Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
جاسوس إسباني دخل الحرم المكي وشارك في غسل الكعبة.. تعرَّف إلى قصة دومنجو باديا المعروف باسم علي باي العباسي
في عائلةٍ من أغنى العائلات في الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس، وُلدت جيرترود بيل عام 1884، وتلقَّت تعليمها في جامعة أوكسفورد متخصصةً في التاريخ. لتصبح بعد ذلك رحالةً وعالمة آثار تتحدّث العربية والفارسية بطلاقة، مفضلةً العيش في صحاري الجزيرة العربية بدلًا من بقية أراضي بريطانيا.
بعد الحرب العالمية الأولى، وتحديدًا في 1921، ساهمت في تأسيس دولة العراق، واختلف الكثير في شأنها هل هي صديقة العرب و”أمّ العراقيين” أم أنها عميلة، حيث يتفق أغلب أهل التاريخ والمعرفة على أنها كانت أكبر جاسوسة بريطانية ساعدت في الشقاق والاضطراب الذي حصل بين الدولة العثمانية من جهة وبين المنطقة العربية من جهةٍ أخرى، والمساهمة في إسقاط الدولة العثمانية.
لكنّ المصادر التاريخية تحدّثنا أيضًا عن رحلاتٍ مشابهة لرحلة بيل ولورنس العرب، في هذا التقرير نأخذكم في رحلةٍ مع رجلٍ سبقهما بحوالي قرنٍ من الزمان، لكنه في هذه المرة كان قادمًا من غرناطة مدينة الأندلس القديمة.. علي باي العباسي، أو باسمه الأساسي: دومنجو باديا.
من برشلونة إلى غرناطة
تبع عصر الاستكشافات الأوروبية، التي جالت فيها الأساطيل البرتغالية والإسبانية البحار في القرن الخامس عشر، ظهور الإمبراطورية الإسبانية تحت حكم آل هابسبورغ الإسبانية في القرنين السادس والسابع عشر؛ لتصبح إحدى أول الإمبراطوريات في العصر الحديث، ولتصبح تحت حكم آل بوربون في القرن الثامن عشر أضخم إمبراطورية في العالم والقوة العظمى الأولى في ذلك الوقت.
وفي هذا القرن – القرن الثامن عشر حيث قوة وسطوة الإمبراطورية الإسبانية وضعف وشيخوخة الشرق الإسلامي وعلى رأسه الدولة العثمانية – ولأبٍ من إقليم كتالونيا الإسباني يعمل سكرتيرًا لحاكم برشلونة وأُم بلجيكية؛ وُلد دومنجو باديا في برشلونة عام 1767.
عند بلوغه الرابعة عشرة من عمره كان والده قد انتقل إلى غرناطة، وبسبب علامات النجابة والنبوغ التي ظهرت على دومنجو باديا، جعله أبوه معاونًا إداريًّا له في بلدةٍ على ساحل غرناطة.
وفي سن التاسعة عشرة من عمره، انتقل والد دومنجو باديا إلى مدريد ليصبح هو خلفًا لأبيه على رأس هذه البلدة.
في هذا التوقيت كان الطموح وحب المغامرة يدفعان دومنجو إلى البحث ودراسة التجارب العلمية، والتي كان من بينها تجربته الاستطلاعية حول “الغاز وتأثيره في رفع المناطيد”، إلا أن مشروعه الأكبر كان رحلةً بدلت من حياته وجعلت منه شخصًا آخر، رحلة إلى الشرق الإسلامي.
من دومنجو باديا إلى علي باي العباسي
في بحثه المنشور تحت عنوان “مكة المكرمة في رحلة علي باي العباسي” يذكر الدكتور صالح السنيدي أنه مع بداية القرن التاسع عشر وتحديدًا في 1801، تقدَّم دومنجو باديا بمشروعٍ جديد باسم “رحلة إلى شمال إفريقيا ذات أهداف سياسية وعلمية”؛ وقد وافق ملك إسبانيا عليها ووفر له ما تتطلبه الرحلة من تمويلٍ وتجهيزات.
لم يكن التجهيز أمرًا سهلًا على الإطلاق، إذ إنّ المطلوب – وفقًا للمشروع الذي قدمه باديا – هو عمل تغيير كامل لشخصية باديا وتهيئته نفسيًّا ولغويًّا ومعرفيًّا لكي تناسب شخصيته الشخصية الجديدة التي سيتقمّصها لبقية حياته.
من أجل ذلك رحل باديا إلى لندن والتقى بأعضاء الجمعية الإفريقية ليبحث معهم إمكانية إجراء بعض الاكتشافات في القارة الإفريقية. ومن لندن إلى باريس، حيث جهز باديا الأجهزة العلمية التي سيحتاجها في رحلته.
وتأكيدًا على شخصيته الإسلامية التي سيتقمصها وإتمامًا للخطوات لبدء الرحلة؛ قام باديا بختان نفسه معلنًا أنه ينتمي إلى الأسرة العباسية، مطلقًا على نفسه “علي باي العباسي”. وبعد سنتين من الاستعدادات والتجهيزات ومتنكرًا بالزي العربي، انطلق دومنجو في منتصف عام 1803 إلى المغرب معلنًا بداية الرحلة.
رحلة الحج قريبًا من بيت شريف مكّة
مدُعيًا أنه من أصلٍ عربي، وينتمي إلى الأسرة العباسية ومتخذًا من على باي اسمًا له، أذاع دومنجو باديا أنّ الظروف دفعته إلى ترك بلاده الإسلامية والانتقال إلى أوروبا، والتي درس فيها العلم وتنقَّل بين دولها من إيطاليا وفرنسا إلى إسبانيا، مما جعله ينسى لغة آبائه وأجداده، لكنه مع ذلك ظل محافظًا على تعاليم دينه الإسلامي. ومع ذلك أظهر باديا إتقانه للغة العربية والفقه الإسلامي وأظهر الورع.
وصل في بداية رحلته إلى مدينة طنجة عام 1803 فأمضى فيها سنتين قضاهما صديقًا للسلطان الذي أمده بكل ما يحتاجه من مؤنٍ وأدوات، ثمّ شدّ الرحال إلى الإسكندرية عام 1806 فقابل هناك الكاتب الفرنسي الفيكونت دوشاتوبريان أحد أبرز الأدباء والسياسين المؤيدين لنابليون.
كما التقى محمد علي باشا قبل أن يتوجَّه إلى ميناء السويس في نهاية عام 1806 ضمن قافلةٍ تحملها عشرة من الإبل ويحرسها ثلاثة جنود. وبعد رحلةٍ عاصفة في البحر الأحمر، قاصدًا الحج؛ وصل باديا إلى مكة المكرمة في يناير/كانون الثاني عام 1807 وعاش في منزلٍ مجاور لشريف مكة، وفي تلك الأثناء كانت قد تأسست الدولة السعودية الأولى بقيادة محمد بن سعود في منطقة الدرعية عام 1745.
يصف باديا في مذكراته الاعتراك الذي كان مشتدًّا في ذلك الوقت بين شريف مكة وهو الحاكم باسم الدولة العثمانية – والأمير سعود والذي كان “يسيطر على البلاد مع جماعته من الوهابيين الذين كانوا يروّجون لدين جديد تقودهم افكار محمد بن عبد الوهاب” والذي كان يكفّر كل المسلمين و ابتدأ دعوته بتكفير و قتل كل من خالفه الرأي وكان الأمير سعود قد منع ذكر اسم السلطان العثماني على المنابر والدعاء له يوم الجمعة.
كان هدف رحلة باديا المُعلن منذ البداية، هو أداء فريضة الحج بحسب قوله وتعبيره، ولذا فقد كان هذا الهدف والاستعداد له هو شاغله الأول.
أعلن باديا عن مشاعره عند دخول الحرم ورؤية الكعبة بقوله: “إن صورة الموكب المحيط بي، والرواق ذي الأعمدة الممتدة على مدى اتساع النظر، والساحة الكبرى، ثم بيت الله المُغطَّى من الأعلى إلى الأسفل بالقماش الأسود والمحفوف بالمصابيح، في هذه اللحظات المواتية مع هدأة الليل، ودليلنا الذي كان يتكلم أمامنا بكل ذل وخشوع؛ شَكَّل أمامي لوحةً مهيبةً لن تُمحى من مخيلتي إلى الأبد”.
يتطرق باديا في مذكراته بعد ذلك إلى مواضيع عدة تتعلق بأحداث الطواف والسعي وما يصاحبها من أفعال، كما وصف الحرم ومرافقه، ذاكرًا بئر زمزم ومفصلًا عن مستوى منسوب المياه وغزارته وكم أنه صِحّي.
دومنجو باديا.. مبعوث الكاثوليكية إلى إفريقيا
بعد رحلته إلى الحجاز، زار دومنجو باديا مناطق عديدة من الشام ثمّ زار إسطنبول. إلا أنّ المصادر التاريخية لم تذكر الكثير عن رحلاته، إذ اُشتهر باديا برحلته إلى مكة بالأخص.
يقول المؤرخ الإسباني خوان بارثيلو: “لا يعدو باديا كونه جاسوسًا يستحيل معرفة سيرته الذاتية، لأن الجواسيس ليس لهم سيرة واحدة بل متعددة”.
والثابت تاريخيًّا – في بحث الدكتور السنيدي – أنّ باديا في رحلته إلى فلسطين كان مهتمًّا بالجالية المسيحية هناك خاصة الإسبان. ففي صورة لباديا محفوظة في المكتبة الوطنية بإسبانيا؛ كُتب عليها أنه “مبعوث الكاثوليكية إلى إفريقية”، وسُجّل اهتمامه الشَّديد عن وضع الجالية المسيحية في كلّ الأماكن التي مر بها في فلسطين، سواء في كنائسها أو مذاهبها والقائمين عليها وتعداد أتباعها.