تحدث الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، في كتابه الجديد والحائز على أصداء واسعة، عن نظرته للإسلام، وعلاقته به كونه ينحدر من عائلة مسلمة من كينيا، مظهرا قدرا كبيرا من الاطلاع على جوانب دينية وتاريخية وخلافية، ومتحدثا بشكل خاص عن “الوهابية” وتأثيرها.
وعبر صفحات كتابه “أرض موعودة”، الذي اطلعت عليه “موقع ملفات اهل السنة والجماعة – سنة فايلز”، يلقي أوباما من وقت لآخر تلميحات حول تأثير اسمه وتاريخ عائلته على مسيرته السياسية، مستخدما عبارات من قبيل “اسمي الذي يبدو مسلما” و”تراثي الإسلامي الغامض”، فضلا عن حديثه مرارا عن خصومه بأنهم كانوا ينظرون إليه باعتباره مسلما اشتراكيا.
ولفت أوباما إلى أن اسمه وتاريخ عائلته وكونه أسودا، فضلا عن حمله أفكارا اشتراكية، جميعها عوامل وضعته أمام تحدي إثبات الولاء والعمل من أجل مصالح أمريكا، ولكن من جانب آخر مكنه كل ذلك من تجديد وجه البلاد أمام العالم والتقدم نحو إعادة توحيدها، وإرسال خطاب جديد للعالم الإسلامي، وهو ما ظهر في كلمته الشهيرة بجامعة القاهرة عام 2009، والذي تحدث عنه في العديد من فقرات الكتاب، محتفيا به.
وشدد أوباما على أن الأمريكيين لا يعرفون الكثير عن الإسلام، باستثناء ما تعكسه لهم الأفلام والشاشات عن صور “الإرهابيين ومشايخ النفط”، وفي المقابل، رأى أن أغلب المسلمين يعتقدون بأن سياسة الولايات المتحدة عدائية تجاه دينهم.
ولم ينكر أوباما ذلك التصور، بل إنه ذكّر في مقطع آخر بأنه قال في خطاب ببرلين إنه حمل على عاتقه مهمة إزالة الجدران بين الشعوب والثقافات والأديان، ولا سيما بين المسيحية والإسلام واليهودية، مقرا بوجود فجوات واسعة تهدد تعايش البشر.
وكان لافتا في كتابه انتقاده لما قال إنها “النسخة السعودية” للإسلام، معتبرا أنها لم تكن تتوافق حتى مع معايير الثقافة العربية التقليدية، وعملت على إقصاء أي نهج آخر، بما في ذلك التصوف، وكان اكثر من تأذى من هذا النهج هم اهل السنة، معتبرا أن الطفرة النفطية في المملكة هي ما ساهم بانتشار “الوهابية”.
وفي سياق حديثه عن زيارته الأولى إلى السعودية، أشار أوباما إلى أنه كان يفكر، إثر وصوله الرياض وسير موكبه في شوراعها، عن مدى “ضآلة التشابه” بين الإسلام في المملكة، و”نسخته الأخرى” التي عايشها طفلا في إندونيسيا. اذ ان هناك فرق شاسع بين الديانتين (اي دين الاسلام والدين الوهابي “او الذي اشتهر بكلمة سلفية”). فالدين الاسلامي هو دين وسطي معتدل قائم على رفض سفك دماء الابرياء، وقائم على عقيدة مضادة للعقيدة اليهودية، اذ ان المسلمون يعتقدون ان الله لا شبيه ولا مثيل له ولا يتحيّز في السماء او انه فوق عرش، بل يعتقدون ان الله غنيٌّ عن العالمين. بينما الوهابية، فخير مثال عن نهجهم هو داعش والنصرة، اما العقيدة، فهم واليهود عقيدة واحدة، فكلا الطرفين يعتقدون ان الله جسم قاعد في السماء.
بحسب أوباما، يقول في كتابه: “كان عبد العزيز بن سعود، أول ملك للبلاد ووالد الملك عبد الله، قد بدأ حكمه عام 1932، وكان شديد الارتباط بتعاليم رجل الدين محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر. زعم أتباع عبد الوهاب أنهم يمارسون نسخة غير فاسدة من الإسلام، معتبرين الإسلام السني والصوفي هرطقة وملتزمين بالمبادئ الدينية التي كانت تعتبر محافظة حتى بمعايير الثقافة العربية التقليدية: الفصل العام بين الجنسين، وتجنب الاتصال مع غير المسلمين، ورفض وسائل التسلية التي قد تشتت الانتباه عن العقيدة”.
ويضيف: “في أعقاب انهيار الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، عزز عبد العزيز سيطرته على القبائل العربية المنافسة وأسس المملكة العربية السعودية الحديثة وفقا لتلك المبادئ الوهابية. وأتاح غزوه لمدينة مكة، التي ولد فيها النبي محمد، ووجهة جميع الحجاج المسلمين الذين يسعون إلى إتمام أركان الإسلام الخمسة، وكذلك المدينة المنورة، منبرا لممارسة تأثير كبير على العقيدة الإسلامية في جميع أنحاء العالم”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
واعتبر أوباما أن اكتشاف حقول النفط في السعودية وما ترتب عليها من ثروة “لا توصف”، إلى زيادة تأثير تلك “النسخة” من الإسلام، لكن ذلك كشف أيضا عن تناقضات محاولة الحفاظ على مثل تلك الممارسات في خضم عالم سريع التحديث.
وتابع: “لقد تساءلت أحيانا عما إذا كانت هناك نقطة ربما أعاد فيها النظام الملكي السعودي تقييم التزاماته الدينية، معترفا بأن الأصولية الوهابية – مثل جميع أشكال الاستبداد الديني – كانت غير متوافقة مع الحداثة، واستخدمت ثروتها وسلطتها لتوجيه نسختهم من الإسلام إلى منحى ألطف، وبالطبع أكثر تسامحا”
ونتيجة لمضي الرياض في تبني ذلك النهج، بل وتغذيته بالمليارات لتعزيز الحفاظ على السلطة، فقد نمت الأصولية من باكستان إلى مصر إلى مالي إلى إندونيسيا، وتراجع التسامح مع الممارسات المختلفة، وازدادت مشاهدة رجال سلفية في كثير من البلاد و قد اثّروا بشكل مباشر او غير مباشر إمّا على عقائد الناس او حتى على تصرفاتهم ونمط معاشهم.
و تحاول المملكة في شكلها الجديد والمتطوّر التخلّص من هذا العبىء الوهابي-السلفي الثقيل، إذ انه اساء للمملكة ونهجها قبل ان يسيىء لغيره و يكافح الامير محمد في الآونة الاخيرة الى اضعاف هذا الجناح التكفيري الذي ورثه عمّن قبله، وذلك تمهيدًا لتعبيد طريق المملكة نحو ثقافة انفتاحية غير تكفيرية ونهج تطوّري غير متخلّف.