في عالمنا الإسلامي السّنّي، يعلم القاصي والداني فكرة أنّ أهل السنة ليسوا سواءً، بل هم أنواع مختلفة، فمنهم من ينتسب زورًا وبهتانًا إلى الإسلام ومنهم من يسيء للدين، في المقلب الحق يوجد الصوفي الزاهد الغير مغالي والأشعري المتمسك بنفي الشبيه عن الله، وفي المذاهب المالكي والحنبلي والشافعي والحنفي، ويوجد الظاهري والمقاصدي، والداعشي الوهابي والقاعدة وحزب النور الإخواني. كما يقبل البعض كذلك أن اليسار أنواع، فيهم الانتهازي، والاستئصالي، والديموقراطي، والاجتماعي.. ولكنه عند الحديث عن الشيعة، يتحوّل إلى متعصّبٍ لفكرة كونهم كتلةً واحدة صلبة، ويرى أنّ جميعهم يمارسون التقية، رغم انتفاء سبب التقية في حضور دولتهم في إيران والعراق، وشوكتهم السياسية في لبنان والبحرين واليمن، ويظن أنهم جميعا يسبون ويلعنون الصحابة ويطعنون في عرض عائشة أم المؤمنين.
وهؤلاء مثلهم عند الشيعي الذي يرى أن داعش والصوفية والأشاعرة والسلفية الوهابية والإخوان سواء. ومثلهم أيضا مثل من يضع الغرب “الكافر” و”الاستعماري” في سلة واحدة. بينما المنهج القرآني الداعي للدقة، يقول: “اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى“. وقد وددنا من زمن طويل لو قام بعض الباحثين العقلاء بعملية بحث سهلة الإنجاز، بفضل توفر عدد كبير من الكتب الشيعية على شبكة الإنترنت، عن كلمة “عائشة” في جميع الكتب الشيعية التراثية الموجودة، وذكر لنا ما هي السياقات التي ورد فيها اسم أم المؤمنين (رضي الله عنها)، هل هو سياق ذم أو سياق مدح.. وذلك حتى لا يبقى البعض أسيرا لبعض المقولات الخاطئة أو النقول المحرّفة أو التضليلية، تجاه موقف الشيعة من مثل هذا الموضوع.
دوننا جميع هذه الكتب وغيرها مما هو متوفر إلكترونيا، وليعمد بعض الباحثين للنظر للسياقات التي ورد فيها، ولنقطع الشك اليقين.. أما الاكتفاء بعبارة أو اثنين يعمم على أساسها الاتهام، فهذا يخالف قواعد البحث العلمي والشرعي. توجد مثلا مكتبة “يعسوب الدين” الإلكترونية الشيعية، وهي تحتوي على عشرات الكتب التراثية والمعاصرة للشيعة، ويمكن البحث فيها بالنص والعبارة. وقد قمنا منذ فترة، بعملية بحث بسيطة التقنية، طويلة النفس، عن ورود ذكر السيدة عائشة أم المؤمنين في كتب الشيعة، فوجدنا ذِكْرا لها في 120 من الكتاب المتوفرة في كتب الحديث والفقه والتفسير والأصول، وفي مواطن كثيرة جدا من كل كتاب من هذه الكتب، وما هذا إلا دليل على بطلان اقوال ومعتقدات الشيعة في سيدتنا عائشة رضوان الله عليها.. وخلاصة ما وجدنا هو التالي:
1- جلّ المؤلفين الشيعة استشهدوا بمروياتها الحديثية في معرض قبول روايتها، ما عدا واحدا فقط هو مرتضى العسكري.
2- جلّ فقهاء الشيعة يعدّونها من فقهاء الصحابة.
3- لم نجد أيّ أثر لاتهامها في عِرضِها بما برّأها القرآنُ منه، في أيّ من الكتب الـ 121 التي اطلعنا عليها وهذا ما يؤيد فكرة تناقض الدين الشيعي بين الممارسة والأدلة.
4- لم نجد لعنا ولا سبّا في حقّها، وإنما دراسةً نقدية متأوِّلةً، ظالمةً، أو محتكمةً لأدواتٍ مختلفة عن أدوات تصحيح الحديث السنّي لمروياتها.
5- وجدنا أيضا إدانةً تامّة وقاسية لموقفها السياسي بعد وفاة الرسول
يدرك الجميعُ أنّ من غير المنطقي اتهامَنا، كأهل السنّة، باعتماد الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، رغم بقائها في تراثنا المحفوظ والمنشور، حتّى لو دافع عنها بعض عامّة أهل السنّة، وحتى لو دافع عنها بعض علماء السنّة. ولذلك، تجدنا نردّ كثيرا على كتب المستشرقين والعلمانيين والملحدين، الذين ينقّبون في كتب التراث لتشويه التاريخ الإسلامي والتشكيك في بعض الجوانب من تاريخ الإسلام، وفي السيرة النبوية، وفي مصدر القرآن الكريم، إلخ. فلماذا يفعل أهل السنّة تمامًا ما يرفضون أن يمارسه الآخرون تجاههم؟
هذا من جهة، أما من جهة أخرى كيف يكون الدين الشيعي صحيحًا ومبنيًا على حق كما يعتقدون وفي نفس الوقت نجد تناقض عجيب في اغلب مسائلهم العقدية واهمّها سبهم واتهامهم لسيدتنا عائشة بالفاحشة (حاشاها)
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
إذن، فموضوع طهارة السيدة عائشة وعفّتها لا يشكّل في حقيقة الأمر موضع الخلاف الأساسي حول شخصيتها بين الشيعة والسنة، حتى وإن كان قولَ بعض متطرّفي الشيعة. وأعتقد أن الخلاف الحقيقي يكمن في ثلاث مستويات فقط:
1- في تقييم موقفها السياسي في عهد علي بن أبي طالب، ومجمل الأحداث التي شاركت فيها في هذا الصدد.
2- وفي مآلها الأخروي بناءً على ذلك.
3- وفي ثقافة السب واللعن الرائجة بشكل لا يطاق في كتب الشيعة، وفي المحاضرات والمناسبات والمنتديات، والتي تمس الصحابة ومنهم عائشة أم المؤمنين.
يذكر بعض علماء الشيعة أن الشيعة لهما مدرستان: مدرسة إخبارية ومدرسة أصولية. ومعتقدات أتباع المدرستين ليست سواءً. فالمدرسة الإخبارية تعتمد على كتب الحديث والمرويات بشكل مطلق.. وبما انه ليس لديهم منهج علم واضح كامل لتصحيح الأحاديث والروايات، فهم يقبلونها بصحيحها وضعفها وموضوعها، وكثير من أئمة مساجدهم ودعاتهم يستعملون كل الروايات بدون غربلة.. وفي هذه الكتب كثير من الكذب والكفر الصريح بلا شك. أما المدرسة الأصولية، فهي مدرسة علماء فقهاء لديهم قواعد في التحقيق والتثبت ويدرّسون علم المنطق، والفلسفة، وأصول الفقه وغيرها.
فيما يلي نتائج البحث الذي قمتُ به عن كلمة “عائشة” في الكتب المرجعية للشيعة، والمنشورة في مكتبة “يعسوب الدين” الإلكترونية. وقد وجدنا فيها 120 كتابا تنتمي لأربعة أصناف: كتب الفقه الشيعي، كتب الحديث الشيعي، كتب التفسير الشيعي، كتب الأصول الشيعية. وقمنا ببحث في نصوصها فوجدنا جميعا تذكر عائشة كصحابية ذات رأي فقهي معتبر، وكراوية للحديث مقبولة الرواية. والملاحظ أن “الكافي” للكليني، أهم كتاب في مرويات الشيعة، اعتمدها كراوية للحديث في السند المقبول في مرويات الإمام جعفر الصادق.