القرضاوي خالف المذاهب الاربعة
وأنت تعلم كذلك أن غير المجتهدين من هذه الأمة تَبَعٌ لمن بلغ درجة الاجتهاد منها، فإذا أجمع المجتهدون في أي عصر من العصور على أمر فهو حق لا مرية فيه، ومن شذ عنهم فهو خارق للإجماع وينطبق عليه حديث أبي داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :”من شذَّ شذَّ في النار“. وروى أبو داود أيضًا وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة” قيل: ومن هي يا رسول الله؟ قال: “الجماعة“، وهي مُفَسَّرَةٌ في بعض الروايات بـ “السواد الأعظم“.
إذا وضح ذلك فاعلم أن أئمة المسلمين جميعًا أجمعوا على أن مصرف {وفي سبيل الله} المذكور في ءاية الصدقات لا ينطبق على كل وجوه البر بل المراد به الغزو وقتال الكفار، قال ابن هبيرة في الإفصاح (ص108) :”واتفقوا ـ أي الأئمة الأربعة وأتباعهم ـ على أنه لا يجوز أن يخرج الزكاة إلى بناء مسجد، ولا تكفين ميت وإن كان من القُرَبِ لتعيّن الزكاة لما عُينت له“. اهـ.
وقال مالك في المدونة (2/59) :”لا يجزئه أن يُعطي من زكاته في كفن ميت لأن الصدقة إنما هي للفقراء والمساكين ومن سمَّى الله وليس للأموات ولا لبناء المساجد“اهـ.
وقال ابن قدامة الحنبلي ما نصه (المغني والشرح الكبير 2/527) :”فصل: ولا يجوز صرف الزكاة الى غير من ذكر الله تعالى من بناء المساجد والقناطر والسقايات وإصلاح الطرقات وسد البثوق وتكفين الموتى والتوسعة على الأضياف وأشباه ذلك من القُرَبِ التي لم يذكرها الله تعالى. وقال أنس والحسن: ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة ماضية، والأول أصح لقوله سبحانه وتعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} وإنما للحصر والإثبات تثبت المذكور وتنفي ما عداه، والخبر المذكور، قال أبو داود: سمعت أحمد وسئل: يكفن الميت من الزكاة؟ قال: لا، ولا يقضى من الزكاة دين الميت“. اهـ، ومثله قال من لا يحصى من فقهاء المذاهب الأربعة.
فإذا كان لا يجوز دفعها لبناء مسجد يُدعى فيه إلى الله وتقام فيه شعائر الإسلام وتعلم علوم الدين فهل يجوز دفعها لاستئجار قاعة لمعرض أو لمؤتمر كما زعم القرضاوي ومن فرح بكلامه من أعضاء الرابطة المذكورة؟!!! بالطبع لا.
بل قد نص ابن حزم الظاهري في المحلى على أن المراد بقوله تعالى:{وفي سبيل الله} الغزو في سبيل الله بلا خلاف، وقال أبو بكر بن العربي في أحكام القرءان: “قال مالك: سُبُل الله كثيرة ولكني لا أعلم خلافًا في أن المراد بسبيل الله ههنا الغزو” اهـ، وهو نص من مالك رضي الله عنه على الإجماع في المسئلة.
وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني :”هذا الصنف السابع من أصناف الزكاة ولا خلاف في استحقاقهم وبقاء حكمهم، ولا خلاف في أنهم الغزاة لأن سبيل الله عند الإطلاق هو الغزو“. اهـ، أي هو إجماع.
وقال محمد بن الحسن في الموطإ بعد أن ساق حديث عطاء السابق وفيه :”لغازٍ في سبيل الله” ما نصه: “وبهذا نأخذ، والغازي في سبيل الله إذا كان له عنها غِنًى يقدر بغناه على الغزو في سبيل الله لم يستحب له أن يأخذ منها شيئًا” اهـ، ثم قال :”وهو قول أبي حنيفة“. اهـ.
ونقله البدر العيني الحنفي في عمدة القاري عن ابن المنذر في الإشراف عن أبي يوسف. اهـ.
وقال الإمام الشافعيّ في الأم :”ويُعطَى من سهم سبيل الله جلَّ وعزَّ من غزا من جيران الصدقة فقيرًا كان أو غنيًّا“. اهـ.
وعلى الغزو أيضًا حمل الإمام أحمد معنى الآية كما في شرح مفردات أحمد.
وقال محمد بن عبد الحكم وغيره :”يُعطَى من الصدقة في الكُراع والسلاح وما يحتاج إليه من ءالات الحرب وكف العدو عن الحوزة“. اهـ. أي يَشْتَرِي ولِيّ الأمر ـ إن شاء ـ العُدَّة للغازي من الزكاة ثم يملكه إياها كما بيَّنوه في موضعه.
وقال المحدث الشيخ عبد الله الغماري المغربي رحمه الله تعالى ردًّا على سؤال ورده ونصه :”عندنا مسجد مهدم فهل يجوز دفع جزء من زكاة المال لإعادة بناء هذا المسجد أم لا؟”، فأجاب ما نصه :”لا يجوز صرف الزكاة في بناء المسجد لأن الزكاة نص الله على الأصناف التي تستحقها فقال تعالى::{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة/60] وعلى هذا انعقد إجماع العلماء، وقد أفتت مجلة الأزهر أخيرًا بجواز إعطاء الزكاة في بناء المساجد بناء على توسع بعض العلماء في معنى قوله تعالى:{وفي سبيل الله} وهو قول شاذٌّ لا يجوز اعتماده، والله أعلم” اهـ.
ومثله ردَّ الكوثري على هذه الفتوى الواردة في مجلة الأزهر بقوله :”هذا ملخص الجواب المنشور هناك، ولكن هذا الجواب لم يقم على قدمي حق ولا على قدمي حق وباطل، بل حاول أن يقوم على قدمي باطل فانهار انهيارًا لا قيام له بعده، حيث بنى على الباطل من جميع النواحي، لأن ادعاءه اختلاف الأئمة في جواز صرف الزكاة الى عمارة المساجد بادىء ذي بدء لا نصيب له من الصحة أصلاً لأنه ليس بين الصحابة والتابعين وأئمة الاجتهاد المعترف بإمامتهم عند الأمة أحد جوَّز ذلك“. اهـ.
فبعد هذا كله هل يجرؤ من عنده ذرة من حياء أن يخالف كل أهل العلم ليقول إن الآية تسمح بدفع الزكاة لإصدار المجلات والروزنامات وشراء الشقق وإقامة المعارض والمؤتمرات تحت دعوى أن هذا جهاد “فكري وثقافي وتربوي”؟!! فليتق الله القرضاوي ومن يروج لكلام القرضاوي.
وإننا نسأل القرضاوي: هل أنت عالم مجتهد أم تبع للمجتهد؟ فإن قال: مجتهد، قلنا له: أبرز ماذا عندك من أدوات الاجتهاد حتى ادَّعيتَ أنكَ وصلت إلى مثل مرتبة مالك وأبي حنيفة والشافعي والليث وسفيان، بل إلى مثل مرتبة السبكيّ تقي الدين وابن دقيق العيد أو حتى إلى مثل مرتبة الحليمي والجويني والبلقيني وأمثالهم من أصحاب الوجوه!!! وهيهات. وعلى كل حال فالمجتهد لا يخرق الإجماع المنعقد قبله.
وإن اعترف القرضاوي ـ كما هو واقع حاله ـ بعدم بلوغ تلك المرتبة قلنا له: مقامك إذن أن تسأل أهل العلم وتتبع فتاويهم لا أن تنفرد عنهم. وكلهم أجمعوا في هذه المسئلة أن:{وفي سبيل الله} معناها الغزو، فكيف ساغ لك أن تشذ عنهم وتقول إنها تشمل إصدار المجلات والروزنامات وعقد صفقات التجارة … إلخ سواء سميتها جهادًا أو غير ذلك؟!!!. أَوَلَم تلاحظ أن ما بنيت عليه رأيك المخالف للجماعة غير معتبر في ميزان الشرع بالنسبة للزكاة؟
وأن العبرة ليست بمجرد دخول العمل تحت اسم الجهاد ولو اشتدت الحاجة إليه وهما الأمران اللذان بنى القرضاوي عليهما فتواه المتهالكة بقوله :”باعتبار عملها الذي أشرت إليه جهادًا في سبيل الله”، وبقوله :”وأخطر ما غزينا به في عصرنا من قبل أعداء الإسلام هو الغزو الفكري والثقافي وعلينا أن نحاربهم بمثل سلاحهم أي عن طريق الفكر والثقافة والتوعية والتربية…. ولا حرج من تمويل ذلك من مصرف في سبيل الله من مصارف الزكاة“.
“فمن هنا يُعلم أنه لا يجوز دفع الزكاة لبناء المساجد والمستشفيات والمدارس، فمن دفع من زكاته إلى مدرسة أو إلى مستشفى أو إلى بناء مسجد فليَعلم أن زكاته ما صحت فيجب عليه إعادة الدفع للمستحقين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة“، رواه البخاري في الصحيح. فاحرص اخي المسلم الا تكون ممن ذكرهم النبي في هذا الحديث ولن ينفعك يومها القرضاوي او غير القرضاوي.
فيُفهم من هذا الحديث أن الذي يأخذ الزكاة وليس هو من المستحقين الذين ذكرهم الله في القرءان له النار يوم القيامة، وكذلك الذي يأكل مال الوقف الإسلامي بغير حق أي بغير الوجه الشرعي الذي بيَّنه الفقهاء في كتبهم فله النار يوم القيامة.
والدليل على أنه لا يجوز دفع الزكاة لكل ما هو بر وخير مما عدا الأصناف الثمانية وأن المراد بقوله تعالى :{وفي سبيل الله} ليس كل أنواع البر والإحسان من بناء مسجد ومدرسة ومستشفى ونحو ذلك هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذَكَرَ الزكاة: “إنها لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي“، وقوله صلى الله عليه وسلم لرجلين جاءا يسألانه الزكاة وكانا قويين :”إني أُعطيكما وليس فيها حق لغني ولا لقوي مكتسب” رواهما أبو داود والبيهقي، فحرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذين الحديثين الزكاة على من يملك مالا يغنيه أي يكفيه لحاجاته وعلى من له قوة على العمل الذي يكفيه لحاجاته الأصلية، فدلَّنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو المبيّن لما أنزل الله في كتابه بعض أعمال البِرّ لا كلّها وهو الجهاد ويدخل في ذلك الحج عند الإمام أحمد، ولم يقل إن كلمة {وفي سبيل الله} تعمُّ كل مشروع خيري أحدٌ من الأئمة المجتهدين إنما ذلك ذكره بعض الحنفية من المتأخرين ليس من أصحاب أبي حنيفة الذين هم مجتهدون، فحرام أن يؤخذ بقول هذا العالم. فليحذر من هؤلاء الذين يلمّون هذه الأموال باسم المستشفى أو بناء جامع أو بناء مدرسة من الزكوات، هؤلاء حرام عليهم وحرام على الذين يعطونهم لأنه لو كان كل عمل خيري يدخل في قوله تعالى: {وفي سبيل الله} ما قال الرسول :”إنه لا حق فيها لغني ولا لقوي مكتسب“. اهـ.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website