قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في ” مسنده ” : حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد ، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ، حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في طائفة من أصحابه ، قال : ” إن الله تعالى لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور ، فأعطاه إسرافيل ، فهو واضعه على فيه ، شاخص إلى العرش ببصره ينتظر متى يؤمر فينفخ . قال : قلت : يا رسول الله ، ما الصور؟ قال : ” قرن ” . قلت : كيف هو؟ قال : ” عظيم ، والذي بعثني بالحق إن عظم دائرة فيه كعرض السماوات والأرض ، ينفخ فيه ثلاث نفخات; الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين . يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول : انفخ نفخة الفزع . فينفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، ويأمره تعالى فيمدها ويطيلها ولا يفتر ، وهي التي يقول الله تعالى : وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق [ ص : 15 ] . فتسير [ ص: 311 ] الجبال سير السحاب فتكون سرابا ، وترتج الأرض بأهلها رجا فتكون كالسفينة الموبقة في البحر ، تضربها الأمواج تكفأ بأهلها ، كالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح ، ألا وهو الذي يقول تعالى : يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة [ النازعات : 6 – 9 ] .
فتميد بالناس على وجهها ، وتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ، ويشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار ، فتلقاها الملائكة ، فتضرب وجوهها ، فترجع ، ثم يولون مدبرين ما لهم من الله من عاصم ، ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول الله تعالى : يوم التناد [ غافر : 32 ] . فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض تصدعين ، من قطر إلى قطر ، فرأوا أمرا عظيما لم يروا مثله ، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم ، ثم تطوى السماء فإذا هي كالمهل ، ثم انشقت السماء فانتثرت نجومها ، وخسفت شمسها وقمرها ” .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك ” . قال أبو هريرة : يا رسول الله ، من استثنى الله حين يقول : ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله [ النمل : 87 ] قال : ” أولئك الشهداء ، إنما يصل الفزع إلى الأحياء ، وهم أحياء عند ربهم يرزقون ، فوقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم منه ، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه وهو الذي يقول الله تعالى : [ ص: 312 ] يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد [ الحج : 1 ، 2 ] .
فيمكثون في ذلك العذاب ما شاء الله سبحانه ، إلا أنه يطول ، ثم يأمر الله إسرافيل ، فينفخ نفخة الصعق ، فيصعق أهل السماوات والأرض ، إلا من شاء الله ، فإذا هم خمدوا ، جاء ملك الموت إلى الجبار تعالى ، فيقول : يا رب ، مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت . فيقول الله سبحانه له ، وهو أعلم : من بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت حملة عرشك ، وبقي جبريل وميكائيل وبقيت أنا . فيقول الله ، عز وجل : ليمت جبريل وميكائيل . فينطق سبحانه العرش ، فيقول : يا رب ، يموت جبريل وميكائيل؟ فيقول الله سبحانه للعرش : اسكت ، إني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي . فيموتان ، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار ، عز وجل ، فيقول : يا رب ، قد مات جبريل وميكائيل . فيقول ، وهو أعلم بمن بقي : فمن بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقي حملة عرشك ، وبقيت أنا . فيقول الله تعالى : فليمت حملة عرشي . فيموتون ، ثم يأمر الله سبحانه العرش فيقبض الصور من إسرافيل ، وإسرافيل من جملة حملة العرش ، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار ، عز وجل ، فيقول : يا رب ، قد مات حملة عرشك . فيقول تبارك وتعالى ، وهو أعلم بمن بقي : فمن بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي [ ص: 313 ] لا يموت ، وبقيت أنا . فيقول الله تعالى : أنت خلق من خلقي ، خلقتك لما رأيت ، فمت . فيموت ، فإذا لم يبق إلا الله – قال ابن أبي الدنيا : ثنا محمد بن الحسين ، ثنا يونس بن يحيى الأموي أبو نباتة ، ثنا إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن كعب القرظي قال : بلغني أن آخر من يموت من الخلق ملك الموت ، يقال له : يا ملك الموت ، مت موتا لا تحيا بعده أبدا . قال : فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل السماوات والأرض لماتوا فزعا ، ثم يموت ، ثم يقول تعالى : لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ غافر : 16 ] .
وقد رواه ابن أبي الدنيا أيضا عن إسحاق بن إسماعيل ، عن إبراهيم بن عيينة ، عن إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل ، عن أبي هريرة ، مرفوعا بهذا .
ورواه الحافظ أبو موسى المديني من طريق محمد بن شعيب بن شابور ، عن إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن كعب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الحديث ، وفيه : ” يا ملك ، أنت خلق من خلقي ، خلقتك لما رأيت ، فمت ، ثم لا تحيا أبدا ” . قال أبو موسى : لم يتابع إسماعيل على هذه اللفظة ، [ ص: 314 ] ولم يقلها أكثر الرواة – قال : ” فإذا مات ملك الموت ، ولم يبق إلا الله الواحد ، الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، كان آخرا كما كان أولا ، طوى السماوات والأرض كطي السجل للكتاب ، ثم دحاهما ، ثم تلقفهما ثلاث مرات ، وقال : أنا الجبار . ثلاثا ، ثم يهتف بصوته : لمن الملك اليوم؟ ثلاث مرات ، فلا يجيبه أحد ، ثم يقول لنفسه تعالى : لله الواحد القهار . ويبدل الله الأرض غير الأرض والسماوات ، فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة ، فإذا هم في هذه المبدلة في مثل ما كانوا فيه من الأولى ، من كان في بطنها كان في بطنها ، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها ، ثم ينزل الله سبحانه عليهم ماء من تحت العرش ، ثم يأمر الله السماء أن تمطر ، فتمطر أربعين يوما ، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا ، ثم يأمر الله سبحانه الأجساد أن تنبت كنبات الطراثيث ، أو كنبات البقل ، حتى إذا تكاملت أجسادهم ، فكانت كما كانت قبل الموت ، قال الله تعالى : لتحيا حملة عرشي . فيحيون ، ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور ، فيضعه على فيه ، ثم يقول : ليحيا جبريل وميكائيل . فيحييان ، ثم يدعو الله بالأرواح فيؤتى بها ، تتوهج أرواح المسلمين نورا ، والأخرى ظلمة ، فيقبضها جميعا ، ثم يلقيها في الصور ، ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ فيه نفخة [ ص: 315 ] البعث ، فينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح من الصور كأنها النحل ، قد ملأت ما بين السماء والأرض ، فيقول الله تعالى : وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى جسدها . فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد ، فتدخل في الخياشيم ، ثم تمشي ضد الأجساد مشي السم في اللديغ ، ثم تنشق الأرض عنكم ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ، فتخرجون منها سراعا إلى ربكم تنسلون مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر [ القمر : 8 ] . حفاة عراة غلفا غرلا ، ثم تقفون موقفا واحدا مقدار سبعين عاما ، لا ينظر إليكم ، ولا يقضى بينكم ، فتبكون حتى تنقطع الدموع ، ثم تدمعون دما ، وتعرقون حتى يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم ، أو يبلغ الأذقان ، فتضجون وتقولون : من يشفع لنا إلى ربنا ليقضي بيننا . فيقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا ، فيأتون آدم ، فيطلبون ذلك إليه ، فيأتي ، فيقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ثم يستقرون الأنبياء نبيا نبيا ، كلما جاءوا نبيا أبى عليهم ” . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” حتى يأتوني ، فأنطلق ، حتى آتي الفحص ، فأخر ساجدا ” . قال أبو هريرة : يا رسول الله ، ما الفحص؟ قال : ” قدام العرش ، حتى يبعث الله إلي ملكا ، فيأخذ بعضدي فيرفعني ، فيقول لي : يا محمد . فأقول : نعم ، لبيك يا رب . فيقول : ما شأنك؟ وهو أعلم ، فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني في خلقك ، فاقض بينهم . فيقول صلى الله عليه وسلم : شفعتك ، أنا [ ص: 316 ] آتيكم فأقضي بينكم ” . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” فأرجع ، فأقف مع الناس ، فبينما نحن وقوف إذ سمعنا حسا من السماء شديدا ، فنزل أهل السماء الدنيا مثل من في الأرض من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم قلنا لهم : أفيكم ربنا؟ قالوا : لا ، وهو آت . ثم ينزل أهل السماء الثانية ، بمثل من نزل من الملائكة من أهل السماء الدنيا ، ومثل من فيها من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم ، وقلنا لهم : أفيكم ربنا؟ قالوا : لا ، وهو آت ، ثم ينزل أهل كل سماء على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل الجبار ، تبارك وتعالى ، في ظلل من الغمام ، والملائكة ، ويحمل عرشه يومئذ ثمانية ، وهم اليوم أربعة ، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى ، والسماوات إلى حجزهم ، والعرش على مناكبهم ، لهم زجل من تسبيحهم ، يقولون : سبحان ذي العزة والجبروت ، سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت ، سبوح قدوس ، سبحان ربنا الأعلى رب الملائكة والروح ، الذي يميت الخلائق ولا يموت فيضع الله تعالى كرسيه حيث شاء من أرضه ، ثم يهتف بصوته ، فيقول تعالى : يا معشر الجن والإنس ، إني قد أنصت [ ص: 317 ] لكم من يوم خلقتكم إلى يومكم هذا ، أسمع قولكم ، وأرى أعمالكم ، فأنصتوا لي اليوم ، إنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه . ثم يأمر الله سبحانه جهنم ، فيخرج منها عنق ساطع مظلم ، ثم يقول تعالى : ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون [ يس : 60 – 63 ] . أو : بها تكذبون . شك أبو عاصم . وامتازوا اليوم أيها المجرمون [ يس : 59 ] . فيميز الله الناس ، وتجثو الأمم ، يقول الله تعالى : وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون [ الجاثية : 28 ] . فيقضي الله بين خلقه إلا الثقلين; الإنس والجن ، فيقضي بين الوحوش والبهائم; حتى إنه ليقيد الجماء من ذات القرن ، فإذا فرغ الله من ذلك ، فلم تبق تبعة عند واحدة لأخرى ، قال الله لها : كوني ترابا . فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا [ النبإ : 40 ] . ثم يقضي الله تعالى بين العباد ، فيكون أول ما يقضي فيه الدماء ، ويأتي كل قتيل قتل في سبيل الله ، فيأمر الله كل من قتل فيحمل رأسه ، تشخب أوداجه دما . فيقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول تعالى وهو أعلم : فيم قتلته؟ فيقول : يا رب ، قتلته لتكون العزة لك . فيقول الله تعالى : صدقت . فيجعل الله تعالى وجهه مثل نور السماوات ، ثم تسوقه الملائكة إلى الجنة ، ثم يأتي كل من كان قتل على غير [ ص: 318 ] ذلك ، فيأمر من قتل ، فيحمل رأسه تشخب أوداجه دما ، فيقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول وهو أعلم : فيم قتلته؟ فيقول : يا رب ، قتلته لتكون العزة لي . فيقول له : تعست . ثم ما تبقى نفس قتلها إلا قتل بها ، ولا مظلمة إلا أخذ بها ، وكان في مشيئة الله تعالى ، إن شاء عذبه ، وإن شاء رحمه .
ثم يقضي الله بين من بقي من خلقه ، حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها الله للمظلوم من الظالم ، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء . فإذا فرغ الله من ذلك نادى مناد يسمع الخلائق كلهم : ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله . فلا يبقى أحد عبد شيئا من دون الله إلا مثلت له آلهته بين يديه ، ويجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير ، وملك على صورة المسيح عيسى ابن مريم ، فيتبع هذا اليهود ، ويتبع هذا النصارى ، ثم تقودهم آلهتهم إلى النار ، فهذا الذي يقول الله تعالى : لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون [ الأنبياء : 99 ] . فإذا لم يبق إلا المؤمنون فيهم المنافقون; جاءهم الله فيما شاء من هيئة ، فقال : يا أيها الناس ، ذهب الناس ، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، ما كنا نعبد غيره . فينصرف عنهم ، وهو الله الذي يأتيهم ، فيمكث عنهم ما شاء الله أن يمكث ، ثم يأتيهم فيقول : يا أيها الناس ، ذهب الناس ، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، وما كنا نعبد غيره . فينصرف عنهم ، وهو الله الذي يأتيهم ، فيمكث عنهم ما شاء الله أن [ ص: 319 ] يمكث ، ثم يأتيهم فيقول : يا أيها الناس ، ذهب الناس ، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، وما كنا نعبد غيره . فيكشف عن ساقه ، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون أنه ربهم ، فيخرون له سجدا على وجوههم ، ويخر كل منافق على قفاه ، ويجعل الله سبحانه أصلاب المنافقين كصياصي البقر ، ثم يأذن الله لهم فيرفعون رءوسهم .
ويضرب الله بالصراط بين ظهراني جهنم كقد الشعر – أو كعقد الشعر – وكحد السيف ، عليه كلاليب وخطاطيف ، وحسك كحسك السعدان ، دونه جسر دحض مزلة ، فيمرون كطرف البصر ، أو كلمح البرق ، أو كمر الريح ، أو كجياد الخيل ، أو كجياد الركاب ، أو كجياد الرجال ، فناج سالم ، وناج مخدوش ، ومكدوس على وجهه في جهنم .
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة حبسوا دونها قالوا : من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا . فيأتون آدم ، فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بنوح; فإنه أول رسل الله . فيؤتى [ ص: 320 ] نوح ، فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ، ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم إبراهيم . فيأتون إبراهيم فيطلبون ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ، ويقول : ما أنا بصاحبكم ، ولكن عليكم بموسى . فيأتون موسى ، فيذكر ذنبا ، ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم . فيأتون عيسى فيطلبون ذلك إليه ، فيقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” فيأتوني ، ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهن ، فأنطلق فآتي الجنة ، فآخذ بحلقة الباب ، ثم أستفتح فيفتح لي ، فأحيا ، ويرحب لي ، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجدا ، فيأذن الله لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه ، ثم يقول الله لي : ارفع رأسك يا محمد ، واشفع تشفع ، وسل تعطه . فإذا رفعت رأسي قال الله ، وهو أعلم : ما شأنك؟ فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة . فيقول الله ، عز وجل : قد شفعتك ، وأذنت لهم في دخول الجنة . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم . فيدخل كل رجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة ، سبعين مما ينشئ الله عز وجل ، وثنتين آدميتين من بنات آدم ، لهما فضل على من أنشأ الله ، بعبادتهما الله في الدنيا ، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة ، على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ ، عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق ، وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها ، من وراء ثيابها وجلدها ولحمها ، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوتة ، كبده لها مرآة ، وكبدها [ ص: 321 ] له مرآة ، فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله ، لا يأتيها مرة إلا وجدها عذراء ، ما يفتر ذكره ، ولا يشتكي قبلها ، إلا أنه لا مني ولا منية . فبينما هو كذلك إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل ، إلا أن لك أزواجا غيرها . فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة ، كلما جاء واحدة قالت : والله ما في الجنة شيء أحسن منك ، وما في الجنة شيء أحب إلي منك ” .
قال : ” وإذا وقع أهل النار في النار ، وقد وقع فيها خلق كثير من خلق ربك أوبقتهم أعمالهم; فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه لا تجاوز ذلك ، ومنهم من تأخذه إلى حقويه ، ومنهم من تأخذ جسده كله إلا وجهه ، وحرم الله صورته على النار ” . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” فأقول : يا رب ، شفعني فيمن وقع في النار من أمتي . فيقول الله عز وجل : أخرجوا من عرفتم . يخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، ثم يأذن الله لي في الشفاعة ، فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع . فيقول الله عز وجل : أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيمانا . فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ثم يشفع من شاء الله فيقول : أخرجوا من وجدتم في قلبه إيمانا ثلثي دينار ، ونصف دينار ، وثلث دينار ، وربع دينار ، ثم يقول : وسدس دينار ، ثم يقول : وقيراطا . ثم يقول : حبة من خردل . فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيرا قط ; وحتى لا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع ، حتى إن إبليس ليتطاول لما يرى من رحمة الله سبحانه ، رجاء أن يشفع له . ثم يقول الله ، عز وجل : بقيت أنا ، وأنا أرحم الراحمين . فيدخل الله سبحانه يده في جهنم ، فيخرج منها ما [ ص: 322 ] لا يحصيه غيره ، كأنهم خشب محترق ، فيبثهم الله على نهر يقال له : نهر الحيوان . فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، فما يلي الشمس منها أخيضر ، وما يلي الظل منها أصيفر ، فينبتون نبات الطراثيث ، حتى يكونوا أمثال الدر ، مكتوب في رقابهم : الجهنميون ، عتقاء الرحمن عز وجل . يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب ، ما عملوا خيرا قط ، فيبقون في الجنة ” .
فذكره إلى هنا كان في أصل أبي بكر بن المقرئ ، عن أبي يعلى رحمه الله تعالى . هذا حديث مشهور ، رواه جماعة من الأئمة في كتبهم ، كابن جرير في تفسيره ، والطبراني في الطوالات وغيرها ، والبيهقي في كتاب ” البعث والنشور ” ، والحافظ أبي موسى المديني في الطوالات أيضا – من طرق متعددة ، عن إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة ، وقد تكلم فيه بسببه . وفي [ ص: 323 ] بعض سياقاته نكارة واختلاف ، وقد بينت طرقه في جزء مفرد .
قلت : وإسماعيل بن رافع المديني ليس من الوضاعين ، وكأنه جمع هذا الحديث من طرق وأماكن متفرقة ، وساقه سياقة واحدة ، فكان يقص به على أهل المدينة ، وقد حضره جماعة من أعيان الناس في عصره ، ورواه عنه جماعة من الكبار; كأبي عاصم النبيل ، والوليد بن مسلم ، ومكي بن إبراهيم ، ومحمد بن شعيب بن شابور ، وعبدة بن سليمان ، وغيرهم ، واختلف عليه فيه قتادة ، يقول : عن محمد بن يزيد ، عن محمد بن كعب ، عن رجل ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وتارة يسقط الرجل .
وقد رواه إسحاق بن راهويه ، عن عبدة بن سليمان ، عن إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ومنهم من أسقط الرجل الأول ، قال شيخنا الحافظ المزي : وهذا أقرب ، وقد رواه عن إسماعيل بن رافع الوليد بن مسلم ، وله عليه مصنف بين شواهده من الأحاديث الصحيحة . وقال الحافظ أبو موسى المديني بعد إيراده له بتمامه : وهذا الحديث وإن كان في إسناده من تكلم فيه ، فعامة ما فيه يروى مفرقا بأسانيد ثابتة . ثم تكلم على غريبه .
[ ص: 324 ] قلت : ونحن نتكلم عليه فصلا فصلا ، وبالله المستعان .