قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “طلبُ العِلم فريضة على كل مسلم” أي علم الدين الضروري الشامل لمعرفة الله ومعرفة رسوله وغيرهما من ضروريّات الاعتقاد، والشامل أيضًا لمعرفة أحكام الصّلاة والطهارة شروطًا وأركانًا ومبطلات وغيرهما من ضروريّات علم الدين، ولمّا كان هذا المختصر حاويًا لهذه الأشياء كان ينبغي الاعتناء به أي لاشتماله عليها.
ضروريّات الاعتقاد
فصلٌ: يجبُ على كافةِ المكلّفينَ الدُّخولُ في دينِ الإِسلامِ والثُّبوتُ فيه على الدَّوامِ والتزامُ ما لزمَ عليه من الأحكامِ.
الشرح: المكلّف هو البالغ العاقل الذي بلغته دعوة الإِسلام، أي من بلغه أنه لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمدًا رسول الله وكان صحيح السمع لم يكن أصم، فهذا هو المكلّف الذي هو مُلْزَمٌ بأن يُسلم ويعمل بشريعة الإسلام، أن يؤدِّيَ الواجبات ويجتنب المحرّمات. ومن مات قبل البلوغ فليس عليه مسئولية في الآخرة، وكذلك من اتّصل جنونه إلى ما بعد البلوغ فمات وهو مجنون فليس مكلّفًا، وكذلك الذي عاش بالغًا ولم تبلغه دعوةُ الإِسلام أي أصلُ الدعوةِ، وليس شرطًا لبلوغِ الدعوةِ أن تبلغه تفاصيل عقائد الإسلام بأدلّتها بل يكون مكلّفًا بمجرّد أن يبلغه أصل الدعوة، ولا يكون له عذرًا أنه لم يكن فكّر في حقيّة الإسلام برهة من الزمن، لأنَّ الرّسول ما كان يُمهل الكفّار برهةً مِنَ الزمن ليفكِّروا بعد أن يبلِّغَهُم دعوة الإسلام في حقّيتها يومًا ولا يومين ولا أكثر من ذلك، بل كان يعتبر ذلك كافيًا في انتفاء العذر عنهم إن لم يتّبعوا الإسلام، كان يكتفي بأن يُسْمِعَ العربَ المشركين في الموسم أي موسم الحج حين يجتمعون من نواحٍ شتى أنّه لا إله إلاَّ الله وأنّه رسول الله ، كان يمرّ فيهم مرورًا؛ ثمّ لما جاء الإذنُ بالقتال كان يحارب كل من استطاع محاربتَهُ من كل أولئك الذين بلّغهم بعد تجديد الدعوة أو من غير تجديد، إلا من بدت له مصلحة في مصالحتهم لمدّة معيّنة لا للأبد. لذلك قال العلماء: يستحبّ تجديد الدعوة بلا إيجاب أمام القتال، فقد روى البخاريّ ومسلم أنّه صلى الله عليه وسلم قاتل بني المصطَلِق وهم غارّون أي لا علمَ لهم فقتل مقاتلتهم وسبى نِساءهم وَذَرَارِيَّهم، فلو كان يُشترطُ لجواز مقاتلة الكفّار أن يُعطَوْا مهلة للتفكير في صحّة الإِسلام وحقّيّته فالرّسول كان أولى بذلك لكنه لم يكن يمهلهم برهة للتفكير بل اكتفى لقتالهم بأنّه كان بلَّغهم قبل ذلك أصل الدعوة.
فذلك دليل على أن من سمع في الأذان الشهادتين وهو يفهم العربيّة فهو مكلّف، فإن مات ولم يُسلم استحقّ عذاب الله المؤبّد في النار.
فممّا يجبُ علمُهُ واعتقادُهُ مطلقًا والنطقُ به في الحالِ إن كان كافرًا وإلا ففي الصلاةِ الشهادتانِ وهما: أشهدُ أنْ لا إِله إِلاَّ الله وأشهدُ أنَّ محمّدًا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
الشرح: أنّ أول ما يجب على الإنسان معرفة الله ومعرفة رسوله والنطقُ بذلك مرةً واحدة، ومن حصل منه ذلك مع الاعتقاد الجازم فهو مسلم مؤمن؛ ثم لا يكمل إيمانه وإسلامه إِلا بأداء الواجبات واجتناب المحرّمات. ثم اختلف العلماء في وجوب النطق بالشهادتين بعد تلكَ المرَّة وأكثر العلماء على وجوب النطق بالشهادتين في كل صلاة، وقال مالكٌ بعدم وجوب النطق بالشهادتين في الصّلاة حيث إنّ التشهّد عنده في الصلاة سُنّة ليس فرضًا من فروض الصلاة أي على الراجح المشهور في المذهب.
ثمّ إنّ النطق الذي يجب على الكافر يحصل بلفظ: أشهد أنْ لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله باللغة العربيّة وبترجمته لغيرها من اللّغات، وعند بعض الشافعيّة إن كان يعرف النطق بالعربيّة لا ينطق بغيرها، فمن كان أعجميًّا يقول: (أنّ محمدًا) بالهاء يُقال له: قُلْ: (أبا القاسم) ويضيف: (رسول الله ). وإذا لم يكن يأتي بهاء لفظ الجلالة (الله ) فيكفي ترجمته بلغته. وليس يُشترط خصوص هذا اللفظ بل يكفي ما يعطي معناه كأن يقول: لا ربّ إلا الله ، أو: لا خالق إلا الله ، ويكفي محمّد نبيّ الله ؛ لكن لفظ أشهد أفضل من سائر الألفاظ لأن أشهد لها امتياز على أعلم وأعرف ونحو ذلك من الألفاظ وهو أنَّهُ يتضمَّن معناها اللغوي العلم والاعتقاد والاعتراف.
ومعنى أشهدُ أنْ لا إِله إِلا الله [أعلمُ وأعتقدُ وأعترفُ] أنْ لا معبودَ بحقٍ إِلا الله .
الشرح: معنى قول الفقهاء: لا معبودَ بحقّ إِلا الله ، لا يستحق أحدٌ أن يُعبَد أي أن يُتذلّل له نهاية التذلّل إلاّ الله كما قال بذلك الإمام الفقيه تقي الدين السبكي وقد قال السيوطي: إنه حافظٌ فقيهٌ أُصوليٌّ لغويّ نَحوي متكلّم. وقال الذهبي فيه: [الوافر]
ليهنَ المنبرُ الأمَويُّ لمّا علاهُ الحاكمُ البحرُ التقيُّ
شيوخُ العصْرِ أحفظهم جميعًا وأخطبهم وأقضاهُم عليُّ
يعني السبكيَّ عليَّ بن عبد الكافي، وغيرُه ولفظ السبكيِّ: العبادةُ أقصى غاية الخشوع والخضوع، وذكر ذلك الإِمام اللغوي مرتضى الزبيدي في شرح القاموس، ولو كان معنى العبادة مطلق الطاعة لمخلوق في أيّ شىء طاعة أو معصية لكان عمّال الحكّام الجائرين كفّارًا، فهل يقول هؤلاء الذين يكفّرون المتوسلين بالأنبياء والأولياء إنهم مشركون، أَلَيس هؤلاء هم أنفسهم يطيعون الحكّام في بعض المعاصي فيكونون كفَّروا أنفسهم وإن لم يشعروا.
وممّن فسر العبادة بذلك الراغب الأصبهاني وهو لغوي مشهور يكثر النقل عنه صاحب شرح القاموس مرتضى الزبيدي قال في تأليفه مفردات القرءان: العبادة غايةُ التذلّل. فهؤلاء الذين يكفّرون المستغيثين بالأولياء والأنبياء ليتعلّموا معنى العبادة في لغة العرب قبل إطلاق ألسنتهم بالتكفير؛ وهذا معنى العبادة المُرادة بقوله تعالى: {لا إله إلا أنا فاعبدون} [سورة الأنبياء] وبقوله تعالى: {إياك نعبد} [سورة الفاتحة]، وهذه هي العبادة المختصّة لله تعالى التي من صَرَفها لغيره صار مشركًا، وليس معناها مجرّد النداء أو الاستعانة أو الاستغاثة أو الخوف أو الرَّجاء كما زعم بعض النّاس أن مجرّد نداء شخص ميت أو غائب شرك، وكذلك استعانته به إلا بالحيّ الحاضر حتى لو قال قائل: يا محمّد صار عندهم كافرًا وكذا لو قال قائل: يا رسول الله المدد صار كافرًا عندهم. وهؤلاء جاهلون بمعنى العبادة في لغة العرب، قال الليث وهو إمام من أئمة اللغة متقدّم: ويُقال للمشركين هم عَبَدَةُ الطاغوت ويقال للمسلمين عباد الله يعبدون الله . وقال الله عزّ وجَلّ:{اعبدوا ربكم} [سورة البقرة] أي أطيعوا ربّكم، وقوله: {إياك نعبد وإياك نستعين} [سورة الفاتحة] أي نطيع الطاعة التي يُخضَع معها. اهـ. قال ابن الأثير: والعبادة في اللغة الطاعة مع الخضوع، وفي المصباح للفيُّومي أحد مشاهير اللغويين: عبدت الله أعبده عبادة وهي الانقياد والخضوع، وفي تاج العروس مع القاموس: والعِبادة بالكسر الطاعةُ… إلخ.
فإن قال هؤلاء وأمثالهم: أَلَيْس وردَ في تفسير {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} [سورة التوبة] أنّ عبادتهم لهم طاعتهم فيما حرّموا وحلّلوا من تلقاء أنفسهم. فالجواب أنّ ذلك داخل تحت هذا التعريف: الانقياد والتذلّل، فإنهم انقادوا لهم في ذلك، تذلّلوا لهم لأنهم كانوا يعتقدون أنّهم يستحقّون أن يُطاعوا في ذلك حقيقة وليس الذي حصل منهم مجرد أنهم أطاعوهم فإن المسلم قد يطيع من له عليه رئاسة في المعصية لكنه لا يطيعه على الوجه الذي أطاعته النصارى أحبارهم ورهبانهم فلا يكونون عابدين لرؤسائهم كأولئك. وكذلك مجرّد الطاعة لمخلوق في المعصية ليس عبادة له وإشراكًا بالله .
يُتبع ..
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website