تعود القصة إلى القرن 18م، حين كان الأطلسي طريقاً نشيطاً لتجارة الرّق بين مراكز ثلاثة: إفريقيا جنوب الصحراء، وأوروبا وأمريكا. وفي مثل هذا اليوم من عام 1781، قرر طاقم السفينة “سونغ” المملوكة لشركة بريطانية الإلقاء بأزيد من 140 إفريقياً استُعبِدوهم إلى أمواج المحيط الهادرة.
فيما تُعيد هذه المجزرة، في ذكرى وقوعها، إلى الأذهان ما عاناه سكان إفريقيا من ويلات استعباد الرجل الأبيض، وكيف جُردوا مِن آدميّتهم وتسليعهم في تجارة ملطّخة بالدم أدرَّت الكثير على بنوك أوروبا وشركاتها.
مجزرة “سونغ”
انطلقت السفينة “سونغ” من ميناء أكرا (عاصمة غانا حالياً) في 18 أغسطس/آب 1781، وعلى متنها حمولة 442 من الرقيق الأفارقة، ما كان يفوق بالضعف الشحنة الآمنة للسفينة وقتها التي كانت تعادل 193 فرداً. وبعد تزوّدها بمياه الشرب من جزيرة ساوتومي، شقّت طريقها نحو وجهتها الأخيرة في ميناء بلاك ريفر بجامايكا، التي كان من المفترض وصولها في 6 سبتمبر/أيلول من ذات السنة.
ارتكبت السفينة خطأ آخر حين وصلت على مقربة من جمايكا ووظنتها هايتي فأبحرت مبتعدة، ولم يتفطن الطاقم لهذا الخطأ إلا حين ابتعدت أزيد من 480 كيلومتر عن الجزيرة. وقتها قال الربان جيمس كيلسال إن المياه على السفينة لا تكفي إلا لأربعة أيام بينما ما زال أمامها بين 10 و13 يوماً لبلوغ وجهتها الأخيرة.
في يوم 29 من نفس الشهر اجتمع طاقم السفينة للاتفاق على ما يمكن القيام به، واتُّخذ القرار بالإجماع بأن يُلقى بعدد من العبيد إلى الماء. وقُتل 142 إفريقياً في يوم واحد برميهم إلى المحيط، ضمنهم 54 من النساء والأطفال، في مجزرة أخذت بعدها اسم “السفينة”.
في الأول من ديسمبر/كانون الثاني وصلت “سونغ” إلى جامايكا ولم يبقَ من حمولتها إلا 208 من العبيد. حاجَّ جيمس كيلسال بأن سبب قتلهم كان لإنقاذ الحمولة من العطش، غير أن مخزون المياه في السفينة عند وصولها كان 1900 لتر.
فيما يجزم مؤرخون أن نيَّة الطاقم كانت الاستفادة من تعويضات التأمين التي كانت تنصّ وقتها على تعويض الشركة المالكة للسفينة على الحمولة المقتولة من العبيد فقط في حال التضحية بهم لإنقاذ الشحنة. وتلقّت الشركة المالكة لـ”سونغ” تعويضات قُدّرت بـ36 جنيه إسترليني على كل عبد قُتل في عرض البحر.
مثلّث العبودية والدّم
ساهمت مجزرة “سونغ” في ازدياد حجم الحركة المناهضة للعبودية ببريطانيا، ومنذ ذلك الحين أخذت الرسائل الاحتجاجية تصل البرلمان، وأُنشئت سنة 1787 أول منظمة تنادي بوقف تجارة الرّق “جمعية محاربة تجارة الرقيق”. كما وجدت السفينة وذكراها مكاناً مميزاً في الأدب الذي كُتب في القضية.
تحت ضغط المجتمع المدني، وافق البرلمان البريطاني على منع تعويض تجّار الرقيق على قتلهم العبيد أثناء الرحلات. وبعدها سنة 1807 صُودق أخيراً على قانون يحرّم تجارة الرق في أراضي الإمبراطورية البريطانية، ويوقف قرناً من النشاط البريطاني في مثلّث الرقيق بعرض المتوسط.
ونقل هذا المثلث التجاري العبيد بين سواحل غرب إفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا، ثم العودة بالسّلع والإيرادات إلى دول أوروبا الغربية: بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، البرتغال وهولندا. وتُعدّ بداية القرن 18م نقطة انطلاق هذا الخطّ التجاري، الذي سيستمر بعدها لأزيد من 100 سنة، مستعبِداً أزيد من 12 مليون إفريقي.
وكانت البرتغال أول من منع تجارة الرّق سنة 1761، تليها فرنسا بعد ثورة 1789، ثم بريطانيا 1807. وأعاد نابوليون تقنين تجارة الرّق الفرنسية سنة 1803، ولم تُمنع بعد ذاك إلا في عام الجمهورية الثانية سنة 1848.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website