مما شذ به حزبُ التحرير عنِ الأمةِ قولهُم بأنَّ من يموتُ دون أن يبايعَ الخليفة فمِيتَتُهُ مِيتةُ الجاهلية أي عُبَّادِ الأوثانِ، فعلى قولهِم كلُّ مسلمٍ يموتُ منذ أكثرَ من مائةِ سنةٍ مِيتتُهُ مِيتةٌ جاهليةٌ لأنهُ لا يوجدُ خليفةٌ منذُ ذلك الزمن، أما الخلافة العامة التي تدير شؤون المسلمين كلهم فقد انقطعت منذ زمان طويل. فالمسلمونَ في تركِ نصبِ الخليفةِ اليومَ لهم عذرٌ، أعني الرعايا، الرعايا لا يستطيعونَ اليومَ نَصبَ خليفةٍ فما ذنبُهم، وقد قالَ اللهُ تعالى: ]لا يُكلفُ اللهُ نفسًا إلا وُسعها[ سورة البقرة/286 .
وأعظمُ من هذا ضلالاً قولهُم العبدُ يخلُقُ أفعالَهُ الاختياريةَ ليسَ الاضطرارية خالفوا قولَ اللهِ تعالى: ]اللهُ خالِقُ كلِّ شئ[ سورة الزمر/62. لأن الشئَ يَشملُ الجسمَ وعملَ الجسم، وقولَه: ]هل من خالقٍ غيرُ اللهِ[ سورة فاطر/3، وقولَه: ]قل إنَّ صلاتي ونُسُكي ومحيايَ ومماتِي للهِ ربِّ العالمينَ لا شريكَ له[ سورة الأنعام/162. اللهُ جعلَ الصلاةَ والنُّسُكَ وهما من أفعالِ العبدِ الاختياريةِ والمَحيا والمماتَ وهما ليسا من أفعالِ العبدِ الاختياريةِ كلاَّ خلقاً لهُ، لا يُشارِكُه أحدٌ في ذلكَ أي هو أبرزَ ذلك من العدمِ إلى الوجودِ. فدلت هذه الآيات على أن كلَّ ما يدخُلُ في الوجودِ من جسمٍ وحركةٍ وسكونٍ ولونٍ وتفكيرٍ وألمٍ ولَذةٍ وفهمٍ وعجزٍ وضعفٍ كل ذلك بإيجادِ اللهِ تعالى لا غير وإنما العبادُ يَفْعلونَ ولا يخلُقون. وهذا إجماعُ المسلمينَ الذي كانَ عليهِ الصدرُ الأولُ والجمهورُ إلى يومِنا هذا على ذلك.
ومنَ الآياتِ الدالَّةِ على أنَّ العبدَ لا يخلُقُ أفعالَه مُطلقاً الاختياريةَ وغيرَها قولُ اللهِ تعالى: ]فلم تقتُلوهم ولكنَّ اللهَ قتلَهم[ سورة الأنفال/17.مع أنَّ المسلمينَ قاتلوا فقَتَلوا، نفى اللهُ عنهم أنهم قتَلوا من حيثُ الحقيقةُ لأنَّ هذا القتلَ الذي قتلَه الصحابةُ حصلَ لكنَّ قتلَهم هذا ليسَ هم خلقوهُ بلِ اللهُ خلقَه هم فعلوا من حيثُ الكسبُ والظاهرُ واللهُ خلقَهُ أي أوجدَه من العدمِ إلى الوجودِ ثم قالَ اللهُ تعالى على إِثرِ هذه الجُملة: ]وما رَمَيْتَ إذ رَمَيْتَ ولكنَّ اللهَ رمى[، سورة الأنفال/17. نفى الرَّميَ عن رسولِ اللهِ من حيثُ الحقيقةُ والإيجادُ وهو الإبرازُ من العدمِ إلى الوجودِ أي ما خلقتَ أنت ذلك الرَّميَ الذي حصلَ منك بلِ اللهُ خلقَه أي هو أوجدَ ذلك الرَّميَ الذي حصلَ منك أي اللهُ تعالى نفى الرَّميَ من وجهٍ وأثبتَهُ من وجهٍ نفى أن يكونَ ذلك الرميُ مخلوقاً للرسولِ وأثبتَهُ من حيثُ إنهُ كسبَهُ أي هو فعلَهُ من غيرِ أن يكونَ خلقه.
فمخالفةُ التحريريةِ لهاتينِ الآيتَينِ صريحةٌ وللآيةِ الأخرى أشدُّ تصريحاً قالَ الإمامُ أبو حنيفةَ: “أعمالُ العبادِ فعلٌ منهم وخلقٌ للهِ” وعلى هذا سلفُ الأمةِ وخلفُهم وما خالفَ هذا فهو خلافُ كتابِ اللهِ وخلافُ حديثِ رسولِ الله، فقد روى البخاريُّ وغيرُه أن الرسولَ عليه السلام كان يقولُ إذا قَفَلَ من حجٍّ أو عمرةٍ أو غزوٍ “لا إله إلا الله وحده لا شريك له نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده”، جعلَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم هزْمَ الأحزابِ خلقاً للهِ تعالى وحدَه لم يشارِكْه فيهِ غيرُه مع أنَّهم في الظاهرِ حصلَ منهم هزمُ العدوِّ وهذا أبينُ البَيانِ. وهناك ءاياتٌ أخرى تدُلُّ على أن العبادَ لا يخلُقونَ أعمالَهم مُطلقا كقولِه: ]واصبِرْ وما صبرُك إلا بالله[ سورة النحل/ 127. وقولِه: ]وما توفيقِي إلا بالله[. هذا إذا كانَ الخلقُ بمعنى الإبرازِ من العدمِ إلى الوجودِ أما الخلق إذا أريدَ به تصويرُ صورةٍ أو افتراءُ الكذبِ أو التقديرُ فيصحُّ أن يُضافَ إلى العبادِ وقد قالَ اللهُ تعالى في حقِّ عيسى: ]وإذ تخلُقُ من الطينِ كهَيْئَةِ الطير[ سورة المائدة/ 110.فإنَّ معنى تخلُقُ هنا تعملُ صورةً ليس معناهُ تُبرِزُ الطيرَ من العدمِ إلى الوجودِ. وكذلك قولُهُ تعالى: ]فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالِقين[ سورة المؤمنون/ 14. معنى الخلقِ في هذه الآيةِ التقديرُ ليسَ الخلق بمعنى الإبرازِ من العدمِ إلى الوجودِ إنما معنى الآيةِ اللهُ أحسنُ المُقدِّرين وقالَ تعالى: ]وتخلقون إفكا[ سورة العنكبوت/18. نَسبَ إلى المشركينَ خلْقَ الإِفكِ أي افتراءَهُ ليس معناهُ أنهم يخلُقونَ الإِفكَ بمعنى الإِبرازِ من العدمِ إلى الوجودِ. ووُرُودِ الخلقِ بِمَعنى التقديرِ معروفٌ عند العربِ القدماءِ قالَ بعضُ الشعراء:
ولأنت تفرِي ما خلقتَ وبعضُ القومِ يخلُقُ ثم لا يفري
أي يقولُ الشاعرُ لممدوحِه أنتَ تُقدِّرُ ثم تُنفِّذُ وبعضٌ غيرك يقدِّرُ ثم لا يُنفِّذ.
فمِنْ بابِ إنكارِ المنكرِ الذي فرضَهُ اللهُ على المسلمينَ يجبُ الإنكارُ على هؤلاءِ وتحذيرُ الناسِ منهم ومن كلِّ فرقةٍ خالفَتْ ما درَجَ عليه المسلمونَ من أيامِ الصحابةِ إلى هذا العصرِ وهم جمهورُ الأمة، وهؤلاء الشاذونَ شراذمُ قليلةٌ باعتبارِ كثرةِ أهلِ السنة، وقد أوصى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِلُزومِ الجماعةِ وقد صحَّ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: “عليكم بالجماعةِ وإياكم والفُرقة فإنَّ الشيطانَ مع الواحِدِ وهو منَ الاثنينِ أبعدُ، فمن أرادَ بُحْبوحَةَ الجنةِ فليَلْزَمِ الجماعةَ”. رواهُ الترمذيٌُّ في جامِعِهِ وقالَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وابن حبان وابن ماجة وغيرهم.
نصيحتُنا لهؤلاءِ أن يتعلَّموا علمَ الدينِ من أَفواهِ أهلِ السنةِ ليس من مؤلفاتِ تقيِّ الدينِ النبهاني بل أن يقرؤوا على أهلِ العلمِ كتبَ العلماءِ المعتبرةَ ككتابِ البخاريِّ المُسمَّى “خلقُ أفعالِ العبادِ” وكتابِ أبي جعفر الطحاوي المسمَّى بالعقيدة الطحاوية وكتابِ “تفسير الأسماءِ والصفاتِ” للإمامِ أبى منصور عبدِ القاهرِ بنِ طاهر البغداديِّ. فإن تخلَّيْتم عن عقائدِكم وأخذتُم بهذهِ العقائدِ اهْتديتُم وإلى اللهِ ترجِعُ الأمورُ وإليهِ المئالُ والنُّشور.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website