على لفظ حرف الهجاء : موضع بالشام، قد تقدّم ذكره فى رسم الجولان.
وحاء آخر بالمدينة، وهو الذي ينسب إليه بئر حاء. وروى مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة، أنه سمع أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصارىّ مالا من نخل، وكان أحبّ أمواله إليه بئر حاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب؛ فلما أنزلت هذه الآية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ
، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، إن الله تعالى يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ
، وإنّ أحبّ أموالى إلىّ بئر حاء، وإنها صدقة لله، أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها حيث شئت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك مال رابح ؛ وذكر باقى الحديث.
وبعض الرّواة يرويه بيرحا، جعله اسما واحدا، والصحيح ما قدّمته.
ورواه حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: إنّ أحبّ أموالى إلىّ أريحاء خرّجه عنه أبو داود وغيره؛ ولا أعلم أريحاء إلّا بالشام، على ما تقدّم فى حرف الهمزة، وهذه بالمدينة مسقبلة المسجد، كما ورد فى الحديث.
وكان المنافقون يسمّون المهاجرين الجلابيب، فلمّا قال حسّان.
أمسى الجلابيب قد عزّوا وقد كثروا … وابن الفريعة يدعى بيضة البلد
اعترضه صفوان بن المعطّل، فضربه بالسيف، فوثب ثابت بن قيس على صفوان، فجمع يديه إلى عنقه، فأعلموا النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال لحسّان: أتشوّهت على قومى أن هداهم الله للإسلام؟ أحسن فى الذي أصابك. قال: هى لك يا رسول الله؛ فأعطاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم بئر حاء وهي قصر بنى جديلة اليوم، كانت لأبى طلحة، فتصدّق بها إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وأعطاه سيرين.
معجم ما استعجم من اسماء البلاد والمواضع
———-
ويقال بئر حاء، مضاف إليه ممدود، ويقال: بيرحا، بفتح أوله والراء والقصر، ورواية المغاربة قاطبة الإضافة وإعراب الراء بالرفع والجرّ والنصب، وحاء على لفظ الحاء من حروف المعجم، قال أبو بكر الباجي: وأنكر أبو بكر الأصمّ الإعراب في الراء، وقيل إنما هو بفتح الراء على كل حال، قال:
وعليه أدركت أهل العلم بالمشرق. وقال أبو عبد الله الصوري: إنما هو بفتح الباء والراء في كل حال، يعني أنه كلمة واحدة، قال عياض: وعلى رواية الأندلسيين ضبطنا هذا الحرف عن أبي جعفر في كتاب مسلم بكسر الباء وفتح الراء وبكسر الراء وفتح الباء والقصر، ضبطناه في الموطّإ عن أبي عتاب وابن حمدون وغيرهما، وبضم الراء وفتحها معا قيّدناه عن الأصيلي، وقد رواه مسلم من طريق حمّاد بن سلمة بريحا، هكذا ضبطناه عن الخشني والأسدي والصّدفي فيما قيدوه عن العذري والسمرقندي وغيرهما، ولم أسمع فيه من غيرهما خلافا، إلا أني وجدت أبا عبد الله الحميدي الأندلسي ذكر هذا الحرف في اختصاره عن حماد بن سلمة بيرحا، كما قال الصوري، ورواية الرازي في حديث مسلم من حديث مالك بن أنس بريحا وهم إنما هذا في حديث حمّاد، وأما في حديث مالك فهو بيرحا كما قيد الجميع على اختلافهم، وذكر أبو داود في مصنفه هذا الحديث بخلاف ما تقدّم فقال:
جعلت أرضي باريحا، وهذا كله يدلّ على أنها ليست ببئر، وقيل: هي أرض لأبي طلحة، وقيل: هو موضع بقرب المسجد بالمدينة يعرف بقصر بني جديلة، وذكر ابن إسحاق أن حسان بن ثابت لما تكلم في الإفك بما تكلم به ونزل القرآن ببراءة عائشة، رضي الله عنها، عدا صفوان بن المعطّل على حسّان فضربه بالسيف، فاشتكت الأنصار إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فعل صفوان فأعطاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عوضا عن ضربته بيرحاء، وهو قصر بني جديلة اليوم بالمدينة، وكان مالا لأبي طلحة ابن سهل تصدق به إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسّانا وأعطاه سيرين أمة قبطيّة فولدت له عبد الرحمن بن حسّان.
معجم البلدان
روينا في صحيح البخاري عن أنس قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه ببرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت هذه الآية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله، إن الله عز وجل يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإن أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم <بخ، ذلك مال رايح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين> قال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله فقسّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه، وفي رواية له <فجعلها لأبيّ وحسان> وكانا أقرب إليه منّي، وفي رواية له أيضا عقب قوله <وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء> قال: وكانت حديقة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها، ويستظل فيها، ويشرب من مائها، قال: فهي إلى الله وإلى رسوله أرجو بره وذخره، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم <بخ يا أبا طلحة ذلك مال رايح، قد قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين> فتصدّق به أبو طلحة على ذوي قربى رحمه، قال: وكان منهم أبيّ وحسان، قال: فباع حسان حصته منه من معاوية، فقيل له:
تبيع صدقة أبي طلحة؟ فقال: ألا أبيع صاعا من تمر بصاع من دراهم؟ وكانت تلك الحديقة في موضع قصر بني جديلة الذي بناه معاوية.
قال الحافظ ابن حجر: وزاد ابن عبد البر في روايته: وكانت دار أبي جعفر والدار التي تليها إلى قصر بني جديلة حائطا لأبي طلحة يقال له بيرحاء، قال: ومراده بدار أبي جعفر الدار التي صارت إليه وعرفت به، وهو أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي. وقصر بني جديلة هي حصّة حسان، بنى فيها معاوية بن أبي سفيان هذا القصر، وأغرب الكرماني فزعم أن معاوية الذي بنى القصر المذكور هو معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار أحد أجداد أبي طلحة.
قلت: منشأ وهمه إضافة القصر إلى بني جديلة، وجديلة لقب معاوية المذكور وهو مردود، بل إضافته إليهم لكونه بمنازلهم.
قال ابن شبة: وأما قصر بني جديلة فإن معاوية بن أبي سفيان بناه ليكون حصنا، وله بابان: باب شارع على خط بني جديلة، وباب في الزاوية الشرقية اليمانية عند دار محمد بن طلحة التّيمي، وهو اليوم لعبد الله بن مالك الخزاعي قطيعة، وكان الذي ولي بناءه لمعاوية الطفيل بن أبي كعب الأنصاري، وفي وسطه بيرحاء.
ثم روى عقبه عن العطاف بن خالد قال: كان حسان يجلس في أجمة فارع، ويجلس معه أصحاب له، ويضع لهم بساطا يجلسون عليه، فقال يوما وهو يرى كثرة من يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب يسلمون:
أرى الجلابيب قد عزّوا وقد كثروا … وابن العريفة أمسى بيضة البلد
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من لي من أصحاب البساط؟ فقال صفوان بن المعطل:
أنا لك يا رسول الله منهم، فخرج إليهم واخترط سيفه، فلما رأوه مقبلا عرفوا في وجهه الشر، ففرّوا وتبدّدوا، وأدرك حسان داخلا بيته، فضربه، فعلق ثنّته، فبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم عوّضه وأعطاه حائطا، فباعه من معاوية بن أبي سفيان بعد ذلك بمال كثير، فبناه معاوية بن أبي سفيان قصرا.
وروى أيضا في خبر الإفك عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التّيمي قصة ضرب صفوان لحسان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحسن يا حسان في الذي أصابك، قال: هي لك يا رسول الله، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوضا منها بيرحاء، وهي قصر بني جديلة اليوم بالمدينة، كانت مالا لأبي طلحة بن سهل تصدّق بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاها حسان في ضربته شيرين أمة قبطية.
وروى ابن زبالة عن أبي بكر بن حزم أن أبا طلحة تصدّق بمال له كان موضعه قصر بني جديلة، فدفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردّه على أقاربه أبيّ بن كعب وحسان بن ثابت وثبيط بن جابر وشداد بن أوس أو أبيه أوس بن ثابت يعني أخا حسّان بن ثابت، فتقاوموه، فصار لحسان بن ثابت، فباعه من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف درهم، قال: وكان معاوية قد بنى قصر خل ليكون حصنا لما كان يتحدّث أنه نصيب بني أمية، وذكر ما سيأتي في قصر خل، ثم قال: فلما اشترى بيرحاء بنى قصر بني جديلة في موضعها للذي كان يخاف من ذلك.
وقال الحافظ ابن حجر: وبيع حسان لحصته من معاوية دليل على أن أبا طلحة ملّكهم الحديقة المذكورة، ولم يقفها عليهم، ويحتمل أنه وقفها وشرط أن من احتاج إلى بيع حصته جاز له كما قال بجوازه علي وغيره.
قلت: وقد اشترط علي في صدقته كما حكاه ابن شبة عن نسخة كتاب الصدقة
قال ابن النجار: وبيرحاء اليوم في وسط حديقة صغيرة جدّا، فيها نخيلات ويزرع حولها، وعندها بيت مبني على علو من الأرض، وهي قريبة من سور المدينة، وهي لبعض أهلها، وماؤها عذب حلو.
وقال المطري: وهي شمالي سور المدينة بينهما الطريق، وتعرف الآن بالنورية اشتراها بعض النساء النوريين ووقفها على الفقراء والمساكين فنسبت إليها، قال ابن النجار: وذرعتها فكان طولها عشرين ذراعا، منها أحد عشر ذراعا ماء، والباقي بنيان، وعرضها ثلاثة أذرع وشبر.
قلت: وهي اليوم على هذا النعت، وفي قبلتها مسجد ليس من بناء الأقدمين لم يذكره ابن النجار ولا المطري، وكأنه لما حدث بعدهما. وذكره المجد فقال: وفي بيرحاء بير قريبة الرشاء ضيقة القنا طيبة الماء، وأمامها إلى القبلة مسجد صغير في وسط الحديقة.
قلت: وقوله في حديث الصحيح <وكانت مستقبلة المسجد> معناه أن المسجد في جهة قبلتها، فلا ينافي بعدها عنه على هذه المسافة الموجودة اليوم، والظاهر أن بعض أرضها كان داخل سور المدينة؛ لما تقدم من قسمتها وابتناء القصر في بعضها، ولم أر للفقراء أثرا هناك.
وقد تقدم أن حش أبي طلحة الذي في شامي المسجد منسوب إلى أبي طلحة صاحبها، فربما كانت أمواله ممتدة إلى هناك. وأما دار محمد بن طلحة التيمي التي ذكر ابن شبة أنه أحد باني القصر المبني عليها عنده فيظهر أنها غير دار إبراهيم بن محمد بن طلحة التي هي من دار جده طلحة المتقدم ذكرها في الدور المطيفة بالمسجد، لنسبتها لإبراهيم بن محمد، ونسبة هذه لأبيه؛ فلا يقدح ذلك في كون بيرحاء هي المعروفة اليوم، والله أعلم.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى -صلى الله عليه واله وسلم-
———————————
الإحداثيات
N 24 28.179
E 39 36.671