أبو الأعلى المودودي
أسس ما يسمى بــ “الجماعة الإسلامية”
وسبّب التفرقة بين المسلمين
مع قرب انتهاء القرن العشرين الذي كان حافلاً بالأحداث والمتغيرات العالمية، وبروز جماعات وتنظيمات كثيرة باسم الدين، وأسماء رجال شهروا بالتأليف والكتابة أو بالحركة والنشاط فاعتبروا عن غير جه حق رواد اصلاح وقادة للصحوة الإسلامية، نرى أنه من المناسب جدًا أن نسلط الضوء على وقائع وحقائق تخفى على الكثير من الناس.
إن العبرة عند الله باتباع الشرع وليس بكثرة الألقاب والاشتهار في وسائل الإعلام والتنطح في المنتديات والمؤتمرات مع التستر زورًا بستار الصلاح.
وقد ارتأينا أن نبدأ باختيار شخصية نالت شهرة كبرى تركت غير علامة استفهام وتعجب، إنها شخصية أبي الأعلى المودودي مؤسس ما يسمى بــ “الجماعة الإسلامية” في الهند والذي يلتقي في كثير من أفكاره مع سيد قطب زعيم الحزب المسمى بحزب “الإخوة المسلمين”. وكلا الرجلين يشكل رمزًا ومرجعية عند أهل التطرف في هذا العصر، وتعد كتبهما دستورًا عند هؤلاء لا يستحون من الجهر به والتفاخر باتباعه.
عام 1951 اجتمع العلماء في دلهي بالهند واعلنوا براءتهم من المودودي وحزبه.
بدأ اسم أبي الأعلى المودودي بالبروز شيئًا فشيئًا في خضم ما كان يجري في بلاد الهند ويتحرك تحت الرماد وفوقه بسبب الاحتلال البريطاني، وما كان يثور في نفوس أهل تلك البلاد من نوازع الرغبة للتحرير والاستقلال، وفي نفوس المسلمين خصوصًا من شوق لإقامة الخلافة الإسلامية والحكومة الصالحة.
استغلال المودودي للظروف السياسية.
لقد نظر أبو الأعلى المودودي إلى مجريات الأحداث وطبيعتها في ذاك الوقت فوجد ان الفرصة مؤاتية له لإظهار أفكاره ونشرها في صفوف الناس ونفوسهم فبدأ بالتأليف والكتابة حتى غدا صاحب تآليف ومقالات شرقت وغربت وسارت بها الركبان إلى الأنحاء وتغلغلت في بلاد العرب، وتعلق بها بعض العباد خاصة أن الأسلوب الذي اعتمد في مؤلفاته كان أسلوبًا جذابًا وأنه أطلق شعارات عديدة كان يشعر أهل الهند في تلك الفترة بالحاجة لتطبيقها للخلاص من الاحتلال البريطاني وممارساته. ولم يكتف المودودي أنه أدلى بدلوه في الحق السياسي بل خاض في غمار تفسير القرءان الكريم وهو ليس من أهله، وفي علوم لا رسوخ له فيها ولا أهلية لديه للخوض في تفاصيلها.
لقد كان الحري بالمودودي أن يبذل الجهد في توحيد كلمة المسلمين في تلك البلاد وإيقاظهم من الغفوة بدل أن يزعجهم في عقائدهم وأذواقهم، ويكون عاملاً كبيرًا من عوامل التشتت والافتراء. ولو أنه اكتفى بالشأن السياسي فعمل فيه مصلحًا ومحركًا نحو الأفضل لكان أمرًا حسنًا فإن لقلمه السيال ومقدرته في التعبير والكتابة باللغة الأوردوية تأثيرًا في النفوس وأخذًا بمجامع القلوب، إلا أنه وللأسف الشديد تعرض في تآليفه لأمور في العقيدة فشذ عن الصواب.
وتناول بالنقد المسيء السلف الصالح والخلف رضوان الله عليهم من مفسرين ومحدثين وفقهاء ومتكلمين وغيرهم.
أين الدرس المودودي؟
ويناسب هنا أن نذكر أن المودودي وصل في التعليم المدني إلى الثانوية، وتلقى في بيته بعض مبادىء الكتب العربية ثم دخل في “حيدر ءاباد” معهدًا لتعليم العلوم الدينية مع شىء من التعليم المدني. وقد اضطره موت والده إلى تحصيل أمور المعيشة في شبابه قبل إكمال الدراسة. وقد تعرف المودودي إلى كاتب بارع في اللغة الأوردوية هو “نياز فتحبوري” وكان معروفًا باستهزائه بالدين، وقد تأثر به المودودي تأثرًا كبيرًا. يقول المودودي في هذا كلامًا بالأوردوية هذا نص ترجمته الى العربية:
“قد اثبتت التجارب في عام ونصف أن قضاء الحياة بعزة لا بد لها أن يستقل المرء بكسب لمعاشه مستغنيًا عن الناس، وأن يجتهد لحياة طيبة. وإن ملكة الإنشاد والمقدرة على التعبير كانت مودعة في طبيعتي، وقد قويت هذه الملكة بالمطالعات، وقد حصلت لي الصلة والصداقة بالأستاذ “نياز فتحبورى” وصحبته قد حثت عزمي ورغبتي، ونظرًا إلى أمثال هذه الأسباب قمت بأمر فصل نهائي بأن أجعل تلك الملكة الإنشائية القلمية وسيلة لمعيشتي”.
وبهذا يكشف المودودي عن خطة عمله للمستقبل وهي ما باشر به فعلاً حين عمل مع أخيه أبي الخير المودودي في تحرير جريدة “مدينة” في “بجنور” إلا أن ظروفًا سياسيه دفعته لتركها فاتصل بإدارة “انجمن اعانت نظر بندان إسلام” وإدارة جريدة “تاج” الأسبوعية التي كتب فيها إلى أن أصدرت الجمعية المعروفة باسم “جمعية علماء الهند” جريدتها.
يقول المودودي في هذا: “من سنة 1916 إلى 1921 قد ضاقت بي الأرض واضطررت إلى جولات في البلاد، وإلى رحلات في الأقطار وكنت في غاية الأسف على أن لم أنتهز فرصة لإكمال الدراسة ولم أكن أقدر على إزالة هذه البلايا، إلى أن أقمت بدلهي (دلهي) أشتغل بالكتابات في جريدة “الجمعية” التي تصدر تحت إشراف “جمعية العلماء في الهند” وكنت أختلس فرصًا لإكمال دراستي وتعلم الكتب المختلفة في الأدب والمنطق والحديث والتفسير”.
ثم يرجع المودودي إلى “حيدر ءاباد دكن” وتشتد فيه الرغبة في الاستقلال إلى أن أصدر جريدة شهرية تحت اسم “ترجمان القرءان” سنة 1352هــ – 1933م. ثم أسس ما أسمي بـ “دار الإسلام” بمساعدة رفقائه الأربعة: أبو الحسن الندوي، محمد منظور النعماني، أمين أحسن الإصلاحي، ومسعود عالم الندوي وكان ذلك عام 1357هــ – 1938 بمعونة بعض الأثرياء في “بتهان كوت”.
تأسيس ما يسمى “الجماعة الإسلامية“
وفي عام 1360 هــ – 1941م أسس المودودي حزبًا تحت اسم “الجماعة الإسلامية” (أو “جماعت إسلامي” باللغة الأوردوية” وصار يكثر من نشر المقالات يساعده قلمه السيال وأسلوبه فأعجب به بعض الناس وأثنى عليه بعض المشايخ ومنهم مشايخ مشهورون مما جعل كثيرًا من النساء ينكبون على مقالاته وتآليفه ويعتقدون فيه الفضل، ولكن سرعان ما تنبه أهل العلم والفهم والدراية الى مغامز من ثنايا تحريراته ومقالاته وإلى شذوذ ءارائه وأفكاره، وتفرس أصحاب القلوب الزكية والأفكار النقية إلى عواقب خطرة فيما يقوله ويجتهد له بالتدابير.
المودودي يزعم أن ما جاء عن النبي حول المسيح الدجال كان من باب الرأي والقياس!!
دستور المودودي وحزبه باب واسع للتحريف والتبديل تحت شعارات ودعاوى متعددة.
ثم إن أبا الأعلى المودودي أسس في عام 1941م حزبًا تحت اسم “الجماعة الإسلامية” وأخذ يكثر من نشر مقالاته فأعجب به بعض الناس ولكن سرعان ما تنبه أهل العلم والفهم والدراية إلى اعوجاج أفكاره وشذوذ ءارائه.
وكان أول من قام بالرد على كتاباته الشيخ مناظر أحسن الكيلاني فكتب مقالةً ردًا عليه في جريدة “صدق جديد” التي تصدر بإشراف عبد الماجد دريابادي، ثم ردَّ عليه صاحب جريدة “الصدق” نفسه، ثم الشيخ سليمان الندوي والشيخ سيد أحمد المدني.
المودودي والعلوم الشرعية والعربية
إن الناظر في سيرة أبي الأعلى المودودي ونشأته يجد أنه لم ينل حظًا وافرًا من العلوم الشرعية ولم يتلقها من أهلها، ولم يتقن علوم العربية إنما جلّ أمره أنه درس شيئًا من المبادىء وتقدم إلى البروز والشهرة بدافع من دهاء وقدرة على التعبير عما بنفسه باللغة الأوردوية، كما أنه لم يكن يجيد اللغة الإنكليزية كتابة وقراءة وخطابة، وكل ما ترجم له من تآليف إنما هو ترجمة من الآخرين.
أما اللغة العربية فكان المودودي بعيدًا منها لا يجيدها كتابة وقراءة وخطابة، وما ظهر من تآليفه إن هو إلا مترجم من الأردوية بقلم الشيخ مسعود عالم الندوي وتلاميذه، وكذلك رسائل المودودي بالعربية من هذا القبيل وإن كان مكتوبًا عليها “تأليف المودودي” دعاية وادعاءً.
ماذا عن كتب المودودي؟؟
أما مؤلفات المودودي التي كتبها بالأوردوية فإنها تجعل قارئها المنصف المتدبر غير شاك في أن المودودي قد أرداه قلمه وأوقعه وتفكيره في مزالق ومهاوٍ سحيقة.
لقد ظن بعض الناس أن شخصية المودودي شخصية فذة لا تبارى ولا تجارى، وتعلقوا به ظنًا منهم أن الداعية الإسلامي الكبير. ولو علم كثير من الناس بما في كتبه بالأوردوية من الطامات والشطط والطعن بالصحابة، ومنهم الخليفة الراشد عثمان بن عفان، والتحريف في أحكام الشريعة وتفسير ءايات كتاب الله، والازدراء بالسلف الصالح لمقتته نفوسهم ولأعرضوا عنه ونبذوه.
لقد ظن الناس بأبي الأعلى المودودي من خلال إيهاماته وتصرفاته وأقواله كأنه الرجل الوحيد في باكستان الذي يدعو إلى أحياء الدين، ويسعى لإقامة الحكومة الصالحة، والرجل المظلوم في تلك البلاد الذي قاسى وعانى من أجل الدين !! وخاصة أن ما قرأه هؤلاء الناس هو ما ترجم من كتب المودودي، ولم يطلعوا على ما في كتبه غير المترجمة من طامات وغرائب.
يقول أبو الأعلى المودودي في كتابه المسمى “مصطلحات القرءان الأربعة الأساسية” (قرءان كي جهار بنيادي اصطلاحي) في الصحيفة 156: “إن الله سبحانه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في سورة النصر بأن يستغفر ربه عما صدر منه في أداء الفرائض (أي فرائض النبوة) من تقصيرات ونقائص” ا.هـ.
وهذا اتهام صريح من المودودي بأن النبي على زعمه كان مذنبًا ومقصرًا في أداء ما افترض الله عليه من تبليغ. والمعلوم شرعًا أن الاستغفار لا يكون دائمًا عن سابق ذنب، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الاستغفار وليس معنى استغفاره أنه كثير الذنوب بل هو الطاهر المطهر. ثم كيف يتجرأ المودودي على اتهام النبي بالتقصير في أداء مقتضيات النبوة ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وادى الأمانة ونصح الأمة وبلّغ عن الله ما أمره به الله دون زيادة او نقصان، وهذا أمر أجمعت عليه الأمة المحمدية غير أن المودودي في قلبه زيغ أبرزه قلمه في متون كتبه، وفي نفسه هدف يريد أن يصل إليه.
* يقول المودودي ما ملخصه: “إن أصول الإسلام قسمان، قسم لا يدخله التغير ولا التعديل كالتوحيد والرسالة وقسم يدخله التغير إذا ما اقتضته المصالح” ويمثل المودودي ذلك بقوله: “إن الله سبحانه وتعالى يقول: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وهذا أصل من أصول الدين، العدل بين الأفراد والشعوب، والقضاء على كل تفرقة عنصرية من النسب والقبيلة، والكرم والتفاضل بالتقوى بيّنه الله تعالى وعمل به سيدنا الرسول عليه صلوات الله وسلامه، أعلنه الرسول غير مرة، وعمل به حيث ولّى العبيد والموالي مناصب من الإمارة، واجتهد لإقامة هذا النظام ولكن سرعان ما ترك هذه القاعدة الأساسية لما حان إقامة نظام المملكة وقال (أي الرسول) الأئمة من قريش” ا.هـــ.
هذا ترجمة عبارته التي ذكرها محمد أشرف في مجلته “المنبر” في الحادي والعشرين من كانون الثاني (يناير) 1958 حينما أطال النقد على هذه الفكرة، أي فكرة زعم المودودي أن النبي ترك العمل بقاعدة العدل بين الناس وقاعدة أن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
ويقول المودودي: “إن العرب ما كانت تتحمل أن يكون خلافة ورئاسة لعجمي، بل ما كانت تتحمل ان يسلط عليها غير القرشي فترك الرسول العمل بما أفاده القرءان من أصل أساسي في المساواة، ومنع أصحابه عن ذلك لأجل إقامة الدين”. إلى ءاخر ما قاله المودودي تحت عنوان “موقف الجماعة الإسلامية” وقد استمسك المودودي بهذه الفكرة المستحدثة المقررة في نظام حزبه المسمى “الجماعة الإسلامية” التي أدرجت تحت عنوان “الحكمة العملية” حينما كانت الانتخابات والترشيحات للمجلس النيابي ورئاسة الدولة في الباكستان، وقام المودودي وجماعته بتأييد فاطمة جناح بكل حول وطول فاعترضه العلماء والشعب، ودارت نقاشات واسعة في الصحف والمجلات والمؤتمرات والمحافل، وشغب كبير وأخذ ورد.
ثم استقال سنده ونصيره أمين أحسن الإصلاحي من منصبه في الجماعة سنة 1957، وأمين هذا كان اتبع للمودودي من ظله إلا أنه لم يستطع أن يبقى معه بعد هذا ففارقه في حسرة وندامة بأنه أضاع قوته وبراعته وهمته مع هذا الرجل الزائغ.
* ويقول المودودي في كتاب “مرءاة الجماعة وأعمالها”: “إن المقصد الحقيقي من الدين هو الإمارة الصالحة”. ثم يقول: “وليس هناك أي عمل موصل الى رضائه تعالى بعد الغفلة عن هذا الغرض”. ويقول: “وحصول هذا لا الغرض يتوقف على قوة اجتماعية فمن أخل بها ارتكب جريمة لا يمحوها الإقرار بالتوحيد وإقامة الصلاة.
وهكذا نجد كيف أن المودودي في غير موضع وغير كتاب يدور ويحور بأساليب شتى حول فكرته القائلة بان الغرض من الدين هذه الأمور السياسية ونظام الحكم، وبذلك يريد أن يصرف كل الهمم والجهود للاشتغال بالسياسة، وعلى طريقته طبعًا. وبعبارة أخرى إن المودودي يريد للناس جميعهم أن يكونوا على طريقته في التفكير وان يكونوا منشغلين عن أمور عبادتهم وتعلم أحكام الدين.
وهنا يحضرني ما قاله سيد قطب زعيم حزب الإخوان ورفيق فكر أبو الأعلى المودودي في كتابه المسمى في ظلال القرءان عند شرح سورة الأعراف ما نصه: “والذين يظنون أنهم مسلمون بينما هم خاضعون لشريعة من صنع البشر، أي لربوبية غير ربوبية الله، واهمون إذا ظنوا لحظة واحدة أنهم مسلمون. إنهم لا يكونون في دين الله لحظة واحدة وحاكمهم غير الله وقانونهم غير شريعة الله، إنما هم في دين حاكمهم ذاك، في دين الملك، لا في دين الله” ا.هـ.
إن وجه التشابه بين كلام سيد قطب هذا وبين كلام أبي الأعلى المودودي المذكور ءانفًا والذي يدعي فيه أن من أخل بالسعي للحصول على الإمارة الصالحة قد ارتكب جريمة لا يمحوها الإقرار بالتوحيد وإقامة الصلاة !!!
ومثل هذا ما قاله سيد قطب في كتابه “في ظلال القرءان” (المجلد الرابع ص 2012 – طبعة جار الشروق) ما نصه: “وخير للذين ينشدون الراحة والسلامة أن يشتغلوا بالأدب أو بالفن أو بالتجارة، اما الاشتغال بالفقه الآن على ذلك النحو بوصفه عملاً للإسلام في هذه الفترة فأحسب، والله أعلم، أنه مضيعة للعمر وللأجر أيضًا”.
وهذا القول هو من طامات سيد قطب وتحريفاته، وبهذا يلتقي أبو الأعلى المودودي وسيد قطب في خط واحد هو خط سوء الظن بالمسلمين وتحريف أحكام الدين وإطلاق أحكام التكفير بلا هوادة ولا طائل.
تفسير “الدين” عند المودودي:
في كتابه “سياسي كشكش” في الجزء الثالث صحيفة 93 مفسرًا قوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} يقول أبو الأعلى المودودي: “المراد من الهدى في الآية أن يعيش المرء في الدنيا في نظام صالح للفرد والعشرية والبيئة والمعاش وتدبير الملك والحكمة العملية في السياسة والعلاقات العالمية الدولية .. هذا هو الهدى الذي أرسل الله رسوله به” ثم يتابع المودودي فيقول “والمراد من الدين معناه قريب مما يعبر به اليوم بـ “استيت” (State ) بأن يدين الناس للسلطة العليا”. ا.هــ.
إن من المعلوم أن الدين يشتمل على العقائد والعبادات والحكام التكليفية والأخلاق الراقية” قال الله تعالى: {ورضيت لكم الإسلام دينا} وقال أيضًا: {إن الدين عند الله الإسلام} . أما ما يتعلق بالمسائل السياسية بمختلف وجوهها فتدخل تحت عنوان “السياسة الشرعية” التي هي من الدين وليست الدين كله، في حين أن المودودي يزعم أن المراد من الدين قريب مما يعبر به اليوم بكلمة State أي الدولة، فمن أين له هذا التفسير؟!!
إن هذا يدل على أن المودودي كان داهية يسعى للسلطة باسم الدين من خلال صرف معاني القرءان الكريم عن حقيقتها، وبالتالي صرف اذهان الناس الى شؤون السياسة وكأنها الدين كله.
قال المودودي في المسيح الدجال:
يقول أبو العلى المودودي في “رسائل مسائل” صحيفة 57 طبعة سنة 1351هــ: “كان رسول الله يظن خروج الدجال في عهده أو قريبًا من عهده ولكن مضت على هذا الظن ألف وثلاثمائة وخمسون سنة، قرون طويلة ولم يخرج الدجال فثبت أن ما ظنه صلى الله عليه وسلم لم يكن صحيحًا” ويقول المودودي: “كل ما روي في أحاديثه صلى الله عليه وسلم ثبت أن كل ذلك كان رأيًا وقياسًا منه، وكان في ريبة من أمره، فتارة ظن أنه يخرج من خراسان، وتارة يخرج من أصبهان، ومرة أنه يخرج من بين الشام والعراق، وأخرى ظن ربما يكون هو ابن الصياد بالمدينة” ا.هــ.
إن كلام المودودي هذا واضح الدلالة على ميله إلى التشكيك بالنبي صلى الله عليه وسلم وتشبيهه بالرجل الحائر المتردد المتخبط في كلامه، ويكفي المودودي جهلاً أنه أنكر ثبوت أحاديث خروج الدجال وهي أحاديث متواترة بلغت القطع واليقين، ومن ذلك ما أخرجه البخاري. في صحيحه من حديث ابن عمر في عدة مواضع وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال وأسهب في ذكره وقال “ما بعث الله من نبي إلا وأنذر أمته، أنذره نوح والنبيون من بعده، وانه يخرج فيكم، فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم ان ربكم ليس بأعور، وأنه (أي المسيح الدجال) أعور العين اليمنى كان عينه عنبة طافية” إلى ءاخر الحديث، فبعد هذا الثبوت لا يستحي أبو العلى المودودي من الكذب وزعم أن هذا كان مجرد رأي وقياس من النبي صلى الله عليه وسلم مع أن الله سبحانه وتعالى يقول في حق نبيه المصطفى {ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} . ثم إن خروج المسيح الدجال من جملة ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة وليس مضي القرون ومرورها دون ظهور المسيح الدجال دليلاً على عدم صحة احاديث خروجه. فلا بد أن يأتي وقت يتحقق فيه ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا مسئلة قيام الساعة حيث مضت قرون ولم تقم القيامة بعد، ولكن لا بد أن تقوم كما أخبر القرءان الكريم بذلك.
ما هو دستور المودودي وجماعته المسماة “الجماعة الإسلامية”:
إن المتأمل في قانون ودستور الحزب المسمى بـ “الجماعة الإسلامية” الذي أسسه المودودي 1941م يجد توسعًا في دائرة النقد الذي أراد منه المودودي أن يفتح الباب لنفسه ولجماعته من بعده للتحريف والتبديل تحت دعوى التجديد والاجتهاد تارة، ودعوى العمل بمقتضى المصالح وتفسير الأزمان والأحوال.
وهذا الدستور مرءاة لما في نفوسهم، وأساس لأعمالهم، ومعتمدهم في كتاباتهم ومؤلفاتهم.
وتصل الجرأة بالمودودي إلى حد القول انه يكفي لفهم القرءان الله والعقل وإن الأحاديث وصلت من رجال الى رجال ومن رواة الى رواة تلاعبت بهم الآراء والافكار والنزعات ولا يطمأن اليهم ولا إلى جرحهم ولا تعديلهم !! وينكر المودودي وجود المساوات على ما يفهمه المسلمون، ويدعي أن بنات الكفار وبنات المسلمين اللاتي لم يستحققن دخول الجنة يكون حورًا عينا تخدم أهل الجنة، ويزعم أن حديث أنس في الصحيح في بيان ما اعطي النبي من القوة غلط، الى ما هنالك من مزاعم وادعاءات ما أنزل الله بها من سلطان حتى إن بعض التابعين لفكر المودودي يرون أنه كان يجعل الدين الإسلامي كحركة من الحركات وكأنه ليس الدين السماوي الذي أمرنا الله باتباعه بل قام به الرسول كما يجتمع الرجال لإنشاء جماعة أو حركة.
وفي ختام الحلقات الثلاث التي قدمناها نرغب بذكر القرار الذي اتخذه كبار علماء ومشايخ الهند في حق أبي الأعلى المودودي وجماعته ودستورها يوم السابع والعشرين من شوال سنة 1370هـــ الموافق للأول من ءاب “أغسطس” سنة 1951م في مدينة دلهي في مكتب “جمعية العلماء”، وهذا نص القرار مترجمًا إلى العربية:
“إن مطالعة تأليف المودودي وحزبه تجعل الناس في حرية من اتباع أئمة الدين وأن لا يبقى لهم صلة بهم، وهذا مما يهلك العامة ويضلهم ضلالاً، ووسيلة لانتقاص صلة المسلمين بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالحين.
وإن كثيرًا من تحقيقاته وأفكاره الخاطئة إذا اتخذها الناس تكون وسيلة لفقه جديد، وإحداث في الدين، وبدعة في الإسلام باليقين، وهذا في غاية الضرر في الدين، ونحن نقول بكل صراحة إن كل حركة تحوي أمورًا مثل هذه خطأ يضر المسلمين، ونعلن براءتنا من هذه الجماعة ومن هذه الحركة”.
وبعد هذا البيان الذي أردت من خلاله إطلاع القارىء على بعض فكر أبي الأعلى المودودي أقول إن المطلوب التمحيص والتدقيق، وأن لا يغتر الناس بمجرد الأسماء الطنانة الرنانة والشعارات البراقة.
لقد استطاع المودودي أن يشكل حركة إيهام كبيرة وعامل إضعاف للصف الإسلامي ما زالت بلاد الهند والباكستان تعاني منه حتى يومنا هذا.
وزيارة واحدة الى تلك البلاد تكفي ليعلم المنصف ان المودودي سبب في حياته، وما زال بعد مماته، فتنة تعد من أكبر الفتن التي عصفت بالمسلمين واوهنت جسدهم وأضعفت صفهم، فنسأل الله أن يرفع عنا هذه الفتنة وأن يسدد خطانا إلى الخير ويرحمنا برحمته الواسعة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website