Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
بسم الله الرحمن الرحيم
مـقـدمـة
الحمد لله الواجب وجوده وبقاؤه، الممتنع تغيره وفناؤه، العظيم قَدْرُه واستعلاؤه، العميم نعماؤه وءالاؤه، الدالة على وحدانيتة أرضه وسماؤه، المتعالية عن شوائب التشبيه والتعطيل صفاته وأسماؤه، فاستواؤه قهره واستيلاؤه، ونـزوله بره وعطاؤه ، ومجيئه حكمه وقضاؤه. فأحمده على جزيل نعمه وجميل كرمه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وبعد:ـ
إن الله ولـه الحمد أكمل دينه وأتمه إتماما ونصب لـه من العلماء به أئمة يُقتدى بهم وأعلاما وءاتاهم بصائر نافذة عند الشبهات ورزقـهم أفهاما فانتدبوا لتبصير المستبصرين حين أصبحوا متـحيرين إيضاحا وإفهاما لما همى سحاب الباطل وهطل بعدما صار ركاما وقام سوق البدع عند ولاة المسلمين في الخافقين قياما وحاد أهل الاعتزال عن سنن الاعتدال جرأة منهم على رد السنن وإقداما فنفوا عن الرب سبحانه ما أثبت لنفسه من صفاته فلم يُثبتوا صفة ولا كلاما وتمادى أهل التشبيه في طرق التمويه وأحجموا عن الحق إحجاما فشبهوا ربهم حتى توهـمـوه جسمـا يقبل تحيزا وافتراقا وانضماما، فأنكروا التأويل واعتبروه ضلالا وبدعة وتعطيلا وتجهما، وادعوا أن التأويل ليس من عمل السلف ليوهموا الناس أن السلف كانوا على ما هم عليه من تشبيه وتكييف فسموا أنفسهم بالسلفيين زورا وبهتانا مبينا، فليس الأمر ما ادعـوه بل من قرأ وتتبع وطالع ونقب فسيرى أن الإئمة الأعلام من القرون الثلاثة الأولى المشهود لهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: خير القرون قرني ثم الذين يلونـهم ثم الذين يلونـهم وهم أهل السلف قد أولوا كثيرا من النصوص التي ظاهرها نسبة الحيز والجهة والأعضاء وغير ذلـك وبينوا أن الظاهر غير مراد. فمن أنكر التأويل ماذا يقول في قوله تعالى:{نسوا الله فنسيهم} وقوله تعالى {إنا نسيناكم} فهل يطلقون على الله صفة النسيان والله تعالى يقول: {وما كان ربك نَسيّا} نعوذ بالله من مسخ القلوب. فمن هنا وعملا بقوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} وقوله صلى الله عليه وسلم: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم رأيت أن أجمع رسالة أرد فيها شبه المشبهة من وهابية وغيرهم مرتبة على فصول ومباحث أسـميـتـها الرد الوافي على ابن تيمية الحراني.
مبحث
في المحكم والمتشابه
قال الله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} أخبرنا الله تبارك وتعالى في هذه الآيـة أن القرءان منه ءايات محكمات هن أصل الكتاب وأخر متشابهات تُردُّ لفهمها إلى الآيات المحكمات روى مسلم في صحيحه باب كتاب العلم ما نصه: عن عائشة رضي الله عنها قالت تـلا رسـول الله صلى الله عليه وسلم: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبـهم زيـغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} قالت: قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم. ورواه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه. قال الحافظ أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي في كتابه المفهم لِما أَشكل من تلخيص كتاب مسلم ما نصه: اختلف الناس في الـمـحكمات والـمتشابهات على أقوال كثيرة منها : أن الـمحكم ما وضح معناه وانتفى عنه الاشتباه، والمتشابه نقيضه وهذا أشبه ما قيل في ذلك لأنه جار على وضع اللسان وذلك أن الـمحكم اسم مفعول من أحكم، والإحكام: الإتقان. ولا شك في أن ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه ولا تَـردُّد وإنما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته واتفاق تركيبها ومتى اختل أحد الأمرين جاء التشابه والإشكال وإلى نحو ما ذكرناه صار جعفر بن محمد ومجاهد وابن إسحاق. وقوله: {هن أم الكتاب} أي أصله الذي يرجع إليه عند الإشكال والاستدلال ومنه سُميت الفاتحة أم القرءان لأنها أصله إذ هي ءاخذة بجملة علومه فكأنه قال: الـمحكمات أصول ما أشكل من الكتاب فـتـعين ردُّ ما أشكل منه إلى ما وضح منه وهذا أيضا أحسن ما قيل في ذلك.اهـ
قال الإمام القـرطبي محمد بن أحمد في تفسيره الجامع لأحكام القرءان ما نصه: اختلف العلماء في الـمحكمات والـمتشابهات على أقوال عديدة فقال جابر بن عبد الله وهو مقتضى قول الشعبي وسفيان الثوري وغيرهما: الـمحكمات من القرءان ما عرف تأويله وفُـهم معناه وتفسيره والـمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله تعالى بعلمه دون خلقه قال بعضهم وذلك مثل وقت قيام الساعة وخروج يأجوج ومأجوج والدجال ونزول عيسى. وقال النحاس أحسـن ما قيل في الـمحكمات والـمتشابهات أن الـمحكمات ما كان قائما بنفسه لا يحتاج أن يرجع فيه إلى غيره نحو {لم يكن له كفوا أحد} {وإني لغفار لمن تاب} والـمتشابهات نحو {إن الله يغفر الذنوب جميعا} يرجع فيها إلى قوله جل وعلا {وإني لغفار لمن تاب} وإلى قوله عز وجل {إن الله لا يغفر أن يشرك به} قلت ـ أي القرطبي ـ ما قاله النحاس يبين ما اختاره ابن عطية وهو جاري على وضع اللسان وذلك أن الـمحكم اسم مفعول من أحكم، والإحكام الإتقان؛ ولا شك في أن ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه ولا تردد إنما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته وإتقان تركيبها ومتى اختل أحد الأمرين جاء التشابه والإشكال والله أعلم.اهـ
قال الحافظ السيوطي في معترك الأقران : قال ابن الحصَّار: قسَّم الله ءايات القرءان إلى محكم ومتشابه، وأخبر عن الـمحكمات أنها أم الكتاب؛ لأنه إليها تُردّ الـمتشابهات، وهي التي تُعتمد في فهم مراد الله من خلقه أي في كل ما تعبّدَهم به من معرفته وتصديق رسله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه. وبهذا الاعتبار كانت أمهات.ثم أخبر عن الذين في قلوبهم زيغ أنهم الذين يتبعون ما تشابه منه.ومعنى ذلك أن من لم يكن على يقين من الـمحكمات وفي قلبه شك واسترابة كانت راحته في تتبع الـمشكلات الـمتشابهات، ومراد الشارع منها التقدم إلى فهم الـمحكمات وتقديـم الأمهات حتى إذا حصل اليقين ورسخ العلم لم تبال بما أشكل عليك، ومراد هذا الذي في قلبه زيغ التقدم إلى الـمشكلات وفهم الـمتشابه قبل فهـم الأمهات وهو عكس المعقول والمعتاد والمشروع، ومَثَلُ هؤلاء مَثَلُ المشركين الذيـن يقترحون على رسلهم ءايات غير الآيات التي جاؤا بها، ويظنون أنهم لو جاءتهم ءايات أخر لآمنوا عندها جهلا منهم، وما علموا أن الايمان بإذن الله تعالى.اهـ
قال الحافظ محمد بن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان في تفسير القرءان ناقلا عن بعض أهل العلم ما نصه: الـمحكمات من ءاي الكتاب ما لم يحتمل من التأويل غير وجه واحـد والـمتشابه منها ما احتمل من التأويل أوجها؛ وذكر من قال بذلك: حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة عن محمد بن اسحق قال ثنا محمد بن جعفر بن الزبـير {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات} فيهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل، ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعت عليه وأخر متشابهة في الصدق لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام لا يصرفن إلى الباطل ولا يحرفن عن الحق.اهـ
فصل
في المتشابه من الآيات
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال الخطابي: المتشابه على ضربين:ـ أحدهما: ما إذا رُد إلى المحكـم واعتُبر به عُرف معناه. والآخر: ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته وهو الذي يتبعه أهل الزيغ فيطلبون تأويله ولا يبلغون كُنْهَه فيرتابون فيه فـيُـفـتَـتـنـون.اهـ
قال السيوطي في معترك الأقران أيضا: [فصل] من المتشابه ءايات الصفات. ولابن اللبان فيها تصنيف مفرد نحو: {الرحمن على العرش استوى} {كل شئ هالك إلا وجهه} {يد الله فوق أيديهم}.ونحوها. وجمهور أهل السنة منهم السلف وأهل الحديث على الإيمان بها، وتفويض معناها المراد إلى الله تعالى، ولا نفسرها مع تنـزيهنا له عن حقيقتها. وأخرج أبو القاسم اللاّلكائي عن محمد بن الحسن قال: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالصفات من غير تفسير ولا تشبيه. وقال الترمذي في الكلام على حديث الرؤية: المذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم قالوا: نروي هذه الأحاديث كما جاءت ونؤمن بها ولا يقال كيف؟ ولا نفسر ولا نتوهم وذهبت طائفة من أهل السنّة إلى أننا نؤولها على ما يليق بجلاله تعالى؛ وهذا مذهـب الخلف وكان إمام الحرمين يذهب إليه ثم رجع عنه فقال في الرسالة النظامية: الذي نرتضيه دينا وندين الله به عقدا اتباع سلف الأمة فإنهم درجوا على ترك التـعرض لمعانيها.وقال ابن الصلاح: على هذه الطريقة مضى صدر الأمة وساداتها، وإياها اختار أئمة الفقهاء وقاداتها، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه، ولا أحد من المتكلمين من أصحابنا يَصْدف عنها ويأباها. واختار ابن برهان مذهب التأويل. وتوسط ابن دقيق العيد فقال إذا كان التأويل قريباً من لسان العرب لم ينكَر، أو بعيدا توقفنا عنه، وءامنا بمعناه على الوجه الذي أُريد به مع التـنـزيه، وما كان معناه من هذه الألفاظ ظاهراً مفهوماً من تخاطب العرب قلنا به من غير توقيف كما في قوله: {يا حسرتي على ما فرَّطت في جنب الله} فنحمله على حق الله وما يجب له. وكذا استواؤه على العرش بالعدل والقهر كقوله: {قائماً بالقسط} فقيامه بالقسط والعدل هو استواؤه، ويرجع معناه إلى أنه أعطى كل شىء خلقه موزوناً بحكمته البالغة. انتهى كلام السيوطي
وفي كتاب طالع البشرى على العقيدة السنوسية الصغرى للمارغني مفتي الديار التونسية ما نصه: فإذا وجدت في كلام الله أو كلام رسوله ما يوهم المماثلة فلا تعتقد ظاهره لإجماع العلماء على تأويله أي صرفه عن ظاهره.اهـ
قال الإمام النووي: اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وءايات الصفات قولين: أحدهما وهو مذهب معظم السلف أنه لا يُتكلم في معناها بل يقولون يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شىء وأنه منـزه عن التَجَسّم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوق وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين واختاره جماعة من محققيهم وهو أسلم، والقول الثاني وهو مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على ما يليق بها على حسب مواقعها وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله بأن يكون عارفا بلسان العرب وقواعد الأصول والفروع ذا رياضة في العلم.اهـ
وقال الشيخ محمد الحامد في كتابه ردود على أباطيل: وصفوة القول أن المتشابهات لا تؤخـذ بظواهرها، وللعلماء فيها مسلكان فالسلف منهم يؤولونها تأويلا إجماليا بالإيمان بها واعتقاد أن لها معنى يليق بجلال الله وعظمته ولم يعينوا ذلك المعنى بل فوضوه إلى الله تعالى وتبارك. والخلف يؤولونها تفصيلا بتعيين معانيها بما تفهمه لغة العرب ويصرفونها عن ظاهرها أيضا كالسلف، ومذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم ولا يُصار إلى مذهب الخلف إلا عند الخوف من تَزَلْزُلِ العقيدة وخشية التشبيه.اهـ
وقال إمام الحرمين فيما نقله الحافظ ابن حجر: اختلف مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتـزم ذلك في ءاي الكتاب وما يصح من السنن وذهب أئمة السلف إلى الإنكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله تعالى.اهـ
قال الشيخ زاهد الكوثري وليس هذا ـ أي قول إمام الحرمين ـ ما يَفْرحُ به المشبهة لأنه ينص على التفويض، وهو مذهب السلف، وأما المشبهة فلا يقولون بالتفويض بل يحملون على الاستقرار والجلـوس والحركة ونحوها مما هو شأن الأجسام، تعالى الله عن خيالاتهم الوثنية. والخلـف يخرجونها على معان لا تنافي التـنـزيه على طبق استعمالات العرب من غير تحكم على مراد الله تعالى، فالسلف والخلف متفقون على التـنـزيه والبعد عن التشبيه.اهـ
وقال الحافظ المحدث الزبيدي: كل لفظ يرد في الشرع مما يستند إلى الذات المقدس بأن يطلق إسما أو صفة وهو مخالف للعقل ويسمى المتشابه لا يخلو إما أن يتواتر أو ينقل ءاحادا والآحاد إن كان نصا لا يحتمل التأويل قطعنا بافتراء ناقله أو سهوه أو غلطه وإن كان ظاهرا أو فظاهره غير مراد وإن كان متواترا فلا يتصور أن يكون نصا لا يحتمل التأويل بل لا بد وأن يكون ظاهرا أو محتملا وحينئذ نقول الاحتمال الذي ينفيه العقل ليس مرادا منه ثم إن بقي بعد انتفائه إحتمال واحد تعين أنه المراد بحكم الحال، وإن بقي احتمالان فصاعدا فلا يخلو إما أن يدل قاطع على تعيين واحد منهما أولا فإن دل حمل عليه وإن لم يدل قاطع على التـعـيـيـن فهل يعين بالنظر والاجتهاد دفعا للخلط عن العقائد.؟ اختلف فيه فمذهب السلف عدم التعيين خشية الإلحاد.اهـ
وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: وقد أصَّلَ الشيخ ابن فورك رحمة الله تعالى عليه أصلاً فقال: إذا تعارضت الأدلة العقلية مع الظواهر النقلية فإن صدقناهما لزم الجمع بين النقيضين وإن كذبناهما لزم رفعهما وإن صدقنا الظواهر النقلية وكذبنا الأدلة العقلية لزم الطعن في الظواهر النقلية وتصديق الفرع مع تكذيب أصله يفضي إلى تكذيـبـهما معاً فلم يبق إلا أن نقول بالأدلة العقلية ونؤول الظواهر النقلية أو نفوض أمرهما إلى الله، ولأهل السنة قولان فعلى القول بالتأويل إن وجدنا لها محلاً يسوغه العقل حملناها عليه وإلا فوضنا أمرها إلى الله قال وهذا القانون في هذا الباب والله الموفق للصواب.اهـ
قال الإمام بـدر الديـن الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرءان: حكم الآيات المتشابهات الواردة في الصفات: قد اختلف الناس في الوارد منها في الآيات والأحاديث على ثلاث فرق:ـ أحدهما: أنه لا مدخـل للتأويل فيها؛ بل تجرى على ظاهرها، ولا تـؤول شيئا منها، وهم المشبهة. والثاني. أن لها تأويلا، ولكنا نمسك عنه، مع تـنـزيه اعتقادنا عن الشَّبه والتعطيل، ونقول: لا يعلمه إلا الله؛ وهو قول السلف. والثالث. أنها مؤولة، وأوَّلوها على ما يليق به. والأول باطل، والأخيران منقولان عن الصحابة، فنقل عن سفيان الثوري أنه قال: أفهم من قولـه: {الرحمن على العرش استوى} ما أفهم من قوله: {ثم استوى إلى السماء}. وسئل الاوزاعي عـن تفسير هذه الآية فقال: {الرحمن على العرش استوى} كما قال وإني لأراك ضالا. وممن نقل عنهم التأويل علي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم. وقال الإمام الغزالي في كتاب التفرقة بين الإسلام والزندقة: إن الإمام أحمد أوَّل في ثلاث مواضع. قال الزركشي ونحن نجري في هذا الباب على طريق المؤولين.اهـ
فصل
في قوله: {فأما الذين في قلوبهم زيغ}
وأما تمسك ابن تيمية وخلفه الوهابية بظواهر ما تشابه من الكتاب والسنة فقد صدق فيهم قول الله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} قال الألوسي في روح المعاني نقلا عن الماوردي عند قوله: {فأما الذين في قلوبهم زيغ} أي عدول عن الحق وميل عنه إلى الأهواء ـ الأهواء جمع هوى وهو ما مالت إليه نفوس أهل البدع المردية ـ {فيتبعون ما تشابه منه} أي يتـعلقون بذلك وحده بأن لا ينظروا إلى ما يُـطابقه مـن المحكم ويردوه إليه وهو إما بأخذ ظاهره الغير المراد لـه تعالى أو أخذ أحد بـطونه الباطلة وحينئذ يضربون القرءان بعضه ببعض ويظهرون التناقض بين معانيه إلحادا منهم وكفرا ويحملون لفظه على أحد محتملاتـه التي توافق أغراضهم الفاسدة في ذلك وهذا هو المراد بقولـه سبحانه: {ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} أي طلب أن يفتنوا المؤمنين والمؤمنات عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه كما نقل عن الواقدي وطلب أن يؤولوه حسبما يشتـهون فالإضافة في {تأويله} للعهد أي بتأويل مخصوص وهو ما لم يوافق المحكم بل ما كان موافقا للتشهي.اهـ
وقال القرطبي في تفسيره: السادسة قوله تعالى: {فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} قال شيخنا أبو العباس رحمة الله عليه: مُـتـبـعوا المتشابه لا يخلو أن يتبعوه ويجمعـوه طلبا للتشكيك في القرءان وإضلال العوام، كما فعلته الزنادقة والقرامطة الطاعنون في القرءان، أو طلبا لاعتقاد ظواهر المتشابه كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن البارىء تعالى جسم مجسم وصورة مصورة ذات وجه وعين ويد وجنب ورجل وأصبع تعالى الله عن ذلك !؛ أو يتبعوه على جهة إبداء تأويلاتها وإيضاح معانيها، أو كما فعل صبيغ حين أكثر على عمر فيه السؤال فهذه أربعة أقسام:ـ ألأول: لا شك في كفرهم وأن حكم الله فيهم القتل من غير استتابة. الثاني: الصحيح القول بتكفيرهم إذ لا فرق بينهم وبين عباد الأصنام والصور ويستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا كما يُـفعل بمن ارتد. الثالث: اختلفوا في جواز ذلك بناء على الخلاف في جواز تأويلها. وقد عرف أن مذهب السلف ترك التعرض لتأويلها مع قطعهم باستحالة ظواهرها فيقولون أمروها كما جاءت وذهـب بعضهم إلى إبداء تأويلاتها وحمْلِها على ما يصح حمله في اللسان عليها من غير قطع بتعيين مجمل منها. الرابع: الحكم فيه الأدب البليغ كما فعله عمر بصبيغ وقال أبو بكر الأنباري: وقد كان الأئمة من السلف يعاقبون من يسأل عن تفسير الحروف المشكلات في القرءان لأن السائل إن كان يبتـغي بسؤاله تخليد البدعة وإثارة الفتنة فهو حقيق بالنكير وأعظم التـعزير وإن لم يكن ذلك مقصده فقد استـحق العتب. إلى أن قال القرطبي: ومعنى {ابتغاء الفتنة} طلب الشبـهات واللبس على المؤمنين حتى يفسدوا ذات بينهم ويردوا الناس إلى زيغهم.اهـ
روى الترمذي في سننه من حديث القاسم بن محمد عن عائشة قالت سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكماتٌ} إلى ءاخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتمُ الذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمّاهُمُ الله فاحذروهم. قال أبو عيسى الترمذي هذا حديث حسن صحيح. قال القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة عند هذا الحديث:ـ الثانية: قوله: {فأما الذين في قلوبهم زيغ} يعني مَيلا عن الحق وعدولا عن الطريق إلى العلم فيتيه حيران في أودية الجهل وشعاب الباطل. الثالثة: قوله: يتبعون ما تشابه منه يريد يطلب العلم به منه وحده ولا سبيل إلى ذلك أبدا فإن الله قد جعل المحكمة أُمَّـا وجعل المتشابه بنـتـًا وإذا رُدت البنت إلى الأم عُلم نسبها وإذا أخذت بانفراد لم يُعلم لها نسب. الرابعة: الذين يتبعون ما تشابه منه على ثلاثة أقسام:ـ الأول: الذي يريد أن يعرفه بذاته ويتكلم عليه بانفراده يقصد بذلك التلبيس على الخلق والتشغيب بالكفر وهو الفاتن الفتان الضال المضل اللاحد الملحد.الثاني: جاهل يطلب معرفـتـه منه والبيان لا يؤخذ من الإشكال فيفضي به ذلك إما إلى البدعة وإما إلى الكفر.اهـ
قال ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ} أي ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل {فيتبعون ما تشابه منه} أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنـهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينـزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه فأما الـمحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم ولهذا قال الله تعالى: {ابتغاء الفتنة} أي الإضلال لأتباعم إيهاما لهم أنهم يحتجون على بدعتـهم بالقرءان وهو حجة عليهم لا لهم كما لو احتـج النصارى بأن القرءان قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وتركوا الاحتجاج بقوله: {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه} وبقوله: {إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} وغير ذلك من الآيات الـمحكمة المصرحة بأنه خـلـقٌ من مخلوقات الله وعبد ورسول من رسل الله. وقوله تعالى: {وابتغاء تأويله} أي تحريفه على ما يريدون.اهـ
وفي صحيـح البخاري من طريق أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: تـلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ـ إلى قولـه ـ ألو الألباب} قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم قال الحافظ ابـن حجر في الفتح: قوله: [زيغ شك {فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} المتشابهات] هو تفسـير مجاهد أيضا وصله عبد بن حميد بهذا الإسناد كذلك ولفظه: [وأما {الذين في قلوبهم زيغ} قال شك {فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} المشتبهات، الباب الذي ضلوا منه وبه هلكوا. قوله: {والراسخون في العلم} يعلمون و {يقولون ءامنا به} الآية وصله عبد بن حميد من الطريق المذكور عن مجاهد في قوله: [والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون ءامنا به] ومـن طريق قتادة قال: قال الراسخون كما يسمعون ءامنا به كل من عند ربنا المتشابه والمحكم فآمنوا بمتشابهه وعملوا بمحكمه فأصابوا] وهذا الذي ذهب إليه مجاهد من تفسير الآية يقتضي أن تكون الواو والراسخون عاطفة على معمول الاستثناء وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كان يقرأ: وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم ءامنا به فهـذا يدل على أن الواو للاستئناف لأن هذه الرواية وإن لم تثبت بها القراءة لكن أقل درجاتها أن تكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرءان فيقدم كلامه في ذلك على من دونه ويؤيد ذلـك أن الآية دلت على ذم متبعي المتشابه لوصفهم بالزيغ وابتغاء الفتنة وصرح بـوفـق ذلك حديث الباب، ودلت الآية على مدح الذين فوضوا العلم إلى الله وسلموا إليه، كما مدح الله المؤمنين بالغيب.اهـ
وقال القسطلاني في إرشاد الساري شرح صحيح البخاري عند قوله تعالى: {فأما الذين في قلوبـهم زيـغ} أي شك وضلال وخروج عن الحق إلى الباطل {فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} مصدر مضاف لمفعوله منصوب لـه أي لأجل طلب المشتبهات بضم الميم وسكون المعجمة وفتح الفوقية وكسر الموحدة ليفتنوا الناس عن دينهم لتمكنـهم من تحريـفها إلى مقاصدهم الفاسدة كاحتجاج النصارى بأن القرءان نطق بأن عيسى روح الله وكلمته وتركوا الاحتجاج بقوله: {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه}، {وأن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب}، وهذا بخلاف المحكم فلا نصيب لهم فيه وحجة عليهم.اهـ
وفي كتاب التسهيل لعلوم القرءان للشيخ محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الأندلسي عند قوله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ} قال: نزلت في نصارى نجران فإنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أليس في كتابك أن عيسى كلمة الله وروح منه؟ قال: نعم، قالوا فحسبنا إذاً، فهـذا من المتشابه الذي اتبعوه، وقيل نزلت في أبي ياسر بن أخطب اليهودي وأخيه حكيم، ثم يدخـل في ذلـك كل كافر أو مبتدع أو جاهل يتبع المتشابه من القرءان {ابتغاء الفتنة} أي ليفتنوا به الناس {وابتغاء تأويله} أي يـبـتـغون أن يتأولوه على ما تقتـضي مذاهبـهم.اهـ
ومِثْلُ النصارى واليهود في التشبيه ابنُ تيميةَ وظله ابن القيم بتمسكه فيما تشابه مـن الكتاب والسنة ليفتن الناس عن دينهم لتمكنه من التحريف إلى مقصده الفاسد وتبعه على ذلك شرذمة من أراذل الناس وهم الوهابية أتباع محمد بن عبد الوهاب ومن نهج نهجهم من حزب الإخوان وغيرهم.
فصل
في قوله تعالى:
{وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم}
قال المحدث الحافظ اللغوي الفقيه الحنفي مرتضى الزبـيدي في شرح إحياء علوم الدين نقلا عن كتاب التذكرة الشرقية للقشيري ما نصه: وأما قولُ اللهِ عزَّ وجل: َّ{وما يعلمُ تأويلَهُ إلاَّ اللهُ} إنما يُريدُ به وقت قيام الساعة، فإن المشركين سألوا النبيَّ صلى الله عليهِ وسلم عن الساعة أيَّان مرساها ومتى وُقُوعُها، فالمتشابه إشارةٌ إلى علم الغيبِ، فليس يعلمُ عواقب الأمور إلا اللهُ عزَّ وجلَّ ولهذا قال: {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله} أي: هل ينظرون إلا قيام الساعة، وكيف يسوغ لقائل أن يقول في كتاب الله تعالى ما لا سبيل لمخلوق إلى معرفته ولا يعلم تأويله إلا الله أليس هذا من أعظم الَقدْحِ في النبوات وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما عرف تأويل ما ورد في صفات الله تعالى ودعا الخلْقَ إلى عِلْمِ ما لا يُعلَم أليس الله يقول: {بلسان عربي مبين} فإذاً على زعمهم يجب أن يقولوا كذب حيث قال: {بلسان عربي مبين} إذ لم يكـن معلوما عندهم وإلا فأين هذا البيان، وإذا كان بلغة العرب فكيف يُدَّعى أنه مما لا تَعلَمُهُ العرب لـمّا كان ذلك الشئ عربيا، فما قولٌ في مقالٍ مآلُهُ إلى تكذيب الربّ سبحانه. ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى عبادة الله تعالى فلو كان في كلامه وفيما يُلْقيه إلى أمته شئ لا يعلم تأويله إلا الله تعالى لكان للقوم أن يقولوا بيّن لنا أولا من تدعونا إليه وما الذي تقولُ فإن الإيمان بما لا يُعلمُ أصله غير مُتأتٍ ونسبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه دعا إلى ربٍّ موصوفٍ بصفات لا تُعقَلُ أمرٌ عظيم لا يتخيَّلُهُ مسلم فإنّ الجهلَ بالصفات يؤدي إلى الجهلِ بالموصوف والغرضُ أن يستبينَ من معه مِسكةٌ من العقل أن قولَ مَن يقولُ استواؤه صفة ذاتية لا يُعقلُ معناها واليد صفة ذاتية لا يعقل معناها والقَدَم صفة ذاتية لا يعقل معناها تمويه ضمنه تكييف وتشبيه ودعاء إلى الجهل، وقد وضحَ الحقّ لذي عينين، وليت شعري هـذا الذي يُنكرُ التأويلَ يطْرُدُ ـ أي يجعله مطردا في المواضع أي مستمر ـ هذا الإنكار في كل شئ وفي كل ءاية أم يَقْنَعُ بترك التأويل في صفات الله تعالى؟ فإن امتنع من التأويل أصلا فقد أبطل الشريعة والعلوم إذ ما من ءاية وخبر إلا ويحتاج إلى تأويل وتصرف في الكلام إلا ما كان نحو قوله تعالى: {وهو بكل شئ عليم} لأن ثَمَّ أشياء لا بد من تأويلها لا خلاف بين العقلاء فيه إلا الملحدة الذين قصدُهم التعطيل للشرائع، والاعتقاد لهذا يؤدي إلى إبطال ما هو عليه من التمسك بالشرع بزعمه، وإن قال يجوز التأويل على الجملة إلا فيما يتـعلق بالله وبصفاته فلا تأويل فيه فهذا مصيرٌ منه إلى أنّ ما يتعلق بغير الله تعالى يجب أن يُعلم وما يتـعلق بالصانع وصفاته يجب التقاصي عنه، وهذا لا يرضى به مسلم، وسِرُّ الأمر أن هؤلاء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدون حقيقة التشبيه غير أنهم يُدلسون ويقولون لـه يد لا كالأيدي وقدم لا كالأقدام واستواء بالذات لا كما نعقل فيما بيننا فليقل المحققُ هذا كلام لا بدَّ من استبيان، قولُكُم نجري الأمر على الظاهر ولا يُعقل معناه تناقض إن أجريت على الظاهر فظاهر السياق في قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق} هو العضو المشتمل على الجلد واللحم والعظم والعصب والمخ، فإن أخذت بهذا الظاهر والتزمت بالإقرار بهذه الأعضاء فهو الكفر، وإن لم يُمكنك الأخذ بها فأين الأخذ بالظاهر. ألست قد تركت الظاهر وعلمت تقدس الرب تعالى عمَّا يوُهم الظاهر، فكيف يكون أخذا بالظاهر، وإن قال الخصم هذه الظواهر لا معنى لها أصلا فهو حكمٌ بأنها ملغاة وما كان في إبلاغها إلينا فائدة وهي هَدرٌ وهذا محال، وفي لغة العرب ما شئت من التّجوّز والتوسع في الخطاب وكانوا يعرفون موارد الكلام ويفهمون المقاصـد، فمن تجافى عن التأويل فذلك لقلة فهمه بالعربية ومن أحاط بطرق من العربية هان عليه مَدرَكُ الحقائق. وقد قيل: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} فكأنه قال والراسخون في العلم أيضا يعلمونه ويقولون ءامنا به فإن الإيمان بالشئ إنما يُتصور بعد العلم أما ما لا يعلم فالإيمان به غير مُتأت. ولهذا قال ابن عباس أنا من الراسخين في العلم.اهـ
قال الحافظ السيوطي في كتابه الإتقان في علوم القرءان ما نصه: أخرج ابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} قال: أنا ممن يعلم تأويله، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {والراسخون في العلم} قال: يعلمون تأويله ويقولون ءامنا به، وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: الراسخون في العلم يعلمون تأويله لو لم يعلموا تأويله لم يعلموا ناسخه من منسوخه ولا حلاله من حرامه ولا محكمه من متشابهه، واختار هذا القول النووي فقال في شرح مسلم: إنه الأصح لأنه يبعد أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته.اهـ
وقال القرطبي في جامعه: ورجح ابن فورك أن الراسخين يعلمون التأويل وأطنب في ذلك، وفي قولـه عليه السلام لابن عباس: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ما يبين لك ذلك، أي علِّمه معاني كتابك. والوقف على هذا يكون عند قوله: {والراسخون في العلم} قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر: وهو الصحيح فإن تسميتهم راسخين يقتضي أنهم يعلمون أكثر من المحكـم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب، وفي أي شئ هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع. لكن المتشابه يتنـوع فمنه ما لا يُعلم البتة كأمر الروح والساعة مما استأثر الله بـغـيـبـه وهذا لا يتعاطى علمه أحد لا ابن عباس ولا غيره، فمن قال من العلماء الحذاق بأن الراسخين لا يعلمون علم المتشابه فإنما أراد هذا النوع وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة ومَنَاح في كلام العرب فـيُـتـأول ويُعلم تأويله المستقيم ويُـزال ما فيه مما عسى أن يتـعلق من تأويل غير مستقيم كقوله في عيسى: {وروح منه} إلى غير ذلك.اهـ
وفصل الخطاب ما قاله الإمام القاضي بدر الدين بن جماعة في كتابه إيضاح الدليل: وقد ذكرت في هذا المختصر معاني ما تمسكوا به من الآيات الكريمة والأخبار الصحيحة والحسنة والسقيمة وما يجب رد معانيها إليه ويتـعين حملها عليه مما يليق بجلال الله وعظمته وكمال صفاته وقديـم عزتـه على ما تقتضيه لغة العرب التي نزل بها القرءان ومفهوم ذلك بـيِّـنٌ عند أهل اللسان قال الله تعالى: { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} فأرسل سيدنا محمـدا صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين بلسان قومه العربي المبين ونزل به القرءان ونـيـط به عقود الإيمان وبه وردت أدلة الأحكام وبيان الحلال والحرام وخوطبوا على ما يعرفونه من لغاتـهم ويفهمونه من مخاطباتـهم في حقائـقها ومجازاتـها ومفصلاتـها ومضمراتـها واشاراتـها واستعاراتـها وكناياتـها ونصوصها وظواهرها وعمومها وخصوصها ومطلقها ومقيدها فلم يحتاجوا عند نـزول الكتاب إليهم وورود السنة عليهم إلى سؤال عن مدلول الألفاظ لمعرفتـهم بمعناها ولا بحث عن محلها لفهم مقتضاها ولذلك لما نزل {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} لم يشكوا أنه الجماع.و {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط} لم يشكوا أنه البخل والجود و {وأنـزلنا الحديد} لم يشكوا أن معنى الإنـزال فيه الخلق وكذا {أنـزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج}، فكذلك لم يشكوا أن ما لا يليق بجلال الله تعالى لم يُرَد في قوله تعالى: {استوى على العرش} {وهو معكم أينما كنتم} ونحوه من الآيات، ومن السنة: ينـزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا، الحجر الأسود يمين الله في الأرض، القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن، فإن الله قِبَلَ وجهه كل ذلك ونحوه لم يشكّوا أن ما لا يليق بجلال الرب تبارك وتعالى غير مُراد وأن المراد بذلك المعاني اللائقة بجلاله تعالى من مجازات الألفاظ وتأويلها لما فهموا منه لم يسألوا عنه ولو لم يفهموا منه ما يليق بجلال الرب تعالى لسألوا عنه وبحثوا وكيف لا وقد سألوا عن المحيض وأموال اليتامى والأهلة والإنفاق وصلاة المصلين إلى بيت المقدس من المتوفين قبل تحويل القبلة فكيف يتركون السـؤال عـن صفات الرب العلية عند عدم فَهم ما ورد فيها مع أن معرفة الله تعالى أصل الإيمان ومنبع العرفان!! ولكن لما انتشر الإسلام في الأرض ودخل فيه من لا يعرف تصاريف لسان العرب من الأعاجم والأنباط والتبس عليهم اللسان العربي بالعرفي لعدم علمهم تصاريفه من حقيقةٍ ومجاز وكناية واستعارة وحذف وإضمار وغير ذلك وقع من وقع في التجسيم وطائفة في التعطيل وتفرقت الآراء في الكلام على الذات والصفات كما أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم عن فِرَق الأمة الكائنة بعده فاحتاج أهل الحق إلى الرد على ما ابتدعوه وإقامة الحجج على ما تَـقَـوَّلوه وانقسموا قسمين:ـ أحدهما: أهل التأويل وهم الذين تجردوا للرد على المبتدعة من المجسمة والمعطلة ونحوهم من المعتـزلة والمشبهة والخوارج لما أظهر كل منـهم بدعته ودعا إليها فقام أهل الحق بنصرته ودفع عنه الدافـع بإبطال بدعته وردوا تلك الآيات المحتملة والأحاديث إلى ما يليق بجلال الله من المعاني بلسان العرب وأدلة العقل والنقل ليُحِقَ الله الحق بكلماته ويُـبطل الباطل بحججه ودلالاته. والقسـم الثاني: القائلون بالقول المعروف بقول السلف وهو القطع بأن ما لا يليق بجلال الله تعالى غيرُ مُراد والسكوت عن تعيين المراد من المعاني اللائقة بجلال الله تعالى إذا كان اللفظ محتملا لمعاني تليق بجلال الله تعالى.
فالصنفان قاطعان بأن ما لا يليق بجلال الله تعالى من صفات المُحدَثينَ غيرُ مُراد وكلٌ منهما على الحق وقد رجّـحَ قومٌ من الأكابر الأعلام قول السلف لأنه أسلم وقومٌ منهم قول أهل التأويل للحاجة إليه والله أعلم، ومن انتحل قول السلف وقال بتشبيه أو تكييف أو حمل اللفظ على ظاهره مما يتعالى الله عنه من صفات الـمُحـدَثين فهو كاذب في انتحاله بريء من قول السلف واعتداله، وإذا ثبت أن الله تعالى خاطبنا بلغة العرب وأن ما لا يليق بجلاله غير مراد فنقول إن اللفظ العربي المتعلق بالذات المقدس أو الصفات العلية إما أن يحتمل معاني عدة أو لا يحتمل إلا معنى واحدا فإن لم يحتمل إلا معنى واحدا يليق بجلاله تعالى كالعلم تعيَّن حَمْلَهُ عليه وإن احتمل معاني تليق بجلاله تعالى فهذا محل الكلام بين قول السلف والتأويل كما تقدم وقد رجح قوم التأويل لوجوه:ـ الأول: أنا إذا كمعنا ـ كمع أي قطع ـ الألسنة عن الخوض فيه ولم نتبين معناه فكيف بكفِّ القلوب عن عروض الوساوس والشك وسبق الوهم إلى ما لا يليق به تعالى. الثاني: أن انبلاج الصدور بظهور المعنى والعلم به أولى من تركه بصدد عروض الوساوس والشك ومن ذا الذي يملك القلب مع كثرة تقلبه.؟ الثالث: أن الاشتغال بالنظر المؤدي إلى الصواب والعلم أولى من الوقوف مع الجهل مع القدرة على نفيه. الرابع: أن السكوت عن الجواب إن اكـتُـفي به في حق المؤمن المسلم الموفق والعامي فلا يُكتفى به في جواب المنازع من مبتدع أو كافر ومصمم على التشبيه والتجسيم. الخامس: أن السكوت مناقض لقوله تعالى: {هذا بيان للناس} {وقد جاءكم برهان من ربكـم} {وشفاء لِما في الصدور} و{بلسان عربي مبين} {وليدبروا ءاياته وليتذكر ألو الألباب} و {جاءكم من الله نور وكتاب مبين} و{ لتبين للناس ما نزل إليهم } ونحو ذلك والله أعلم. ولذلك لا تكاد تجد ءاية من الآيات المشتملة على ما يُـتوهم منه صفة المخلوقين إلا مقرونة بما يُـشعر بالتـنـزيه أو تفسير المراد به إما متقدما أو متأخرا كقوله تعالى: {ليس كمثله شئ وهو السميع البصير} وكقوله تعالى: { مطويات بيمينه} و { ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي} و {بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} و {يد الله فوق أيديهم فمن نكث} ونحو ذلك من الآيات الكريمة ولو خاطب الله تعالى الخلق فيما يتعلق بذاته المقدَّس وصفاته الكريمة بما لا يفهم له معنى لكان منافيا لقوله تعالى: {بلسان عربي مبين} {هذا بيان للناس وهدى} و {لتبين للناس ما نزل اليهم} و {تلك ءايات الكتاب وقرءان مبين} وبهذا يُرَدُّ قول من قال أن الوجه عبارة عن صفة لا ندري ما هي وكذلك اليد والضـحك والحياء وغير ذلك من الصفات وكذلك قول من يقول وجه لا كوجوهنا ويد لا كيدنا ونـزول لا كنـزولنا وشبه ذلك. فيقال لهم هذه المعاني المسماة إن لم تكن معلومة ولا معقولة للخلق ولا لها موضع في اللغة استحال خطاب الله الخلق بها لأنه يكون خطابا بلفظ مهمل لا معنى لـه وفي ذلك ما يتـعالى الله عنه أو كخطاب عربي بلفظ تركي لا يعقل معناه بل هذا أبعد منه لأن سامع اللفظ التركي يمكن مراجعتـهم في معناه عندهم وهذا على قول هؤلاء لا يمكن أن يعلم معناه إلا الله فيكون خطابا بما يـُحـير السامع ولا يفيده شيئا ويلزم منه ما لا يخفى على العقلاء ما يتقدس خطاب الله عنه، فإذا حملناه على معنى صحيح يليق بجلاله لغة وعقلا ونقـلا انشرح الصدر واستقر على علم وسَلِمَ من عروض الوسواس والشكوك كما تقدم ولذلك نقول لو أنه تعالى لو لم يخلق لنا سمعا وبصرا وعلما وقدرة لما فهمنا خطابه لقولـه تعالى: سميع، بصير، عليم، قدير فخاطبنا بما نفهم معناه من إدراك المسموعات والمبصرات والمعلومات ونحو ذلك مع قيام الدليل على تنـزيهه من التشبيه بالمخلوقين فقد بان بما ذكرنا أن حقيقة مذهب السلف السكوت عن تعيين المراد من المعاني اللائقة بجلاله من ذلك اللفظ المحتمل.اهـ
قال الرازي في أساس التقديس: واعلم أن الله تعالى لم يذكر لفظ المتشابهات إلا وقرن بها قرينة تدل على زوال الوهم الباطل مثاله أنه تعالى قال: {الله نور السموات والأرض} ذكر بعده {مثل نوره} فأضاف النور إلى نفسه، ولو كان تعالى نفس النور لمَا أضاف إلى نفسه لأن إضافة الشئ إلى نفسه ممتنعة، ولما قال تعالى: {الرحمن على العرش استوى} ذكر قبله: {تنـزيلا مـمـن خلـق الأرض والسموات العلى} وبعده قوله: {له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى} فقد ذكرنا أن هاتين الآيتين تدلان على أن كل ما كان مختصا بجهة الفوقية مخلوق محدث فثبت بما ذكرنا أن الطريق في هذه المتشابهات التأويل في تلك الألفاظ تأدبا في حق واجب الوجود. وبالله التوفيق.اهـ
وقد قال عمر بـن الخطاب رضي الله عنه فيما أخرجه الدارمي في مسنده: سيأتيكم ناس يجادلونكم بمشتبهات القرءان فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله.
مبحث
في الآيات
المشتملة على لفظ الإحاطة
اتفق العلماء من أهل السنة والجماعة الشافعية والحنفية والمالكية وفضلاء الحنابلة وغيرهم على أن الله تبارك وتعالى منـزه عن الجهة والجسمية والحد والمكان ومشابهة مخلوقاته فلا تحده الأفكار ولا تحويه الأقطار ولا تكتنفه الأقدار ويجل عن قبول الحد والمقدار والدليل على ذلك أن كل مختص بجهة شاغل لها وكل متحيز قابل لملاقاة الجواهر ومفارقتها وكل ما يقبل الاجتماع والافتراق حادث كالجواهر وخالف في ذلك أحمد بن تيمية الحراني فأثبت لله تعالى الجهة والحد تبعا لسلفه اليهود في عقيدة التشبيه فقال في كتابه المسمى بالفتوى الحموية مانصه: ولا يحسب الحاسب أن شيئا من ذلك يناقض بعضه بعضا البتة مثل أن يقول القائل ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله: {وهو معكم أينما كنتم} وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبِل وجهه ونحو ذلك فإن هذا غلط وذلك أن الله معنا على الحقيقة وهو فوق العرش حقيقة كما جمع الله بينهما في قوله سبحانه وتعالى:{هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينـزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير} فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شىء وهو معنا أينما كنا كما قال النبي في حديث الأوعال: والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه، وذلك أن كلمة مع في اللغة إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال فالله مع خلقه حقيقة وهو فوق عرشه حقيقة. انتهى بحروفه. ومثل ابن تيمية سيد قطب حيث قال في كتابه المسمى في ظلال القرءان عند قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} قال ما نصه على الحقيقة لا على المجاز والكناية فكل من أنصف علم حقيقة جهل ابن تيمية من قوله إن الله على عرشه حقيقة ومعنا حقيقة لأن الواحد يستحيل عقلا أن يكون في مكانين في ءان واحد. وهذا شروع في بيان المعية الواردة في الكتاب فنقول وبالله التوفيق.
قال الله تعالى: {والله محيط بالكافرين} سورة البقرة الآية 19. وقال تعالى: {ألا إنه بكل شىء محيط} سورة فصلت ءاية 54. وقال تعالى: {وقد أحاط الله بها} سورة الفتح ءاية 21. وقال تعالى: {والله من ورائهم محيط} سورة البروج ءاية20.
اعلم وفقني الله وإياك إلى سبيل الرشاد أن هذه الآيات من أقوى الأدلة على التأويل، فلو قيل لمن يتمسك بظواهر الآيات التي ظاهرها نسبة الفوقية الحسية إلى الله كما تدعي الفرقة الوهابية تبعا لسلفهم ابن تيمية في عقيدته التجسيم أن الله جالس على العرش مع منـعهم التأويل ما قولكم في قوله تعالى: {والله محيط بالكافرين} وقوله تعالى: {ألا إنه بكل شىء محيط} وقوله تعالى: {وقد أحاط الله بها} وقوله تعالى: {والله من ورائهم محيط} فإن حملوا هذه الآيات على ظاهرها انتقد عليهم معتقدهم أن الله جالس على العرش فيلجؤون إلى التأويل فيقال لهم لما أولتم هنا ولم تؤولوا قول الله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} والله تعالى يقول {قل لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}قال ابن عباس أي تناقضا، فثبت بهذه الآيات أن كل ءاية ظاهرها نسبة المكان إلى الله فهي مؤولة على ما يقتضيه قوله تعالى: {ليس كمثله شىء}. فإن أكثر مفسري أهل السنة وقفوا عند ءايات الإحاطة بمعنى العلم بدليل قوله تعالى: {أحاط بكل شىء علما}.
قال صاحب الإضاءة كما نقل الشنقيطي في كتابه استحالة المعية بالذات ما نصه:ـ
ومـــا من ذاك تأويل فـقـط تـعـين الـحمـل عليه وانـضـبط
كمـثـل وهـو معـكـم فأول بـالـعلـم والـرعي ولا تـطـول
إذ لا تصـح هاهـنا المصـاحبة بالذات فاعـرف أوجـه المـناسـبة
قال الإمام أبو نصر القشيري في التذكرة الشرقية فيما نقله الحافظ الزبيدي: فإن قيل أليس الله يقول: {الرحمن على العرش استوى} فيجب الأخذ بظاهره؟ قلنا: الله يقول أيضا: {وهو معكم أينما كنتم} ويقول تعالى: {ألا إنه بكل شىء محيط} فينبغي أيضا أن تأخذ بظاهر هذه الآيات حتى يكون على العرش وعندنا ومعنا ومحيطا بالعالم محدقا به بالذات والواحد يستحيل أن يكـون بذاتـه في حالة بكل مكان قالوا قولـه تعالى:{وهو معكم} يعني بالعلم و:{بكل شىء محيط} إحاطة العلم قلنا: وقوله تعالى:{على العرش استوى} قهر وحفظ وأبقى.اهـ
قال الحافظ ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير ما نصه: قوله تعالى: {والله محيط بالكافرين} فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يفوته أحد منهم فهو جامعهم يوم القيامة ومثله قوله تعالى: {أحاط بكل شىء علما} قاله مجاهد. والثاني: أن الإحاطة الإهلاك مثل قوله تعالى: {وأحيط بثمره}. والثالث: أنه لا يخفى عليه ما يفعلون.اهـ
قال الإمام القرطبي في تفسيره الجامع ما نصه: قوله تعالى: {والله محيط بالكافرين} ابتداء وخبر أي لا يفوتونه يقال: أحاط السلطان بفلان إذا أخذه أخذا حاصرا من كل جهة قال الشاعر:
أحطنا بهم حتى إذا ما تيقّنوا بما قد رأوا مالوا جميعا إلى السلم
ومنه قولـه تعالى: {وأحيط بثمره} وأصله محيط نُقلت حركة الياء إلى الحاء فسكّنت فالله سبحانه محيط بجميع المخلوقات أي هي في قبضته وتحت قهره كما قال: {والأرضُ جميعا قبضته يوم القيامة}. وقيل: {محيط بالكافرين} أي عالـم بهم، دليله {وأن الله قد أحاط بكل شىء علما} وقيل مهلكهم وجامعهم دليله قوله تعالى: {إلا أن يُحاط بكم} أي إلا أن تهلكوا جميعا وخص الكافرين بالذكر لتقدم ذكرهم في الآية. والله أعلم.اهـ قال الخازن في تفسيره لباب التأويل ما نصه: قوله تعالى: {والله محيط بالكافرين} أي عالم بحالهم وقيل يجمعهم ويعذبهم.اهـ
قال الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات باب جامع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع نفي التشبيه عن الله تعالى جده ما نصه: ومنها [المحيط] قال الله عز وجل: {ألا إنه بكل شىء محيط} ورويناه في خبر عبد العزيز بن الحصين قال الحليمي: ومعناه أنه الذي لا يقدر على الفرار منه وهذه الصفة ليست حقا إلا لله جل ثناؤه وهي راجعة إلى كمال العلم والقدرة وانتفاء الغفلة والعجز عنه. قال أبو سليمان الخطابي: هو الذي أحاطت قدرته بجميع خلقه وهو الذي {أحاط بكل شىء علما وأحصى كل شىء عددا}.اهـ
قال الإمام الرازي في شرح أسماء الله الحسنى ما نصه: أما الأسماء الدالة على العلم فكثيرة: الأول [المحيط] قال الله تعالى: {وهو بكل شىء محيط} وهو إشارة إلى أنه أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا {والله محيط بالكافرين} وهو إشارة إلى أنه قادر على جميع الممكنات لا يغلبه غالب ولا يعجزه هارب.اهـ قال الشيخ محمد بن أحمد بن جزي الكِلبي ما نصه: {والله محيط بالكافرين} أي لا يفوتونه بل هم تحت قهره وهو قادر على عقابهم.اهـ
قال أحمد بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي في كتابه الدر المصون في علوم الكتاب المكنون الجزء الأول ما نصه: قوله تعالى: {والله محيط بالكافرين } جملة من مبتدأ وخبر وأصل محيط مُحْوِط لأنه حاط يَحوطُ فأُعِلَّ كإعلال تستعين، والإحاطة حَصْرُ الشيء من جميع جهاته، وهـو هنا عبارة عن كونهم تحت قهره ولا يفوتونَه، وقيل: ثمَّ مضافٌ محذوفٌ أي عقابُهُ محيط بهم. اهـ
قال الشنقيطي: وفي روح المعاني للألوسي عند قوله تعالى: {وهو مكم أينما كنتم} ما نصه: هذا تمثيل لإحاطة علمه تعالى بهم وتصوير لعدم خروجهم عنه أينما كانوا ، وقيل المعية مجاز مرسل عن العلم بعلاقة السببية والقرينة السباق واللحاق مع استحالة الحقيقة.اهـ ومعنى قوله: القرينة السباق واللحاق هو أن ما قبلها من قوله: {يعلم ما يلج في الأرض} وما بعدها: {والله بما تعملون بصير} دال على أن المراد بالمعية العلم، وبلاغة الكلام تقتضي تناسق المعنى.اهـ
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال ابن أبي جمرة: معنى وأنا معه بحسب ما قصد من ذكره لي، قال ابن حجر: وأنا معه أي بعلمي قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني. الحديث. وهو كقوله: {إنني معكما أسمع وأرى} والمعية المذكورة أخص من المعية في قوله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعم} إلى قوله: {إلا هو معهم أينما كانوا}.اهـ
فقد وضح بذلك وضوح الشمس في رابعة النهار صحة التأويل الذي تنكره الوهابية وتعيبه على أهل السنة وما ذلك إلا ليجرؤوا الناس على حمل الآيات التي ظاهرها نسبة المكان إلى الله على ظاهرها؛ ولله الحمد أن جعل لهذا الدين من يدحض شبه المشبهة بالحجج العقلية والسمعية.
مبحث
في الآيات المشتملة
على لفـظ المـجـيء والإتـيــان
وأما الآيات التي تمسك بها ابن تيمية ومن سار على عقيدته وهم مشبهة هذا العصر على إثبات الحركة لله تعالى منها قول الله تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} وقال تعالى: {أو يأتي ربك} وقال تعالى: {وجاء ربك والملك صفـا صفـا}. حيث ذكر ابن تيمية عقيدته هذه في عدة من كتبه منها كتاب منهاج السنة حيث قال فيه ما نصه: فإنا نقول إنه يتحرك وتقوم به الحوادث والأعراض فما الدليل على بطلان قولنا.؟اهـ وقال في كتابه الموافقة ناقلا كلام الدارمي المجسم موافقا له: لأن الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء ويهبط ويرتفع.اهـ
ليُعلم أن الله تبارك وتعالى منـزه الذات عن الاتصاف بصفات المخلوقات فمن ذلك المجيء والإتيان الحسي لأن ذلك من صفات الأجسام المستلزمة للحيز والمكان قال الله تعالى: {ولله المثل الأعلى} أي الوصف الذي لا يشبه وصف غيره، وقال: {ولا تضربوا لله الأمثال}. فمن أطلق المجيء والإتيان الحسي على الذات المقدس عن سمات الحدث فقد طعـن بحجة خليل الرحمن حيث قال: {إني لا أحب الآفلين} وليس معنى الأفول إلا الغيبة والحضور، وبتصديق الله لهذه الحجة بقوله : {وتلك حجتنا ءاتيناها إبراهيم على قومه}. قال الإمام الرازي في تفسيره الكبير ما نصه: أجمع المعتبرون من العقلاء على أنه سبحانه وتعالى منـزه عن المجيء والذهاب ويدل عليه وجوه:ـ أحدها: ما ثبت في علم الأصول أن كل ما يصح عليه المجيء والذهاب لا ينفك عن الحركة والسكون وهما محدثان وما لا ينفك عن المحدث فهو محدث فيلزم أن كل ما يصح عليه المجيء والذهاب أن يكون محدثا مخلوقا والإله القديم يستحيل أن يكون كذلك. وثانيها: أن كل ما يصح عليه الانتقال من مكان إلى مكان فإما أن يكون في الصغر والحقارة كالجزء الذي لا يتجزأ وذلك باطل باتفاق العقلاء وإما أن لا يكون كذلك بل يكون شيئا كبيرا فيكون أحد جانبيه مغايرا للآخر فيكون مركبا من الأجزاء والأبعاض وكل ما كان مركبا فإن ذلك المركب مفتقرا في تحققه إلى تحقق كل واحد من أجزائه وكل واحد من أجزائه غيره فكل مركب مفتقر إلى غيره وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن لذاته وكل ممكن لذاته فهو محتاج في وجـوده إلى المرجح والموجد فكل ما كان كذلك فهو محدث مخلوق مسبوق بالعدم، والإله القديم يمتنع أن يكون كذلك. ثالثا: أن كل ما يصح عليه الانتقال من مكان إلى مكان فهو محدود ومتناه فيكون مختصا بمقدار معين مع أنه كان يجوز في العقل وقوعه على مقدار أزيد منه أو أنقص فاختصاصه بذلك المقـدار المعين لا بد وأن يكون بترجيح مرجح وتخصيص مخصص وكل ما كان كذلك كان فعلا لفاعل مختار وكل ما كان كذلك فهو محدث مخلوق، فالإله القديم الأزلي يمتنع أن يكون كذلك. رابعا: أنا متى جوزنا في الشىء الذي يصح عليه المجيء والذهاب أن يكون إلها قديما أزليا فحينئذ لا يمكننا أن نحكم بنفي الإلهية عن الشمس والقمر، وكان بعض الأذكياء من أصحابنا يقول: الشمـس والقمر لا عيب فيهما يمنع من القول بإلهيتهما سوى أنهما جسم يجوز عليه الغيبة والحضور، فمن جوز المجيء والذهاب على الله تعالى فلم لا يحكم بإلهية الشمس، وما الذي أوجب عليه الحكم بإثبات موجود ءاخر يزعم أنه إله. خامسا: أن الله تعالى حكى عن الخليل عليه السلام أنه طعن في إلهية الكواب والقمر والشمس بقوله: {لا أحب الآفلين} ولا معنى للأفول إلا الغيبة والحضور فمن جوز الغيبة والحضور على الله تعالى فقد طعن في دليل الخليل عليه السلام وكذب الله في تصديق الخليل عليه السلام في ذلك.
إذا عرفـت هذا فنقول: اختلف أهل الكلام في قوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} وذكروا فيه وجوها:ـ الوجه الأول: وهو مذهب السلف أنه لما ثبت بالدلائل القاطعة أن المجيء والذهاب على الله تعالى محال علمنا أنه قطعا ليس مراد الله تعالى من هذه الآية المجيء والذهاب فالأولى السكوت عن التأويل وتفويض معنى الآية على سبيل التفصيل إلى الله تعالى . الوجه الثاني: وهو قول جمهور المتكلمين: أنه لا بد من التأويل على سبيل التفصيل ثم ذكروا فيه وجوها:ـ الأول: المراد {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله} أي ءايات الله فجعل مجيء الآيات مجيئا لـه على التفخيم لشأن الآيات كما يقال: جاء الملك إذا جاء جيش عظيم من جهته والذي يدل على صحة هذا التأويل أنه تعالى قال في الآية المتقدمة {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم} فذكر ذلك في معرض الزجر والتهديد ثم إنه تعالى أكد ذلك بقوله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله}. الوجه الثاني: أن يكون المراد {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله} أي أمر الله، ومدار الكلام في هذا الباب أنه تعالى إذا ذكر فعلا وأضافه إلى شىء فإن كان ذلك محالا فالواجب صرفه إلى التأويل كما قال العلماء في قولـه: {يحاربون الله} والمراد يحاربون أولياءه وقال {واسأل القرية} والمـراد واسأل أهل القرية فكذا قوله {يأتيهم الله} المراد به يأتيهم أمر الله، وقولـه: {وجاء ربك} المراد جاء أمر ربك، وليس فيه إلا حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وهو مجاز مشهور يقال ضرب الأمير فلانا وصلبه وأعطاه والمراد أنه أمر بذلك لا أنه تولى ذلك العمل بنفسه، ثم الذي يؤكد القول بصحة هذا التأويل وجهان:ـ الأول: أن قولـه ههنا: {يأتيهم الله} وقوله: {وجاء ربك} إخبار عن حال القيامة، ثم ذكر هذه الواقعة بعينها في سورة النحل فقال: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك} فصار هذا المحكم مفسرا لذلك المتشابه لأن كل هذه الآيات وردت في واقعة واحدة لم يبعد حمل بعضها على البعض. والثاني: أنه تعالى قال بعده: {وقضي الأمر} ولا شك أن الألف واللام للمعهود السابق فلا بد وأن يكون قد جرى ذكر أمر قبل ذلك حتى تكون الألف واللام إشارة إليه وما ذاك إلا الذي أضمرناه من أن قوله: {يأتيهم الله} أي يأتيهم أمر الله. الوجه الثالث: أن المعنى هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعد من العذاب والحساب فحذف ما يأتي به تهويلا عليهم إذ لو ذكر ما يأتي كان أسهل عليهم في باب الوعيد وإذا لم يذكر كان أبلغ لانقسام خواطرهم وذهاب فكرهم في كل وجه ومثله قولـه تعالى: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقـذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} والمعنى أتاهم الله بخذلانه إياهم من حيث لم يحتسبوا وكذلك قوله تعالى: {فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب} فقوله: {وأتاهم العذاب} كالتفسير لقوله تعالى: {فأتى الله بنيانهم من القواعد} ويقال في العرف الظاهر إذا سُمع بولاية جائر قد جاءنا فلان بجوره وظلمه ولا شك أن هذا مجاز مشهور. الوجه الرابع: أن يكون {في} بمعنى الباء وحروف الجر يقام بعضها مقام البعض وتقديره هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بظلل من الغمام والملائكة والمراد العذاب الذي يأتيهم في الغمام مع الملائكة.اهـ
قال الإمام بدر الدين بن جماعة في إيضاح الديل في قطع حجج أهل التعطيل ما نصه: إعلم أن المجيء والذهاب والإتيان بالذات على الله تعالى محال لأنه من صفات الحوادث المحدودة القابلة للانتقال من حيز إلى حيز ولذلك استدل الخليل عليه السلام على نفي إلهية الكواكب بأفولهن وصدقه الله تعالى في استدلاله وصححه بقولـه: {وتلك حجتنا ءاتيناها إبراهيم على قومه} إذا ثبت هذا تعين تأويل ذلك وتأويله من وجوه: الأول وهو أظهر أن في الكلام مضافا مقدرا تقديره إلا أن يأتيهم أمر الله وهو مجاز كثير مستعمل ومنه {إن تنصروا الله ينصركم} أي دين الله أو نبي الله، أو أولياء الله ومنه {يخادعون الله} و {يحادون الله} و {واسأل القرية} وهـو كثير فيدل عليه ما أولناه قوله تعالى في الآية الأخرى: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك} فتكون هذه الآية مفسرة للآية الأخرى، ويؤيده أيضا قوله بعد هذا: {وقضي الأمر} وليس معنى أمر معهود إلا المقدر الذي ذكره فيكون حرف التعريف لـه وكذلك قوله: {وإلى الله تُرجع الأمور}.اهـ
مبحث
في الآيات والأحاديث
المشتملة على لفظ في السماء
اعلم أنه لا خلاف بين المسلمين قاطبة أن الله تعالى منـزه عن مشابهة المخلوقات في الذات والصفات والأفعال وأن الظواهر الواردة في الكتاب والسنة بذكر الله تعالى في السماء فإنها ليست على ظاهرها بل محملها على قوله: {ليس كمثله شىء}. كما قال صلى الله عليه وسلم: اعملوا بمحكمه وءامنوا بمتشابهه. وخالف في ذلك ابن تيمية الحراني حيث أثبت الجهة لله تعالى تقدس الله عن ذلك حيث قال في عدة من كتبه منها منهاج السنة [1 / 264] ما نصه: فثبت أنه في الجهة علىالتقديرين.
وفي كتابه موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول [ص 33] قال ابن تيمية: وقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله في السماء وحدوه بذلك إلا المريسي الضال وأصحابه حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحنث قد عرفوا ذلك إذا حَزَبَ الصبيَّ شىءٌ يرفع يده إلى ربه يدعوه في السماء دون ما سواه وكل أحد بالله وبمكانه أعلم من الجهمية.
وقولـه في التسعينية [ص 3]: أما قول القائل الذي نطلب منه أن ينفي الجهة عن الله والتحيز فليس في كلامي إثبات لهذا اللفظ لأن إطلاق هذا اللفظ نفيا وإثباتا بدعة. انتهى كلام ابن تيمية.
قلت: حكم على نفسه بالابتداع فإن في قوله سبحانه: {ليس كمثله شىء} [الشورى: 11] وفي قوله صلى الله عليه وسلم: كان الله ولم يكن شىء غيره نص صريح في نفي الجهة عنه تعالى. قال الإمام الرازي في تفسيره الكبير: واعلم أن المشبهة احتجوا على إثبات المكان لله تعالى بقوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء} الجواب عنه أن هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين لأن كونه في السماء يقتضي كون السماء محيطا به من جميع الجوانب فيكون أصغر من السماء والسماء أصغر من العرش بكثير فيلزم أن يكون الله تعالى شيئا حقيرا بالنسبة إلى العرش، وذلك باتفاق أهل الإسلام محال ولأنه تعالى قال: {قل لمن ما في السموات والأرض قل لله} فلو كان الله في السماء لوجب أن يكون مالكا لنفسه وهذا محال، فعلمنا أن هذه الآية يجب صرفها عن ظاهرها إلى التأويل، ثم فيه وجوه:ـ أحدها: لم لا يجوز أن يكون تقدير الآية ءأمنتم من في السماء عذابه وذلك لأن عادة الله تعالى جارية بأنه إنما ينـزل البلاء على من يكفر بالله ويعصيه من السماء فالسماء موضع عذابه تعالى كما أنه موضع نزول رحمته ونعمته. وثانيها: تقدير الآية مَن في السماء سلطانه وملكه وقدرته. والغرض من ذكر السماء تفخيم سلطان الله وتعظيم قدرته كما قال تعالى: {وهو الله في السموات والأرض} فإن الشىء الواحد لا يكون دفعة واحدة في مكانين فوجب أن يكون المراد من كونه في السموات وفي الأرض نفاذ أمره وقدرته وجريان مشيئته في السموات وفي الأرض، فكذا ههنا. ثالثها: لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله: {من في السماء} الملك الموكل بالعذاب وهو جبريل عليه السلام، والمعنى أن يخسف بهم الأرض بأمر الله وإذنه.اهـ
مبحث
فـي الآيات
المشتملة على لفظ الـعـلــو
اعلم أن العلو المضاف إلى الله تعالى لا يجوز أن يكون المراد منه العلو بالجهة والحيز لأنه قد ثبت بالأدلة العقلية والنقلية أن الله تعالى منـزه الذات عن الاختصاص بالجهة والمكان، كان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان. وما أحسن ما قال أبو مسلم بن بحر الأصفهاني في تفسـير قولـه: {قل لمن ما في السموات والأرض قل لله} قال وهذا يدل على أن المكان والمكانيات بأسرها مِلك لله تعالى ثم قال {وله ما سكن في الليل والنهار} وهذا يدل على أن الزمان والزمانيات بأسرها ملك لله تعالى.
قال الإمام الرازي في أساس التقديس: وأما الذي ذكروه وهو التمسك بالآيات المشتملة على لفظ العلوّ فالجواب: أن لفظ العلو كما يستعمل في العلو بسبب الجهة فقد يستعمل أيضا في العلو بسبب القدرة فإنه يقال السلطان أعلى من غيره ويكتب في أمثلة السلاطين الديوان الأعلى ويقال لأوامرهم الأمر الأعلى ويقال لمجالسهم المجلس الأعلى والمراد في الكل العلو بمعنى القهر والقدرة لا بسبب المكان والجهة. وأيضاً قال الله تعالى لموسى: {لا تخف إنك أنت الأعلى} وقال: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون} وقال: {وكلمة الله هي العليا} وقال فرعون: {أنا ربكم الأعلى} والعلو في هذه المواضع بمعنى العلو بالقدرة لا بمعنى العلو بالجهة والذي يدل على أن المراد ما ذكرناه وجوه:ـ الأول: أنه تعالى قال: {سبح اسم ربك الأعلى} فحكم بأنه تعالى أعلى من كل ما سواه والجهة شئ سواه فوجب أن يكون ذاته أعلى من الجهة. فثبت أن علوّه لنفس ذاته لا لسبب الجهة ولا يقال الجهة ليست بشئ موجود حتى يدخل تحت قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} لأنا نقول قد بينا في باب الدلائل العقلية أنها لا بد وأن تكون أمرا موجوداً. الثاني: هو أنه تعالى لو كان في جهة فوق فإما أن يكون لـه في جهة فوق نهاية وإما أن لا يكون له في تلك الجهة نهاية فإن كان الأول لم يكن أعلى الأشياء لأن الأحياز الخالية فوقه تكون أعلى منه ولأنه قادر على خلق الأجسام في جميع الأحياز فيكون قادرا على خلق عالم في تلك الأحياز التي هي فوقه فيكون ذلك العالم على ذلك التقدير أعلى منه. الثالث: أنه إذا كان غير متناه من جانب الفوق فلا جزء إلا وفوقه جزء ءاخر وكل ما فوقه غيره لم يكن أعلى الموجودات، فإذا ليس في تلك الأجزاء شئ هو أعلى الموجودات، فثبت بما ذكرناه أن كل ما كان مختصا بالجهة فإنه لا يمكن وصفه بأنه أعلى الموجودات، وإذا كان كذلك وجب أن يكون علوه تعالى لا بالجهة والحيّز وهو المطلوب.اهـ
قال العلامة نظام الدين النيسابوري في تفسيره غرائب القرءان ورغائب الفرقان ما نصه: ومن الملاحـدة من طعن في القرءان بأنه يقتضي أن يكون للعالم ربان أحدهما عظيم وهو في قوله: {فسبح باسم ربك العظيم} والآخر أعلى وهو {سبح اسم ربك الأعلى} والجواب أنه عظيم في نفسه وأعلى وأجل من جميع الممكنات والصفة كاشفة لا مميزة ونظيره وصفه بالكبير تارة وبالأكبـر أخرى والمراد بالعظم والعلو عظم الشرف وعلو القدر فلا استدلال فيه للمشبهة.اهـ
وقال العلامة قاسم بن ناجي التنوخي في شرحه على الرسالة عند قوله تعالى: {وهو العلي العظيم} إسمان من اسمائه تعالى يدلان صريحا على تنـزيه الحق وتقديسه عن المكان والجهة وعلى ثبوت العلو والعظمة.اهـ
وقال الفقيه المالكي أبو عبد الله التتائي عند قوله تعالى: {وهو العلي العظيم} إسمان من أسمائه دالان على تنـزيه الحق وتقديسه عن المكان والجهة.اهـ وقال أبو الحسـن في شرح الرسالة: وليس علوه سبحانه علو جهة ولا اختصاص ببقعة.اهـ وقال العدوي في حاشيتة على الرسالة: ليس علوه مختصا ببقعة بأن يكون فوق العرش مثلا.اهـ
وقال الإمام مجد الدين الفيروزابادي في بصائر ذوي التمييز: بصيرة في الأعلى وقد ورد في القرءان على خمسة أوجه:ـ الأول: بمعنى علو الحق في العظمة والكبرياء {سبح اسم ربك الأعلى} ـ إلى أن قال ـ وأصل العلو الارتفاع وقد علا يعلو علوا، وعلى يعلى علاء فهو علي فعلا ـ بالفتح ـ في الأمكنة والأجسام أكثر، والعلي هو الرفيع القدر من على، واذا وصف به ـ تعالى ـ فمعناه أنه يعلـو ان يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين، وعلى ذلك يقال: [تعالى عما يشركون] والأعلى الأشرف.اهـ
وقال الإمام القرطبي عند قوله تعالى: {العلي العظيم} يراد به علو القدر والمنـزلة لا علو المكان لأن الله منـزه عن التحيز.اهـ وقال الإمام النسفي في تفسيره عند قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} نزِّه ذاته عما لا يليق به والاسم صلة وذلك بأن يُفسر الأعلى بمعنى العلوّ الذي هو القهر والاقتدار لا بمعنى العلو في المكان.اهـ
وقال الإمام بدر الدين بن جماعة في إيضاح والدليل: الآية الثالثة قوله تعالى: {وهو العلي العظيم} {سبح اسم ربك الأعلى} {وهو العلي الكبير} الكلام على وصفه بذلك على ما ذكرناه في الفوقية وهوأن المراد علو السلطنة والرتبة والقهر لا علو الجهة وكما صح التجوز في المعية في قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} {إن الله مع الذين اتقوا} {إلا وهو معهم} {والله معكـم} فكذلك صح التجوز في العلو والفوقية بعلو الرتبة والسلطنة ويدل عليه قوله تعالى: {وأنتم الأعلون} {لا تخف إنك أنت الأعلى} {وكلمة الله هي العليا} ونحو ذلك.اهـ
وقال ابـن كثير في تفسيره: فقوله: {وهو العلي العظيم} كقوله: {وهو الكبير المتعال} وهذه الآيات وما في معناها من الأحاديث الصحاح الأجود فيها طريقة السلف الصالح أمروها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه.اهـ وفي كتاب تفسير أسماء الله الحسنى لأبي إسحاق ابراهيم بن السري الزجاج عند تفسير الظاهر ما نصه: فهو من العلو والله تعالى عال على كل شئ وليس المراد بالعلو ارتفاع المحل لأن الله تعالى يجل عن المحل والمكان وإنما العلو علو الشأن.اهـ
قال الحافظ العبدري: بعض المجسمة لما يثبت لهم برهان وجوب تنـزيهه عن المكان يقولون جهة العلو غير جهة السُفْل، جهة السُفل نقصٌ عليه ويجب تنـزيهه عنها وأما جهة العلو فكمال ولا يدل العقل على نفيه عن الله، فيقال لهم الجهات كلها لا تقتضي الكمال في حد ذاتها ليس الشأن في علو المكان بل الشأن في علو القدر، قد يختص الشخص من البشر بالمكان العال ومن هو أعلى منه قدرا يكون في المكان المنخفض ويحصل ذلك للسلاطين فإن حرسهم يكونـون في مكان عال وهم أسفل منهم فلم يكن في علو الجهة وعلو المكان شأن ثم الأنبياء مستقرهم في الدنيا الأرض وفي الآخرة الجنة وهم أعلى من الملائكة الحافين حول العرش والذين هم في أعلى من مستقر الأنبياء من حيث الجهة وكون مستقر أولئك حملة العرش فوق مستقر الأنبياء من حيث الجهة لم يكن دليلا علىأنهم أكمل من الأنبياء بل ولا يساوونهم.اهـ
وفي كتاب أصول الدين لأبي منصور البغدادي ما نصه: المسألة الخامسة من الأصل الثالث في نفي الحد والنهاية عن الصانع، وهذه المسألة مع فِرَقٍ منها الهشامية من غلاة الروافض الذين زعموا ان معبودهم سبعة أشبار بشبر نفسه ومنهم من قال إن الجبل أعظم منه كما حكي عن هشام بن الحكم. والخلاف الثاني مع الكرامية الذين زعموا أن لـه حدا واحدا من جهة السفل ومنها يلاقي العرش. والخلاف الثالث مع من زعم من مشبهة الرافضة أنه على مقدار مساحة العرش لا يفضل من احدهما عن الآخر شىء. فقلنا لهم لو كان الإله مقدرا بـحد ونهاية لم يخل من ان يكون مقداره مثل أقل المقادير فيكون كالجزء الذي لا يتجزأ او يختص ببعض المقادير فيتعارض فيه المقادير فلا يكون بعضها أولى من بعض الا بمخصص خصه ببعضها واذا بطل هذان الوجهان صح انه بلا حد ولا نهاية. وقول من أثبت له حدا من جهة السفل وحدها كقول الثنوية بتناهي النور من الجهة التي يلاقي الظلام منها وكفى بهذا خزيا.اهـ
في الآيات والأحاديث
المشتملة على لفظ في السماء
اعلم أنه لا خلاف بين المسلمين قاطبة أن الله تعالى منـزه عن مشابهة المخلوقات في الذات والصفات والأفعال وأن الظواهر الواردة في الكتاب والسنة بذكر الله تعالى في السماء فإنها ليست على ظاهرها بل محملها على قوله: {ليس كمثله شىء}. كما قال صلى الله عليه وسلم: اعملوا بمحكمه وءامنوا بمتشابهه. وخالف في ذلك ابن تيمية الحراني حيث أثبت الجهة لله تعالى تقدس الله عن ذلك حيث قال في عدة من كتبه منها منهاج السنة [1 / 264] ما نصه: فثبت أنه في الجهة علىالتقديرين. وفي كتابه موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول [ص 33] قال ابن تيمية: وقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله في السماء وحدوه بذلك إلا المريسي الضال وأصحابه حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحنث قد عرفوا ذلك إذا حَزَبَ الصبيَّ شىءٌ يرفع يده إلى ربه يدعوه في السماء دون ما سواه وكل أحد بالله وبمكانه أعلم من الجهمية. وقولـه في التسعينية [ص 3]: أما قول القائل الذي نطلب منه أن ينفي الجهة عن الله والتحيز فليس في كلامي إثبات لهذا اللفظ لأن إطلاق هذا اللفظ نفيا وإثباتا بدعة. انتهى كلام ابن تيمية.
قلت: حكم على نفسه بالابتداع فإن في قوله سبحانه: {ليس كمثله شىء} [الشورى: 11] وفي قوله صلى الله عليه وسلم: كان الله ولم يكن شىء غيره نص صريح في نفي الجهة عنه تعالى. قال الإمام الرازي في تفسيره الكبير: واعلم أن المشبهة احتجوا على إثبات المكان لله تعالى بقوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء} الجواب عنه أن هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين لأن كونه في السماء يقتضي كون السماء محيطا به من جميع الجوانب فيكون أصغر من السماء والسماء أصغر من العرش بكثير فيلزم أن يكون الله تعالى شيئا حقيرا بالنسبة إلى العرش، وذلك باتفاق أهل الإسلام محال ولأنه تعالى قال: {قل لمن ما في السموات والأرض قل لله} فلو كان الله في السماء لوجب أن يكون مالكا لنفسه وهذا محال، فعلمنا أن هذه الآية يجب صرفها عن ظاهرها إلى التأويل، ثم فيه وجوه:ـ أحدها: لم لا يجوز أن يكون تقدير الآية ءأمنتم من في السماء عذابه وذلك لأن عادة الله تعالى جارية بأنه إنما ينـزل البلاء على من يكفر بالله ويعصيه من السماء فالسماء موضع عذابه تعالى كما أنه موضع نزول رحمته ونعمته. وثانيها: تقدير الآية مَن في السماء سلطانه وملكه وقدرته. والغرض من ذكر السماء تفخيم سلطان الله وتعظيم قدرته كما قال تعالى: {وهو الله في السموات والأرض} فإن الشىء الواحد لا يكون دفعة واحدة في مكانين فوجب أن يكون المراد من كونه في السموات وفي الأرض نفاذ أمره وقدرته وجريان مشيئته في السموات وفي الأرض، فكذا ههنا. ثالثها: لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله: {من في السماء} الملك الموكل بالعذاب وهو جبريل عليه السلام، والمعنى أن يخسف بهم الأرض بأمر الله وإذنه.اهـ
وفي ردود على أباطيل للشيخ محمد الحامد: قوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء} أي من في السماء ملكوته ومنها تـتـنـزل أوامره ونواهيه وقضاياه وأحيانا عقوباته التي ينـزلها على القوم المجرمين: {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون} أما أن يكون جالسا في السماء جلوس الإنسان أو مستويا على العرش كاستواء الملك على سرير ملكه فلا، وإنه زيغ وضلال وخسران مبين.اهـ
وقال أبو حيان الأندلسي في النهر الماد في قوله: {ءأمنتم من في السماء} هذا مجاز وقد قام البرهان العقلي على أنه تعالى ليس بمتحيز في جهة ومجازه أن ملكوته في السماء لأن السماء هو صلة من ففيه الضمير الذي كان في العامل فيه وهو استقر أي مَنْ في السماء هو أي ملكوته فهو على حذف مضاف وملكوته في كل شىء لكن خص السماء بالذكر لأنها مسكن ملائكته وثَمَّ عرشه وكرسيه واللوح المحفوظ ومنها تـتـنـزل قضاياه وكتبه وأمره ونهيه، أو جاء هذا على طريق اعتقادهم إذ كانوا مشبهة فيكون المعنى ءأنتم من تزعمون أنه في السماء وهو المتعالي عن المكان.اهـ
وقال الشيخ الإمام زكريا الأنصاري في كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرءان قوله: {ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض} إن قلت كيف قال: {من في السماء} مع أنه تعالى ليس فيها ولا في غيرها بل هو تعالى منـزه عن كل مكان؟ قلت المعنى من ملكوته في السماء التي هي مسكن ملائكته ومحل عرشه وكرسيه واللوح المحفوظ ومنه تنـزل أقضيته وكتبه.اهـ
وقال القرطبي في الجامع: قوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} قال ابن عباس أأمنتم عذاب مَنْ في السماء إن عصيتموه، وقيل تقديره ءأمنتم مَنْ في السماء قدرته وسلطانه وعرشه ومملكته وخص السماء وإن عم ملكه تنبيها على أن الإله الذي تنفذ قدرته في السماء لا من يعظمونه في الأرض، وقيل هو إشارة إلى الملائكة وقيل إلى جبريل وهو الملك الموكل بالعذاب، قلت: ويحتمل أن يكون المعنى ءأمنتم خالق من في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون، وقال المحققون ءأمنتم من فوق السماء كقوله: {فسيحوا في الأرض} أي على فوقها لا بالمماسة والتحيز لكن بالقهر والتدبير. وقيل معناه ءأمنتم من على السماء كقوله تعالى: {ولاصلبنكم في جذوع النخل} أي عليها ومعناه أنه مدبرها ومالكها كما يقال فلان على العراق والحجاز أي واليها وأميرها، والأخبار في هذا الباب كثيرة صحيحة منتشرة مشيرة إلى العلو لا يدفعها إلا ملحد أو جاهل معاند. والمراد بها توقيره وتنـزيهه عن السفل والتحت، ووصفه بالعلو والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود لأنها صفات الأجسام.اهـ
وقال الإمام النسفي في تفسيره عند قوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء} أي من ملكوته في السماء لأنها مسكن ملائكته ومنها تنـزل قضاياه وكتبه وأوامره ونواهيه فكأنه قال ءأمنتم من خالق السماء وملكه أو لأنهم كانوا يعتقدون التشبيه وأنه في السماء وأن الرحمة والعذاب ينـزلان منه فقيل لهم على حسب اعتقادهم ءأمنتم من تزعمون أنه في السماء وهو متعال عن المكان.اهـ
وقال أبو السعود في تفسيره عند قوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء} أي الملائكة الموكلين بتدبير هذا العالم أو الله سبحانه على تأويل من في السماء أمره وقضاؤه أو على زعم العرب حيث كانوا يزعمون أنه تعالى في السماء أي ءأمنتم من تزعمون أنه في السماء وهو متعال عن المكان.اهـ
يتبع بلإذن الله
وقد جرى استعمال لفظ السماء والعلو ونحوه عند العرب الذين نزل القرءان بلغتهم لبيان شرف الرتبة والعظمة والكبرياء والمجد ولا يقصدون بذلك أنه بذاته في السماء عند استعمال اللفظ في مدح شخص مثال ذلك ما قاله عنترة العبسي:
مَقَامُكِ في جوِ السماءِ مكانُهُ وباعي قصيرٌ عن نوال الكواكبِ.
وقال الأخطل الكبير:
بنو دارمٍ عند السماء وأنتم قذى الأرض أبعَدُ بينما بين ذلك.
وقال ءاخر كما في تاج العروس:
ولو رفع السماء إليه قومـا لـحقـنا بـالـنجـوم وبـالسماء
ومن المعلوم عند علماء الأصول أن ما وقع تحت الاحتمال سقط به الاستدلال فقوله: {في السماء} واقع تحت الاحتمال فلا يكون فيه استدلال على إثبات الحيّز ِلله. وكذلك مما هو معروف عند أهل النحو أن مَن الموصولة يعاد بها إلى الجمع وعلى المفرد بدليل قوله تعالى: {ومنهم من يستمع إليك} وقوله: {ومنهم من يستمعون إليك} فكذا يحمل قوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء} على الملائكة. قال العلامة نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري في تفسيره غرائب القرءان ورغائب الفرقان ما نصه: واستدلال المشبهة بقوله: {من في السماء} ظاهر وأهل السنة يتأولونه بوجوه منها قول أبي مسلم أن العرب كانوا يقرّون بوجود الإله لكنهم يزعمون أنه في السماء فقيل لهم على حسب اعتقادهم {ءأمنتم من} تزعمون أنه {في السماء} ومنها قول جمع من المفسرين {ءأمنتم من في السماء} ملكوته أو سلطانه أو قهره لأن العادة جارية بنـزول البلاء من السماء ومنها قول ءاخرين أن المراد جبرائيل يخسف بهم الأرض بأمر الله.اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه ما نصه: ومن الآيات قوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء} قد ثبت قطعا أن الآية ليست على ظاهرها لأن لفظة [في] للظرفية والحق سبحانه وتعالى غير مظروف وإذا منع الحس أن ينصرف إلى مثل هذا بقي وصف العظيم بما هو عظيم عند الخلق.اهـ
وقال الإمام أبو بكر بن فورك في تفسير قوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء} أن المراد بذلك من فوقها وقال: اعلم أنا إذا قلنا إن الله عز وجل فوق ما خلق لم يرجع به إلى فوقية المكان والارتفاع على الأمكنة بالمسافة بل قولنا إنه فوقها يحتمل وجهين:ـ أحدهما: أنه يراد به أنه قاهر لها، مستول عليها إثباتا لإحاطة قدرته وشمول قهره لها وكونها تحت تدبيره جارية على حسب علمه ومشيئته. والوجه الثاني: أن يراد أنه فوقها على معنى أنه مباين ـ أي غير مشابه ـ لها بالصفة والنعت وأن ما يجوز على المحدثات من العيب والنقص والعجز والآفة والحاجة لا يصح شىء من ذلك عليه، ولا يجوز وصفه به وهذا أيضا متعارف في اللغة أن يقال فلان فوق فلان ويراد بذلك رفعة المرتبة والمنـزلة والله فوق خلقه على الوجهين جميعا وإنما يمتنع الوجه الثالث: وهو أن يكون على معنى التحيز في جهة والاختصاص ببقعة دون بقعة.اهـ
وأما تمسك المشبهة كالوهابية تبعا لليهود في عقيدة التشبيه بحديث زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم لإثبات الجهة لله تعالى فهو مردود لإقامة البراهين العقلية والنقلية أن الله منـزه الذات عن الجهات فضلا عن الجهة الفوقية فقد روى البخاري في صحيحه أنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: [زوجكنّ أهاليكنّ وزوجني الله عز وجل من فوق سبع سموات] وفي رواية من طريق خلاد بن يحيى حدثنا عيسى بن طمهان قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: نزلت ءاية الحجاب في زينب بنت جحش وأطعمَ عليها يومئذ خبزا ولحما وكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تقول: [إن الله أنكحني في السماء] قال الحافظ ابن حجر في الفتح قال الكرماني في قولها: [في السماء] ظاهره غير مراد إذ الله منـزه عن الحلول في المكان،. وبنحو هذا أجاب غيره عن الألفاظ الواردة من الفوقية ونحوها.اهـ
وقال شهاب الدين القسطلاني في إرشاد الساري شرح صحيح البخاري ما نصه: قولها: [وكانت تقول إن الله] عز وجل [أنكحني] به صلى الله عليه وسلم [في السماء] حيث قال تعالى: {زوجناكها} وذات الله تعالى منـزه عن المكان والجهة فالمراد بقولها [في السماء] الإشارة إلى علو الذات والصفات وليس ذلك باعتبار أن محله تعالى في السماء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.اهـ
وعند النسائي بلفظ: [إن الله عز وجل أنكحني من السماء] قال الإمام السندي في حاشيته على سنن النسائي: قولها: [أنكحني من السماء] أي أنزل منه ذلك قوله: {زوجناكها}اهـ. وهذا يرفع الإشكال فقد قال شيخنا الحافظ العبدري حفظه الله في كتابه الصراط المستقيم فمعناه أن تزويج النبي بها مسجل في اللوح المحفوظ واللوح فوق السموات السبع وهذه كتابة خاصة بزينب ليست الكتابة العامة.
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم ما نصه: قال القاضي عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء} ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم.اهـ
وأما تمسك الخصم بحديث الترمذي: الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. لإثبات الحيز لله تعالى فلا يصح لقيام البراهين القاطعة والحجج الباهرة على تنـزيه الله عن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات، وقد ثبت أن هذا الحديث ورد بلفظ ءاخر يفسر رواية الترمذي لأن خير ما يفسرُ الحديث الوارد بالوارد كما قال الحافظ العراقي في ألفيته وخير ما فسرته بالوارد، وابن حجر العسقلاني وخير ما يفسر الحديثَ الحديثُ. فقد جاء في مسند الحميدي قال حدثنا سفيان قال ثنا عمرو قال أخبرني أبو قابوس مولى عبد الله بن عمرو أنه سمع بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء. ورواه الحافظ ابن حجر بالإسناد العالي والمزي كذلك عاليا بلفظ: الراحمون يرحمهم الرحيم إرحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء. قال الحافظ محمد بن علي بن طولون في كتابه الاربعون في فضل الرحمة والراحمين بسنده إلى النبي أنه قال: الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء وفي رواية: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. وأورده الإمام عبد الله بن المبارك في مسنده والحافظ العراقي في أماليه بلفظ: يرحمكم أهل السماء فلا يجوز أن يقال عن الله أهل السماء فتحمل رواية الترمذي في جامعه: يرحمكم من في السماء على معنى الملائكة بدليل ما رواه أبو داود عن عبد الله بن مسعود مرفوعا: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة عل الصفا.اهـ ولفظه عند الطبراني من حديث النوّاس بن سمعان مرفوعا: إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله فإذا سمع بذلك أهل السماء …الحديث. وعند ابن مردويه من حديث ابن مسعود: إذا تكلم الله بالوحي يسمع أهل السموات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان… الحديث. فالقائل بأن الله ساكن السماء فقد جعل الله مزاحما للملائكة لأنه ورد حديثا عند الترمذي أنه: ما في السموات موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد نعوذ بالله من مسخ القلوب.
وأما حديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ربنا الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رزقك في السماء…الحديث. هذا الحديث انفرد به زيادة بن محمد الأنصاري. هذا الحديث لم يصح بل هو ضعيف وذلك لانفراد زيادة بن محمد الأنصاري وهو ضعيف ويترك ما ينفرد به قال الحافظ ابن الجوزي في كتابه الضعفاء والمتروكين: زيادة بن محمد: يروي عن القرظي، روى عنه الليث بن سعد. وقال البخاري والرازي والنسائي :زيادة بن محمد الأنصاري: منكر الحديث جدا، يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك.اهـ
قال الشيخ شهاب الدين أحمد بن جَهبل فيما نقله الحافظ السبكي في طبقاته ما نصه: ثم ذكر حديث الرّقْية ـ أي ابن تيمية ـ ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك الحديث، وهذا الحديث بتقدير ثبوته فالذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ربنا الذي في السماء تقدس اسمك ما سكت النبي صلى الله عليه وسلم على في السماء فلأي معنىً نقف نحن عليه ونجعل تقدّس اسمك كلاما مستأنفا هل فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أو أمر به؟ وعند ذلك لا يجد المدّعي مَخلصا إلا أن يقول: الله تقدس اسمه في السماء والأرض. فإن قيل لِمَ خُصّصت السماء بالذكر؟ فنقول له: ما معنى [تقدس] إن كان المراد به التنـزيه من حيث هو تنـزيه فذلك ليس في سماء ولا أرض، إذ التنـزيه نفي النقائص وذلك لا تعلّقَ له بجرباء ولا غبراء فإن المراد أن المخلوقات تُقدّسُ وتعترفُ بالتنـزيه فلا شك أن أهل السماء مُطبقون على تنـزيهه تعالى كما أنه لا شك أن في أهل الأرض من لم يُنـزِّهه وجعل لـه ندّا ووصفه بما لا يليق بجلاله، فيكون تخصيص السماء بذكر التقديس فيها لانفراد أهلها بالإطباق على التنـزيه.اهـ
قال الإمام البيهقي في كتابه الأسماء والصفات: استدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنتَ الظاهرُ فليسَ فوقكَ شىءٌ وأنتَ الباطنُ فليسَ دونكَ شىءٌ وإذا لم يكن فوقَهُ شىءٌ ولا دونهُ شىءٌ لم يكن في مكان.اهـ.
الكلام
على حديث الأوعال
لقد تمسك القاضي أبو يعلى الحنبلي المجسم وابن تيمية وخلفهم الوهابية بما يُسمى بحديث الأوعال لإثبات الجهة الفوقية لله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فقد تواردت نصوص العلماء كابن مَعين وأحمد والبخاري ومسلم وإبراهيم الحربي والنسائي وابن عدي وابن العربي وابن الجوزي وأبي حيان وابن جماعة ومحدث الديار المغربية عبد الله الغماري على أنه غير صحيح بل حكم بوضعه غير واحد.
روى الإمام أحمد في مسنده من طريق عبد الرزاق قال أخبرني يحيى بن العلاء عن عمه شعيب بن خالد قال حدثني سماك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن عباس بن عبد المطلب قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فمرت سحابة فقال: أتدرون ما هذا؟ قلنا: السحاب، قال: والمزن، فقلنا والمزن قال: والعنان، قال: فسكتنا فقال: أتدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: بينهما مسيرة خمسمائة سنة وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء خمسمائة سنة وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله تبارك وتعالى فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني ءادم شىء. وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة من طريق سماك عن ابن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بزيادة الأحنف بين ابن عميرة والعباس. على أن بين ابن عميرة والأحنف مفازة وانقطاعا كبيرا بحيث لا يزول بزيادة الأحنف بينهما كما ذكر ذلك أهل الحديث قال البخاري في تاريخه الكبير: لا يعلم سماع لابن عميرة من الأحنف. وقال الذهبي في الميزان عن عبد الله بن عميرة: فيه جهالة. وقال ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عميرة: فيه جهالة. وقال ابراهيم الحربي وهو من أجل أصحاب الإمام أحمد عن ابن عميرة: لا أعرفه كما في التهذيب. وأما سماك قال فيه النسائي وغيره: سماك إذا انفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يُلقن فيتلقن فلا يحتج بما انفرد. وقال مسلم في المنفردات والوحدان: انفرد سماك بن حرب بالرواية عن عبد الله بن عَميرة. فكيف يصح حديث فيه انقطاع ومجهول.
وأما حديث الترمذي قال المنذري: في إسناده الوليد بن أبي ثور ولا يحتج بحديثه. وقال ابن جماعة في إيضاح الدليل: في رواته الوليد بن أبي ثور قال يحيى بن معين: هو كذاب. ولو ثبت كان معناه فوقية القهر والغلبة والقدرة والاستيلاء لا فوقية الجهة لدلالة العقل على الرد على ذلك. قال الإمام الحافظ ابن الجوزي في كتابه العلل المتناهية: هذا الحديث لا يصح تفرد به يحيى بن العلاء، قال أحمد: هو كذاب يضع الحديث. وقال يحيى بن معين: ليس بثقة وقال الفلاس: متروك الحديث. وقال ابن عدي: أحاديثه موضوعة. اهـ وقال ابن حبان: ينفرد عن الثقات بالمقلوبات لا يجوز الاحتجاج به. وقال النسائي والدارقطني والدولابي: متروك الحديث كما في التهذيب.
وقد ذكر علماء الحديث والأصول كتاج الدين السبكي وغيره أن الحديث إذا خالف صريح العقل أو النص القرءاني أو الحديث المتواتر ولم يقبل تأويلا فهو باطل فمن هنا يعلم بطلان حيث الأوعال لمخالفته النص القرءاني والحديث في أمور منها ما ذكره المحدث الشيخ عبد الله الغماري في بيانه لبطلان هذا الحديث وحكم عليه بوضعه معللا وذكر بطلان متنه في كتابه سبيل التوفيق فقال ما نصه: وبينت بطلان حديث الأوعال بأن إسناده ضعيف ومعناه منكر من وجوه: الأول: أن القرءان يفيد أنّ حملة العرش يوم القيامة ثمانية لا اليوم.الثاني: أن القرءان نعى على الكفار تسميتهم الملائكة إناثا والحديث يفيد أنّهم أوعال والإناث أشرف من الوعل والوعل هو التيس الجبلي والوصف به يدل على الذم فقد سمى النبيّ صلى الله عليه وسلم المحلّل تيسا مستعارا ووصف الذين يتخلفون في نساء المجاهدين بالفاحشة بأنهم ينبّون نبيب التيس الثالث:ـ أن القرءان والسنة يصفان الملائكة بأنهم ذوو أجنحة وهذا الحديث جعلهم أوعالا.اهـ
قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه على الترمذي عند شرح حديث الأوعال ما نصه: أمور تلقفت من أهل الكتاب ليس لها أصل في الصحة.اهـ وقال أبو حيان في تفسير قوله تعالى: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} وذكروا في صفات هؤلاء الثمانية أشكالا متكاذبة ضربنا عن ذكرها صفحا.اهـ فقد عد أبو حيان سرد الأقاصيص الواردة في ذلك من قبيل التسابق في الكذب، وفي هذا القدر من البيان كفاية لمعرفة حقيقة حديث الأوعال.
قال الإمام السبكي فيما نقله الزبيدي: وصانع العالم لا يكون في جهة لإنه لو كان في جهة لكان في مكان ضرورة أنها المكان او المستلزمة له، ولو كان في مكان لكان متحيّزا لكان مفتقرا إلى حيّزه ومكانه فلا يكون واجب الوجود، وثبت أنه واجب الوجود، وهذا خُلْفٌ، وأيضا فلو كان في جهة فإما في كل الجهات وهو محال وشنيع، وإما في البعض فيلزم الاختصاص المستلزم للافتقار إلى المخصص المنافي للوجوب، وهذا المعتقد لا يخالف فيه بالتحقيق سنيٌّ ولا فقيهٌ ولا يجىءُ قَطٌّ على لسان نبي التصريح بلفظ الجهة، فالجهة بحسب التفسير المتقدم منفيةٌ معنىً ولفظاً، وكيف لا والحقُ يقول: {ليسَ كمثلهِ شىءٌ} [الشورى 11] ولو كان في جهةٍ لكان له أمثالٌ فضلاً عن مِثْلٍ واحدٍ .اهـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين وبعد:ـ
من أكبر ضلالات أحمد ابن تيمية الحراني قوله بفناء النار وتبعه على ذلك تلميذه وظله ابن القيم الجوزية حيث يقول ابن القيم الجوزية نقلا عن شيخه ابن تيمية في كتابه حادي الأرواح صحيفة 253 ما نصه: بل ما أخبر الله به هو الحق والصدق الذي لا يقع خلافه لكن إذا انقضى أجلها وفنيت تفنى الدنيا لم تبق نارا ولم يبق فيها عذاب.اهـ ويقول ابن تيمية ما نصه: وفي المسند للطبراني ذكر فيه أنه ينبت فيها الجرير وحينئذ فيحتج على فنائها بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة مع أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب ولا سنة ولا أقول الصحابة.اهـ انظر كتاب الرد على من قال بفناء الجنة والنار. ثم قال ابن تيمية في نفس الكتاب أن قول من قال بدوام النار محتجا بالإجماع أن هذه المسألة الإجماع فيها غير معلوم وأنه لا يقطع فيها بإجماع .اهـ ثم زعم في نفس الكتاب أن القول بفنائها فيه قولان معروفان عن السلف والخلف وقد نقل هذا عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم.اهـ
فما ادعاه أحمد ابن تيمية ردٌّ لصريح القرءان والسنة الثابتة المتفق على صحتها ولإجماع الأمة أما مخالفته للآيات القرءانية الدالة على بقاء النار واستمرار عذاب الكفار بلا انقطاع إلى ما لا نهاية لـه وهي كثيرة منها قوله تعالى:{إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا (64) خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا} سورة الأحزاب، وقوله تعالى:{وعد الله المنافقين والمنافقات نار جهنم خالدين فيها هي حسبُهم ولعنهم الله ولهم عذابٌ مقيم} سورة التوبة، وقوله تعالى:{وما هم بخارجين من النار} سورة البقرة، وقوله تعالى:{إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا (168) إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا} سورة النساء، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على بقاء النار وقد ذكر الحافظ المجتهد المجمع على إمامته تقي الدين السبكي في رسالته التي ألفها بالرد على ابن تيمية: الاعتبار ببقاء الجنة والنار، نحوا من ستين ءاية بل قوله تعالى:{كلما خبت زِدناهم سعيرا} سورة الإسراء، كاف في نسف ما ادعاه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية.
وأما ردُّه للحديث الصحيح الثابت فيما رواه البخاري في الصحيح في كتاب الرقاق باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يـقال لأهل الجنة يا أهل الجنة خلود لا مَوت ولأهل النار يا أهل النار خلود لا موت. وما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيءَ بالموت حتى يُـجعل بين الجنة والنار ثم يُـذبح ثم يُـنادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موت، يا أهل النار لا موت، فيزدادُ أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، ويزدادُ أهل النار حُزنا إلى حزنهم.
قا الحافظ ابن حجر في الفتح ما نصه: قال القرطبي: وفي هذه الأحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية أمد، وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت، ولا حياة نافعة ولا راحة، كما قال تعالى:{لا يُـقضى عليهم فيموتوا ولا يُـخففُ عنهم من عذابها} سورة فاطر، وقال تعالى:{كلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها} سورة السجدة، فمن زعم أنهم يخرجون منها وأنها تبقى خالية أو أنها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول وأجمع عليه أهل السنة.اهـ
وهذان الحديثان صريحان في إثبات أن أهل النار باقون في النار بقاء لا انقطاع لـه، فقد رد ابن تيمية هذين الحديثين برأي منه ولم يذكر دليلا له إلا أثرا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه منقطعا غير صحيح الإسناد كما سنبينه، فكيف ردَّ صريح القرءان والسنة ورَكَن إلى هذا الأثر الذي لا ثبوت لـه ليؤيد هواه المخالف لدين الله تعالى، فقد رد صريح القرءان والسنة بقياس باطل توهمه معقولا ذكره في بعض ما كتب في هذه المسألة التي شذ فيها عن الأمة لأنه لا يثبت عن أحد من الأمة القول بفناء النار، ثم هو ناقض نفسه لأنه ذكر في كتابه المسمى منهاج السنة النبوية أن الجنة والنار باقيتان لا تفنيان بإجماع المسلمين على ذلك ولم يُـخالف في ذلك إلا جهم بن صفوان فكفَّرَه المسلمون ثم وقع ابن تيمية في القول بفناء النار الذي قاله جهم وكفره المسلمون عليه كما نقل ابن تيمية فيكون ابن تيمية بنصه هذا كفَّر نفسه.
وأما من قال: إنه يزول عذابها ويخرج أهلها منها واحتج بما أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن بعض الصحابة من رواية الحسن عن عمر أنه قال: لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني أمير امؤمنين بالحديث في الفتح ما نصه: وهو منقطع. اهـ ثم قال: قلتُ: وهذا الأثر عن عمر لو ثبت حُـملَ على الموحدين، وقد مال بعض المتأخرين إلى هذا القول السابع ونصره بعدة أوجه من جهة النظر، وهو مذهب رديء مردود على قائله، وقد أطنب السبكي الكبير في بيان وهائه فأجاد.اهـ وقد ثبت بذلك رد الأثر الذي تشبث به ابن تيمية .
أما الإجماع فهو منعقد على بقاء النار وقد نقل الإجماع غير واحد منهم الحافظ تقي الدين السبكي المجتهد الثقة في رسالته الاعتبار ببقاء الجنة والنار فقال ما نصه: فإن اعتقاد المسلمين أن الجنة والنار لا تفنيان وقد نقل أبو محمد بن حزم الإجماع على ذلك وأن مَن خالفه كافر بالإجماع ولا شك في ذلك فإنه معلوم من الدين بالضرورة وتواردت الأدلة عليه.اهـ وقال أيضا ما نصه: أجمع المسلمون على اعتقاد ذلك وتلقوه خلفا عن سلف عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو مركوز في فطرة المسلمين معلوم من الدين بالضرورة بل وسائر الملل غير المسلمين يعتقدون ذلك ومن رد ذلك فهو كافر.اهـ
وقال التفتازاني في شرحه على العقيدة النسفية ما نصه: وذهب الجهمية إلى أنهما يفنيان ويفنى أهلهما وهو قول باطل مخالف للكتاب والسنة والإجماع، ليس عليه شبهة فضلا عن حجة.اهـ
وكذلك نقل الإجماع الإمام الثقة العلامة عبد القاهر بن طاهر البغدادي الإسفرائيني في كتابه الفرق بين الفرق عند تعداد الأصول التي اجتمع عليها أهل السنة فقال ما نصه: وقالوا بدوام نعيم الجنة على أهلها ودوام عذاب النار على المشركين والمنافقين، خلاف قول من زعم أنهما يفنيان كما زعم جهم.اهـ وقال أيضا في كتابه أصول الدين ما نصه: أجمع أهل السنة وكل مَن سَلَفَ من أخيار الأمة على دوام بقاء الجنة والنار وعلى دوام نعيم أهل الجنة ودوام عذاب الكفرة في النار. وزعم قوم من الجهمية أن الجنة والنار تفنيان.اهـ وكذلك نقل الإجماع على بقاء الجنة والنار القرطبي في كتابه التذكرة وغيرهما فمن شاء فلينظر إلى كتب أهل العلم.
فقد بان وظهر رَدُّ ابن تيمية للنصوص القرءانية والحديثية وإجماع الأمة وقد قال نجم الدين النسفي في عقيدته المشهورة “العقيدة النسفية” ما نصه: وردُّ النصوص كفر.اهـ وقال الطحاوي: ومن ردَّ حكم الكتاب كان من الكافرين.اهـ فليشفق الذين اتبعوه على أنفسهم.
خالدين فيها أبدا رغم أنف ابن تيمية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
هذا رد واضح جلي على ابن تيمية بقوله بفناء النار وانتهاء عذاب الكفار فيها.
قال الله تعالى:{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} فعملا بهذه الآية الكريمة نحذركم إخوة الإيمان من أحمد بن تيمية الحراني الذي خالف اعتقاد المسلمين في نحو سبعين مسئلة منها في الأصول ومنها في الفروع كما قال الحافظ العالم الكبير ولي الدين العراقي..
ومن أعجب ضلالاته زعمه بأن النار تفنى وتبعه على ذلك تلميذه ابن القيم الجوزية.
يقول ابن تيمية في كتابه الرد على من قال بفناء الجنة والنار ما نصه:{ وفي المسند للطبراني ذكر فيه أنه ينبت فيها الجرجير، وحينئذ فيحتج على فنائها، وأقوال الصحابة، مع القائلين ببقائها ليس معهم كتاب ولا سنة ولا أقوال الصحابة} انتهى، ثم زعم في نفس الكتاب أن قول من قال بدوام النار محتجا بالإجماع أن هذه المسئلة الإجماع فيها غير معلوم وأنه لا يقطع فيها بإجماع، ثم زعم أن القول بفنائها فيه قولان معروفان عن السلف والخلف، وقد نقل هذا عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم.
قلت فيما ادعاه رد لصريح القرءان والسنة الثابتة المتفق على صحتها ولإجماع الأمة، أما مخالفته للآيات القرءانية الدالة على بقاء النار واستمرار عذاب الكفار بلا انقطاع إلى ما لا نهاية له وهي كثيرة منها قوله تعالى:{إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا(64) خالدين فيها أبدا لا يجدون وليّا ولا نصيرا(65)}[سورة الأحزاب]، وقوله تعالى:{وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم (68)}[سورة التوبة]، وقوله تعالى:{وما هم بخارجين من النار (167)}[سورة البقرة]، وقوله تعالى:{إنّ الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا (168) إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا (169 )}[سورة النساء]، وغيرها من الآيات الكثيرة، وقد ذكر الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي في رسالته “الاعتبار ببقاء الجنة والنار” التي ردّ بها على ابن تيمية نحواً من ستين ءاية، بل قوله تعالى:{كلما خبت زِدناهم سعيراً(97)}[سورة الإسراء]،كافٍ في نسف ما ادعاه ابن تيمية وغيره.
ان هو الا من جملة الاقوال التي تبع ابن تيمية اليهود فيها قال الله تعالى : وقالوا لن تمسنا النار إِلا أياما معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون علَى الله ما لا تعلمون .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
نكمل الرد بإذن الله.
أما رد ابن تيمية للحديث الصحيح الثابت فما رواه البخاري في الصحيح عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يقال لأهل الجنة يا أهل الجنة خلود لا موت ولأهل النار خلود لا موت، وما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يُجعل بين الجنة والنار ثم يُذبح ثم يُنادي منادٍ يا أهل الجنة لا موت يا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم}.
قال الحافظ في الفتح الباري ما نصه {قال القرطبي وفي هذه الأحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية أمد وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت ولا حياة نافعة ولا راحة كما قال تعالى { لا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها(36)}[سورة فاطر] وقال تعالى {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها(20)} [سورة السجدة] فمن زعم أنهم يخرجون منها وأنها تبقى خالية أو أنها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول وأجمع عليه أهل السنة} انتهى.
أما من قال إنه يزول عذابها ويخرج أهلها منها واحتجّ بما أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن بعض الصحابة من رواية الحسن عن عمر أنه قال { لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه} قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح الباري وهو منقطع انتهى ثم قال قلت وهذا الأثر عن عمر لو ثبت حُمل على الموحدين وقد مال بعض المتأخرين إلى هذا القول السابع ونصره بعدة أوجه من جهة النظر وهو مذهب ردىء مردود على صاحبه وقد أطنب السبكي الكبير في بيان وهائه فأجاد انتهى.
وهذان الحديثان صريحان في إثبات أنّ أهل النار باقون في النار بقاء لا انقطاع له فقد رد ابن تيمية هذين الحديثين برأي منه ولم يذكر دليلاً له إلا أثراً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه منقطعاً غير صحيح الإسناد كما قدمنا فكيف رد صريح القرءان والسنة وَرَكَنَ إلى هذا الأثر الذي لا ثبوت له ليؤيد هواه المخالف لدين الله تعالى فقد رد صريح القرءان والسنة بقياس باطل توهمه قياسا معقولاً ذكره في بعض ما كتب في هذه المسئلة التي شذ فيها ثم هو ناقض نفسه لأنه ذكر في كتابه المنهاج أن الجنة والنار باقيتان لا تفنيان بإجماع المسلمين على ذلك ولم يخالف في ذلك إلا جهم بن صفوان فكفره المسلمون ثم وقع في شطر ما وقع فيه جهم فيكون بنصه هذا كفّر نفسه.
والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
نكمل الرد على الشاذ ابن تيمية.
نقول
ومما يدل أيضاً على ما قدمناه من الحديث الصحيح ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من يدخل الجنة يَنعَمُ لا ييْأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه}، قال المناوي في كتابه فيض القدير عقبه ما نصه: {وهذا صريح في أن الجنة أبدية لا تفنى والنار مثلها، وزعم جهم بن صفوان أنهما فانيتان لأنهما حادثتان، ولم يتابعه أحد من الإسلاميين بل كفروه به، وذهب بعضهم إلى إفناء النار دون الجنة وأطال ابن القيم كشيخه ابن تيمية في الانتصار له في عدة كراريس، وقد صار بذلك أقرب إلى الكفر منه إلى الإيمان لمخالفته نص القرءان، وختم بذلك كتابه الذي في وصف الجنان} انتهى.
وهذا تكفير من الإمام المناوي لابن تيمية الحراني.
أما الإجماع فهو منعقد على بقاء النار وقد ذكره الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين السبكي في رسالته “الاعتبار ببقاء الجنة والنار” فقال ما نصه:{فإن اعتقاد المسلمين أن الجنة والنار لا تفنيان، وقد نقل أبو محمد بن حزم الإجماع على ذلك وأن من خالفه كافر بالإجماع، ولا شك في ذلك، فإنه معلوم من الدين بالضرورة، وتواردت الأدلة عليه} انتهى.
وقال أيضاً ما نصه:{ أجمع المسلمون على اعتقاد ذلك وتلقوه خلفاً عن سلف عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهو مركوز في فطرة المسلمين معلوم من الدين بالضرورة، بل وسائر الملل غير المسلمين يعتقدون ذلك، من رد ذلك فهو كافر} انتهى.
وقال التفتازاني في شرحه على العقيدة النسفية ما نصه:{وذهب الجهمية إلى أنهما يفنيان ويفنى أهلهما، وهو قول باطل مخالف للكتاب والسنة والإجماع، ليس عليه شبهة فضلاً عن الحجة}، ونقل أيضاً الإجماع القرطبي في كتابه التذكرة.
فقد بان وظهر رد ابن تيمية للنصوص، وقد قال نجم الدين النسفي في عقيدته المشهورة:{ورد النصوص كفر}، وقال الطحاويّ:{ومن ردَّ حكم الكتاب كان من الكافرين}.
وفي النهاية أقول اشفقوا على أنفسكم يا أيها الحرانيون الوهابيون قوا أنفسكم نارا وقودها حجارة وأناس كذبوا الله وكذبوا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم وأعرضوا عن سبيل المؤمنين. فاتقوا الله وعذابه.
وأحب أن أختم هذا الدرس بقول أحد الشرفاء
تحرم يا ابن تيمية وفودا—بقصد زيارة الهادي البشير
ستحرم من شفاعته وتلقى—لنار الخلد معدوم النصير
وتوقن حينها أن ليس تفنى—خلاف خلافك الباغي الحقير
رسول الله قال ألا فزوروا—لنذكر وجبة اليوم الأخير
إذا جازت زيارة قبر مثلي—فكيف لقبر منقطع النظير
صلى الله عليه وسلم
والله أوسع علما وأكبر قدراً وإليه المآل.
وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أبو العباس ابن تيمية من هو ماذا قال ليعلم أن ابن تيمية هذا رجل ضال ولد بحران وكان أبوه رجلا هادئا أكرمه علماء الشام ورجال الحكومة فولوه وظائف علمية مساعدة له ، وبعد موته ولوا ابن تيمية وظائف والده وشجعوه وحضروا دروسه حتى ظهر منه البدع فتخلو عنه واحدا إثر واحد
وابن تيمية هذا خرق الاجماع في كثير من المسائل كما قال فيه الحافظ المحدث الفقيه ولي الدين العراقي أنه خرق الاجماع في مسائل كثيرة قيل تبلغ ستين مسألة بعضها في الأصول وبعضها في الفروع ، خالف فيها بعد انعقاد الاجماع عليها اهـ .
فأسرع علماء عصره في الرد عليه وتبديعه ، منهم الإمام الحافظ تقي الدين بن عبد الكافي السبكي في الدر المضية .
ومن أبشع مسائل ابن تيمية قوله بحوادث لا أول لها لم تزل مع الله فخالف بها صحيح العقل وصريح النقل واجماع المسلمين وقد ذكر ابن تيمية عقيدته الفاسدة هذه في أكثر من خمسة من كتبه منها موافقة صريح المعقول لصحيح النقول ومنهاج السنة النبوية وكتاب سرح حديث النـزول وكتاب شرح عمران بن الحصين وكتاب نقد مراتب الإجماع وكل هذه الكتب مطبوعة .
وقول ابن تيمية هذا مخالف للقرءان والحديث الصحيح واجماع الأمة وقضية العقل أما القرءان فقوله تعالى﴿ هو الأول والآخر﴾ فليس معنى ﴿هوالأول﴾
إلا أنه هو الأزلي الذي لا أزلي سواه لما تقرر عند البلاغين من أنه إذا كان المبتدأ معرفة والخبر معرفة فهذا يفيد الحصر ، أي أن الأولية المطلقة لله فقط ولا تكون لغيره وقد أشرك ابن تيمية مع الله غيره في الأولية التي أخبر الله بأنها خاصة به
وأما الحديث فقوله عليه الصلاة والسلام الذي رواه البخاري في كتاب بدء الخلق وغيره “كان الله ولم يكن شيء غيره” الذي توافقه الرواية الأخرى “كان الله قبل كل شيء” ورواية “كان الله ولم يكن معه شيء” .
وقد نقل المحدث الأصولي بدر الدين الزركشي اتفاق المسلمين على كفر من يقول بأزلية نوع العالم قال ما نصه “وضللهم المسلمون وكفروهم ” .ذكره في كتابه تشنيف المسامع .