الهجوم الذي نفذه الكيان الصهيوني بحق المسجد الأقصى يمثل جريمة حرب مكتملة الأركان، بحسب ما ينص عليه القانون الدولي، وهذه هي تفاصيل تلك القوانين.
وقبل الدخول في تفاصيل بنود وفقرات القانون الدولي التي تحكم العلاقة بين دولة محتلة والمناطق التي تحتلها من دولة أخرى والمسؤوليات التي تقع على كاهل قوات وسلطات الاحتلال تجاه السكان المحتلين، من المهم رصد بعضاً من تفاصيل ما قام به الكيان الغاصب ولا يزال يقوم به في القدس المحتلة بشكل عام والمسجد الأقصى بشكل خاص.
كانت قوات الاحتلال الصهيونية قد ارتكبت مساء الاثنين 10 مايو/أيار ما وصفه فلسطينيون بعدوان وحشي بحق المصلين المعتكفين في المسجد الأقصى، حيث هاجمت تلك القوات مئات المصلين الفلسطينيين بالمسجد الأقصى وأمطرتهم بوابل من الرصاص والقنابل المسيلة للدموع، ما أثار حالة من الهلع بين الفلسطينيين المرابطين في المسجد، وأحدث تدافعاً كبيراً على بوابات المسجد.
الاعتداء على الأقصى “جريمة حرب”
اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى الاثنين لم يكن الأول خلال شهر رمضان (الذي بدأ يوم 13 أبريل/نيسان وينتهي الأربعاء 12 مايو/أيار)، حيث بدأت تلك الاعتداءات منذ بداية شهر رمضان وشهدت “الجمعة الأخيرة” من شهر الصيام تصعيداً خطيراً من جانب قوات الاحتلال حولت ساحات المسجد إلى حرب غير متكافئة بين جنود مدججين بالسلاح ومصلين عزل.
وتكرر عدوان القوات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، مساء أمس الإثنين، بصورة أكثر عنفاً، وأظهرت عشرات من مقاطع الفيديو المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد اعتداءات قوات الاحتلال، التي اقتحمت باحات المسجد الأقصى وأطلقت على المصلين الرصاص والقنابل المسيلة للدموع، رغم أن الأمر يتعلق بمصلين عزَّل، يوجدون داخل المسجد للصلاة والاعتكاف.
وينص ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، في هذا الشأن بالتحديد على أن أي “شخص يشن بشكل متعمد هجوم على مبانٍ مخصصة لأهداف مثل العبادة أو التعليم أو الفن أو العلم أو العمل الخيري” يرتكب “جريمة حرب“.
وعلى الرغم من أن تلك المادة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية تنطبق بشكل مباشر على ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي تجاه “أحد دور العبادة”، إلا أن البيانات الرسمية الصادرة عن المجتمع الدولي عبارة عن بيانات سياسية تكاد تساوي بين الطرفين وتشير إلى ما يجري تحت عنوان “العنف في القدس الشرقية”، ويأتي هنا بيان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على سبيل المثال.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أعلنت في وقت سابق من العام الجاري أنها تحقق بالفعل في احتمال ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة – وتحديداً قطاع غزة، وهو ما اعتبره البعض تطوراً هاماً لتوثيق جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين.
لكن فيما يخص الاعتداء على المسجد الأقصى بالتحديد، فإن ميثاق روما المؤسس للجنائية الدولية والذي تم إقراره عام 1998 ليس البند الوحيد الذي ينطبق على تلك الاعتداءات ويصنفها كجريمة حرب، واستكمال ذلك البند المتعلق بالاعتداء على دور العبادة والأماكن التراثية والمدارس وغيرها، تنص المادة في تفاصيلها على أن “وقوع الاعتداء في حد ذاته يمثل جريمة حرب دون تفصيل تداعيات أو نتائج ذلك الاعتداء”، بحسب تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني.
وهناك ميثاق دولي قانوني آخر يرجع إقراره دولياً إلى عام 1954 وهو ميثاق لاهاي المؤسس لمحكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، حيث ينص على “الحماية الكاملة للمواقع ذات الأهمية الثقافية والحضارية خلال الصراعات المسلحة”.
وفي التفاصيل ينص ميثاق لاهاي على أن “القوات المحتلة ملتزمة بحماية التراث الثقافي والحضاري للبشرية بهدف حماية تلك المواقع من التدمير أو النهب والسلب أو الاستخدام غير الضروري للقوة العسكرية”.
والهدف من هذا البند القانوني، بحسب نصّه، هو أن “الاعتداء على تلك المواقع والإضرار بها بأي صورة من الصورة -بغض النظر عن الشعب أو الدولة التي تقع تلك الأماكن على أراضيها- يعتبر اعتداءً على البشرية ككل”.
ومن المهم هنا أن نذكر أن إسرائيل من الدول الموقعة على ميثاق لاهاي وبالتالي تخضع لتلك الالتزامات القانونية، التي وصفها ميثاق روما بشكل مباشر “كجرائم حرب”، وهو ما يجمع خبراء القانون الدولي أنه ينطبق على ما تفعله إسرائيل حالياً بحق المسجد الأقصى.
ماذا يقول القانون الدولي عن الأراضي المحتلة؟
قبل التوقف عند هذه النقطة، من المهم رصد رد فعل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن الاعتداءات الإسرائيلية في القدس الشرقية وتحديداً السعي لتهجير عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح والاعتداءات المتكررة والدموية على المسجد الأقصى طوال شهر رمضان وصولاً لاعتداء أمس الاثنين.
يمكن القول إن “الصمت التام” كان عنوان رد فعل إدارة بايدن على تلك الاعتداءات، بينما صدر رد الفعل الأول بعد أن أطلقت فصائل فلسطينية رشقة صواريخ تجاه إسرائيل كرد فعل على الاعتداءات بحق القدس الشرقية والمسجد الأقصى، حيث أدان وزير الخارجية أنطوني بلينكن ما وصفها “بالهجمات الصاروخية غير المقبولة من جانب حماس ضد إسرائيل”.
واللافت أيضاً أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية رفض إجابة الأسئلة الخاصة بالاعتداءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى أو الهجمات التي استهدفت قطاع غزة وأسقطت 25 ضحية فلسطينية، بينهم 9 أطفال، كما أوقفت الولايات المتحدة إصدار بيان من مجلس الأمن يدين اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي بحجة “العمل خلف الكواليس” لمنع التصعيد.
لكن بعيداً عن الموقف الأمريكي، الذي لا يمكن وصفه بأنه مفاجئ رغم أنه مخالف للقوانين والأعراف الدولية التي ترددها واشنطن طوال الوقت، من المهم هنا قراءة ما يقوله القانون الدولي بشأن الاحتلال.
المبدأ الأساسي في القانون الدولي بشأن التزامات دولة الاحتلال بشأن الأراضي التي تحتلها ينص على عدم قيام الاحتلال بأي إجراءات من شأنها تغيير طبيعة المناطق التي تحتلها جغرافياً أو سكانياً، كما يلزم سلطات الاحتلال بعدم القيام “بضم أو تغيير حدود الدولة التي تحتلها”، وفي حالة إقدام الدولة المحتلة على أي من تلك الإجراءات يفرض على الدول الأخرى عدم الاعتراف بتلك الإجراءات.
وفي يونيو/حزيران 2020، كانت تلك النقطة بالتحديد محور بيان قانوني أصدره سبعة وأربعون من خبراء الأمم المتحدة المستقلين شددوا فيه على أن ضم الأراضي المحتلة هو “انتهاك خطير” لميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، ويتعارض مع القاعدة الأساسية التي أكدها مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، مرات عديدة، ومفادها أن الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب أو القوة “غير مقبول”.
وقد صدر ذلك البيان رداً على خطط الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو ضم معظم أراضي الضفة الغربية وغور الأردن وهي أراضٍ فلسطينية محتلة، وهو ما كان يسعى نتنياهو وحليفه وقتها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى تنفيذه بداية من يوليو/تموز، ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن وإن كانت خطط تنفيذه لا تزال قائمة.
وجاء في بيان الخبراء أن “المجتمع الدولي يتحمل مسؤوليات قانونية وسياسية رسمية للدفاع عن نظام دولي قائم على القواعد، ومعارضة انتهاكات حقوق الإنسان والمبادئ الأساسية للقانون الدولي، وتنفيذ قراراته العديدة التي تنتقد سلوك إسرائيل لهذا الاحتلال المطول”.
وأكد الخبراء ضرورة عدم الاعتراف أو مساعدة دولة أخرى في أي شكل من أشكال النشاط غير القانوني، مثل الضم أو إنشاء مستوطنات مدنية في الأراضي المحتلة. الدروس المستفادة من الماضي واضحة: النقد دون عواقب لن يحول دون الضم ولا ينهي الاحتلال.
كما شدد الخبراء على أن تصبح المساءلة وإنهاء الإفلات من العقاب أولوية فورية للمجتمع الدولي، داعين إلى اتخاذ تدابير المساءلة التي يتم اختيارها بما يتفق تماماً مع القانون الدولي، وأن تكون متناسبة وفعالة، وتخضع لمراجعة منتظمة، ومتسقة مع قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني وقانون اللاجئين، ومصممة لإلغاء الضم وإنهاء الاحتلال والنزاع بشكل عادل ودائم. “الفلسطينيون والإسرائيليون لا يستحقون أقل من ذلك”.
وأعرب الخبراء الأمميون عن بالغ الأسف لدور الولايات المتحدة الأمريكية في دعم وتشجيع خطط إسرائيل غير القانونية لضم المزيد من الأراضي المحتلة، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة لعبت، في مناسبات عديدة على مدى 75 سنة الماضية، دوراً هاماً في النهوض بحقوق الإنسان العالمية.
“وبهذه المناسبة، ينبغي أن تعارض بشدة الانتهاك الوشيك لمبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي، بدلاً من التحريض على انتهاكه”.
الخلاصة هنا هي أن الاعتداءات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى بشكل خاص وفي الأراضي الفلسطينية بشكل عام تمثل “جرائم حرب”، بحسب نصوص القانون الدولي والمواثيق الأممية التي وقعت عليها دولة الاحتلال ذاتها، أما مساءلة إسرائيل وتحميلها عواقب تلك الاعتداءات فهي مسألة سياسية تخضع لحسابات يمكن وصفها “بغير القانونية” في طبيعتها.