مسائل مهمة من كلام الشيخ ابي الحسن الأشعري
روى الحافظ ابن عساكر في تبيين كذب المفتري في الذب عن الإمام أبي الحسن الأشعري بالإسناد المتصل عن أبي إسحق إبراهيم بن محمد الإسفرايني الفقيه الأصولي أنه قال كنت في جنب الشيخ أبي الحسن الباهلي كقطرة في البحر، سمعت الشيخ أبا الحسن الباهلي قال كنت أنا في جنب الشيخ الأشعري كقطرة في جنب البحر.اهـ.
وفيه أيضًا أن القاضي لسان الأمة أبا بكر بن الطيب قيل له كلامك أفضل وأبين من كلام أبي الحسن الأشعري رحمه الله فقال والله إن أفضل أحوالي أن أفهم كلام أبي الحسن رحمه الله.اهـ.
ومن كلامه ما قاله رضي الله عنه في كتابه اللمع في الباب الأول، باب الكلام في وجود الصانع وصفاته تحت عنوان: مسألة، الدليل على أن للخلق صانعًا، ما نصه:
إن سأل سائل فقال: ما الدليل على أن للخلق صانعًا صنعه ومدبرًا دبّره؟ قيل الدليل على ذلك أن الإنسان الذي هو في غاية الكمال والتمام كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم لحمًا وعظمًا ودمًا، وقد علمنا أنه لم ينقل نفسه من حال إلى حال لأننا نراه في حال كمال قوته وتمام عقله لا يقدر أن يحدث لنفسه سمعًا ولا بصرًا ولا أن يخلق لنفسه جارحة، يدل ذلك على أنه في حال ضعفه ونقصانه عن فعل ذلك أعجز لأن ما قدر عليه في حال النقصان فهو في حال الكمال عليه أقدر وما عجز عنه في حال الكمال فهو في حال النقصان عنه أعجز، ورأيناه طفلاً ثم شابــًا ثم كهلاً ثم شيخًا وقد علمنا أنه لم ينقل نفسه من حال الشباب إلى حال الكبــر والهرم لأن الإنسان لو جهد أن يزيل عن نفسه الكبر والهرم ويردها إلى حال الشباب لم يمكنه ذلك، فدلّ ما وصفنا على أنه ليس هو الذي ينقل نفسه في هذه الأحوال وأن له ناقلاً نقله من حال إلى حال ودبّره على ما هو عليه لأنه لا يجوز انتقاله من حال إلى حال بغير ناقل ولا مدبّر.
مما يبيّن ذلك أن القطن لا يجوز أن يتحوّل غزلاً مفتولا ثم ثوبًا منسوجًا بغير ناسج ولا صانع ولا مدبـّر ومن اتخذ قطنــًا ثم انتظر أن يصير غزلاً مفتولاً ثم ثوبـًا منسوجـاً بغير صانع ولا ناسج كان عن المعقول خارجـًا وفي الجهل والجـــًا، وكذلك من قصد إلى بريّة لم يجد فيها قصرًا مبنيًا فانتظر أن يتحوّل الطين إلى حالة الآجرّ وينتضد بعضه على بعض بغير صانع ولا بانٍ كان جاهلاً.
وإذا كان تحوّل النطفة علقة ثم مضغة ثم لحمـًا ودمـًا وعظمـًا أعظم في الأعجوبة كان أولى أن يدل على صانع صنع النطفة ونقلها من حال إلى حال، وقد قال الله تعالى أفرأيتم ما تمنون ءأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون، فما استطاعوا أن يقولوا بحجة إنهم يخلقون ما يمنون، مع تمنّيهم الولد فلا يكون ومع كراهتهم له فيكون، وقد قال الله تعالى منبّهًا لخلقه على وحدانيته وفي أنفسكم أفلا تبصرون، يبيّن لهم عجزهم وفقرهم إلى صانع صنعهم ومدبّر دبّرهم.
فإن قالوا فما يؤمنكم أن تكون النطفة لم تزل قديمة؟ قيل لهم لو كان ذلك كما ادعيتم لم يجز أن يلحقها الاعتمال والتأثير ولا الانقلاب والتغيير لأن القديم لا يجوز انتقاله وتغيره وأن يجريَ عليه سمات الحدث لأن ما جرى ذلك عليه لم ينفكّ من سمات الحدث، وما لم يسبق المحدَث كان محدَثــًا مصنوعـًا فبطل بذلك قدم النطفة وغيرها من الأجسام.اهـ.
ثم قال رضي الله عنه تحت عنوان “مسألة: ليس كمثله شيء” ما نصه:
فإن قال قائل لم زعمتم أن البارئ سبحانه لا يشبه المخلوقات؟ قيل لأنه لو أشبهها لكان حكمه في الحدث حكمها ولو أشبهها لم يخلُ من أن يشبهها من كل الجهات أو من بعضها، فلو أشبهها من جميع الجهات كان محدَثــًا مثلها من جميع الجهات، وإن أشبهها من بعضها كان محدَثــًا من حيث أشبهها، ويستحيل أن يكون المحدَث لم يزل قديمـًا وقد قال الله تعالى ليس كمثله شىء ” وقال تعالى ولم يكن له كفوًا أحد. اهـ.
ثم قال رضي الله عنه تحت عنوان “مسألة: صانع الأشياء واحد” ما نصه:
فإن قال قائل لم قلتم إن صانع الأشياء واحد؟ قيل له لأن الاثنين لا يجري تدبيرهما على نظام ولا يتسق على إحكام ولا بد أن يلحقهما العجز أو واحدًا منهما لأن أحدهما إذا أراد أن يحييَ إنسانًا وأراد الآخر أن يميته لم يخلُ أن يتمّ مرادهما جميعًا أو لا يتمّ مرادهما أو يتمّ مراد أحدهما دون الآخر، ويستحيل أن يتمّ مرادهما جميعًا لأنه يستحيل أن يكون الجسم حيًّـا ميتــًا في حال واحدة، وإن لم يتمّ مرادهما جميعًا وجب عجزهما والعاجز لا يكون إلهــًا ولا قديمًا، وإن تمّ مراد أحدهما دون الآخر وجب عجز من لم يتمّ مراده منهما والعاجز لا يكون إلهــًا ولا قديمًا، فدلّ ما قلناه على أن صانع الأشياء واحدٌ وقد قال تعالى لو كان فيهما ءالهةٌ إلا الله لفسدتا، فهذا معنى احتجاجنا آنفًا.اهـ.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website