بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين وبعد:ـ
فقد جاء في كتاب سيد قطب المسمى بـ “في ظلال القرءان” في تفسير قوله تعالى من سورة البقرة الجزء الثاني صحيفة 204 قال سيد قطب ما نصه: هذه اللمسات العجيبة من الريشة المبدعة.اهـ ويقول أيضا في صحيفة 206 ما نصه: ترسمها الريشة المبدعة بهذا الإعجاز.اهـ
وأما تسميته لله بالعقل المدبر فقد جاء ذلك في كتابه المسمى بـ “في ظلال القرءان المجلد 6/3804 في تفسير قوله تعالى من سورة النبأ قال سيد قطب ما نصه: العقل المدبر من هذا الوجود الظاهر.اهـ ويقول أيضا: من نظام لا بد من عقل يدبر.اهـ
ويقول سيد قطب في كتابه المسمى في ظلال القرءان الجزء التاسع والعشرون في تفسير سورة القمر ما نصه: وينبوع حقيقتها إنها من الله هو مصدرها الوحيد.اهـ ويقول أيضا في الجزء الثلاثين من نفس الكتاب عن الله ما نصه: ويلمَسه لمسة تثير التأمل والتدبر والتأثر. اهـ
فكل هذه العبارات الصادرة من سيد قطب ما هي إلا تشبيه محض لله بخلقه وتكذيب لنصوص القرءان والحديث فأما تكذيبه للقرءان قال الله تعالى: {ليس كمثله شىء} وقوله تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد} وقوله تعالى: {ولا تضربوا لله الأمثال} وقوله تعالى: {هل تعلم له سميا} وغير ذلك من ءايات التنـزيه الدالة على مخالفة الله للحوادث.
فأما قوله تعالى: {ليس كمثله شىء} فهو أوضحُ دليلٍ نقليٍّ في تنـزيه الله عن مشابهة المخلوقين جاء في القرءان لأن هذه الآية تُفهمَ التـنـزيه الكُليَّ لأن الله تبارك وتعالى ذكر فيها لفظَ شىء في سياق النفي، والنَّكرة إذا أُوردت في سياق النفي فهي للشمولِ، فالله تبارك وتعالى نفى بهذه الآية عن نفسه مُشابَـهة الأجرام والأجسام والأعراض فهو تبارك وتعالى كما لا يُشبه ذوي الأرواح من إنس وجن وملائكة وغيرهم لا يُشبه الجمادات من الأجرام العُلويَّـة والسفلية أيضا فالله تبارك وتعالى لـم يُقيّد نفيَ الشَّـبه عنه بنوع من أنواع الحوادث بل شَملَ نفيُ مُشـابَـهتِـهِ لِكلِّ أفراد الحادثات، ويَشملُ نفيُ مُشابهة الله لخلقهِ تنـزيهه تعالى عن المكان والجهة والكمية والكيفية، فالكميّةُ هي مقدار الجِرْمِ فهو تبارك وتعالى ليس كالجرمِ الذي يدخلُهُ المِقدارُ والمِساحة والحد فهو ليس بـمحدودٍ ذي مِقدار ومَسافة، وذلك لأن المحدود محتاج إلى من حدَّه بذلك الحدِّ فلا يكون المحتاج إلـها. فقد قال الإمام علي رضي الله عنه: مَن زعمَ أن إلـهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود. رواه أبو نُعيم في الحلية.
وأما تكذيبه للحديث فقد قال عليه الصلاة والسلام: لا فكرة في الرب. رواه الحافظ أبو القاسم الأنصاري وابن حبان أي أن الله تبارك وتعالى لا يُدركه الوهم ولا يتصوره العقل لأن الوهم يحكم على ما لم يُشاهده بحكم ما شاهده فيحكم الوهم بأن الله تعالى جسم وأما العقل السليم فيقضي بأن الله ليس بجسم، فليس محور الاعتقاد على الوهم بل على ما يقتضيه العقل السليم الصحيح الذي هو شاهد للشرع. فقد قال الإمام المبجل أحد أعلام السلف أبو جعفر الطحاوي في عقيدته التي سمـاها عقيدة أهل السنة والجماعة في بدء الرسالة: “هذا ذِكرُ بيان عقيد أهل السنة والجماعة” إلى أن قال: “ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر فمن أبصر هذا اعتبر وعن مثل قول الكفار انزجر وعلم أن الله بصفاته ليس كالبشر”.اهـ أي أن من وصف الله تعالى بوصف من أوصاف البشر المحدَثة كالجسمية فقد كفر لإثباته المماثلة بينه تعالى وبين خَلْقِهِ وذلك منفي بالنص القرءاني وهو قوله تعالى: {ليس كمثله شىء} وقوله تعالى: {ولم يكن لـه كفوا أحد} وبالقضية العقلية وهي أنه لو كان متصفا بصفة من أوصاف البشر لكان يجوز عليه ما يجوز على البشر من حدوث وفناء وتطور أي تنقل من حال إلى حال وتغير من حالة القوة إلى الضعف أو من صفة الحياة إلى الموت ومن جاز عليه ذلك فلا يصلح أن يكون مُكونِـًا للحادثات التي تختلف عليه الصفات. فيُعلم من ذلك أنه لا يجوز وصف الله تعالى بالجسم لأن الجسم قابل للزيادة والنقصان كما قال تعالى: {وزاده بسطة في العلم والجسم} فمن جَوَّزَ عليه الجسمية جَوَّزَ عليـه الزيـادة والنقصان، فقد قال الإمام أبو الحسن الأشعري إمام أهل السنة والجماعة في كتابه النوادر: من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه وأنه كافر به.اهـ
ليعلم أيضا أن الله تبارك وتعالى ليس بجوهر يتحيز أي يشغل حيِّزا بل يتعالى ويتقدس عن مناسبة الحيّز أي المكان وتقرير البرهان أن كل جوهر مُتحيّزٌ فهو مختص بحيِّزه ولا يخلو من أن يكون ساكنا فيه أو متحركا عنه فلا يخلو عن الحركة والسكون وهما حادثتان وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، ولو تُصُوِّرَ جوهرٌ مُتحيِّزٌ قديمٌ لكان يُعقلُ قِدَمُ جواهر العالـم وهو باطل، ولم يَـرِد إطلاق لفظ الجوهر على الله لا لغة ولا شرعا وفي إطلاقه إيهامٌ، تعالى الله عن أن يتـطرَّقَ إليه نقصٌ، فإن الجوهر يُطلقُ على الجزء الذي لا يتجزأ وهو أصغر الأشياء مقدارا ، وليس تعالى جسما مؤلفا من جوهرين أو أكثر وإذا بطل كونه جوهرا مخصوصا متحيزا بطل كونه جسما لأن كل جسم مختص بحيز ومركب من جوهر والجوهر يستحيل خلوه عن الاجتماع والإفتراق والحركة والسكون والهيئة والمقدار وهذه سمات الحدوث ولو جاز أن يُعتقد أن صانع العالم جسم لجاز أن يُعتقدَ الألوهية للشمس والقمر أو لشىء ءاخر من أقسام الأجسام وكذلك يستحيل عليه تعالى أن يكون عَرَضا أي ما يقوم بالجسم كقيام بياض الجسم بالجسم فكل جسم حادث وما يقوم بالجسم حادث فكيف يكون حالاًّ في الجسم وقد كان موجودا في الأزل وحده ولم يكن معه غيره ثم أحدث الأجسام والأعراض.
وقال سيدي وقرة عيني الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه ونفعنا به في الصحيفة السجادية: سبحانك أنت الله لا إله إلا أنت لا يحويك مكان ولا تُـحسُّ ولا تُمـسُّ ولا تُـجَسُّ.اهـ رواه الحافظ الزبيدي في كتاب إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين
وقد قال الإمام علي السغدي الحنفي: “مَن سمى الله عِلَّةً أو سببا فقد كفر” ولا يخفى على ذي لب أن تسمية سيد قطب لله تعالى بهذه الصفات الحادثة المخلوقة أنه إلحاد كما قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يُلحدون في أسمائه}
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website