في ذكرى إلغاء الخلافة العثمانية رسميا في العام 1924 بعد إزاحة آخر السلاطين محمد السادس بقرار من مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، الذي كان قد ألغى السلطنة في عام 1922 وأعلن قيام الجمهورية التركية وتولى رئاستها عام 1923 وحتى وفاته عام 1938.
وكان دخول السلطنة العثمانية الحرب العالمية الأولى مؤثرا بشكل هائل على العرب الذين قاتلوا على جبهتي القتال، كما وفر ذريعة للقوى الأوروبية لتقاسم غنائم السلطنة التي كانت تعرف بـ”رجل أوروبا المريض” بعد خسارتها الحرب.
وإضافة لذلك، فقد أسهمت الحرب العالمية الأولى في ولادة سياق جديد في الشرق الأوسط أدى إلى تطور ثلاث حركات قومية في الشرق، هي الحركات العربية والتركية والصهيونية التي شكلت تاريخ المنطقة في القرن التالي للحرب.
ورغم أن المؤرخين العرب والأتراك وحتى الغربيين يتفقون على أن انهيار الخلافة العثمانية غيّر تماما وجه الشرق الأوسط، فإنهم يختلفون في تقييم هذا التغيير.
وفي السطور التالية نستعرض كتابات مؤرخيْن هما البريطاني يوجين روغان والأميركي شون مكميكين اللذين كتبا عن النهاية العثمانية وميلاد شرق أوسط جديد بعيون غربية.
“سقوط العثمانيين.. الحرب العظمى في الشرق الأوسط” ليوجين روغان
في نوفمبر/تشرين ثاني 1914 انجرفت الإمبراطورية الإسلامية الأخيرة والوحيدة في العالم إلى صراع حياة أو موت ضد ثلاث قوى مسيحية تاريخيا بريطانيا وفرنسا وروسيا، بحسب المؤرخ الأميركي المختص وأستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة “أكسفورد” يوجين لورانس روغان.
وكان لدى الدول المسيحية في الحرب الملايين من الرعايا المسلمين الذين قد يكونون قابلين “للإغواء” من قبل السلطان العثماني، غير أن العثمانيين من جانبهم كانوا متحالفين مع قوتين مسيحيتين أوروبيتين أخريين هما ألمانيا والنمسا-المجر، ومن المفارقات أن الألمان حثوا السلطان على استخدام دوره بوصفه خليفة وإعلان حرب مقدسة إسلامية.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وكما يشرح روغان في كتابه، كان أحد دوافع الألمان لهذه الفكرة هو كونها وافدا جديدا للعبة الإمبريالية، كما أن لديها عددا قليلا نسبيا من المسلمين. وتقول الإحصاءات إنه في عام 1914 كان هناك 100 مليون مسلم يعيشون تحت الحكم الإمبراطوري البريطاني، و20 مليونا في الإمبراطورية الفرنسية و20 مليونا آخرين في الإمبراطورية الروسية.
وفي هذه الأثناء خشي العثمانيون -بالمقابل- تأثير الأعداء، وخاصة روسيا، على رعاياهم المسيحيين بما في ذلك اليونانيون والأرمن، الذين شكلوا أقلية كبيرة ومهمة اقتصاديًا في كل من عاصمة الإمبراطورية ومنطقة الأناضول.
وفي الوقت الذي بدأت فيه الحرب العالمية الأولى، كانت الإمبراطورية العثمانية في حالة محفوفة بالمخاطر. عندما جاء السلطان عبد الحميد الثاني إلى العرش في عام 1876 كان ينظر إليه على أنه مصلح شاب يعد بفكرة الديمقراطية البرلمانية.
ومع ذلك عندما رفض أول برلمان منتخب دعم “الجهاد” ضد التهديد الروسي المتزايد، ألقى السلطان بالديمقراطية جانبا واستولى على مقاليد الحكم بنفسه، بحسب روغان.
وبعد عامين في أعقاب الاضطرابات في البلقان، تخلت الإمبراطورية في معاهدة برلين عن بعض أراضيها في البلقان، والتي أدت إلى سيطرة البريطانيين على قبرص وسيطرة الفرنسيين على تونس وسُلمت مصر إلى رعاية البريطانيين.
فوضى
وكانت هذه الفوضى التي عززتها السلطوية السلطانية مبررا لقيام الثورة التركية الناشئة عام 1908، التي كانت على غرار العديد من الثورات تبدو شيئا جيدا في ذلك الوقت.
ولكن بعد خمس سنوات بعد الحرب الإيطالية التركية، سعت إيطاليا إلى احتلال المناطق الليبية، وأدت معاهدة لندن عام 1913 إلى خسارة العثمانيين 60 ألف فدان من الأراضي وأربعة ملايين نسمة. اعتبر ذلك مدمرا للنظام الذي كان ينظر إليه بعد انتهاء الحقبة البيزنطية باعتباره “الإمبراطورية الإسلامية العظيمة في العالم”، لكنه أصبح بحلول عام 1914 ضئيلا إلى حد لا يمكنه الاستمرار، بحسب الكاتب.
وفي أثناء الحرب وبينما كان العثمانيون يواجهون بريطانيا كانت هناك العديد من المفاجآت، فبدلاً من كسب السلطان لرعايا بريطانيا المسلمين، كان البريطانيون هم الذين استفادوا من عدم سيطرة الأتراك على العديد من المسلمين في الهند ومصر وأيضاً الأشراف الذين سيطروا على الجزيرة العربية، وتمكنت بريطانيا أيضا من نشر قواتها الاستعمارية سواء كانت هندوسية أو مسلمة ضد العثمانيين في بلاد ما بين النهرين.
“النهاية العثمانية.. انهيار إمبراطورية” لشيان مكميكين
بين عامي 1911 و1922 وقعت سلسلة من “حروب الخلافة العثمانية” وغمرت أراضي الإمبراطورية، بحسب شون مكميكين. وتوضح لعبة النهاية العثمانية السياق الذي أدى إلى نظام جديد غير مستقر في الشرق الأوسط بعد الحرب والذي لا يزال يعاني منه الكثيرون حتى اليوم.
ويقدم مكميكين قصصا جديدة ملحمية من الجبهة العثمانية في جبهات مثل جاليبولي وحتى روايات لورانس في الجزيرة العربية، ويقدم كذلك قراءته للمدة التي سبقت الحرب العالمية الأولى، والدور المركزي للإمبراطورية العثمانية في الحرب نفسها، وذلك عبر الغوص في أرشيف العثمانيين والروس وأيضا المصادر البريطانية والألمانية والفرنسية والأميركية والنمساوية-المجرية.
ويستدعي مكميكين أيضًا المنظور الأنجلوفرنسي الموروث لنتائج الحرب وانهيار الإمبراطورية، ويروي قصة ظهور تركيا الحديثة وأوضاع أراضيها العثمانية التي تخلت عنها، ويتناول قضايا إراقة الدماء لأسباب عريقة ودينية، وعمليات نقل السكان القسرية أثناء انهيار الإمبراطورية، وإعلان بلفور، والإطاحة بالخلافة، وتقسيم العراق وسوريا وغيرها من الأحداث التي لها عواقب معاصرة حتى الآن.
ويحكي الكاتب تأثير الثورة الروسية على مجرى الأحداث، وكيف أخفقت حملة أنور باشا الذي يحمله المسؤولية وحلفاءه الألمان في الشرق، وكيف أصبحت دمشق مقرا بريطانيًّا للحلفاء، وكيف سقطت العراق قبلها في أيدي الإنجليز.