لطالما كانت “إيران” معين علماء الإسلام على مدى قرون طويلة، هؤلاء العلماء الذين خرج منهم أئمة كبار من أهل السنة ما زالت لهم يد طولى إلى الآن على العلوم الإسلامية والفكر الإسلامي.
ومع بداية القرن السادس عشر ظهرت “الدولة الصفوية” الشيعية على الأراضي الإيرانية والتي أثرت بظهورها تأثيرًا كبيرًا على النواحي السياسية والاجتماعية والدينية تجاوزت إيران وتعدتها إلى العراق وتركيا وأفغانستان وصولًا إلى الهند، وكانت سببًا في قطيعة بين إيران والعالم الإسلامي السني منذ ذلك الوقت حتى الآن.
صدر قرار بحرق أهل السنة والجماعة الذين حكموا الشيعة قبل ظهور دولة الشاه، وتم قتل كثير بهذا القرار في أذربيجان، كما جرى هدم الجوامع السنية ونسف المزارات الصوفية النقشبندية وقُمع العديد من الطرق الصوفية الأخرى.
تطورت الصفوية وجذبت أتباعا كُثر، حتى أضحت قوة سياسية نافذة في شمالي غرب إيران وشرقي الأناضول في القرن الخامس عشر، ومع إعلان إسماعيل الأول المعروف باسم “الشاه إسماعيل” (1487-1524) قيام الدولة الصفوية الشيعية، عيَّن نفسه كأول ملك لها، وقام بتجميع جنود الحركة الذين عرفوا بعد ذلك باسم “القزلباش” في جيش تحت قيادته، ولعل الدافع القوي الذي دفع إسماعيل لإعلان دولته على التشيع هو تمييزها عن الدول السنية المجاورة لها، وكان فرض التشيع بكل الوسائل المتاحة -كما سنرى- يهدف لإيجاد انسجام ديني ومذهبي داخل المجتمع الإيراني الذي تحكمه الدولة الجديدة.
تذكر المدونات الصفوية أن إسماعيل اجتمع ليلة الجمعة بأركان دولته، وبحث معهم إعلان الدولة الجديدة على المذهب الشيعي الإثنى عشري، وقد أثار هذا تخوف كثير منهم، خاصة وأن عدد سكان مدينة “تبريز” والذي ينوي الإعلان من خلالها يزيد عن ثلاثمائة ألف شخص، ثلاثة أرباعهم من أهل السنة، وقد تحدث ردة فعل شعبية من الناس ترفض أن يحكمهم ملك شيعي، إلا أن جواب إسماعيل أكد على أنه لا يخشى إلا “الله” و”الأئمة الإثنى عشر” وأنه من يعترض منهم سيفصل السيف رأسه عن جسده.
جرى إهمال الحج إلى مكة بزيارة كربلاء، وجرى زيادة الزيارات الطقسية الاحتفالية لأضرحة الأئمة بدلًا من الزيارات التي كانت تتم لأضرحة الصوفية، بغية ربط الإيرانيين بالمؤسسة الدينية الشيعية الشعبية.
ظهرت حالة من الذعر بين سكان المدن الإيرانية والأذربيجانية عند وصول أخبار هذه المجازر إليهم، خاصة وأن الشاه كان يقوم بترهيب المناطق التي يقبل على فتحها قبل أن يدخلها، وينشر بداخلها أن من سيعترض عليه وعلى حكمه ومذهبه فمصيره القتل، فالناس هنا بين خيارين إما إعلان تشيعهم أو استقبال السيف في صدورهم، وقد قامت مذابح كبيرة ضد أهل السنة في كثير من المدن مثل مذبحة “تبريز” والتي يقال إن عدد ضحاياها تجاوز العشرين ألفا، ومدينة “يزد” التي لم يَقل فيها عدد القتلى عن سبعة آلاف قتيل، بالإضافة إلى “كازرون”، و”طبس”، و”مقاطعة خراسان”، و”بغداد” التي دخلها الشاه في أكتوبر ١٥٠٨ وفيها أمر بفتح قبر الإمام “أبو حنيفة” وإخراج عظامه وحرقها ثم نثر رمادها ثم هدم تربته وحرقها ولكنه لم يُفلح.
لم يعتمد انتشار المذهب الإثنى عشري في إيران على السيف وقوة الدولة العسكرية فقط، بل أدرك الشاه منذ البداية؛ أن ترسيخ المذهب لا بد له أن يقوم على المؤسسات التعليمية الفقهية وتعظيم التشيع في قلوب الناس بشتى الطرق، فقام أولًا باستقدام علماء الشيعة من “جبل عامل” بلبنان، كما استقدم أيضًا علماء البحرين وسورية والعراق وشمال شرق الجزيرة، وقد قاموا بوضع الأساس الفكري للتشيع في إيران عبر وضع الكتب والمؤلفات، وقد برز العالم الشيعي اللبناني “علي الكركي” (1465-1534 تقريبًا) كأول عالم أسس مدرسة شيعية في إيران، وهي المدرسة التي حولت التشيع العادي الذي يتلاءم مع مرحلة الطريقة إلى التشيع الفقهي المؤسسي المتوافق مع تحول الدعوة إلى دولة، كما تم تأسيس مؤسسة دينة شيعية رسمية في الدولة يترأسها “شيخ الإسلام” ممثلًا لأعلى منصب ديني في الدولة.
أما على مستوى العمائر والمزارات الشيعية فقد تم إعادة بناء المزارات الموجودة وترميم ما هو قائم منها في مدينة “مشهد” و”قم” وذلك في عهد الشاه “عباس الأول” مع وقف ممتلكات واسعة عليها، كما جرى إهمال الحج إلى “مكة” بزيارة كربلاء بالعراق وغيرها من الزيارات، وجرى زيادة الزيارات الطقسية الاحتفالية لأضرحة الأئمة المزعومة بدلًا من الزيارات التي كانت تتم لأضرحة مشايخ الصوفية وأولياء الله الصالحين كما هي عادة المسلمين السنة، وكل هذا كان بغية ربط الإيرانيين بالمؤسسة الدينية الشيعية الشعبية.
وهكذا انتقلت إيران السنية الصوفية الشافعية إلى التشيع، والذي ما زال يلعب دورًا واضحًا الآن في حقبة من يمكن تسميتهم بالصفويين الجدد.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website