يعتبر الدين الوهابي الخيط الرئيسي في النسيج السياسي والاجتماعي السعودي. الدولة السعودية نفسها استثمرت كثيراً في الحركة الوهابية، حتى صارت، بجوار الثروة البترولية، أهم عناصر قوتها.
استخدم الدعوة الوهابية في نسخة السعودية كأداة للتوظيف السياسي، اضافة الى ذلك اعتبار السعودية نفسها ممثلة للتيار السني في العالم الإسلامي كونها تحتضن بأقدس بقعتين في العالم الإسلامي؛ مكة المكرمة والمدينة المنورة.
ظل الدين سلاحاً فعالاً في يد العائلة المالكة، يستخدم في توجيه الرأي العام عن طريق الفتاوى السياسية المتوافقة مع توجهات وسياسات الدولة، وقد يستخدم لإسكات المعارضين وقمعهم إن لزم الأمر.
في القرن الماضي، استغل محمد بن سعود آل مقرن دعوة محمد بن عبدالوهاب ذات المنشأ البريطاني-الماسوني لتثبيت دعائم وأركان حكمه، فبنيت السلفية الرسمية في السعودية، على تحالف الدعوة والإمارة، عقد بين الإمام والأمير. فقد شاركت السلفية الوهابية الإمام محمد بن سعود تأسيس الدولة السعودية الأولى بإفساح المجال أمام قوة “التوحيد” كدعوة دينية وسياسية لتوحيد القبائل حول قيادة قادرة على الإشراف على متابعة تدين المجتمع، بقيادة مؤسس الدين الجديد المدعو محمد بن عبدالوهاب.
تحالف السعودية المتين
المتتبع لتاريخ الحركة الوهابية وعلاقتها بحكام آل سعود سيلحظ أنه لولا التحالف الذي عقده محمد بن عبدالوهاب مع الأمير محمد بن سعود، والذي وصف بلقاء صاحب الدعوة مع صاحب الشوكة لما كان لهذه الحركة وجود، فقد اشترط محمد بن سعود عليه عدة شروط، أهمها البقاء معه هو وأتباعه من أجل حماية حركته ونصرتها.
يقول ستيفان لاكروا في كتابه (زمن الصحوة): “ساعدت الدعوة السلفية خلال العقود السبعة الأولى من القرن العشرين على تثبيت الشرعية الدينية للدولة، والتخلي عن المجال السياسي لآل سُعود، وخضعت ديناميكية الدولة والحكم لمبدأ تقاسُم الأدوار السياسية والدينية بين ذُرية محمد بن سعود وذرية محمد بن عبدالوهاب”.
قام تحالف بين الثنائي لتحقيق مصلحة متبادلة، فجرى الاتفاق بينهما على أن يكون للأول وذريته من بعده السلطة الزمنية أي الحكم، وللثاني وذريته من بعده السلطة الدينية.
وسمح الإمام محمد بن سعود بورود محمد بن عبدالوهاب ضيفاً عليه؛ فجاء إليه وصافحه وقال له: “أريد منك عهداً على أنك تجاهد في هذا الدين، والرياسة والأمانة فيك وفي ذريتك بعدك. وإن المشيخة والخلافة في الدين فيّ وفي آلي من بعدي”. ويعتبر “اتفاق الدرعية” نقطة تحول مفصلية في تاريخ إنشاء المملكة العربية السعودية.
اعتاد فقهاء المملكة إضفاء المشروعية الدينية على قرارات وسياسات النظام السعودي بإصدار الفتاوى الدينية خصوصاً في الموضوعات محل الجدل، مثل سحق تمرد الإخوان (الجيش العقائدي الذي أسهم في بناء الدولة السعودية) عام 1927، واستقدام الجنود الأمريكيين أثناء حرب الخليج، والمشاركة في مفاوضات السلام العربية – الإسرائيلية وغيرها من الملفات الشائكة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
في فترة الملك فيصل، عُمل على توظيف الخطاب الوهابي لضرب الخطاب الناصري المُسوَّق خارجياً عبر تأسيس إذاعة “صوت الإسلام” رداً على إذاعة “صوت العرب”، وتم تأسيس الجامعات والمعاهد الإسلامية التي جعلت من التيار الوهابي قُوة اجتماعية وثقافية مُتغلغِلة في أوساط المُجتمع السعودي بصُورة تُضاهِي قوة آل سعود سياسياً، كما يشير محمد أبورمان في كتابه (الصراع على السلفية).
المؤسسة الدينية في السعودية طرف في الحكم، لها قوتها وهيبتها داخل الدولة، وكان التحالف مع المؤسسة الدينية في السعودية هو الصيغة التاريخية الوحيدة لحفظ الاستقرار السياسي وحماية الحكم المطلق في السعودية. ويهدف التحالف بين آل سعود والمؤسسة الدينية في المملكة العربية السعودية إلى حماية اللحمة الداخلية في المملكة والاحتماء من ثلاثة تحديات هي:
الأول: الاحتماء من الديمقراطية والحكم المدني، الذي يقرع باب السعودية قادماً من عند جيرانها العرب، لذلك لم تفتأ المؤسسة الدينية الرسمية تردد أناشيد الولاء للملكية وآل سعود.
الثاني: مواجهة إيران والمد الشيعي حيث قويت العلاقة بين آل سعود والمؤسسة الدينية أكثر بعد الثورة الإيرانية سنة 1979، ما ولد نزاعاً حول الشرعية الدينية في المنطقة والعالم الإسلامي، خصوصاً أمام قوة إيران وحضور الأقليات الشيعية في دول المنطقة ما يعزز فرص طهران لنشر التشيع في المنطقة.
الثالث: يتمثل في التحدي الإخواني، مع تصاعد قوة “الإخوان المسلمين” والتأثير الذي مارسوه على نظام الحكم في المملكة العربية السعودية، باعتبارهم حركة تتبنى خطاباً دينياً منتقداً للسلطة المطلقة.
تتمثل القوى الرسمية الدينية في مؤسسات رسمية وهي:
- هيئة كبار العلماء
تأسست هيئة كبار العلماء السعودية، وهي الهيئة الدينية الحكومية الأبرز التي تمثل الدين الوهابي عام 1971، وتضم لجنة من الشخصيات الدينية جميعهم فقهاء ورئيسها هو مفتي السعودية برتبة وزير، الشيخ الوهابي عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ.
في مرحلة الستينيات والسبعينيات بدأ نفوذ “هيئة كبار العلماء” في التوسع عبر “المؤسسة الدينية الرسمية” وأكبر رموزها عبدالعزيز بن باز ومحمد بن عثيمين. هذه المقاربة تتمثل في الاهتمام بالجانب الديني والدعوي والعقائدي والابتعاد عن الخوض في السياسة.
- هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وهي إحدى الهيئات الحكومية المستقلة، التي تم تأسيسها في عام 1940.
وتمثل الهيئة أحد أجنحة المؤسسة الدينية ووضعت لها مجموعة من المهام من ضمنها، غلق المحلات التجارية أوقات الصلاة ومحاربة جميع أشكال إظهار الحب للنبي محمد كالاحتفال بمولده وغيرها .. إلخ
لاحقاً أصبحت تابعة لرئيس مجلس الوزراء في المملكة، أي الملك، بعد أن كانت تتبع إدارياً المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أي وزارة الداخلية.
كانت الهيئة تسيطر على ثلاث مجالات حيوية هي: التعليم، القضاء، والوعظ غير أن التعليم جرى سحب قيادته منها مؤخراً.
وفي أبريل/نيسان من عام 2016، صدر قرار بتجريد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غالبية سُلطاتها عبر قرار تنظيمي جديد بتنظيم عملها. وورد في هذا القرار التنظيمي عدم حق أعضاء الهيئة في إيقاف الأشخاص أو مطاردتهم أو طلب وثائقهم، بل ويقتصر دورهم على إبلاغ الشرطة بمن يشتبهون فيه، بل ويُلزَمون هُم أنفسهم بإبراز هُوياتهم للناس.
- الجامعات الإسلامية
من أبرز هذه الجامعات: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض. وهما يتبعان، إدارياً ومالياً، وزارة التعليم العالي. وكان التقليد الجاري يأخذ بعين الاعتبار رأي كبار العلماء عند تعيين قياداتهما الإدارية والأكاديمية.