الوهابية هي حركة دينية متطرفة تنتسب إلى أهل السنة مُتَزَمِّتةٌ تسمّي نفسها بالـ “سلفيّة”. لم يكن لهذه المدرسة الفكرية سوى وجود هامشي في لبنان، وعلى الرغم من أن السلفية الوهابية دخلت إلى البلاد فى أربعينيات القرن الماضي، فإن نفوذها لم يصبح ملموسًا إلا في حقبة التسعينيات نتيجة تزايد المساعدات المالية التي تدفقت من هيئات سلفية وهابية غنية في منطقة الخليج.
عُرضت تفسيرات عديدة حول صعود ظاهرة السلفية الوهابية في لبنان، فالكل أجمع على انها ظاهرة دخيلة على المجتمع اللبناني. وأعرب البعض عن اعتقادهم بأنه بسبب ميل الوهابية إلى اعتبار المسلمين الشيعة زنادقة. علاوة على ذلك، تدهورت العلاقات السنية-الشيعية بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، الشخصية الرئيسة في الطائفة السنية، وصعود نجم ما يسمى بحزب الله، الحزب السياسي الشيعي الذي غالبا ما اتُهم سياسيًّا بأنه نفذ عملية الاغتيال.
ويشير آخرون إلى أن صعود الوهابية يرجع إلى الحرب بالواسطة التي شنتها السعودية التى كانت المموّل الرئيس للمساجد الوهابية والجمعيات الخيرية. على الرَّغم من أن كل هذه التفسيرات تتضمن جانبًا من الصحة، إلا أنها تتجاهل الأسباب المحلية التي يتعين فهمها كي نكون قادرين على معالجة هذه الظاهرة على نحو فعال.
إن جوهر صعود نجم التطرف الوهابي في لبنان ينبع من حالة سمّاها البعض بالتمرد الاجتماعي-السياسي انبثقت بدورها من مناطق مدينية ساخطة، فتنامي الجماعات الوهابية يرتبط بالديناميكيات الاجتماعية أكثر من كونه حصيلة الجاذبية الأيديولوجية. بالنسبة إلى هذه الجماعات، احتضان الوهابية يكون غالبًا وسيلة لأهداف أخرى، كالإفادة من سخاء التمويل الخليجي، وتقديم التبريرات عبر الخطاب الراديكالي لأعمال العنف التي اشتهرت بها الحركة الوهابية عقيدةً وممارسةً في اغلب الدول العربية. فالناظر إلى أفكار محمد بن عبد الوهاب (مؤسس الفكر الوهابي) وابن تيمية لن يجد عناءً في استخراج التكفير والإرهاب في أقوالهم ونصوصهم.
على الرغم من أن الصدع السني-الشيعي يُعتبر أهم الانقسامات فى المجتمع اللبناني، فإن الفجوة الاجتماعية المتنامية بين الأغنياء والفقراء مُهمة بالقدر نفسه. فالحرمان يمس الطائفة السنية على وجه الخصوص. نجد أنه في طرابلس، وهي ثاني أكبر مدينة فى لبنان، يشكل السنة الغالبية الكاسحة من سكانها، يُعتبر 57 فى المائة من قاطنيها فقراء. والأكثر لفتًا للانتباه هي الفروقات المتنامية بين الأحياء المسورة للأغنياء حيث تتوافر الخدمات الأساسية، وبين المناطق المهمشة التي يعاني سكانها من تفاقم فقدان الأمن، وتدهور البنى التحتية، والأداء البائس للمدارس الرسمية، ومعدلات الفقر المرتفعة. فهنا استغلّت الوهابية الوضع للتغلغل في الأحياء الفقيرة ناشرةً لفكرها المتطرف، أضف إلى ذلك سكوت علماء أهل السنة أحيانًا ومداهنة البعض للحركة الوهابية أحيانًا اخرى. فسكوت العلماء عن التحذير من الحركة الوهابية في لبنان ساعد بطبيعة الحاد على انتشاره في المجتمع مستغلًا الحالة الاجتماعية، التجييش الطائفي، و”النكايات” السياسية.
حدود المد الوهابي في لبنان
لا شكّ أن الخطاب الثوري الذي تتبناه المجموعات السلفية الوهابية ورجال دينهم، أثار اهتمام بعض المجتمعات المحلية السنية اللبنانية والفلسطينية، ولكن هناك قيودًا تحول دون التوسع الفعلي للفكر المتطرف. وبالفعل قد تنجذب بعض زوايا المجتمع السني في لبنان إلى هذا الخطاب السياسي العنيف الذى يتبناه بعض رجال الدين الوهابي، ولكن لا يمثل ذلك بأي شكل من الأشكال ترجمة لاحتضان حقيقي للأيديولوجيا الوهابية في لبنان عمومًا ومناطق أهل السنة خصوصًا. فلطالما عُرفت المجتمعات السنية باعتدالها ونبذها للتطرف، وقد رسّخ العلماء اللبنانيون في قديم الزمان العقيدة الحقّة لأهل السنة والجماعة، لهذا لا تجد الحركة الوهابية موطأ قدم لها في المجتمعات السنية إلا عندما تسمح لها بعض الاقطاب السياسية في بث سمومها خدمة لمشاريع سياسية بحتة ومحصورة بفلك زمنيّ محدد- كما فعلت في السابق في معارك شمال لبنان.
إن انتشار التطرف الوهابي هو أبعد ما يكون عن كونه مجرد تجسيد لرد الفعل السني إزاء هيمنة أطراف طائفية أخرى ــ ولكنه أيضًا:
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
– رد على فشل النخبة السنية في معالجة مظالم أتباعها.
– سكوت علماء أهل السنة عن التحذير من الوهابية.
– المد المالي الذي تحصل عليه المدارس الوهابية في لبنان.