كانت المملكة الإثيوبية، المعروفة أيضاً باسم الحبشة، واحدة من عدة ممالك في شرق إفريقيا، وشملت ما يُعرف الآن بالنصف الشمالي لإثيوبيا. تأسست في القرن الثاني عشر واستمرت حتى عام 1974، وهي واحدة من أطول الإمبراطوريات في كل العصور.
إلا أن تاريخ تأسيس هذه المملكة التي تعد من أطول الإمبراطوريات عهداً في التاريخ يعود لما قبل الميلاد كما يُقال، وتقاطعت رحلة تأسيسها وانهيارها مع المتغيرات الجيوسياسة في المنطقة، وصولاً حتى طيّ آخر صفحة من صفحاتها كلياً في عام 1974.
أصل المملكة: أكسوم
البداية مع القرن الأول الميلادي
كانت المرتفعات الإثيوبية، مع هطول الأمطار الموسمية السنوية وتربتها الخصبة، مأهولة بالسكان بنجاح منذ ما يُسمى بالعصر الحجري.
ضمنت الزراعة والتجارة مع مصر وجنوب شبه الجزيرة العربية والشعوب الإفريقية الأخرى صعود مملكة أكسوم القوية، التي تأسست في القرن الأول الميلادي كما يُقال.
ازدهرت مملكة أكسوم من القرن الثالث إلى القرن السادس الميلادي كما ذُكر في تاريخها، ثم نجت ككيان سياسي أصغر في القرن الثامن الميلادي، وكانت أول دولة إفريقية جنوب الصحراء تتبنى المسيحية رسمياً عام 350 ميلادية.
أنشأت أكسوم أيضاً لغتها الخاصة، الجعز، والتي ما زالت مستخدمة في إثيوبيا اليوم.
عبر هذه المملكة المسيحية، تم بناء الكنائس وتأسيس الأديرة وترجمات الكتاب المُتّبع. كانت الكنيسة الأكثر شهرة في أكسوم، كنيسة مريم تسيون، والتي، وفقاً لنصوص العصور الوسطى الإثيوبية اللاحقة، تضم تابوت العهد بزعمهم، ولكن بدون وجود أي دليل على ذلك.
لكن في أواخر القرن السادس الميلادي، تدهورت مملكة أكسوم بسبب الإفراط في استخدام الأراضي الزراعية، والمنافسة المتزايدة على شبكات التجارة في البحر الأحمر.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ويتقاطع تاريخ هذه المملكة مع تاريخ بداية الدعوة الإسلامية وفي مراحلها السرية، حين أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) صحابته في السنة الخامسة من البعثة (615 ميلادية) بالهجرة إلى الحبشة، في ظل تعذيب الكفار لهم، حيث أحسن ملكها “أصحمة بن أبجر النجاشي” معاملتهم، ورفض تسليمهم إلى قريش.
وبقرية النجاشي بإقليم تجراي شمالي إثيوبيا، على بعد نحو 770 كم من العاصمة أديس أبابا، شيد أول مسجد في إفريقيا، كأول أرض إفريقية عرفت الإسلام.
ومع حلول القرن الثامن الميلادي فقدت المملكة السيطرة على التجارة الإقليمية مقابل ازدهار دولة الإسلام.
مرحلة انتقالية ومملكة زاجوي
وما بين مملكة أكسوم ومملكة الحبشة مملكة زاغوي وعاصمتها روها (300 كم جنوب أكسوم).
تأسست عام 1137 م في ظروف غامضة لم يتم تدوينها جيداً للتاريخ، وواصلت المملكة الجديدة الترويج للمسيحية في المنطقة وما زال بعض الإثيوبيين يتوارثون العديد من التقاليد الثقافية والفنية لأكسوم.
توسعت المملكة في شمال إثيوبيا بفضل جيش كبير ومجهز، خاصة في الغرب والجنوب.
وأمر أحد الملوك المشهورين، ويدعى لاليبيلا، ببناء كنائس منحوتة في الصخر، وكان تأثيره كبيراً على الناس فسُميت العاصمة باسمه لفعله هذا.
استمرت الديانة المسيحية مهيمنة طوال تلك الفترة، ليشكل المدعو بطريرك الإسكندرية المرجعية لهم.
الأسرة السليمانية ومملكة الحبشة
ولكن بحلول عام 1270، زعم قائد محلي من أمهرة يدعى ياكونو أملاك أنه من نسل الملك سليمان وملكة سبأ، ليؤسس مملكة الحبشة الجديدة ويحكمها من 1270-1285 ميلادية.
من المحتمل أن من يسمون أنفسهم “الأسرة السليمانية” رأوا ملوك زاغوي مغتصبين، وحشدوا دعم الفصائل المناهضة للزاغوي التي قدمت معارضة مستمرة طوال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين.
ادعى ياكونو أملاك وخلفاؤه أنهم ينحدرون مباشرة من الملك سليمان وماكيدا، ملكة سبأ، التي يشار إليها أحياناً بالملكة بلقيس.
تقول القصة التي استند إليها أملاك بحجته للحكم، أن ملكة سبأ زارت الملك سليمان في القدس بعد سماع حكمته العظيمة، ثم أنجبت منه بعد فترة ابناً يُدعى منليك.
عند بلوغه سن الرشد، ذهب منليك إلى القدس لوالده قبل أن يعود إلى أكسوم مع تابوت العهد الذي يحتوي على الوصايا العشر.
وبينما لا يوجد دليل مباشر على حكم الملك سليمان في القدس في القرن العاشر قبل الميلاد، إلا أن ملوك الحبشة تمسكوا بهذه الرواية طوال فترة حكمهم، إلى جانب رواية الاحتفاظ بتابوت العهد بدون أي دليل.
بل عندما سُئل الملك الحبشي زارا يعقوب (1434-1468م) عن أسلافه عند تتويجه قال بجرأة: “أنا ابن داود بن سليمان بن منليك”.
كانت عاصمة الأسرة السليمانية في أمهرة، بالقرب من العاصمة الحالية لإثيوبيا، أديس أبابا.
وعلى الرغم من أن الجهود المبذولة للسيطرة على التجارة الساحلية حققت بعض النجاح، فإن طرق التجارة البرية والنهرية على طول النيل الأزرق أثبتت أنها أكثر ربحية للإثيوبيين.
لكن الأرض كانت محل نزاع بين الأسرة السليمانية والتجار المسلمين، الذين أسسوا ولايات صغيرة مثل هرار ودوارو وبيل وأدل وانتعشت تجارتهم فيها.
في الوقت نفسه، وسّع ملوك الحبشة مملكتهم في أكبر عدد ممكن من الاتجاهات لتشكيل مملكة في نهاية المطاف امتدت من شوا في الجنوب إلى الأراضي الواقعة شمال بحيرة تانا شمالاً.
وكان أمدا سيون الأول (حكم من 1314 إلى 1344م) من أنجح حكام هذه الأسرة من حيث بناء المملكة، حيث ضاعف مساحة أراضيه التي انتشرت الآن من البحر الأحمر إلى الوادي المتصدع.
كما يشير مؤرخون إلى أنه حصر جميع أقاربه الذكور – باستثناء أبنائه – في دير واحد. واتبع خلفاء الملك نفس الاستراتيجية، وبالتالي تم تجنب نزاعات الخلافة، أو على الأقل حروب أهلية شاملة.
قانون الملوك القبطي دستور المملكة
كان تأثير المرجعية القبطية في مصر داخل الحبشة في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي مستمراً، إذ تبنى ملوك الحبشة قانون الملوك (Fetha Nagast)، الذي دوّنه الأقباط في مجلد واحد.
ضم هذا المجلد شتى أنواع القوانين، من شؤون الكنيسة إلى العقوبات الجنائية، وبقي معتمداً حتى القرن العشرين الميلادي. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك اتصالات أخرى مع العالم المسيحي الأوسع مثل السفارة الإثيوبية لدى المدعو البابا في روما في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي وتبادل السفارات مع العديد من القوى الأوروبية التي تدين بالمسيحية.
إلا أن تبدل الأحوال السياسية واتساع رقعة حكم العرب بالتوازي مع الخلافات والصراعات الداخلية لملوك الحبشة أدى إلى انهيار الدولة.
وفي النصف الأول من القرن السادس عشر، شكل الزعيم الصومالي أحمد بن إبراهيم الغازي (المعروف أيضاً باسم أحمد جران، الذي حكم 1506-1543م) تحالفاً قوياً مكنه من غزو الحبشة وضمها تحت سلطة عدل خلال الحرب العدلية الحبشية بين أعوام 1529 إلى 1543م.
بقيت المملكة الحبشية موجودة بالاسم فقط حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. في غضون ذلك، كانت الدولة بالأحرى مجموعة من الإمارات المتنازعة.
وبين عامي 1755 و1855م، شهدت إثيوبيا فترة من العزلة يشار إليها باسم “عصر الأمراء”. أصبح الأباطرة رؤساء صوريين، لكنهم كانوا في الواقع تحت سيطرة أمراء الحرب المتنازعين على الحكم.
لكن العزلة الإثيوبية انتهت عام 1855م بعدما استعاد الملك تيودروس الثاني السلطة، وشرع في تحديث إثيوبيا والمشاركة في الشؤون العالمية مرة أخرى، قبل أن يختلف مع بريطانيا، فهزمته الملكة فيكتوريا في مواجهة عسكرية ومات منتحراً إثر خسارة عسكرية أمام قلعة فاسيليدس عام 1868م.
تعرضت الدولة لاحقاً للغزو الإيطالي مرتين في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، لكن سلالة الأسرة السليمانية استمرت مسيطرة على الحكم، لتنتهي مع أشهر أباطرتها، هيلا سيلاسي الأول الذي حكم من 1930 إلى 1974م إثر انقلاب عسكري، ويختم بوفاته تاريخ حكم مملكة الحبشة.