تحتج المجسمة بما وجدوه من كلام في أول رسالة ابن أبي زيد القيرواني ظاهره يفيد
إثبات المكان و الجهة لله. وإليكم شروح بعض العلماء لقوله:” فوق عرشه المجيد بذاته
كتاب ” كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن ابي زيد القيرواني ” لمؤلفه ابي الحسن علي بن محمد بن محمد بن محمد بن خلف المنوفي المصري المتوفى سنة 939 هجرية يقول :
{ اُخِذ عليه في قوله ” بذاته ” لأن هذه اللفظة لم يرد بها السمع ،
وأحسن ما قيل في دفع الاشكال ان الكلام يتضح ببيان معنى الفوقية والعرش و المجيد والذات ، فالفوقية عبارة عن كون الشىء أعلى من غيره ، وهي حقيقة في الأجرام كقولنا زيد فوق السطح ، مجازاً في المعاني كقولنا السيد فوق عبده ، وفوقية الله على عرشه فوقية معنوية بمعنى الشرف وهي بمعنى الحكم والملك فترجع الى معنى القهر … }
الى ان قال الشارح ابو الحسن { و” المجيد ” يقال بالخفض صفة للعرش وبالرفع خبر مبتدأ مضمر تقديره ” وهو المجيد ” اي العظيم في ذاته ، وذات الشىء حقيقته والضمير في ” بذاته ” يجوز ان يعود على العرش على ان تكون الباء بمعنى في كقولك : اقمت بمكة اي فيها فكأنه قال العرش المجيد اي العظيم في ذاته ، ويجوز ان يعود على الله تعالى فيكون المعنى ان هذه الفوقية المعنوية له تعالى بالذات لا بالغير من كثرة اموال وفخامة اجناد وغير ذلك .}
ولمزيد الفائدة انقل ما ورد في حاشية الشيخ العدوي المالكي على شرح ابي الحسن المنوفي هذا فيقول :
{ قوله – اي ابي الحسن -” اُخِذ عليه ” : اي اعتُرِض عليه في قوله – اي ابن ابي زيد – “بذاته” ، واما قوله فوق عرشه المجيد فلم يؤخذ عليه فيه لأنه ورد الشرعُ باطلاق الفوقية كقوله تعالى ” يخافون ربهم من فوقهم ” فالمراد اطلاق الفوقية من حيث هي لا بخصوص الاضافة للعرش فيجوز قول القائل فوق سمواته او فوق عرشه ويحمل على فوقية الشرف والجلال والسلطنة .}
وفي الصحيفة التي قبلها يقول الشيخ ابو الحسن المنوفي المالكي:
{ قوله – يعني ابن ابي زيد – ” العلي الكبير ” الشرح : قال تعالى ” فالحكم لله العلي الكبير ” ليس علوه سبحانه علو جهة ولا اختصاصا ببقعة }
كتاب شرح الرسالة للشيخ محمد البرنسي الفاسي المعروف بزروق المتوفى
سنة 899 هجرية ،يقول في الصحيفة 28 منه :
{ قوله – اي ابن ابي زيد – ” وانه فوق عرشه المجيد بذاته ” : يريد به فوقية معنوية كما يقال السلطان فوق الوزير والمالك فوق المملوك والشريف فوق الدنيء ، لا انها حسية كالسماء فوق الأرض وما في معناها لانتفاء الجهة في حقه تعالى لما يلزم عليها من النقص والحدوث .. الخ} ثم قال { وبالجملة فاِخراجه عن ظاهره المحال واجب
وعند قول صاحب الرسالة ” العلي الكبير ” قال الشيخ زروق { وعلوه وكبرياؤه بالمزية والمكانة والأوصاف المعنوية لا بالمكان والأوصاف الحسية }.
كتاب شرح الرسالة للعلامة قاسم بن عيسى بن ناجي التنوخي الماكي المتوفى سنة 837 هجرية :
يقول { قال الفاكهاني : وسمعت شيخنا أبا علي البجائي يقول أنّ هذه اللفظة – يعني ” بذاته ” – دُست على المؤلف رضي الله عنه فاِن صح هذا فلا اعتراض عليه }
}
الى ان قال { فأِذا تقرر هذا فحمل الفوق على الحس معلوم الاِستحالة بالدليل اليقيني لتقدسه سبحانه عن الجواهر والأجسام ومعلوم ذلك من خلال سياق كلام المؤلف رحمه الله بحيث لا يوهم أنه أراد الحس فهو تعالى فوق العرش فوقية معنى وجلال وعظمة }
الى ان قال { وعلو الله ومجده ليس كعلو غيره بل هو مخالف لكل المخلوقات مخالفة مطلقة فمجده تعالى وعظمته وعلياؤه حكم واجب له لذاته لا يُشارك فيه وسواء على هذا اِن قلنا ” المجيد ” نعت للعرش ام لا ، فأراد المؤلف رحمه الله تعالى أن يبين أن ذلك العلو والمجد والجلال الذاتي ليس اِلا لله رب العالمين فكأنه قال ” هو العلي المجيد بذاته ليس مستفاداً من غيره
.}
كتاب ” تنوير المقالة في حل الفاظ الرسالة ” للعلامة ابي عبد الله محمد بن ابراهيم بن خليل التتائي المالكي رحمه الله المتوفى سنة 924 هجرية ،
قال التتائي :
{ قال الفاكهاني : ومن يستحيل عليه الجسمية والمكان لا تكون فوقيته اِلا معنوية ، ففوقية الله على عرشه المراد بها فوقية معنوية بمعنى الشرف والجلال والكمال والمكانة لا فوقية أحياز وامكنة ، لاستحالة المكان والجهات عليه ومشابهة المخلوقات وهي – اي الفوقية المعنوية – اما بمعنى الحكم فيرجع الى معنى القهر ، أو بمعنى عدم المماثلة والمخالفة فترجع الى معنى التنزيه } انتهى كلام التتائي .
ولمزيد الفائدة انقل لكم ما قاله في صحيفة 172 اِذ يقول :
{ قوله ” العلي العظيم ” اسمان من أسمائه تعالى دالان صريحاً على على تنزيه الحق وتقديسه عن المكان والجهة ، و- اي ودالان – على ثبوت العلو والعظمة
}.
كتاب ” تقريب المعاني على رسالة ابن ابي زيد القيرواني “لمؤلفه الشيخ عبد
المجيد الشرنوبي الأزهري يقول :
{ قوله ” فوق عرشه ” أي فوقية تشريف وسلطنة فهي فوقية معنوية لا حسية كما في قوله تعالى ” واِنّا فوقهم قاهرون ” ، ولا ينافي هذا قوله ” بذاته ” لأنّ المراد أن هذه الفوقية المعنوية له بالذات لا بالغير من كثرة اموال او فخامة اجناد } .
” الثمر الداني ” لمؤلفه الشيخ عبد السميع الآبي الأزهري يقول في صحيفة 11 :
{ “فوق عرشه ” اي فوقية سلطنة وقهر قال تعالى ” وانّا فوقهم قاهرون ” .}
وفي كتاب بهجة النفوس للشيخ ابن أبي جمرة الأندلسي: وأما ما احتجوا به لمذهبهم الفاسد بقول ابن أبي زيد رحمه الله في العقيدة التي ابتدأ الرسالة بها بقوله وأنه فوق عرشه المجيد بذاته فلا حجة لهم فيه أيضا لأنهم خفضوا المجيد وجعلوه صفة للعرش وافتروا على الإمام بذلك، والوجه فيه رفع المجيد لأنه قد تم الكلام بقوله فوق عرشه والمجيد بذاته كلام مستأنف.
وفي النهاية ، لابد من الرجوع الى العلماء الثقات للتأكد من ما ورد في الكتب ولمعرفة وجوه تأويل العبارات المشكلة – اي ما يُشكِل فهمُها – التي وردت فيها ، هذا اِنْ كانت مما تُأول ، واِلا بأن كانت مما لا تأويل له فنردها على قائلها .
والى هنا ينتهي ما يسر الله لي نقله من التأويلات للعبارة التي وردت في كتاب الرسالة لابن ابي زيد القيرواني من كتب المالكية ،
والخلاصة : ان العلماء المالكية – كما غيرهم من ائمة اهل المذاهب الثلاثة الأخرى – مجمعون على ان الله منزه عن التحيز في مكان او جهة ازلا وابدا وانه لا يجوز حمل الكلام المتشابه على ظاهره مما يفضي الى اعتقاد الحسِّيات والجسم والجسمانيات في حق الله تعالى والعياذ بالله .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
والله اعلم .
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website