مطالبة أهل السنة للشيعة بدليل صريح وصحيح على وجوب الخلافة لعلي رضي الله عنه ؛ هو من باب الزامهم بما اعتقدوه ، فهم يعتقدون أن الإيمان بإمامة علي رضي الله عنه وذريته ركن من أركان الدين ، كالأركان الخمسة ، ولا يتم إيمان المسلم إلا بهذا الركن ، ولهذا كفروا الصحابة رضوان الله عليهم وضللوهم لأنهم يرون أنهم اغتصبوا الخلافة من علي رضي الله عنه.
فالشيعة الإمامية فهم يرون أن الإمامة منصب إلهي، يختار له بسابق علمه بعباده كما يختار النبي، ويأمر النبي بأن يدل الأمة عليه ويأمرهم باتباعه .
ويقولون إن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه بأن ينص على علي وينصبه علما للناس من بعده، وقد بلغ الرسول الكريم رسالة ربه، فلما مات لم يتبع المسلمون أمر الله تعالى ولا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، وتركوا ركنا من أركان الإيمان، ويرون أن النص بعد الإمام علي لابنه الحسن ثم للحسين ثم لابنه علي زين العابدين، ثم لابنه محمد الباقر، فابنه جعفر الصادق…
والجعفرية الاثنا عشرية ساقوا الإمامة بعد جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم، فابنه علي الرضا، فابنه محمد الجواد، فابنه علي الهادي، فابنه الحسن العسكري، فابنه محمد المهدي، القائم المنتظر الحجة، وهو الإمام الثاني عشر – خاتم الأئمة- الذي اختفى على نحو غير معروف سنة ستين ومائتين من الهجرة ، وسيظهر بعد ذلك فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، ولا يزال الجعفرية حتى الآن في انتظار ظهوره، ويواصلون الدعوات بأن يعجل فرجه!
ولما كان الشيعة ينظرون إلى منصب الإمامة بهذا الاعتقاد فيلزمهم أن يأتوا ببرهان ساطع من الشرع بذلك ، كما هي أدلة سائر أركان الإسلام من شهادتين وصلاة وصيام وزكاة وحج.
أما أهل السنة : فلا يلزمهم إقامة دليل على خلافة أبي بكر رضي الله عنه؛ لأن قضية الإمامة عندهم : هي من أمور الفقهية الفرعية ، والمسائل التكليفية التي تنظر فيها جماعة المسلمين ، فيقوموا باختيار رجل منهم ، يصلح لسياسة أمورهم ، وليس شخصا محددا ، منصوصا عليه بالوحي .
والنبي صلى الله عليه وسلم توفي ولم ينص صراحة على شخص بعينه ، يكون هو الخليفة بعده، بل ترك اختياره لجماعة المسلمين يقدمون الأصلح منهم.
قال النووي رحمه الله تعالى: ” أجمعوا على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت ، وقبل ذلك : يجوز له الاستخلاف ، ويجوز له تركه، فإن تركه فقد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا، وإلا فقد اقتدى بأبي بكر ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (12 / 205).
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
فالحاصل: أن على الشيعي المؤمن بعقيدته بوجوب خلافة علي رضي الله عنه وذريته بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم : أن يأتي بدليل واضح صريح صحيح، كما هي سنّة الشرع مع الأمور الواجبة حيث ينص عليها مبينا لها؛ كالصلاة والحج والزكاة وسائر الواجبات، لأنه لا يصح شرعا ولا عقلا أن يتم تكليف المسلمين بواجب أو تكفيرهم بتركه بمجرد تأويلات أشبه باللعب كما يفعل الشيعة وأحبارهم.
قال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ التوبة /115.
قوله تعالى: قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ الحجر/41.
استدلال الشيعة بهذه الآية على أنّ كلمة (عَلَيَّ) المقصود بها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وزعمهم أن القراءة الصحيحة هي بأن تكون كلمة ( عَلَيَّ ) بكسر حرف اللام وأن يكون مضافا إليه هكذا: ” صراط علِيٍّ “، هذا من تلاعبهم بكتاب الله تعالى، وتحريف كلامه تعالى لمجرد تشابه الأحرف وترتيبها بين كلمة (عَلَيَّ) واسم “عَلِي” .
وبيان بطلان كلامهم هذا من وجوه:
الوجه الأول:
أنهم بهذا القول يدّعون وجود التحريف في القرآن، وهذا قول شنيع فيه تكذيب لصريح القرآن الوارد في بداية السورة التي ادعوا التحريف فيها؛ حيث قال الله تعالى:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ الحجر/9.
وهو مخالف لما علم من دين الإسلام بالضرورة ، أن الله جل جلاله ، قد حفظ كتابه ، كما وعد عباده بذلك ، وأن القرآن ما زال منقولا ، في كل جيل ، منذ نزل ، إلى يوم الناس هذا ، لم يحرف منه شيء ، ولا زاد ، ولا نقص .
وإن التزاموا ، وثبتوا على هذا الشبهة التافهة الباطلة : فإنهم يعترفون بذلك : أنهم يعتقدون التحريف في كلام رب العالمين ، وهو ما يتسترون به ، ويخفونه على الناس ، وينكرونه أمام العوام ، تقية ، وبعدا عن مصادمة اعتقاد العامة من المسلمين .
الوجه الثاني:
أن ادعاء تحريف أبي بكر وعمر لهذه الآية، هو قول لا يستقيم مع الواقع التاريخي؛ لأن القرآن وإن كتب في المصحف في خلافة أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما؛ إلا أنه لم يكن مشكلا بالحركات، والناس في ذلك الزمن لم يكونوا يتخذون المصحف وسيلة لتعلم القرآن وحفظه؛ وإنما كانوا يتعلمون القرآن سماعا من قرّاء الصحابة الذين تفرقوا في البلدان بسبب الفتوحات؛ وقد كان هناك جمع من الصحابة موالين لعلي رضي الله عنه أثناء حربه ضد معاوية، ولم يحفظ عن أحد منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه القراءة التي ادّعاها الشيعة .
فهل يوجد مسلم مصدق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يزعم أن الله حفظ الآية المحرَّفة حتى أثبتت في المصحف، وأنّ الآية الصحيحة سقطت من مصاحف المسلمين ؟!
بل الثابت عند أهل القراءات أن المروي في هذه الكلمة ( عَلَيَّ ) هما قراءتان لا غير.
القراءة الأولى: قراءة (عَلَيَّ) بمعنى إِلَيّ.
وقد ورد هذا المعنى في القرآن؛ كما في قوله تعالى:( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) النحل /9.
وكما في قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى الليل /12 .
واستدلال هؤلاء الروافض، على عدم ذكر الأئمة في القرآن صراحة، بحجّة أن عائشة رضي الله عنها في آية براءتها من الأفك في سورة “النور” لم يذكر اسمها صراحة :
فهذه ليست بحجة باحث عن الحق، وإنما كلام معاند يبحث عن أي شيء يثير به الشبهة؛ وإلا لو كان هذا الرافضي موضوعيا في بحثه عن الحق، لما تمسك بهذا ، لاختلاف القضيتين أصلا، من وجهين:
الوجه الأول:
فآية سورة النور التي نفت الإفك عن عائشة رضي الله عنها، إنما كان سبب نزولها قصة عائشة رضي الله عنها، وهذا أمر معلوم بالتواتر ، من لم يعرفه ، فلم يعرف شيئا من أحداث السيرة ، ولا من أسباب نزول القرآن . ولا خلاف في أن آيات الإفك ، نزلت في براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ولذلك كان من اتهمها بما برأها الله منه كافرا ، لتكذيبه بنص القرآن .
ثم إنها ، في طي ذلك : أسست لحكم شرعي لجميع الأمة إلى قيام الساعة، في كيفية التعامل مع مثل هذه المسائل، ولهذا جاء الخطاب فيها عاما لجميع الأمة، كما هو الشأن في كثير من أحكام القرآن التي نزلت بسبب أحداث ، لم يصرح بأصحابها ، وإنما اكتفي ببيان الحكم الذي يهمّ الأمة، فالقرآن كتاب هداية وليس هو كتاب لتوثيق الأحداث التاريخية.
الوجه الثاني:
أن آية النور التي نزلت في براءة عائشة رضي الله عنها، قد صحت الأخبار مصرحة أنها نزلت في حقها رضي الله عنها، وأجمع أهل العلم على ذلك.
وأما ما يستدل به الشيعة من الآيات القرآنية على وجوب إمامة علي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي لا تدل بظاهر ألفاظها ولا سياقاتها على ما يقولونه، ولا يوجد دليل صحيح يؤيد ما يفسرون به هذه الآيات على غير ظاهر ألفاظها وسياقها، ولذا يلجؤون إلى الكذب وادّعاء تحريف القرآن كما فعلوا مع آية الحجر السابق ذكرها.
وسبب ضلال الشيعة هذا، هو أنهم اعتقدوا وجوب الإمامة أولا بمجرد الهوى، ثم شرعوا في البحث عن أدلة تؤيد كلامهم، فلما لم يجدوا ما ينصر باطلهم ، من صريح الأدلة ، أو ظاهرها ، وقعوا في الكذب ، وادعاء التحريف في القرآن ، ونحو هذا من المنكرات العظام.
والله أعلم.