فصل في بيان الحكم الشرعي في المسئلة والرد على القرضاوي.
اعلم أيها القارىء رحمنا الله وإياك بتوفيقه أن توزيع الزكاة أَحكَمَ الله عزَّ وجلَّ قواعدَه، وأوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أصوله، وبلَّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، فلا يجوز لأحد أن يهمل تلك القواعد أو يتجاوز هذه الأصول، أو يدَّعي أنه أفهم لها ممن نزل عليه الوحي بها، وممن تلقاها منه وتعلمها على يده.
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتاب الأم:”فأحكم الله عزَّ وجلَّ فرض الصدقات في كتابه ثم أكدها فقال:{فريضة من الله}، قال: وليس لأحد أن يقسمها على غير ما قسمه الله عزَّ وجلَّ”. اهـ.
يعني بذلك قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [سورة التوبة/60].
فلا يجوز ولا يجزىء إعطاء الزكاة لغير هؤلاء الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى في هذه الآية، ومنهم المجاهدون المعنيّون بقوله تعالى: :{وفي سبيل الله} وهم بالخصوص الغزاة المتطوعون الذين يقاتلون الكفار ويحمون الثغور والديار، ولا يأخذون راتبًا من بيت المال لأجل ذلك. وألحق الإمام أحمد وغيرُهُ بهم مريدَ الحج الذي ليس معه ما يستطيع به الحج لنصّ ورد بخصوص ذلك.
وأما غير هؤلاء فلا يجوز أن يُعطَوا من هذا السهم درهمًا ولا أكثر، سواء كانوا أفرادًا متفرقين أو منتظمين في رابطة أو جمعية، وسواء كانوا علماء أو طلبة علم أو عامة، وسواء أرادوا استخدامها راتبًا لموظف أو أجرة لنسخ كتاب أو لبناء مسجد أو مصلَّى أو مدرسة أو كلفة عقد مؤتمر أو غير ذلك وان زعم القرضاوي خلاف ذلك.
هذا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به الصحابة والتابعون وأتباع التابعين ومن جاء بعدهم من سلاسل علماء الدين الذهبية، وهو ما أفتوا به في حال قوة الأمة وضعفها، وفي حال اشتداد شوكة أهل البدع وشدة هجمتهم كما في حال انكسار ذلك.
فلا يجوز بعد ذلك لا ليوسف القرضاوي ولا لغير يوسف القرضاوي أن يُفتِيَ بخلاف كلامهم وما انعقد عليه إجماعهم، ومن أفتى بمثل ذلك لا يجوز العمل بفتواه ولا يلتفت إليها.
فإن أحكام شرع الله هي ما فهمه الصحابة والتابعون وتابعوهم من كتاب الله وسُنَّة رسوله على موجب اللسان العربيّ المبين، أما المتأخرون من كبار الفقهاء فليس لهم إلا أن يتكلموا في نوازل جديدة لا أن يُبدوا ءاراء في الدين على خلاف ما فهمه من النصوص رجالُ الصدر الأول الذين هم أهل اللسان المُطَّلِعُونَ على لغة التخاطب بين الصحابة قبل أن يعتورها تغيير وتحوير، وهم المتلقون للعلم عن الذين شهدوا الوحي، فما فهموه من الشرع فهو المفهوم وما أبعدوه عن أن يكون دليلاً فهو بعيد عن أن يُتَمَسَّكَ به.
وإنما يكون كلام الفقهاء المتأخرين فيما لم يتكلم فيه أهل هذا الصدر أو اختلفوا في حكمه.
وهذا أيضًا له شرط وهو أنَّ من أراد التكلم في حكم حادثة لم تحدث في الصدر الأول وليس فيها نص لا بد أن يكون مجتهدًا كأبي حنيفة والشافعي ومالك أو من أصحاب الوجوه كالمتولي والبلقيني وأمثالهما، وأما من لم يصل إلى هذه المرتبة فليس له أن يستنبط الأحكام وإنما درجته أن يتبع ما يقوله أهلُ الاستنباط. ومن الواضح أن الدكتور القرضاوي لم يصل إلى هذه المرتبة ـ ولا نظن أنه يَدَّعِي مساواة هؤلاء الفطاحل ـ، فكان ينبغي أن يلتزم القرضاوي (او غير القرضاوي ممن هو مثله) في جواب المسئلة بالنقل من كتب الأئمة من غير أن يُقْحِمَ رَأيًا خَاصًّا له في الموضوع، فيسلم بذلك هو ومن يتبعه.
والخلاصة: أن سهم :{وفي سبيل الله} المذكور في ءاية الصدقات لا يشمل عمل الرابطة أو الجمعية المذكورة ولا أمثالها وبالتالي لا يجوز صرفه في نشاطاتها ونفقاتها. وما أفتى به الدكتور القرضاوي غلط فاحش يحرم العمل به لمخالفته نص القرءان وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأئمة المجتهدين وأقوالهم.
أما المواجهة الثقافية الفكرية لمخططات أعداء الإسلام فَتُسَدُّ نفقاتُها من مصادر أخرى غير الزكاة فإن في المال حقوقًا سواها.
هذا ما جاء في دين الله وشريعته، والفائز من التزم بأحكام هذه الشريعة فشملته نفحاتها ونالته أسرارها، والمحروم من ظنَّ أن الإصلاح يكون بغير طريقها أو قدَّم رأيه على منهاجها، والموفَّق من وفقه الله.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website