وعند ذلك يخرج الدجال ، وينزل المسيح عيسى ابن مريم من السماء إلى الأرض ، على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق ، وقت صلاة الفجر ، كما سيأتي بيان ذلك كله ، بالأحاديث الصحيحة .
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن مصعب ، هو القرقساني ، حدثنا الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، عن ذي مخمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” تصالحون الروم صلحا آمنا ، وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائهم ، فتسلمون وتغنمون ، ثم تنزلون بمرج ذي تلول ، فيقوم رجل من الروم ، فيرفع الصليب ، ويقول : ألا غلب الصليب . فيقوم إليه رجل من المسلمين ، فيقتله ، فعند ذلك تغدر الروم ، وتكون الملاحم ، فيجمعون لكم ، فيأتونكم في ثمانين غاية ، مع كل غاية عشرة آلاف ” . ثم رواه أحمد ، عن روح ، عن الأوزاعي ، به ، وقال فيه : ” فعند ذلك تغدر الروم ، ويجمعون للملحمة ” . وهكذا رواه أبو داود وابن ماجه ، من حديث [ ص: 100 ] الأوزاعي ، به .
وقد تقدم في حديث عوف بن مالك ، في ” صحيح البخاري ” : ” فيأتونكم تحت ثمانين غاية ، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا ” . وهكذا في حديث شداد أبي عمار ، عن معاذ : ” فيسيرون إليكم بثمانين بندا ، تحت كل بند اثنا عشر ألفا ” .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن أبي قتادة ، عن أسير بن جابر ، قال : هاجت ريح حمراء بالكوفة ، فجاء رجل ليس له هجيرى إلا : يا عبد الله بن مسعود ، جاءت الساعة . قال : وكان متكئا فجلس ، فقال : إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ، ولا يفرح بغنيمة . قال : عدو يجمعون لأهل الإسلام ، ويجمع لهم أهل الإسلام . ونحا بيده نحو الشام ، قلت؟ الروم تعني؟ قال : نعم ، وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة . قال : فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون ، حتى يحجز بينهم الليل ، فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب ، وتفنى [ ص: 101 ] الشرطة ، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل ، فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب ، وتفنى الشرطة ، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون حتى يمسوا ، فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب ، وتفنى الشرطة ، فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام ، فيجعل الله الدبرة عليهم ، فيقتتلون مقتلة – إما قال : لا يرى مثلها ، وإما قال : لم ير مثلها – حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم . فما يخلفهم حتى يخر ميتا . قال : فيتعاد بنو الأب ، كانوا مائة ، فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد ، فبأي غنيمة يفرح؟ أو أي ميراث يقاسم؟ قال : فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك . قال : فجاءهم الصريخ : إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم ، فيرفضون ما في أيديهم ، ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إني لأعلم أسماءهم ، وأسماء آبائهم ، وألوان خيولهم ، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ ” .
[ ص: 102 ] تفرد بإخراجه مسلم ، فرواه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر ، كلاهما عن إسماعيل ابن علية ، ومن حديث حماد بن زيد ، كلاهما عن أيوب ، ومن حديث سليمان بن المغيرة ، كلاهما عن حميد بن هلال العدوي ، عن أبي قتادة العدوي . وقد اختلف في اسمه ، والأشهر ما ذكره ابن معين أنه تميم بن نذير ، ووثقه . وقال ابن منده وغيره : كانت له صحبة . فالله أعلم .
وتقدم من رواية جبير بن نفير ، عن عوف بن مالك في تعداد الأشراط : ” وهدنة تكون بينكم ، وبين بني الأصفر ، فيسيرون إليكم في ثمانين غاية ، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا ، وفسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها : الغوطة . في مدينة يقال لها : دمشق ” . رواه أحمد .
وروى أبو داود ” من حديث جبير بن نفير أيضا ، عن أبى الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها : دمشق ، من خير مدائن الشام ” .
وتقدم حديث أبي حية ، عن عبد الله بن عمرو ، في فتح القسطنطينية ، وكذا حديث أبي قبيل في فتح رومية بعدها أيضا .
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وقال مسلم بن الحجاج : حدثني زهير بن حرب ، حدثنا معلى بن [ ص: 103 ] منصور ، حدثنا سليمان بن بلال ، حدثني سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق ، فيخرج إليهم جيش من المدينة ، من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا قالت الروم : خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم . فيقول المسلمون : لا والله ، لا نخلي بينكم وبين إخواننا . فيقاتلونهم ، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا ، فيفتتحون قسطنطينية ، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون ، إذ صاح فيهم الشيطان : إن المسيح قد خلفكم في أهليكم . فيخرجون ، وذلك باطل ، فإذا جاءوا الشام خرج ، فبينما هم يعدون للقتال ، يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة ، فينزل عيسى ابن مريم فأمهم ، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فلو تركه لانذاب حتى يهلك ، ولكن يقتله الله بيده ، فيريهم دمه في حربته ” .
وقال مسلم : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز ، يعني ابن محمد ، عن ثور ، وهو ابن زيد الديلي ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” سمعتم بمدينة جانب منها في البر ، وجانب منها في البحر؟ ” قالوا : نعم ، يا رسول الله . قال : ” لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني [ ص: 104 ] إسحاق ، فإذا جاءوها نزلوا ، فلم يقاتلوا بسلاح ، ولم يرموا بسهم; قالوا : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، فيسقط أحد جانبيها ” . قال ثور : لا أعلمه إلا قال : ” الذي في البحر ، ثم يقولوا الثانية : لا إله إلا الله ، والله أكبر . فيسقط جانبها الآخر ، ثم يقولوا الثالثة : لا إله إلا الله ، والله أكبر . فيفرج لهم ، فيدخلوها فيغنموا ، فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ ، فقال : إن الدجال قد خرج ، فيتركون كل شيء ويرجعون ” .
وقال ابن ماجه : حدثنا علي بن ميمون الرقي ، حدثنا أبو يعقوب الحنيني ، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تقوم الساعة حتى تكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء ” . ثم قال صلى الله عليه وسلم : ” يا علي ، يا علي ، يا علي ” . قال : بأبي وأمي . قال : ” إنكم [ ص: 105 ] ستقاتلون بني الأصفر ، ويقاتلهم الذين من بعدكم ، حتى تخرج إليهم روقة الإسلام ، أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم ، فيفتتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير ، فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها ، حتى يقتسموا بالأترسة ، ويأتي آت ، فيقول : إن المسيح قد خرج في بلادكم ، ألا وهي كذبة ، فالآخذ نادم ، والتارك نادم ” .
وقال مسلم : حدثنا قتيبة ، حدثنا جرير ، عن عبد الملك بن عمير ، . عن جابر بن سمرة ، عن نافع بن عتبة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ، ثم فارس فيفتحها الله ، ثم تغزون الروم فيفتحها الله ، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله ” .
وقد روى مسلم من حديث الليث بن سعد ، حدثني موسى بن علي ، عن أبيه ، قال : قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” تقوم الساعة والروم أكثر الناس ” . فقال له عمرو : أبصر ما تقول . قال : أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا : إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، وأوشكهم كرة بعد فرة ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ، وخامسة حسنة جميلة : وأمنعهم من ظلم الملوك .
[ ص: 106 ] ثم قال مسلم : حدثني حرملة بن يحيى التجيبي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثني أبو شريح أن عبد الكريم بن الحارث حدثه أن المستورد القرشي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” تقوم الساعة والروم أكثر الناس ” . قال : فبلغ ذلك عمرو بن العاص ، فقال : ما هذه الأحاديث التي تذكر عنك أنك تقولها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له المستورد : قلت الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فقال عمرو : لئن قلت ذلك ، إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأصبر الناس عند مصيبة ، وخير الناس لمساكينهم وضعفائهم . وهذا يدل على أن الروم يسلمون في آخر الزمان ، ولعل فتح القسطنطينية يكون على يدي طائفة منهم ، كما نطق به الحديث المتقدم أنه يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق ، والروم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، فهم أولاد عم بني إسرائيل ، وهو يعقوب بن إسحاق ، فالروم يكونون في آخر الزمان خيرا من بني إسرائيل ، فإن الدجال يتبعه سبعون ألفا من يهود أصبهان ، فهم أنصار الدجال ، وهؤلاء أعني الروم ، قد مدحوا في هذا الحديث ، فلعلهم يسلمون على يدي المسيح ابن مريم ، والله أعلم . على أنه قد وقع في بعض الروايات : ” من بني إسماعيل ” . وقوى ذلك عياض وغيره ، والله أعلم .
[ ص: 107 ] وقال إسماعيل بن أبي أويس : حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ستقاتلون بني الأصفر ، ويقاتلهم من بعدكم من المؤمنين أهل الحجاز ، حتى يفتح الله عليهم القسطنطينية ورومية بالتسبيح والتكبير ، فينهدم حصنها فيصيبون مالا لم يصيبوا مثله قط ، حتى إنهم يقتسمون بالأترسة ، ثم يصرخ صارخ : يا أهل الإسلام ، المسيح الدجال في بلادكم وذراريكم . فينفض الناس عن المال ، منهم الآخذ ، ومنهم التارك ، الآخذ نادم ، والتارك نادم ، فيقولون : من هذا الصارخ؟ ولا يعلمون من هو فيقولون : ابعثوا طليعة إلى إيلياء ، فإن يكن المسيح قد خرج فسيأتونكم بعلمه . فيأتون ، فينظرون ، فلا يرون شيئا ، ويرون الناس ساكتين فيقولون : ما صرخ الصارخ إلا لنبأ عظيم ، فاعتزموا ، ثم ارتضوا ، فيعتزمون أن نخرج بأجمعنا إلى إيلياء ، فإن يكن الدجال خرج نقاتله بأجمعنا ، حتى يحكم الله بيننا وبينه ، وإن تكن الأخرى فإنها بلادكم وعشائركم إن رجعتم إليها .
وقد روى الحافظ بهاء الدين ابن عساكر في كتابه ” المستقصى في فضائل الأقصى ” بسند له عن الأوزاعي ، عن خالد بن معدان ، عن كعب الأحبار ، أنه قال : إن مدينة القسطنطينية شمتت بخراب بيت المقدس ، يعني زمن بخت نصر ، فتعززت وتجبرت وشمخت ، فسماها الله ، عز وجل ، العاتية المستكبرة; وذلك أنها قالت مع شماتتها ببيت المقدس . إن يكن عرش ربي على الماء ، فقد بنيت أنا على الماء ، فغضب الله تعالى عليها ، ووعدها العذاب والخراب وقال [ ص: 108 ] لها : حلفت يا مستكبرة لما قد عتيت عن أمري وتجبرت ، لأبعثن عليك عبادا لي مؤمنين من مساكن سبأ ، ثم لأشجعن قلوبهم حتى أدعها كقلوب الأسد الضارية ، ولأجعلن صوت أحدهم عند البأس كصوت الأسد حين يخرج من الغابة ، ثم لأرعبن قلوب أهلك كرعب العصفور ، ثم لأنزعن عنك حليك وديباجك ورياشك ، ثم لأتركنك جلحاء قرعاء صلعاء; فإنه طال ما أشرك بي فيك ، وعبد غيري ، وافتري علي ، وأمهلتك إلى اليوم الذي فيه خزيك ، فلا تستعجلي يا عاتية فإنه لن يفوتني شيء أريده .
وقال الإمام أحمد : ثنا عبد الجبار بن العباس الشامي ، عن أبي قيس قال عبد الجبار : أراه عن هزيل ، قال : قام حذيفة في دار عامر بن حنظلة فيها اليمني والمضري ، فقال : ” ليأتين على مضر يوم لا يدعون لله عبدا يعبده إلا قتلوه ، أو ليضربن ضربا لا يمنعون ذنب تلعة ” . فقيل : يا أبا عبد الله تقول هذا لقومك – أو : لقوم أنت منهم – فقال : لا أقول إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن جبير بن نفير ، عن مالك بن يخامر ، عن [ ص: 109 ] معاذ بن جبل ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” عمران بيت المقدس خراب يثرب ، وخراب يثرب خروج الملحمة ، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية ، وفتح القسطنطينية خروج الدجال ” . قال : ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه ، ثم قال ” إن هذا لحق كما أنك هاهنا ” . أو : ” كما أنك قاعد ” . يعني معاذا .
وهكذا رواه أبو داود ، عن عباس العنبري ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم ، به .
وهذا إسناد جيد وحديث حسن ، وعليه نور الصدق وجلالة النبوة ، وليس المراد أن المدينة تخرب بالكلية قبل خروج الدجال ، وإنما ذلك في آخر الزمان ، كما سيأتي بيانه في الأحاديث الصحيحة ، بل قد يكون عمارة بيت المقدس سببا في خراب المدينة النبوية; لأن الناس يرحلون منها إلى الشام لأجل الريف والرخص ، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الدجال لا يدخلها يمنعه من ذلك ما على أنقابها من الملائكة ، بأيديهم السيوف المصلتة .
وفي ” صحيح البخاري ” من حديث مالك ، عن نعيم المجمر ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ” . وفي ” جامع الترمذي ” أن المسيح ابن مريم إذا مات يدفن في الحجرة النبوية .
[ ص: 110 ] وقد قال مسلم : حدثني عمرو الناقد ، حدثنا الأسود بن عامر ، حدثنا زهير ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” تبلغ المساكن إهاب ” . أو : ” يهاب ” . قال زهير : قلت لسهيل : فكم ذلك من المدينة؟ قال : كذا وكذا ميلا .
فهذه العمارة إما أن تكون قبل عمارة بيت المقدس ، وقد تكون بعد ذلك بدهر ، ثم تخرب بالكلية ، كما دلت على ذلك الأحاديث التي سنوردها .
وقد روى القرطبي ، من طريق الوليد بن مسلم ، عن ابن لهيعة ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أنه سمع عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، على المنبر ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” يخرج أهل المدينة منها ، ثم يعودون إليها فيعمرونها حتى تمتلئ ، ثم يخرجون منها ، ثم لا يعودون إليها أبدا ” .
وفي حديث عن أبي سعيد ، مرفوعا مثله ، وزاد : ” وليدعنها وهي خير ما تكون ، مونعة ” . قيل : فمن يأكلها؟ قال : ” الطير والسباع ” .
وفي ” صحيح مسلم ” ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” يتركون المدينة على خير ما كانت ، لا يغشاها إلا العوافي – يريد عوافي السباع والطير – [ ص: 111 ] ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما ، فيجدانها وحشا ، حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما ” .
وفي حديث حذيفة : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء ، إلا أني لم أسأله : ما يخرج أهل المدينة منها؟ وفي حديث آخر ، عن أبي هريرة : ” يخرجون منها ونصف ثمرها زهو ، ونصفه رطب ” . قيل : ما يخرجهم منها يا أبا هريرة؟ قال : أمراء السوء .
وقال أبو داود : حدثنا ابن نفيل ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن أبي بكر بن أبي مريم ، عن الوليد بن سفيان الغساني ، عن يزيد بن قطب السكوني ، عن أبي بحرية ، عن معاذ بن جبل ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الملحمة الكبرى ، وفتح القسطنطينية ، وخروج الدجال في سبعة أشهر ” . ورواه الترمذي ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن الحكم بن المبارك ، عن الوليد بن مسلم به ، وقال : حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وفي الباب عن الصعب بن جثامة ، [ ص: 112 ] وعبد الله بن بسر ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي سعيد الخدري .
ورواه ابن ماجه ، عن هشام بن عمار ، عن الوليد بن مسلم وإسماعيل بن عياش ، عن أبي بكر بن أبي مريم ، به .
وقد قال الإمام أحمد وأبو داود ، واللفظ له : حدثنا حيوة بن شريح الحمصي ، حدثنا بقية ، عن بحير بن سعد ، عن خالد ، هو ابن معدان ، عن ابن أبي بلال ، عن عبد الله بن بسر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ، ويخرج الدجال في السابعة ” . وهكذا رواه ابن ماجه ، عن سويد بن سعيد ، عن بقية ، به .
وهذا مشكل مع الذي قبله ، اللهم إلا أن يكون بين أول الملحمة وآخرها ست سنين ، ويكون بين آخرها وفتح المدينة ، وهي القسطنطينية ، مدة قريبة ، بحيث يكون ذلك مع خروج الدجال في سبعة أشهر ، والله أعلم .
وقال الترمذي : حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا أبو داود ، عن شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن أنس بن مالك ، قال : فتح القسطنطينية مع قيام الساعة . قال محمود : هذا حديث غريب ، والقسطنطينية هي مدينة الروم تفتح عند خروج الدجال ، والقسطنطينية قد فتحت في زمان بعض أصحاب النبي [ ص: 113 ] صلى الله عليه وسلم . هكذا قال إنها فتحت في زمن الصحابة ، وفي هذا نظر; فإن معاوية بعث إليها ابنه يزيد في جيش فيهم أبو أيوب الأنصاري ، ولكن لم يتفق له فتحها ، وحاصرها مسلمة بن عبد الملك بن مروان ، في زمان دولتهم ، ولم يفتحها أيضا ، ولكن صالحهم على بناء مسجد بها ، كما قدمنا ذلك مبسوطا . والله سبحانه أعلم .