على كتف دمشق يشرف مقام الأربعين بقبته الخضراء، أعلى قمم جبل قاسيون، على المدينة الوادعة في حوضتها كلوحة فنية حية. فما هي قصة هذا البناء الذي يقدسه الدمشقيون، والذي يعتقد أنه شيد في موقع الجريمة الأولى، عندما قتل قابيل بن آدم أخاه هابيل.
تسعمئة متر تفصل مقام الأربعين عن مركز مدينة دمشق، لكنها تستغرق نحو ساعة من الزمن والعناء للوصول إلى المقام عبر نحو 750 درجة متفاوتة الطول والعرض، انطلاقاً من منطقة “الشيخ محيي الدين بن عربي” قرب حيّ الميسات، ولطالما حالت هذه الطريق الوعرة دون زيارة معظم الدمشقيين لهذا المقام الذي يحتضن 40 محراباً يقال إنها لأربعين من الأولياء الذين تعاقبوا على إدارة الموقع ويطلق عليهم اسم الأبدال
بالرغم من تعدد الروايات حول سبب تسمية المقام، وقصّة “مغارة الدم” المجاورة له. إلا أن جميع الروايات تتمحور حول قصة ابنيّ جد البشرية آدم، والتي تقول بحسب الكتب أن قابيل قتل أخاه هابيل، فيما تقول الأسطورة إن هذا الموقع هو مكان الجريمة، وإن قابيل حمل جثة أخيه وسار بها نحو الغرب لأيام حتى تعلم من الغراب كيفية دفن أخيه، وفي منطقة الزبداني يقدس السوريون مقاماً آخر يعتقد أنه قبر سيدنا التقي “هابيل”. وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الجهلة يعتقدون بمصداقية نظرية داورين التي تقول أن نبي الله آدم كان قردًا فتطوّر كما هو حال البشر, وهذا القول فاسد مخالف للدين وما هذه الأقوال إلا نظريات وليست بحقائق علمية تم نفيها من قِبَل من روّج لها عند الغرب. سيدنا آدم هو أبو البشر وكان جميل الشكل حسن الصوت ولم يكن قردًا او يشبه القرود.
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن كثير . وقال إنه كان من الصالحين أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر ، وهابيل ، وأنه [ ص: 220 ] استحلف هابيل أن هذا دمه فحلف له ، وذكر أنه سأل الله تعالى أن يجعل هذا المكان يستجاب عنده الدعاء فأجابه إلى ذلك ، وصدقه في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال : إنه ، وأبا بكر ، وعمر يزورون هذا المكان في كل يوم خميس
ما قصة قابيل وهابيل؟
نذكر هنا ملخص ما ذكره أئمة السلف في ذلك ، فذكر السدي ، عن أبي مالك ، وأبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة ، أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى الأخرى ، وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل ، وكان أكبر من هابيل ، وأخت قابيل أحسن فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه ، وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى ، فأمرهما أن يقربا قربانا ، وذهب آدم ليحج [ ص: 217 ] إلى مكة ، واستحفظ السماوات على بنيه فأبين ، والأرضين والجبال فأبين ، فتقبل قابيل بحفظ ذلك ، فلما ذهب قربا قربانهما ، فقرب هابيل جذعة سمينة ، وكان صاحب غنم ، وقرب قابيل حزمة من زرع من رديء زرعه ، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل ، وتركت قربان قابيل فغضب . وقال : لأقتلنك حتى لا تنكح أختي . فقال : إنما يتقبل الله من المتقين . وروي عن ابن عباس من وجوه أخر ، وعن عبد الله بن عمرو . وقال عبد الله بن عمرو ، وايم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ، ولكن منعه التحرج أن يبسط إليه يده .
وذكر أبو جعفر الباقر : أن آدم كان مباشرا لتقربهما القربان ، والتقبل من هابيل دون قابيل ، فقال : قابيل لآدم : إنما تقبل منه لأنك دعوت له ، ولم تدع لي . وتوعد أخاه فيما بينه وبينه ، فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي ، فبعث آدم أخاه قابيل لينظر ما أبطأ به ، فلما ذهب إذا هو به فقال له : تقبل منك ، ولم يتقبل مني . فقال : إنما يتقبل الله من المتقين . فغضب قابيل عندها ، وضربه بحديدة كانت معه فقتله . وقيل : إنه إنما قتله بصخرة رماها على رأسه وهو نائم فشدخته . وقيل : بل خنقه خنقا شديدا وعضا ، كما تفعل السباع فمات ، والله أعلم .
وقوله له لما توعده بالقتل : لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين . دل على خلق حسن ، وخوف من الله تعالى ، وخشية منه ، وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله ، ولهذا ثبت في الصحيحين ، [ ص: 218 ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . قالوا : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه . وقوله : إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين . أي : إني أريد ترك مقاتلتك ، وإن كنت أشد منك ، وأقوى إذ قد عزمت على ما عزمت عليه أن تبوء بإثمي وإثمك . أي : تتحمل إثم قتلي مع ما لك من الآثام المتقدمة قبل ذلك . قاله مجاهد ، والسدي ، و ابن جرير ، وغير واحد ، وليس المراد أن آثام المقتول تتحول بمجرد قتله إلى القاتل ، كما قد توهمه بعض الناس ، فإن ابن جرير حكى الإجماع على خلاف ذلك .
وأما الحديث الذي يورده بعض من لا يعلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما ترك القاتل على المقتول من ذنب . فلا أصل له ، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف أيضا ، ولكن قد يتفق في بعض الأشخاص يوم القيامة يطالب المقتول القاتل ، فتكون حسنات القاتل لا تفي بهذه الظلمة فتحول من سيئات المقتول إلى القاتل ، كما ثبت به الحديث الصحيح في سائر المظالم ، والقتل من أعظمها ، والله أعلم .
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website