لا بد أن يكون موعدنا في فلسطين الأرض التي وهبنا إياها الرب”.
كما بين ثيودور هرتزل ضرورة بذل كل الجهود من أجل إنجاح خطة تأسيس دولة يهودية في فلسطين، ولتحويل خطته النظرية إلى عملية قام ثيودور هرتزل بتاريخ 29 آب/ أغسطس 1897 بدعوة اليهود في جميع أنحاء العالم إلى الاجتماع في مدينة بال السويسرية لمناقشة قضية الوطن اليهودي وفي نهاية المؤتمر اتفق المجتمعون على جعل فلسطين الوطن اليهودي.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف اتخذ المؤتمر بعض القرارات مثل:
ـ تشكيل المنظمة اليهودية العالمية بقيادة ثيودر هرتزل لتجميع اليهود في جميع أنحاء العالم.
ـ تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
ـ اتخاذ السبل وجميع التدابير اللازمة للحصول على تأييد دول العالم للهدف اليهودي وتبنّيه.
ـ تشكيل الجهاز التنفيذي “الوكالة اليهودية” لمتابعة تنفيذ قرارات المؤتمر.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وفي ذلك الحين كان السلطان عبد الحميد الثاني مُلمًّا بكل الإجراءات التي يقوم بها ثيودور هرتزل وذلك لأن السلطان كان يملك أقوى جهاز استخباراتي في ذلك الوقت، ولحماية فلسطين من الهجرات اليهودية أصدر السلطان عبد الحميد الثاني عام 1876 مذكرة قانونية بعنوان “مذكرة الأراضي العثمانية” أو كما هي في اللغة العثمانية “عثمانلي أراضي قانوني” وحسب هذه المذكرة القانونية منع السلطان عبد الحميد الثاني بيع الأراضي العثمانية وخاصة الفلسطينية لليهود منعًا باتًّا وجهز وحدة شرطة خاصة للقيام بهذا الأمر ومتابعته، كما خصص السلطان أوقاتًا محددة وقصيرة لليهود الراغبين في زيارة فلسطين.
رأى هرتزل أن السلطان عبد الحميد الثاني عائق كبير أمام الأهداف الصهيونية بفلسطين فقرر التحرك دبلوماسيًّا والعمل على إقناع عبد الحميد الثاني بكل الوسائل للحصول على وطن في فلسطين، ومن أجل الحصول على فرصة للقاء السلطان عبد الحميد حاول إقناع صديقه نيوزلينسكي ذو العلاقة الحسنة والطيبة مع السلطان عبد الحميد الثاني بالتوسط له لدى السلطان للقائه، قبل عبد الحميد الثاني وساطة نيوزلينسكي وقدم وصديقه هرتزل في حزيران/ يونيو 1896 والتقوا بالسلطان عبد الحميد الثاني، وكان السلطان يحرص على توثيق جميع اجتماعاته ولقاءاته.
وحسب الوثيقة التي وثقت هذا الاجتماع؛ بدأ هرتزل قوله بتعبيره عن خالص احترامه وتقديره للسلطان الكبير عبد الحميد الثاني ومن ثم تطرق إلى موضوع فلسطين قائلًا: “إن الأمة اليهودية ومنذ زمن طويل تتعرض لأقوى وأبشع أنواع الذل والاستحقار والإقصاء، ومن أجل تخليصها من أنواع العذاب الشرسة هذه، فإن كل ما نريده هو قبولكم لهجرتهم لفلسطين لا لشيء سوى إنقاذهم من التمييز البشع الذي يتعرضون له في أوروبا والقيصرية الروسية وأتعهد لكم في مقابل قبولكم هذا بسداد جميع ديون الدولة العثمانية وحتى تزويد الميزانية والخزينة العثمانية بفائض عن حاجتها”.
فرد عليه السلطان عبد الحميد الثاني العثماني بالقول:
” لا أستطيعُ بيعَ حتّى ولو شبرٍ واحدٍ من هذه الأرض، لأنّ هذه الأرض ليست ملكًا لشخصي بل هي ملكٌ للأمّة الإسلاميّة، نحن ما أخذنا هذه الأراضي إلّا بسكب الدِّماء والقوّة، ولن نسلّمها لأحدٍ إلّا بسكبِ الدِّماء والقوّة، واللهِ لَإنْ قطّعتُم جسدي قطعةً قطعةً لن أتخلّى عن شبرٍ واحدٍ من فلسطين”.
ويُقال بأن هرتزل زار إسطنبول ما بين 1896 إلى 1902 خمس مرات وبذل كل ما في وسعه من أجل الحصول على موافقة عثمانية بالسماح لليهود بالهجرة لفلسطين ولكن دون جدوى ويُقال أيضًا بأن السلطان عبد الحميد أمر بتشديد الإجراءات الأمنية على فلسطين وأمر بتشديد الإجراءات الأمنية على تنفيذ قانون “الإرادة الثانية” الذي صدر عام 1883 والذي نص على جعل 80% من أراضي فلسطين أراضيَ وقفٍ تابعة للدولة و 20% أرض ملك خاص، ومن ضمن هذه الأراضي الخاصة كانت عائلة سرسق اللبنانية تمتلك 0,3% منها أي 0,3% من مساحة فلسطين كاملة وباعت عائلة سرسق هذه الأراضي لليهود بشكل غير مباشر وتمكن اليهود من الحصول على أول قطع أرض بشكل رسمي من خلال عائلة سرسق.