كان ﷺ يخفف صلاته إذا سمع بكاء الطفل شفقة منه على أمه وحزِن وتأسف على المرأة التي كانت تنظف المسجد، وماتت ولم يخبر عنها، فسأل عنها فدُل على قبرها، فذهب وصلّى عليها.
وكان يرفق بالأرامل، والإماء، والمحتاجات، ولا يتوانى في قضاء حوائجهن، والساعي على الأرملة، واليتيم كالمجاهد في سبيل الله، وكالصائم الذي لا يفُتر، والقائم الذي لا يقعد.
وكان ﷺ يحسن للنساء، وكان يهمه أمر النساء، ودخلت خويلة بنت حكيم على عائشة رضي الله عنها وكانت زوجة عثمان بن مظعون ، فرأى النبي ﷺ بذاذة هيأتها، وهناك بعض الأحاديث التي جاءت في شأن النساء كانت قبل نزول الحجاب، ولذلك لا يُستنكر ما فيها؛ لأنها كانت قبل نزول آية الحجاب. والنبي ﷺ لما رأى بذاذة هذه المرأة وهيأتها قال: يا عائشة، ما أبذّ هيأة خويلة يعني أن حالها كئيب، وثيابها رثة، فقالت: “يا رسول الله، امرأة لا زوج لها، كأنه لا زوج لها؛ مع أنه عنده زوج لكن لماذا قالت: يصوم النهار، ويقوم الليل؟ فهي كمن لا زوج لها، فتركت نفسها، وأضاعتها، زوجها مشتغل بالعبادة عنها كأنها ليس لها زوج، فلماذا تتزين؟ قالت: “فبعث رسول الله ﷺ إلى عثمان بن مظعون، فجاءه فقال: يا عثمان، أرغبة عن سنتي؟ قال: لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب” قال: فإني أنام، وأصلي، وأصوم، وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقًا، فصم، وأفطر، وصل ونم رواه أحمد، وهو حديث صحيح
وفي رواية لأبي موسى الأشعري: “أن امرأة عثمان بن مظعون دخلت على نساء النبي ﷺ فرأينها سيئة الهيأة، فقلن لها: مالكِ؟ ما في قريش رجل أغنى من بعلك، قالت: “ما كنا منه من شيء، أما نهاره فصائم، وأما ليله فقائم، فدخل النبي ﷺ فذكرن ذلك له، فقال له: يا عثمان، أما لك بي أسوة؟ قال: وما ذاك يا رسول الله فداك أبي وأمي؟ قال: أما أنت فتقوم بالليل، وتصوم بالنهار، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لجسدك حقاً، فصل ونم، وصم وأفطر. قال: فأتتهم المرأة بعد ذلك عاطرة كأنها عروس، فقلن لها: مه؟ ما الخبر؟ فقالت: أصابنا ما أصاب الناس، يعني رجعنا للحالة الطبيعية مثل بقية النساء الذين لهن أزواج يهتمون بهن. رواه ابن حبان
كان عليه الصلاة والسلام لا ينسى ما تقدّم النساء الخيرات من معروف
ومن ذلك ما حصل من ضياع القِلادة التي كانت لأسماء رضي الله عنها، ومن ذلك ما حصل من معروف المرأة المشركة التي قدمته للمسلمين، وذلك أن النبي ﷺ كان مرة في سفر، وفقد أصحابه الماء، فتوضؤوا، وصلوا، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، فقال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء”، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم سار النبي ﷺ فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل فدعا فلاناً، الآن لا بدّ من تزويد الجيش بالماء، عمران بن حصين، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فقال: “اذهبا فابتغيا الماء، وقد عطش الصحابة عطشًا شديدًا، قال: “فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين من ماء على بعير لها، والمزادة أكبر من القِربة، سمّيت بذلك؛ لأنه يزاد فيها من جلد آخر من غيرها، فقلن لها: أين الماء؟ قالت: أي ها هو أي ها هو، لا ماء لكم، يعني بعيد، وأيأستهم منه، ليس هناك ماء حاضر قريب قلنا: فكم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: مسيرة يوم وليلة قالا لها انطلقي، إذًا، قالت إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله ﷺ، قالت: الذي يُقال له: الصابئ؟ لأنها سمعت هذه المرأة المشركة أن النبي ﷺ خرج عن دين قومه، وكل من خرج عن دين قومه كانوا يسمونه الصابئ، فقالت: الصابئ؟ فما أراد عمران بن حصين وعلي بن أبي طالب أن يوحشا المرأة، ويقولان: لا، هو ليس بصابئ، ولو قالا: نعم، مصيبة أيضاً، فلذلك قالا: “هو الذي تعنين” لا نعم، ولا لا، فانطلقي، فتخلصا بهذا الكلام أحسن تخلص.
فجاءا بها إلى النبي ﷺ، وحدثاه الحديث فأخبرته مثل الذي أخبرتنا، وأخبرته أنها موتمة، يعني لها صبيان أيتام، قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبي ﷺ بإناء، ففرغ فيه من أفواه المزادتين”.
وفي رواية للطبراني: تمضمض في الماء فأعاده في أفواه المزادتين، وأوكأ أفواههما، وربطها، وأطلق العزالي؛ والعزالي جمع عزلاء، وهو مصب الماء من الرواية، ولكل مزادتين عِزالان من أسفلها لصب الماء، ونُودي في الناس: اسقوا، واستقوا فالآن مضمض ورده في فم القربة، وأغلقه، وفتح العزالين من تحت لينزل الماء، وقيل: يا أيها الناس استقوا من هاتين المزادتين، ولكل مزادة عِزالان من أسفلها، فكأنه صار عندنا أربع فتحات، قال: فشربنا ونحن أربعون رجلاً عطاشٌ حتى روينا وملأنا كل قربة معنا وإداوة غير أنا لم نسق بعيرًا، وهي -يعني هذه المزادة- تكاد تنضرج من الماء، يعني تنشق من كثرة ما امتلأت من الماء، وكان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء قال: اذهب فأفرغه عليك، وهي قائمة، المرأة المشركة هذه متحيرة جداً تنظر إلى ما يُفعل بمائها، وأيم الله لقد أُقلع عنها، وإنه ليخيل إلينا أنها أشد، مليئة منها حين ابتدأ فيها، فقال النبي ﷺ: اجمعوا لها يعني مع أن الماء زاد، وما نقص، ماء هذه المرأة زاد وما نقص، لكن لأنها سبب، واستقوا من مائها أصلاً، فقال: اجمعوا لها فجمعوا لها ما بين عجوة، ودقيقة، وسويقة، مما كان معهم من الزاد حتى جمعوا لها طعاماً كثيراً، فجعلوها في ثوب، وحملوه على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، قال: لها اذهبي فاطعمي هذا عيالك، واعلمي أنا لم نرزأ من مائك شيئاً، ما نقصنا من مائك شيئاً، ولكن الله هو الذي أسقانا، هذا تعليم التوحيد للمشركة.
فأتت أهلها، وقد احتبست عنهم، يعني تأخرت، قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب العجاب، لقيني رجلان، فذهبا بي إلى هذا الذي يُقال له: الصابئ، ففعل كذا وكذا، فو الله إنه لأسحر الناس من بين هذه، وهذه، وقالت بأصبعيها الوسطى والسبابة، يعني فرفعتهما إلى السماء، تعني السماء والأرض، يعني هذا الرجل أسحر الناس ما بين السماء، والأرض هذا أسحر واحد، أو إنه لرسول الله حقاً”. [رواه البخاري: 344، مسلم: 1595]. يعني: واحدة من الثنتين؛ إما أنه رسول الله، أو ساحر أسحر واحد في العالم.
فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين، أنظر المراعاة لهذه المرأة؛ لأنها صنعت معروفاً يوماً ما كانوا يغيرون على من حولها من المشركين، ولا يصيبون الصِّرم؛ والصرم الأبيات المجتمعة، ولا يصيبون الصرم الذي هي منه، فقالت يوماً لقومها، هذه المرأة انتبهت لما يحدث، ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمداً، فهل لكم في الإسلام؟ أي أن هذه المرأة صارت هي التي تدعو قومها للإسلام، تقول: لا أظن المسلمون يتركونكم غفلة، ولا نسيان، بل مراعاة لما سبق بيننا وبينهم، أو بيني وبينهم، فأطاعوها، فدخلوا في الإسلام، فحفظ النبي ﷺ المعروف للمرأة، وأعطاها زيادة، وطعام لأيتامها، وأحسن الصحبة لها بعد أن رجعت، حتى كان ذلك سبباً في إسلام قومها، وراعى الذمام.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website