الحمد لله ربّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد صاحب الخلق والوجه الحسن , أما بعد :
اعلم أيدك الله بنور البصيرة أن من الملاحدة من يشكك فيما ثبت ثبوتا قطعيا فيقول مثلا: لماذا تقولون بوجود الجنة والنار ونحن لم نرى بأعيننا ولم نلمس بأيدينا الجنة ولا النار, فاثبِتوا لي وجودهما فأنا إنسان عملي, أو قد يقول: أنتم تتكلمون عن عذاب القبر وعن نعيم القبر وأنا لم يثبت لي وجود عذاب في القبر أو نعيم, فإذا فتحت قبرا أرى إنسانا كأنه نائم لا يرى عليه شئ من الاضطرابات إن كان مسلما أو غير مسلم, أو يقول: لماذا تقولون أن شرب الخمرة حرام ؟ فأنا أشرب قليلا من الخمر ولا أسكر ولا أنضر, أويقول: لماذا تقولون أن أكل لحم الخنزير حرام ؟ فإذا وضعناه في درجة حرارة معينة ذهبت البكتيريا التي فيه وانتهى الأمر، أو يقول: لماذا عندكم يجوز للرجل أن يتزوج أربعة من النساء…. ولماذا ولماذا…. الخ، وإذا ذكرنا له الدليل من القرءان أو الحديث فإنه يقول: أنا لا أؤمن بكتابكم ولا أصدق نبيكم, إذاً نحتاج أن نتكلم معه بأدلة عقلية نقطة بعد نقطة حتى نوصله إلى أن يأخذ بالقرءان ويأخذ بالحديث, لأن هذه الأمور نحن عرفناها عن طريق القرءان والحديث وهو لا يؤمن بالقرءان ولا بالحديث، إذاً لابد أن نتبع معه تسلسل بالأدلة العقلية حتى يأخذ بالقرءان والحديث، وهذه النقاط الثمانية فيها تسلسل وتسلسلها مهم جدا, والشخص الذي نكلمه في هذه النقاط لاننتقل معه من نقطة إلى أخرى حتى يسلم بالنقطة التي قبلها، وإلا فإنه ينتقل من محل إلى محل ثم لا يقر بما قلنا.
وهذه النقاط الثمانية استعملت مع هؤلاء الناس فبعضهم تشهد ودخل في دين الإسلام والحمد لله، حتى صار منهم من يعمل بالدعوة إلى دين الله بجد بهذه النقاط, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد في مسنده: ” طوبى لمن هدى إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع ” ومنهم من لم يدخل في دين الإسلام ولكنه ما استطاع أن يقول أن الذي نقوله غلط، بل يقول الذي تقولونه صحيح ولكن أنا لا أريد الدخول في الإسلام, والمهدي هو من هداه الله.
وهذه النقاط الثمانية هي:
1. بيان سبل المعرفة للإنسان
2. إثبات وجود العالم وأن العالم مخلوق أي له بداية له أول
3. إثبات وجود الخالق عقلا وأنه لا يشبه شيئا من المخلوقات
4. إثبات أن الله هو خالق العالم
5. إثبات وجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
6. إثبات أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم نبي رسول
7. إثبات أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق في جميع ما أخبر به وبلغه عن الله تعالى
8. القرءان الكريم
ومحور هذه النقاط الثمانية ذكر الأدلة العقلية على وجود الله تعالى وإثبات أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم نبي.
1- Show the ways of knowledge
2- Proof that the world exists and has a beginning
3- Proof that God exists and He doesn’t resemble any of His creations
4- Proof that God created the world
5- Proof that Muhammad exists
6- Proof that Muhammad is a prophet and a messenger of God
7- The prophet is truthful in all that which he says
8- Al Qur’an
————————————————————————————-
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
النقطة الأولى
- بيان سبل المعرفة للإنسان:
إن هؤلاء الذين يقولون أنتم تقولون يوجد جنة ونارا ونحن ما رأينا بأعيننا ولم نلمس بأيدينا الجنة ولا النار، ولا رأينا عذاب القبر ونعيمه، ولا الملائكة ولا الجان ونحو ذلك, فينكرون هذه الأشياء بحجة أنهم لم يرونها بأعينهم ولم يلمسوها بأيديهم، فهؤلاء أول شئ يقال لهم أن نتفق على الطرق والسُّبل التي يتوصل بها الإنسان إلى المعرفة.
فأول نقطة من النقاط الثمانية هي: بيان سبل المعرفة للإنسان: وأول سبيل معرفة للإنسان هو الحواس السليمة Sound Senses وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس, خمس حواس سليمة واحدة من الطرق التي يتوصل بها الإنسان للمعرفة.
مثال: لو كان شخص بين جماعة في غرفة كيف يعرف أنهم معه في الغرفة ؟ عن طريق أي حاسة ؟ يعرف ذلك عن طريق حاسة البصر، وإذا عرفت أن هذا شيئا ناعما فإنك تعرف ذلك عن طريق حاسة اللمس، والشخص إذا دخل بيته فشم رائحة الطعام فقال الطعام كذا قبل أن يرى الطعام وقبل أن يذوقه، كيف عرف ذلك ؟ عرف بحاسة الشم.
إذاً خمس حواس سليمة هي واحدة من الطرق التي يتوصل بها الإنسان إلى المعرفة، السمع والبصر والشم والذوق واللمس.
ولكن هل هذه هي الطريقة الوحيدة التي يتوصل بها الإنسان للمعرفة ؟ لا، وهذا الذي يقول: أنا لا أصدق إلا إذا رأيت بعيني ولمست بيدي فقد حصر كل الطرق التي يتوصل بها الإنسان للمعرفة بالحواس السليمة فقط وهذا غير صحيح، بدليل أنه لو جاء شخص له ومعه حقيبة فقال له: هل ترى هذه الحقيبة ؟ فإنه يقول: نعم، فقال له: في داخلها فيل وزنه أربعون طنا وارتفاعه أربعون مترا وعرضه سبعة أمتار، فهذا الذي يقول عن نفسه أنه عملي هل يلجأ إلى الحواس السليمة حتى يتأكد من صحة هذا الكلام أو عدمه ! هل يقول له افتح الحقيبة حتى أرى بعيني وألمس بيدي أنه يوجد أو لا يوجد في الحقيبة فيل هذه صفاته ! لا، بل إنه يتبع طريقة ثانية غير الحواس السليمة يتوصل بها إلى هذه الحقيقة وهذه المعرفة، وهو العقل السليم Sound Intellect فالعقل هو سبيل ثان من سبل المعرفة للإنسان، والعقل: صفة راسخة في الإنسان يميز بها القبيح من الحسن.
فلو جاء شخص لجماعة في عَمَّان فقال لهم: صحيح أنكم هنا في عمان ولكن أنتم أيضا بنفس الوقت جالسون في الروشة في بيروت، فهل يقول أحد الجالسين فلنرسل أحدا إلى بيروت حتى يتأكد إذا كُنَّا هناك أم لا ! لا، لأن الجسد الأصلي مستحيل أن يكون في مكانين في ءان واحد، فكيف يعرفون أنهم ليسوا في بيروت مع أنهم لم يذهبوا ويعاينوا أنهم ليسوا هناك ؟ بالعقل السليم، فالعقل السليم سبيل معرفة ثان للإنسان، فهذا الذي يدعي أنه إنسان عملي وعلمي ويقول أنا لا أصدق ولا أؤمن إلا إذا رأيت بعيني أو لمست بيدي لا يلجأ إلى استعمال الحواس السليمة في نحو ما ذكرنا بل يعرف ذلك عن طريق العقل، ويناسب هنا ذكر أقسام الحكم العقلي وهي ثلاثة:
1. الواجب العقلي: وهو ما لا يتصور في العقل عدمه، وهو الله جل جلاله وصفاته.
2. المستحيل العقلي: وهو ما لا يتصور في العقل وجوده، كالشريك والمثيل والشبيه لله.
3. الجائز العقلي: وهو ما يتصور في العقل وجوده تارة وعدمه تارة أخرى، كسائر المخلوقات.
وأحيانا قد يكون الشخص الذي يُكَلَّم ملحدا، وهؤلاء الملاحدة يسألون أسئلة خبيثة كفرية ليوقعوا المسلم في الكفر، يسألون أسئلة من أجاب عليها بنعم يكفر ومن أجاب عليها بلا يكفر، والرد عليهم أن يقال لهم بأن قدرة الله تتعلق بالجائزات العقلية والجائز العقلي كما ذكرنا هو ما يتصور في العقل وجوده تارة ويتصور في العقل عدم وجوده تارة أخرى، ولا تتعلق قدرة الله بالواجب العقلي ولا بالمستحيل العقلي، والواجب العقلي هو ما لا يتصور في العقل عدمه، أي أن العقل السليم لا يتصور عدم وجوده وهو الله، وأما المستحيل العقلي فهو ما لا يتصور في العقل وجوده، أي أنه لا يدخل في الوجود أصلا ولذلك سمي بالمستحيل العقلي.
ومن هذه الأسئلة الكفرية التي يسألها الملاحدة قولهم: هل يستطيع ربك أن يخلق مثله ؟ فمن أجاب على ذلك بنعم كفر لأنه نسب إلى الله المثيل، ومن أجاب بلا كفر لأنه نسب إلى الله العجز، وأحيانا يسألون نحو هذا السؤال فيقولون مثلا: هل يسيتطيع ربك أن يخلق صخرة لا يستطيع حملها ؟ أو يقولون: هل الله قادر أن يخلق لنفسه ولدا ؟ أو يقولون: هل يستطيع ربك أن يجعل لنفسه مكانا أو جهة أو شكلا أو جسما مما هو مستحيل على الله ونحو ذلك، والرد الصحيح كما ذكرنا أن يقال لهم أن قدرة الله لا تتعلق بالواجب العقلي ولا بالمستحيل العقلي إنما تتعلق بالجائز العقلي ولايقال لهم نعم أو لا.
فإن قالوا: إذا كانت قدرة الله لا تتعلق بالواجب العقلي ولا بالمستحيل العقلي فهو عاجز قاصر ؟
نقول: لا، لأن العجز يكون إذا كانت القدرة متعلقة بالشئ وقصرت عنه وهذا لا يكون إلا في حق المخلوق، وأما قولنا أن قدرة الله لا تتعلق بالواجب العقلي ولا بالمستحيل العقلي فهو لعدم قَبول دخوله في الوجود، وهذه الأسئلة التي يسألونها من المستحيل العقلي، والمستحيل العقلي لا يدخل في الوجود فلذلك لا تتعلق قدرة الله به، وأحيانا يسألون فيقولون هل الله قادر على أن يميت أو يُفني نفسه ؟ فنقول: أن قدرة الله لا تتعلق بالواجب العقلي لأنه لا يتصور في العقل عدمه، ووظيفة القدرة الإيجاد والإعدام والواجب العقلي لا يُعدم، أما لو قال شخص: هل الله قادر على أن يُفني الجن ؟ فنقول: نعم لأن الجن من الجائزات العقلية.
فتعلم هذا وسائر ما أوجب الله علينا من علم الدين الضروري مهم لأن الشخص إذا كان جاهلا وسئل بنحو هذه الأسئلة فأجاب عليها بنعم أو بلا فإنه يكفر، فالعلم حصن العبد من المهالك والله تعالى يقول :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ” التحريم، وقد جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في تفسير هذه الآية أن الله يأمر المؤمنين بأن يقوا أنفسهم النار بتعلم أمور الدين وتعليم أهلهم ذلك، فمهم أن يتمكن الواحد منا في ذلك لأنه لا يعرف متى يحتاجه .
تكلمنا إذاً من سبل المعرفة للإنسان عن الحواس السليمة والعقل السليم، ومع هذا يوجد أشياء توصَّلنا إلى معرفتها من غير طريق الحواس السليمة والعقل السليم، فلو سألنا جماعة من الناس من منكم زار غابات الأمازون ومن منكم ذهب إلى أمريكا، وهل كان يوجد رجل اسمه نابليون بونابارت ؟ ولو شخص ولد فأهله أطعموه وألبسوه وكَبُر بينهم فصار عمره عشرون سنة ولم يخبره أحد أنه يوجد غابات تسمى بغابات الأمازون وأمريكا وكندا وأستراليا ولم يخبروه أنه كان رجل اسمه نابليون بونابارت وهتلر وحاتم الطائي ونحو ذلك، فهل يتوصل إلى معرفة هذه الأشياء لوحده ؟ لا، ولو كان عنده حواس سليمة ولو كان عنده عقل سليم، ولو رأى صور غابات الأمازون وأمريكا وكندا ونابليون وهتلر ونحو ذلك دون أن يخبره أحد أن هذه غابات الأمازون وأن هذه أمريكا وهذه أستراليا وهذا نابليون بونابارت كان عمل حروبا في فرنسا… الخ، فإنه لن يتوصل إلى معرفة ذلك دون أن يخبره أحد، إذاً لابد من وجود سبيل ءاخر غير الحواس السليمة والعقل السليم يتوصل به إلى الحقائق وهو الخبر، ولكن ليس أي خبر بل الخبر المتواتر، وما هو الخبر المتواتر ؟ الخبر المتواتر هو الخبر الذي يفيد العلم اليقيني القاطع الجازم، يعني يكون بهذا الخبر عنده يقين كما لو أنه رأى بعينه أو لمس بيده، كأنه ذهب إلى أمريكا وإن لم يذهب، وكأنه ذهب إلى كندا وأستراليا وغابات الأمازون وإن لم يذهب إلى تلك البلاد… الخ.
فهل رأينا أحداً أراد أن يسافر إلى أمريكا لأول مرة مثلا فأخذ التأشيرة وصعد إلى الطائرة فصار يحدث نفسه ويقول لعل هؤلاء يكذبون علينا بأن هناك مكان اسمه أمريكا، لأنه لم ير بعينه ولم يلمس بيده، لا، بل يكون عنده يقين كما لو أنه رأى بعين ولمس بيده، يكون عنده يقين لهذه الدرجة، فلن يصعد إلى الطائرة وهو في شك بأن البلد التي أراد الذهاب إليها قد لا تكون موجودة، بل يكون على يقين جازم، لماذا ؟ لأنه بلغه هذا الخبر بطريق التواتر فصار عنده جزم ويقين به كأنه رأى بعينه ولمس بيده، ولكن كما قلنا ليس أي خبر بل الخبر المتواتر وهو الخبر الثابت على ألسنة قوم بحيث يستحيل بحسب العادة تواطئهم على الكذب وهؤلاء يخبرون عن مشاهدة.
ومثال ذلك لو أن جمعا كبيرا من الناس نحو ألف وخمسمائة شخص رأوا نابليون بونابارت، وهؤلاء الجمع الكبير الذين لا يتصور بحسب العادة تواطئهم على الكذب خبروا جمعاً كبيرا من الناس وهؤلاء الجمع الكبير من الناس خبروا جمعاً كبيرا من الناس وهكذا عم الخبر وانتشر، فهذا الخبر يسمى بالخبر المتواتر الذي يفيد العلم اليقيني القاطع الجازم.
فإذاً جمع كبير عن جمع كبير عن جمع كبير يخبرون عن مشاهدة بحيث يستحيل بحسب العادة تواطئهم على الكذب، لأنه لا يحصل بحسب العادة أن يأتي ألف وخمسمائة شخص فيجتمعوا على كذبة، بحسب العادة هذا لا يحصل، بل الذي يحصل عادة الإشاعة Rumor، فقد يحصل أن اثنان أو ثلاثة يتفقوا على كذبة فيقولون غداً ننشر بين الناس أنه حصل كذا، فيذهبون إلى عشرة مثلا، ثم هؤلاء ذهبوا إلى ثلاثة فأخبروهم ثم صار كل واحد منهم يخبر جماعة من الناس فصاروا مائة، والمائة أخبروا ألفا والألف أخبروا مائة ألف والمائة ألف أخبروا الملايين فصار هذا الخبر بين ملايين الناس، وبعض الأخبار قد تصل إلى مئات الملايين من الناس ولكن بأصلها إن دققت تجد أنهم في الأصل قلة يتصور اجتماعهم على الكذب, هذا لا يكون خبرا متواترا وهذا الفرق بين الخبر المتواتر والإشاعة.
فالنصارى قالوا أن عيسى قتل وصلب، ولكن خبرهم هذا ليس خبراً متواترا ولو كان عدد كبير من الناس من يعتقده، ولو كان مئات الملايين منهم على ذلك، لأن العدد بأصله عدد قليل يتصور اجتماعهم على الكذب، وحتى الذين نقلوا في الأصل اختلفت رواياتهم فيما بينهم، فبعضهم قال: الرأس رأس صاحبنا والجسد جسد عيسى، وبعضهم قال: عيسى إله لا يقتل، ألم يقل لهم عيسى عليه السلام قبل أن يرفع: ” إن منكم من يكفر بي بعد أن ءامن ” حصل، فقد أخرج ابن أبي حاتم والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ” كان عيسى عليه السلام مع اثني عشر من أصحابه في بيت فقال: ” إن منكم من يكفر بي بعد أن ءامن ” ثم قال: ” أيكم يلقى عليه شبهي ويقتل مكاني فيكون رفيقي في الجنة ؟ فقام أحدثم سِناً أي أصغرهم وقال: أنا، فقال له: ” اجلس ” ثم عاد فقال: أيكم يلقى عليه شبهي ويقتل مكاني فيكون رفيقي في الجنة ؟ فقام نفس الشاب وقال: أنا، فقال له: ” اجلس ” ثم أعاد ما قال مرة ثالثة فقال الشاب: أنا، فقال له سيدنا عيسى: ” أنت هو ” وألقى الله سبحانه شبه عيسى على ذلك الشاب المسلم ورُفع عيسى من روزنة البيت إلى السماء الثانية، والروزنة هي النافذة في أعلى الحائط، ثم جاء الطلب من اليهود ودخلوا البيت فأخذوا ذلك الشاب فقتلوه وصلبوه قال ربنا :” وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ” النساء، وأما ما يرويه بعضهم من أن يهودياً جاء ليدلهم على مكانه عليه السلام وكانوا قد وعدوه بمبلغ من المال ثم ألقي عليه شبه عيسى لما أدخلهم البيت فظنوه المسيح فقتلوه فغير ثابت مع أنه بلغ شهرة بين الناس، والصحيح ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وبعد ذلك افترق الناس ثلاث فرق كما أخبر المسيح عليه السلام بقوله: ” إن منكم من يكفر بي بعد أن ءامن ” ففرقة قالت هو الله فكفروا، وفرقة قالت هو ابن الله فكفروا، وفرقة قالت هو عبد الله ورسوله وهي الفرقة المسلمة، فتآمرت الفرقتان على الفرقة المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا.
فإذا الخبر المتواتر هو سبيل معرفة للإنسان، أما الإشاعة فهي على نحو ما ذكرنا من أقوال النصارى، يكون في أصلها من اتفق على الكذب ولو بعدها انتشر الخبر بين كثير من الناس فلا يعتد به، لا يكون خبراً يفيد العلم اليقيني القاطع الجازم.
أحيانا قد نتكلم مع شخص في هذه النقاط فنصل معه إلى الخبر المتواتر فيعاند، واحد من الذين ينكرون وجود الله كان يكلمه شخص بهذه النقاط فلما وصل معه إلى الخبر المتواتر قال: ممكن أن يكون صحيح وممكن أن لا يكون صحيح، فقال له: الخبر المتواتر ليس كالإشاعة، فقال: ومع ذلك ممكن أن يكون صحيح وممكن أن لا يكون صحيح، فقال له: أنت كيف عرفت أمك وأبيك ؟ هل عرفت ذلك بالعقل أو بالحواس السليمة ؟ لا، بل عرفت ذلك بالخبر، فإذا شككت في صحة الخبر المتواتر الذي ذكرنا تعريفه فمعناه أنك تشكك بأمك وأبيك، فقال: نعم أنا أشك في أمي وأبي، فقال له: إذاً أنت ظهر منك أنك تريد العناد بدليل أنك قبل أن نتكلم في هذه النقاط ما كنت تشك في أمك وأبيك، ولكن لما أعطيتك الدليل وجدت نفسك قد حُشرت فصرت تقول نعم أنا أشك بأمي وأبي، فصار الحاضرون يضحكون عليه.
الواحد منا عندما يناقش شخصا من نوعية هؤلاء ينبغي أن تكون نيته أن يدخله في الإسلام بإذن الله تعالى، فإن دخل في الإسلام تحضنه وتقبله فرحا بإسلامه، ولكن إذا كان يريد العناد ولم يقبل الدليل فتظهر له وللحاضرين أنه لا يفهم وتكسره حتى لا يخرج فيقول أنا ناظرت مسلما فغلبته ما وجدت عنده دليل، بل لا بد يخرج مذلولا لأن الذي يريد الدخول على بيت الآساد لا يخرج منه كما دخل، إما أن يخرج وقد سلَّم للعلم وتاب وإن كان على غير الإسلام يتشهد فيصير مسلما، وأما إذا خرج ولم يتراجع عن الباطل الذي هو عليه فلا يخرج كما دخل إلا أن يكون مغلوبا ولا أحد من غير المسلمين يستطيع أن يغلب مسلما أظهر حجة الإسلام في أي أمر كان.
وفي بعض الاحيان قد تظهر الدليل الواضح ولكن الذي أمامك لا يتقبل، فالعيب ليس فيك ولا في الدليل ولكن العيب في الشخص الذي لا يريد أن يتقبل الحق، ألا يوجد أنبياء بعد أن ظهرت على أيديهم معجزات من الناس من لم يتبعوهم ؟ بلى .
————————————————————————————————————
النقطة الثانية
- إثبات وجود العالم وأن العالم مخلوق أي له بداية له أول:
في هذه النقطة نريد أن نثبت بأن العالم مخلوق له بداية لأننا نريد أن نثبت وجود الخالق، وكيف نثبت وجود الخالق بالدليل العقلي، نثبت وجود الخالق بإثبات أن العالم موجود مخلوق له بداية فاحتاج إلى خالق.
وفي هذه النقطة قد نحتاج أن نثبت أن العالم موجود لأن بعض الناس ينكرون وجود العالم فنحتاج أولا أن نثبت لهم وجود هذا العالم، أخبرنا شخص أنه كان يكلم واحدا من هذا الصنف السيئ في هذه النقاط الثمانية، فذكر له أول نقطة وهي بيان سبل المعرفة للإنسان فوافق، فلما وصل معه إلى هذه النقطة الثانية وهي إثبات وجود العالم وأنه مخلوق له بداية، قال له: ولكن تحتاج أولا أن تثبت لي بأن العالم موجود، فقال له: أنا وأنت من العالم، انت تكلمني الآن وأنا أكلمك، فقال: نعم ولكن أنت تتوهم أنك تكلمني وأنا أتوهم أني أسمعك، وكان في يده سوار من فضة، فقال له: هل تعطني هذا السوار الذي معك قليلا، فقال: نعم، فأخذه وأكمل كلامه معه ولكنه لم يتقبل، وبعدها قال له: أعطني السوار، فقال: أي سوار ؟ فقال: هذا الذي في يدك، فقال له: هل أنت متأكد لعلك تتوهم ؟ قال: نعم أكيد أعطني إياه، وفهم عليه ما أراد، فقال له: لن أعطيك إياه وافعل ما تريد، يوجد هنا مخفر شرطة فاذهب إليهم واشتكي علي، ولكن ماذا ستقول لهم ؟ هل ستقول جئت أدعي عندكم على شخص هو وهم أخذ مني سوار فضة أنا متوهم أنه موجود، وأريد منكم أن ترجعوا لي سوار الفضة الوهم من هذا الشخص الذي هو وهم وأنتم وهم وأنتم تتوهمون أنني أكلمكم !!!! أكيد بعد ذلك أنهم يضربوه ويأخذوه إلى مشفى المجانين، فسكت.
وهؤلاء يقال لهم الصفصطائيين ينكرون حقائق الأمور ويقولون أنها وهم، قال العلماء: هؤلاء يعمل معهم أحد هذين الأمرين: إما أن يضرب فماذا يقول بعدها هل يقول أنه يتوهم أم يصرخ ويتألم، فإن قال أخ أو أي أو ءاه فإذاً يكون قد اعترف بشئ من هذا العالم، والثاني: أن يؤخذ منه شئ من ماله أو مما يملك، فإن اعترف به يكون أيضا قد اعترف بشئ من هذا العالم، فإذاً هذا العالم موجود ومخلوق له بداية.
وليعلم أن العالم هو كل ما سوى الله وهو اسم جمع لا مفرد له، وقد سمي العالم عالما لأنه علامة على وجود الله، كما أن الإنسان سمي إنسانا لكثرة نسيانه، والقلب سمي قلبا لسرعة تقلبه، والحاجب سمي حاجبا لأنه يحجُبُ ضوء الشمس عن العين، والذباب سمي ذبابا لأنك كلما ذببته عنك ءاب إلا أن يرجع، وصلاة الظهر سميت ظهرا لأنها أول صلاة ظهرت، أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم، والمال سمي مالا لأن النفس تميل إليه، قال بعضهم:
رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مال
ومن ما عنده مال عنه الناس قد مالوا (إلا من رحم لله)
رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب
ومن ما عنده ذهب عنه الناس قد ذهبوا (إلا من رحم لله)
رأيت الناس منفضة إلى من عنده فضة
ومن ما عنده فضة عنه الناس منفضة (إلا من رحم لله)
وبعض الناس لا يغريهم ولا يهمهم المال ولا الذهب ولا الفضة إنما همهم الفوز في الآخرة ودعائهم دعاء خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم: ” اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة “.
فالعالم سمي عالما لأنه علامة على وجود الله، والعالم مؤلف من أعيان وأعراض، والأعيان جمع عين وتشمل الجوهر الفرد والأجسام، فالذرة هي أصغر الأجرام التي تراها العين وتسمى أيضا الهباء، ويوجد ما هو أصغر من الهباء مما لا تراه العيون وله حجم ومن ذلك أصغر حجم خلقه الله وهو الذي يسميه علماء التوحيد (الجوهر الفرد) وهو الجزء الذي لا يتجزأ.
والجسم ما له طول وعرض وعمق وسَمكٌ وتركيب كاليد والرجل، فالجسم ما له قيام بذاته، والعرض صفة الجسم، والجسم والجوهر ما له قيام بذاته، والعرض ما ليس له قيام بذاته إنما يقوم في الأجسام كالحركة والسكون والألوان والطعوم والروائح والرطوبة واليبوسة، قال العلماء: الأعراض نحو أربعين، فالعرض ليس له قيام بذاته إنما يقوم بغيره، فلا يقال مثلا رأيت اللون الأخضر يمشي في العبدلي، بل يقال مثلا رأيت إنسانا لابسا قميصا أخضر يمشي في العبدلي، فاللون يقوم في الجسم.
إذاً العالم إما أعيان وإما أعراض، وحتى نثبت بأن هذا العالم مخلوق نثبت أن الأعيان مخلوقة والأعراض مخلوقة، فنأخذ على سبيل المثال اليد من الأعيان والحركة والسكون من الأعراض، فإذا حرك الشخص يده يكون قد ثبت عرض الحركة، فالحركة في يده لم تكن ثم وجدت ومعناه أن الحركة لها بداية لها أول فإذاً هي مخلوقة، وأثناء حركة اليد لا يقال أنها ساكنة، فإذا توقف عن تحريكها تصير ساكنة ومعناه أن السكون ما كان ثم وجد أي أن السكون أيضا مخلوق له بداية له أول، والحركة والسكون لسنا نحن نخلقهما إنما الله هو خالق كل شئ، قال تعالى :” وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ” الصافات، فإذا أثبتنا أن الحركة والسكون مخلوقان لهما بداية، وهذه اليد التي تتصف بالأعراض الحادثة المخلوقة لا بد أن تكون حادثة مخلوقة، لأن القاعدة: أن ما لا يخلو عن الحادث فهو حادث، وما كان محلا للحوادث فهو حادث، فاليد أيضا مخلوقة.
فإذاً الأعيان أي الأجسام مخلوقة والأعراض مخلوقة، فالعالم الذي هو مؤلف من أجسام وأعراض لا بد أن يكون مخلوقا، فالعالم له بداية له أول، وهذا أمر ظاهر مُدركٌ بالبديهة والحركة والسكون حادثان لأنه بحدوث أحدهما ينعدم الآخر فما من ساكن إلا والعقل قاض بجواز حركته وما من متحرك إلا والعقل قاض بجواز سكونه، فالطارئُ منهما حادثٌ بطريانه والسابقُ حادثٌ لعدمه لأنه لو ثبت قدمه لاستحال عدمه فالأعراض حادثة، والأعيان حادثة لأنها ملازمة للأعراض الحادثة وما لا يخلو عن الحادث فهو حادث لأنه لو لم يكن حادثا لكان قبلَ كلِ حادثٍ حوادثُ لا أول لها وهو محال لأن وجود حوادث لا أول لها يستلزم استحالة وجود الحادث الحاضر لأن انقضاء ما لا نهاية له محال، ووجود الحادث الحاضر ثابت بالحس فبطل القول بوجود حوادث لا أول لها.
فالعالم حادث الجنس والأفراد وخالفت الفلاسفة في ذلك فقال قسم منهم: العالم العلوي أزلي بمادته وأفراده ومن هؤلاء أرسطو وتبعه ابن سينا والفارابي، وقال بعضهم: العالم قديم الجنس حادث الأفراد، ومثال ذلك أنهم يقولون بأن الإنسان حادث ولكن الإنسانية التي في الإنسان أزلية فرد عليهم علماء التوحيد فقالوا: وهل وجود للنوع إلا ضمن الأفراد، وهؤلاء الذين قالوا بهذا القول الشنيع هم متأخرو الفلاسفة وتبعهم أبو العباس أحمدُ بن تيمية من غير أن ينسُبَ نفسه إلى اتّباعهم بل نسب ذلك زورا وبهتانا إلى أئمة الحديث، قال الإمام بدرُ الدين الزركشي في الفريقين في تشنيف المسامع: ” وضللهم المسلمون وكفَّروهم ” ومعناه أن كلا الفريقين كافر بالإجماع.
ويوجد طرق أخرى لإثبات أن العالم مخلوق ومنها:
أنه لو قال شخص لآخر: لا أعطيك هذا القلم حتى أعطيك قلماً قبله، ولا أعطيك هذا القلم حتى أعطيك قلما قبله وهكذا لا إلى أول، فهذا القلم لن يصل إليك، أما لو قال: لا أعطيك هذا القلم حتى أعطيك قبله قلما، ولا أعطيك هذا القلم حتى أعطيك قبله قلما إلى أول، فسيصل إليك هذا القلم، وهذا المثال مطابق لقولنا أن لهذا العالم حد فهو مخلوق له بداية وما فيه من الحواث لها بداية، لأن القلم إذا وصل إليك بعد هذا التسلسل الذي ذكرناه في المثال السابق سيصل إلى حد، ومعلوم أن الحادثات الآن موجودة وهذا مشاهد بالحس، فنحن نرى بعضنا البعض ومعناه ما من إنسان إلا وقبله إنسان لكن إلى أول إلى سيدنا ءادم أول الأنبياء والبشر عليه الصلاة والسلام، أما أولئك الذين يقولون بأزلية نوع الإنسان فكلامهم مخالف للعقل وهو كفر، فإذاً العالم مؤلف من هذه الحوادث وهذه الحوادث مخلوقة لها أول لها بداية فإذاً العالم حادث.
فملخص هذه النقطة التي نثبت فيها بأن العالم مخلوق له بداية، أن العالم مؤلف من أعيان وأعراض، والأعيان تشمل الجوهر الفرد والأجسام، والجسم ما له طول وعرض وعمق وسَمك وتركيب كاليد، والجسم ما له قيام بذاته، والعرض ما ليس له قيام بذاته إنما يقوم بغيره، فأثبتنا أن العرض حادث وأن ما كان محلا للحوادث فهو حادث، فالجسم إذاً حادث والعالم مؤلف من أعيان وأعراض وهي مخلوقة فالعالم إذا مخلوق.
وليعلم بأن أقسام الموجود ثلاثة:
1. موجود أزلي أبدي: أي لا بداية ولا نهاية لوجوده وهو الله تعالى وصفاته.
2. موجود أبدي لا أزلي: أي له بداية ولكن لا نهاية له كالجنة والنار لأن الله تعالى شاء لهما البقاء.
3. موجود لا أزلي ولا أبدي: أي له بداية وله نهاية كالسموات والأرضين والجن والإنس.
———————————————————————————————————–
النقطة الثالثة
- إثبات وجود الخالق عقلا وأنه لا يشبه شيئا من المخلوقات:
ليعلم أن الدليل من القرءان على أن الله هو الخالق قوله تعالى :” قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ” إبراهيم، أي لا شك في وجود الله عز وجل، ولكن إذا كان الشخص الذي نكلمه لا يؤمن بالقرءان ولا بالحديث فلا بد أن نستعمل معه الدليل العقلي وهو أن يقال:
1. كل فعل لا بد له من فاعل، فلا يصح في العقل وجود فعل ما من غير فاعل.
2. وكل ضرب لا بد له من ضارب ولو لم ير الضارب، فلو ضرب ولد صغير ثم اختبئ الذي ضربه هل يقول لا أحد ضربني أم يقوم فيبحث عن الذي ضربه، ولو قيل له لم يضربك أحد هل يصدق، لا يصدق لأنه يعرف أن الضرب لا بد له من ضارب حتى لو لم يُر الضارب.
3. وكل كتابة لا بد لها من كاتب ولو لم يُر الكاتب، فلو رأى أحد كتابة هل يقول ما هذه المصادفة الجميلة التي عملتها الكتابة يا ليت يحصل عندنا مصادفة مثلها، هل يوجد أحد عنده عقل سليم يقول مثل هذا الكلام ! لا، لأن الكتابة تدل على وجود الكاتب لو لم ير الكاتب، وكذلك البِنَاء يدل على وجود البَنَّاء لو لم ير الباني، لأنه يستدل بوجود البناء على وجود البَنَّاء، فمن رأى بناءً لا يقول ما هذه المصادفة الجميلة التي حصل منها هذا البناء، بل يسأل عن الفاعل لأن كل فعل لابد له من فاعل، وإذا كان كل فعل لا بد له من فاعل وكل ضرب لا بد له من ضارب وكل كتابة لا بد لها من كاتب وكل بناء لا بد له من بَنَّاء وكل رسم لا بد له من رسام، فمن باب أولى أن هذا العالم لا بد له من خالق أبرزه من العدم إلى الوجود.
فالذي يقول أنا لا أصدق أن لهذا العالم خالق لأنني لم أره فهو شديد الجهل والغباء، وقد حصل في الماضي في مدرسة من المدارس وكان الشيوعية في ذلك الوقت لهم انتشار كبير أكثر من الآن، كانوا متغلغلين بالمدارس والجامعات وكانوا يحاربون المسلمين ويتكلمون بهذا الكلام الفاسد ويبثون سمومهم بين الناس والطلاب، وفي يوم من الأيام في تلك المدرسة قال أستاذ للطلاب: هل ترون اللوح ؟ فقالوا: نعم، قال: إذا اللوح موجود، ثم قال: هل ترون الممحاة ؟ قالوا: نعم، قال: إذا الممحاة موجودة، ثم قال: هل ترون الطاولة ؟ قالوا: نعم، قال: إذا الطاولة موجودة، ثم قال: هل ترون الله ؟ قالوا: لا، فقال على زعمه: إذا الله ليس موجود والعياذ بالله تعالى، فوقف تلميذ من نفس الصف وقال: هل ترون اللوح ؟ قالوا: نعم، فقال: إذا اللوح موجود، قال: هل ترون الممحاة ؟ قالوا: نعم، قال: إذا الممحاة موجودة، والأستاذ يستمع إليه وهو يظن أن هذا الطالب يعيد كلامه، ثم قال الطالب: هل ترون الطاولة ؟ قلوا: نعم، قال: إذا الطاولة موجودة، ثم قال: هل ترون عقل الأستاذ ؟ فقالوا: لا، قال: إذاً عقل الأستاذ ليس موجودا فأخرس الطالب أستاذه الجاهل.
فإذا كنا لا نرى العقل فهل يدل ذلك على أن العقل ليس موجود، العقل موجود ولو لم نره، والألم موجود ولو لم نره، فليس من شرط الوجود أن نرى الموجود، فإذاً أثبتنا بالدليل العقلي أن العالم لا بد له من خالق، ولكن أحيانا قد تتكلم مع شخص نصراني مثلا فيقول لك: نعم أنا أصدقك ولا أكذبك أُسَلِّم معك بما ذكرت من سبل المعرفة للإنسان وأصدق بأن العالم مخلوق وأن له خالق ولكن خالق العالم عيسى، وبعضهم يقول عزير وبعضهم يقول بوذا… الخ، فهنا نحتاج أن نثبت لهم أن خالق العالم لا يشبه شيئا من العالم.
أثبتنا إذاً بالدليل العقلي وجود الخالق، ولكن بقي أن نذكر الدليل العقلي على أن خالق العالم لا يشبه العالم، أما الدليل النقلي فمعروف وهو قول الله تعالى :” لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ” الشورى، وأما الدليل العقلي على أن الخالق لا يشبه المخلوقين قاعدة: أن ما جاز على الشئ جاز على مثيله، فلو أحضرنا زجاجا وزجاجا مثله فضربنا الزجاج الأول بحجر فكُسِر، فالزجاج الذي هو مثله إذا ضربناه كما ضربنا الزجاج الأول بنفس الحجر ماذا يصير له ؟ يكسر أيضا، كيف عرفنا ذلك ؟ بالقاعدة: أن ما جاز على الشئ جاز على مثيله.
مثال ءاخر: أنا يجوز عليَّ الضعف وأنتم تشبهونني فهل يجوز عليكم الضعف ؟ نعم، وأنا يجوز علي التعب والكسل والمرض والنسيان وأنتم تشبهونني فإذاً ما جاز علي جاز عليكم لأن ما جاز على الشئ جاز على مثيله، فلو أصيب أحد من الناس بزكام في يوم بارد ماذا يقول لمن حوله ؟ يقول انتبهوا فأنا مصاب بالزكام مع اعتقادنا أن العدوى لا تخلق المرض لأن الله تعالى هو خالق كل شئ، ولكن كما جاز على هذا الشخص أن يصاب بالزكام جاز على مثيله أيضا أن يصاب بالزكام، فلو كان الخالق يشبه المخلوق لجاز عليه ما جاز على المخلوق، وقد علم بالعقل أن الرب لا يوصف بصفات النقص فيستحيل عليه إذاً أن يشابه المخلوق، فخالق العالم لا يشبه شيئا من العالم لأن ما جاز على الشئ جاز على مثيله.
وبذلك نكون قد ذكرنا من النقاط الثمانية: سبل المعرفة للإنسان، وإثبات وجود العالم وأن العالم مخلوق له بداية، وإثبات وجود الخالق عقلا وأنه لا يشبه شيئا من المخلوقات.
——————————————————————————————————–
النقطة الرابعة
- إثبات أن الله هو خالق العالم:
ليعلم أن بعض الناس ينكرون وجود الله وليبرروا اعتقادهم هذا يقولون بأن العالم خلق العالم أي أن العالم على زعمهم خلق نفسه، وقسم يقولون بأن الطبيعة خلقت العالم، وقسم يقولون بأن العالم وجد صدفة نتيجة الانفجار الكبير، وهي النظرية التي يسمونها عندهم بنظرية الانفجار الكبير the big bang theory
هؤلاء كيف يرد عليهم ؟ يرد عليهم بالأدلة العقلية على النحو التالي:
1. الفريق الأول: الذين يقولون بأن العالم خلق نفسه، جعلوا العالم موجودا قبل نفسه حتى يوجد نفسه وهذا مستحيل، لأنهم على زعمهم جعلوا العالم موجودا مرتين، مرة كخالق ومرة كمخلوق، ولكن العالم موجودا مرة واحدة، فكلامهم هذا مستحيل عقلا لأنهم جعلوا العالم موجودا ومعدوما في نفس الوقت، وما يؤدي إلى المحال فهو محال، فإذاً العالم لا يخلق نفسه.
مِثالٌ يدل على بطلان كلام هذا الفريق: لو شخص مضى من عمره ثماني عشرة سنة فقال له شخص: أنت خلقت نفسك، معناه على زعمه أنت منذ ثماني عشرة سنة لم تكن موجودا، وبنفس الوقت منذ ثماني عشرة سنة كنت موجودا لكي تخلق نفسك، وهذا مستحيل ومتناقض فإذاً العالم لا يَخلُق.
- الفريق الثاني: الذين يقولون أن الطبيعة خلقت العالم، والرد عليهم أن يقال لهم: أليست الطبيعة جزء من العالم ؟ يقولون بلى، والطبيعة هي الصفة التي جعل الله عليها الأجرام، ولو عرفوا الطبيعة بأي تعريف زعموه لا بد أن يقولوا بأنها جزء من العالم، لأن بعضهم من يقول عن الطبيعة الأشجار والماء والهواء، وبعضهم يقول غير ذلك، فإذا كان العالم لم يخلق العالم كما بينا بالدليل العقلي ءانفا، فالأولى أن الجزء منه لن يكون خالقا له.
واحد من المسلمين من أهل السنة كان يبين لامرأة بوذية هذه النقاط الثمانية فوافقت على ما ذُكر من النقاط السابقة، فلما وصل معها إلى هذه المسألة قالت: الطبيعة هي الأبعاد والقياسات Dimensions the فقال لها: أنت وافقتني على أن العالم لم يخلق العالم ولو ذكرتِ أي تعريف للطبيعة فهي جزء من العالم فلن تكون خالقة للعالم لأنه إذا كان كل العالم لم يخلق العالم فالأولى أن الجزء من العالم لن يكون خالقا للعالم.
مثال للتقريب: لو أراد عشرة أشخاص أن يدفعوا شاحنة كبيرة فلم يستطيعوا دفعها، فجاء واحد من هؤلاء العشرة لدفعها وحده فهل يستطيع ؟ لا، لأنه إذا كان العشرة لم يستطيعوا فالأولى أن الواحد منهم لن يستطيع، وإذا كان كل العالم لم يخلق العالم فالأولى أن الجزء منه لن يكون خالقا له.
فإذاً أثبتنا بالدليل العقلي على أن الطبيعة ليست خالقة للعالم، والطبيعة ليس لها إرادة فهي ليست خالقة، والطبيعة هي الصفة التي جعل الله عليها الأجرام، وهي متغيرة والمتغير يحتاج لمن يغيره، والمحتاج لغيره عاجز والعاجز لا يكون إلها ولا خالقا.
- الفريق الثالث: الذين يقولون بنظرية (الانفجار الكبير) والتي تعتمد عليها النظريات الأخرى كالنظرية المسماة بنظرية (النشوء والارتقاء والتطور) والمعروفة بنظرية داروين، وكلها نظريات باطلة بالدليل العقلي ولا أساس لها من الحقيقة.
والآن نريد أن نرد على هذه النظرية الفاسدة التي صار لها انتشار كبير بين الناس بسبب أنها تدرس في عديد من المدارس والجامعات، حتى أن بعض من يدعي الإسلام والمشيخة يأخذون بهذه النظرية ويقولون أنها من الإعجاز العلمي في القرءان على زعمهم، فنرد على هؤلاء وهؤلاء، الذين يقولون بنظرية الانفجار الكبير وأولئك الذين يقولون بأن هذه النظرية يشهد لها القرءان على زعمهم ، وبيان فساد هذه النظريات مهم جدا، مهم أن نبين للناس أننا لا ننقض شيئا أثبته العلم بل نحن ننقض هذه النظريات التي هي افتراض وتخمين لمن وضع هذه النظرية ولسنا مضطرين أن نتبعه ولا دليل له ولا يجوز لنا أن نتبعه.
يقول إميل جبر ضومط: ” ولكن كثيرا من الافتراضات النظرية ليست لها تلك الدرجة من اليقين ويعتبره بعض المفكرين تخيلا بعيدا جدا عن الواقع مثل النظريات عن منشإ الكون كنظرية الانفجار الكبير، ونظرية النشوء والتطور والارتقاء ” هذا ما يدرسونه، وإميل جبر هو دكتور يُدَرِّس الطلاب الذين يريدون أن يتخرجوا أساتذةَ تعليم في المدارس والجامعات لاحقا، يُدَرِّسوهم ما هو تعريف النظرية ولكن هؤلاء عندما يُدَرِّسون هذه النظريات ولا يقولون للتلاميذ أن النظرية يعني افتراض وتخمين، بل يدرسونها على أنها شئ حقيقي واقعي، فيتخرج التلميذ ويظن بنفسه أنه يقول علما وأن هذا ما أثبته العلم، ثم يصير يدافع عن هذه النظريات أكثر مما يدافع عنها صاحب النظرية، وصاحب النظرية لا يستطيع أن يثبت نظريته لأنها (افتراض وتخمين).
قال إميل جبر ضومط: ” أما النظريات العلمية فهي افتراضات غير قابلة للإثبات النهائي، كالافتراض عن منشإ الكون ومصيره، أو كالافتراض عن ترتيب الذرة الداخلي الذي يظل قابلا للتحوير والتغيير وحتى للنبذ النهائي “.
ولعل صاحب النظرية بعد فترة يتراجع عن نظريته مثل (ستيفن هوكنج) الذي قال بنظرية الثقوب السوداء The BLAK HOLS زعم بوجود ثقوب سوداء في الفضاء وأن هناك نجما انطوى على نفسه فصار فيه جاذبية عالية بحيث أن كل شئ يمر من عنده يسحبه وقد يمر على عالم ءاخر ويرى مخلوقات أخرى ويرى أناسا بعين واحدة مثلا وأشياء أخرى مثل التي ترى في الأفلام التي يسمونهاSINE FIKTHEN هذه هي نظرية ستيفن هوكنج التي اشتغل عليها سنة 1975م فصاروا يدرسونها في المدارس والجامعات ويبيعون منها الكتب حتى بِيع منها عشرة ملايين كتاب، وبعد مرور تسعا وعشرون سنة من ظهوره بهذه النظرية عمل ستيفن مؤتمرا صحفيا وظهر على التلفاز وقال: كل شئ قلته غير صحيح، وكُتب في الجرائد مثل جريدة المستقبل في لبنان قيل: ” عالم معروف يقر بخسارته أشهر رهان في تاريخ العلوم، قالوا: ” خسر عالم الفيزياء والرياضيات الشهير (ستيفن هوكنج) واحدا من أشهر الرهانات في تاريخ العلوم أمس بعدما تراجع عن نظريته التي وضعها عام 1975م بشأن الثقوب الكونية السوداء والتي كانت سببا في ذيوع صيته، وأقر مؤلف كتاب (التاريخ المختصر للزمان) صاحب الكتب الأكثر مبيعا بأن عالم الفيزياء الأميركي جون برِسْكِل كان محقا في التشكيك بصحة نظريته، وقد أعطاه كتابا عن كرة (البيس بول) كمكافأة له.
كان ستيفن يشارطه وذاك يقول لا لا يوجد، فلما ذاك تراجع عنها أعطاه مكافأة كتابا عن البيس بول، يا لضيعان العمر، تسعا وعشرون عاما يعمل ويبيع الكتب وتدرس نظريته في المدارس والجامعات ثم ماذا !!!!، قالوا في جريدة المستقبل: ” وتحدى هوكنج الأطباء وواصل حياته ليبيع عشرة ملايين نسخة من دراسته عن الكون، المعنونة بالتاريخ المختصر للزمان ” تراجع عنها وهو عندهم مرجع كبير وهاهو قد تراجع.
أخبرنا شخص أنه التقى مرة بشاب يَدْرُس مادة الطب في الجامعة العربية في بيروت، فقال عن هذه النظرية نظرية ستيفن هوكنج (الثقوب السوداء) أنها مثبتة علميا، فقال له: لا هذه نظرية، فقال: لا أثبتت علميا، فقال: هذه نظرية، يعني افتراض وتخمين، فقال: لا إنها مثبتة، فقال له: صاحبها تراجع عنها، فقال: لا أثبتت، فقال: كأنك لم تسمعني ! أنا أقول لك صاحبها تراجع عنها، وكان معه صورة عن هذه الجريدة فقرأ له الخبر فصُدم، أحيانا بعض الناس يدافعون عن نظرية أكثر من أن يدافع عنها صاحب النظرية وهذه النظرية صاحبها تراجع عنها.
وواحد ءاخر من نفس الجامعة ويَدْرس مادة الطب أيضا كان هذا الشخص يعلمه هذه النقاط الثمانية فلما وصل معه إلى هنا وذكر له بطلان هذه النظرية، قال له: ولكن نظرية ستيفن هوكنج أثبتت علميا، فقال له: لا، فقال: لا أثبتت علميا (نفس الشئ) فقال له: لا لم تثبت، فقال: لا لن أقبل منك، فقال له: اشفق على نفسك واسمعني، فأحضر له الجريدة وأراه الخبر فسكت، فإذا كان صاحبها اشتغل عليها قريب الثلاثين عاما ثم اعترف أنها غير صحيحة فما بال هؤلاء وأين هم وأين العلم!
وهكذا سائر النظريات (افتراض وتخمين) هل يستطيع أصحاب هذه النظريات أن يثبتوا هذه الأشياء التي يدعونها ؟ لا يستطيعون، فإذاً كثير من النظريات بعد حين ترمى، أصحابها يتراجعون عنها، بعد أن دُرِّسَت هذه النظرية في المدارس والجامعات وبيع منها (عشرة مليون) كتاب، كم من الناس عرفوا أن صاحب النظرية قد تراجع عن نظريته !!
فالنظرية ليست حقيقة علمية، ونحن عندما ننقض ننقض الافتراض والتخمين لهؤلاء الناس الذين لا يستطيعون أن يثبتوا هذه النظريات، وكلام الناس الذين يتعاطون بالنظريات ها هو كلامهم في تعريف النظرية، يقولون: كافتراض، يقولون افتراضات وتخمينات وهكذا، فإذاً هذه النظريات ليست حقائق علمية (النظريات ليست حقائق علمية) النظريات افتراض وتخمين.
هذا هو الرد الأولي على هذه النظرية من ناحية أنها نظرية وليست حقيقة علمية وهذا يكفي في الرد لأنها افتراض وتخمين، يقال لهم هل تستطيعون إثباتها ؟ فيقولون: لا.
علما أنه بشهر رمضان سنة 2008م اجتمعوا من عدة دول وقالوا أنهم يريدون عمل تجربة تحاكي أي تماثل ما يزعمون أنه حصل بما يسمى (الانفجار الكبير) فعملوا نفقا تحت الأرض في ألمانيا لمنشأة نووية غطيت إعلاميا، وأتوا بأشياء يفترضون أنها كانت موجودة وحاولوا أن يعملوا انفجارا جديدا حتى يَحدث ما حدث، وكان معهم واحدة وضعوا صورها بالقصد وهي من السعودية ومحجبة، كانت من الذين يعملون على هذا البحث حتى يثبتوا هذه النظرية، وبعد يومين أو ثلاثة أيام قالوا أن التجربة قد فشلت، قالوا أنهم وقفوا عند شئ فلم يستطيعوا إيجاد تفسير للذي كانوا قد افترضوه، ولذلك أرجؤوا التجربة إلى وقت ءاخر يحدد لاحقا، (هي نظرية افتراض وتخمين) وهم وضعوها ولا يستطيعون إثباتها، ومن الناس كما قلنا من يدافع عن النظرية أكثر من صاحب النظرية.
قد يقال: واحد عنده صندوق من الخشب كله مصنوع من الخشب، فقال له شخص: هذا الصندوق أعجبني، الذهب الذي فيه كم عياره ؟ فنظر إليه متعجبا وقال: أنا الذي صنعته وهو صندوق من خشب ليس فيه ذهبا، فقال له: نعم ولكن كيف جمعت هذا الذهب حتى عملت منه هذا الصندوق ؟ فقال له: هذا ليس ذهبا، ماذا تقول ! فقال: نعم، ولكن كم بقيت وأنت تجمع الذهب حتى جعلته صندوقا، فقال له: أنا أقول لك هذا خشب هذا خشب !!! وهذا الذي وضع النظرية يقول هذه افتراض وتخمين لا أستطيع أن أثبتها.
بعض الطلاب يتخرجون من الجامعات يدافعون عن نظرية داروين، وبعض الدكاترة يدافعون عنها.
والآن نرد على مضمون هذه النظرية ولكن قبل ذلك نريد أن نعرف ماذا تقول هذه النظرية، ما يسمى بنظرية انفجار الكون الأعظم تقضي بأن الكون كان عبارة عن مادة واحدة مضغوطة فانفجرت محدثة انفجارا كبيرا وطاقة هائلة أطلق عليها اسم (BIG BANG) وأخذت الجزيئات الأولى تتجمع بشكل الكترونات وبروتونات، ثم ظهر غاز الهيدروجين وغاز الهيليوم فكان الكون عبارة عن تجمعات من هذين الغازين ثم أخذت هذه الغازات الساخنة تتجمع وتتكاثف بفعل الجاذبية مُشَكِّلة ما يشبه الدُّخان، وظهر منها النجوم والكواكب ومنها كوكبنا الأرض ونظامنا الشمسي…الخ.
وباختصار ماذا تقول هذه النظرية ؟ يزعمون أنه كان يوجد غاز وغبار ونجوم، يقولون غيمة من غاز وغبار ما بين النجوم، فصار الغاز يقترب على بعضه البعض صار يتجمع على بعضه حتى حصل تنافر بين الجزيئات، فحصل بعد ذلك انفجار فظهر الهيدروجين والهيليوم وحصل من هذا الانفجار الأرض والشمس والقمر والكواكب، ويقولون هذا الكون بزعمهم ما زال يتوسع لأن الانفجار ما زال إلى الآن حاصل، ونحن ما زلنا طائرين والشمس، والكون يتمدد شيئا فشيئا، هذا مضمون هذه النظرية باختصار، ثم إن من الناس الذين يدعون الإسلام من قال أن القرءان ذكر هذه النظرية وأن الكون ما زال يتوسع على زعمهم.
وكيف نرد على هذه النظرية ؟
ذكرنا ءانفا ما قاله اميل جبر في تعريف النظرية، ولو تغيرت العبارات في تعريفها ولكن المؤدى واحد من أنها ليست حقيقة علمية.
• فالنظرية: مجموعة قوانين A theory is a set of laws
• والقانون: مجموعة فرضيات A law is a set of hypotheses
• والفرضية: شئ غير أكيد، ويقولون هي جملة غير مؤكدة ما بين متغيرين تحتاج لدعم، هذه النظرية عندهم، فإذا كانت النظرية مجموعة قوانين والقوانين مجموعة فرضيات والفرضية شئ غير أكيد، فيا ترى النظرية عندهم ماذا تكون ؟ شئ أكيد ! لا بل هي شئ غير أكيد.
يقول إميل جبر ضومط في كتاب مرشد المعلمين في أصول تدريس العلوم ص100: ” أما النظريات العلمية فهي افتراضات غير قابلة الإثبات النهائي بالاختبار العملي كالافتراض عن منشإ الكون ومصيره مثلا أو كالافتراض عن تركيب الذرة الداخلي الذي يظل قابلا للتحوير والتغيير وحتى للنبذ النهائي لأنه غير ممكن تحقق صحته تحقيقا نهائيا بالاختبار والتجربة ” هذا كلامهم.
وللرد على هذه النظرية نظرية (BIG BANG THEORY the) نقول: هم لا يقولون أن الكون بدء من أين، بل يقولون أنه كان يوجد غبار وغاز ونجوم، هكذا يقولون أن الكون بدء من هنا ! وعلى زعمهم ماذا كان قبل ذلك ؟ قبل الغاز والغبار والنجوم ! يقولون منشإ الكون، وهم لا يقولون من أين أتت النجوم ولا يقولون من أين أتى الغاز ولا يقولون من أين أتى الغبار، مباشرة يبدؤون من هنا !!!
بالفيزياء يقولون وهكذا يدرسون: أنه إذا كان هناك جسمان وصار هناك تنافر بينهما، يقولون لا يقتربان من بعضهما أكثر من مسافة معينة بين هذه الجزيئات، وإذا صار هناك مسافة معينة بين هذه الجزيئات يقولون لا يحصل انفجار، وفي النظرية يقولون حصل تنافر بين الجزيئات وحصل انفجار، وهذا مناقض لما يدرسونه بالفيزياء عندهم) !!!.
وكذلك يقولون في الفيزياء: أن الغاز إذا ترك وحده ينتشر ولا يتجمع على بعضه، ومثال ذلك: أن عبوة الغاز إذا فتحتها ماذا يحصل بالغاز الذي بداخلها ؟ هل يرجع إلى العبوة ! لا، بل ينتشر ويعم، وهكذا يقولون في الفيزياء أن الغاز ينتشر ويعم، وفي هذه النظرية يقولون العكس، يقولون صار الغاز يتجمع على بعضه البعض وحده ! كيف هذا ؟ هذا أيضا مخالف لأبسط قواعد الفيزياء التي يدرسونها هم !!!.
يقولون في النظرية: غيمة من الغاز والنجوم خرج منها أشياء طبيعتها مختلف بعضها عن بعضها الآخر، فهل الأرض مثل طبيعة الشمس ! طبيعة الشمس الحرارة، والأرض ليست مثلها، فكيف على زعمهم من الغيمة التي من غاز وغبار ونجوم يظهر منها أشياء طبيعتها تختلف عن هذا الأصل وطبيعتها يختلف بعضها عن البعض الآخر !!!.
مثال للتقريب: لو واحد أحضر بندورة وخيار وفليفلة فخلطهم ماذا يكون ؟ زمرد ومرجان وياقوت ؟ لا، هم يقولون أنه من نفس هذه الغيمة طلع أشياء طبيعتها تختلف عن بعضها الآخر، طلع على زعمهم أرض وشمس وقمر…الخ، فإذاً بطلت هذه النظرية وما يعتمد عليها من نظريات.
إذاً رددنا على هذه النظرية لكونها نظرية، ورددنا على مضمون ما تقول هذه النظرية وسائر النظريات التي اعتمدت عليها لأنها مثلها باطلة، لأن الأصل إذا كان باطل فما بُني عليه يكون باطلا.
وجاء من يريد أن يطابق هذه النظرية على القرءان ويدعي أن القرءان أتى بهذه النظرية محتجا بآيات من القرءان ومفسرا لها على حسب هواه غير عابئ بتفسير الصحابة والتابعين، والآيات التي يحتجون بها هي:
قول الله تعالى :” أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ” الأنبياء، وقوله تعالى :” وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ” الذاريات، وبهذه الآيات صاروا يزعمون أن القرءان يثبت هذه النظرية ويقولون أن هذا من الإعجاز العلمي في القرءان، وهذه النظرية أصلا فاسدة كما بينا، ففسروا قول الله تعالى :” وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ” على أن الكون ما زال يتوسع كما في النظرية.
أخبرنا واحد أنه كان مرة في الجامعة الأميركية في بيروت وكان في الجامعة لوحة حائط فوجد عليها منشور لجماعة يسمون أنفسهم (الجماعة الإسلامية) يؤيدون هذه النظرية ويستشهدون بهذه الآية على أن الكون ما زال يتوسع، وكأنهم يزعمون أن الآية لم يتكلم بتفسيرها أحد من علماء التفسير من الصحابة ومن جاء بعدهم إلى أن ظهرت هذه النظرية برأس من قالها، فالآية ليس معناها كما زعموا والآخرة أمام الجميع.
لو قلت لشخص: هل بوسعك أن تحضر لي كأس ماء من المطبخ، فما معنى ذلك ؟ معناه هل باستطاعتك، هل تستطيع أن تحضر لي كأس ماء، هذا معناه، هل يُفهم من هذا: هل تستطيع أن تتوسع من هنا إلى المطبخ وتحضر لي كأس ماء ! لا، في اللغة العربية الوِسع هذا معناه، ومعنى قول الله تعالى :” وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ” أي بقوة وقدرة لا بعضو وجارحة واليد في لغة العرب على خمس وعشرون معنىً كما قال ابن عباس فيما نقله عنه القرطبي في الجامع لأحكام القرءان، وقوله :” وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ” أي لقادرون، هذا هو تفسير الآية الصحيح، ولم يقل أحد من المفسرين أن الكون يتوسع كما قال هؤلاء المحرفين.
جاء شحص مرة من الجامعة اللبنانية الأميركية إلى واحد من أهل السنة ممن يدرس العقيدة الحقة وكان ذاك يتكلم بصحة هذه النظرية على زعمه مستدلا بهذه الآية، فبين له معنى الوِسع في اللغة وأظهر له كتاب مختار الصحاح وفيه معنى الوسع أي القدرة، وكان المؤلف في الكتاب مستشهدا بهذه الآية بقول الله تعالى :” وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ” أي لقادرون، فكلام هؤلاء لا يوافق كلام أهل التفسير ولا كلام أهل اللغة بل هم ابتدعوا تفسيرا خاطئا وهذا ليس بعيدا عليهم، هؤلاء الجماعة الذين يسمون أنفسهم بالجماعة الإسلامية هم حزب الإخوان وهم يحثون الناس على أن يقرؤوا القرءان ويفسرونه من تلقاء أنفسهم، وقد ظهر واحد منهم مرة على فضائية من الفضائيات وقال على زعمه: إذا الواحد منكم كان يقرأ القرءان فليضع أمامه دفترا وقلما وليفسر ما يقرؤه ويكتبه، ثم يقابل الذي فسره على كتاب تفسير معتمد فإن وجد الذي فسره صحيحا فهذه نعمة من الله، وإن طلع كلامه غير الموجود في كتب التفسير فليقل لعله فتح عليَّ بتفسير ما سبقني إليه أحد فينتفع بي الأمة. (هذا ممشاهم) !
ويكفي في الرد عليهم قول الله تعالى :” وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ” الإسراء، وقوله صلى الله عليه وسلم فيا رواه الترمذي الحكيم: ” من قال في القرءان برأيه فقد أخطأ ولو أصاب “.
فتفسيرهم هذا للآية مخالف لتفسير السلف والخلف، وقد جاء في تفسير الآية الأولى قول الله تعالى :” أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ” الأنبياء، قولان فأما القول الأول وهو قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقد قال: ” أي فتقنا السماء بالمطر وفتقنا الأرض بالنبات ”
والقول الثاني: أي كانتا ملتصقتين ففرقناهما، قال الشيخ عبد الله الهرري رحمات الله عليه: وكلا التفسيرين لابأس به.
وعلى هذا التفسير الثاني لا حجة لهم، لأن الله تعالى قال :” فَفَتَقْنَاهُمَا ” وهم يقولون حصل انفجار والفتق في اللغة غير الانفجار، ويقال أيضا في التفسير الثاني أن مقتضاه أنهما أي الأرض والسماء كانتا شيئين غيرين ملتصقين ثم انفصلا، وليس مادة واحدة كما تقول نظريتهم أن الكون كان مادة واحدة.
والانفجار معناه شئ واحد يتشتت، أما شيئان ملتصق أحدهما بالآخر فلا يقال عنه شئ واحد انفجر، والانفجار شئ والفتق شئ ءاخر، فكلامهم لا يوافق اللغة ولا تفسير السلف والخلف، ثم إن هؤلاء الذين يتكلمون بالنظريات هل يُثبتون سبع سماوات، لا، لا وجود للسموات السبع عندهم على زعمهم، فعندما يقولون السماء يريدون من السماء الفراغ ويقولون عنه السماء، فهم لا يعتبرون أن هنالك سماء لها باب يفتح ويغلق، إنما السماء عندهم هذا الفضاء الذي يحوي كواكب متعددة من الشمس والقمر وزحل والمريخ وما إلى ذلك.
والقرءان فيه أنه يوجد سبع سموات وسبع أراضين، قال تعالى :” اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ” الطلاق، ولكنهم لا يعترفون بذلك، وأما نحن فنصدق القرءان ونكذبهم.
ونقول في الختام أنه إذا حصل بهذه النظرية في يوم من الأيام كما حصل مع ذاك الرجل الذي يدعى (ستيفن هوكنج) الذي تراجع عن نظريته، فماذا سيقول هؤلاء الذين فسروا القرءان الكريم بهذه النظرية، هل سيقولون تبين أن القرءان فيه خطأ لأن النظرية تبين أنها خاطئة ! أم ماذا يقولون !!! هل إذا تبين بطلان نظرية (the big bang) سيقولون أن القرءان أتى بخلاف الواقع ! وبذلك يدعي أعداء الدين بأنهم وصلوا إلى مبتغاهم وهو تكذيب القرءان لضرب الإسلام، فما بال هؤلاء الذين يردُّون النص القرءاني لموافقة نظرية غير قطعية عند قائليها وفاسدة وباطلة عندنا، أيجعلون القرءان تابعا لغيره ! والجدير أن يكون متبوعا.
وليس الأمر كما قال البوطي، فإنه لما سئل فقيل له: إذا ثبت في العلم أمر يخالف القرءان مع من تكون ؟ فقال: إذا ثبت ثبوتا علميا فأنا أكون معه وأترك القرءان (والعياذ بالله)، فسألوه مرة أخرى فقال: أنا بعدُ مُصِر، (إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله) القرءان هو الذي يتبع ولا يكون تابعا لغيره.
وبذلك نكون رددنا على من قال بأن العالم خلق نفسه، وعلى من قال بأن الطبيعة خلقت العالم، وعلى من قال بأن العالم وجد بالصدفة عن طريق ما يسمونه بالانفجار الكبير، ورددنا على مضمون هذه النظرية، وعلى كونها نظرية، ورددنا أيضا على من ادعى أن هذه النظرية لها دلائل من القرءان الكريم.
فإذا الخالق هو الله جل جلاله، ووجود العالم ليس عن طريق الصدفة اعتمادا على نظرية الانفجار الكبير، بل الله هو خالق كل شئ، والله الموفق لما يحب ويرضى وهو بعباده لطيف خبير.
————————————————————————————————–
النقطة الخامسة
- إثبات وجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
إن وجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ثابت بطريق الخبر المتواتر الذي بيناه سابقا وهو أحد سبل المعرفة للإنسان، حتى الملاحدة الذين ينكرون وجود الله والعياذ بالله لا ينكرون وجود رجل اسمه محمد لأن هذا ثابت بالتواتر، حتى النصارى واليهود لا ينكرون وجود رجل اسمه محمد، والشيوعية يقولون عن سيدنا محمد عليه السلام: محمد رجل عبقري، رجل قائد استطاع أن يجمع شتات العرب، هكذا يقولون ولا ينفون وجوده.
والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن هناك نارا حمراء ونارا بيضاء ونارا سوداء، أي عبقري يتوصل إلى مثل هذه المعرفة ! وهم من جديد عرفوا ذلك فقالوا أنه على درجة حرارة (5000 فهرنهايت) تكون النار حمراء، وعلى درجة (12،500ألف فهرنهايت) تكون بيضاء، وعلى درجة (1000،000 فهرنهايت) تكون سوداء، وذلك بعد ما اكتشفوا القنبلة الذرية ورأوا ما رأوا، والنبي محمد صلى الله عيه وسلم في زمانه لم تكن هذه الأمور، فكيف أخبر عن وجودها ؟ بالعقل ؟ لا، إنما أخبر عن ذلك بطريق الوحي، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي: ” أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة “.
وجاء في القرءان أن الجنين يحفظ في بطن أمه في ظلمات ثلاث، وبالطب الجنيني الحديث قالوا أن الجنين يحفظ من وصول الضوء إليه وهو في بطن أمه عبر أغشية ثلاثة يسمونها الساقط والأمينوسي والكويوني، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منذ نحو 14 قرن أخبر بذلك، وفي الماضي لم تكن هذه المعدات المتطورة موجودة فكيف عرف صلى الله عليه وسلم ذلك ؟ لا شك أنه عن طريق الوحي، والله تعالى قال في كتابه العظيم الذي أنزله على نبيه المصطفى محمد صادق الوعد الأمين :” خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ” الزمر.
وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن الكلب نجس نجاسة مغلظة وأن نجاسته إذا انتقلت إلى موضع لا تزال إلا بغسله سبع مرات إحداهن ممزوجة بالتراب فقال عليه السلام فيما رواه مسلم وغيره: ” إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب ” وفي رواية عن أبي هريرة: ” إحداهن بالتراب ” وهم من جديد عرفوا أن الكلب فيه ما يسمونه بكتيريا تنتقل بالبلل لا تذهب إلا بغسل الموضع الذي انتقلت إليه سبع مرات واحدة منها بالتراب، فأي عبقري يتوصل إلى هذا، بل هذا يدل على صدقه عليه السلام وأنه نبي يوحى إليه، وغير ذلك من الأدلة كثير، فوجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ثابت لا شك فيه.
————————————————————————————————-
النقطة السادسة
- إثبات أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم نبيٌّ رسول:
إن إثبات أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيٌّ رسول ثابت أيضا بالخبر المتواتر، وذلك ثابت بطريق المعجزات التي حصلت على يديه والتي تدل على نبوته، فإذا قيل: إن الذين كانوا في زمن محمد شاهدوا المعجزات ولكننا لم نشاهدها ؟
فالجواب: أن يقال لهم كما أثبتنا وجوده صلى الله علي وسلم بالخبر المتواتر نثبت معجزاته التي تدل على نبوته بالخبر المتواتر أيضا.
——————————————————————————————–
النقطة السابعة
- إثبات أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق في جميع ما أخبر به وبلغه عن الله تعالى:
ليعلم أن دليل صدق النبي صلى الله عليه وسلم المعجزات التي حصلت على يديه ومنها ما وصلنا بالخبر المتواتر، فلو قال شخص: أنا ما رأيت المعجزات، نقول له: بلغنا بطريق التواتر بالخبر المتواتر هذه المعجزات التي حصلت على يد النبي عليه الصلاة والسلام وهذا يدل على صدقه ونبوته عليه السلام، لأن تعريف المعجزة أنها أمر خارق للعادة يظهر على يد مدعي النبوة موافق للدعوة سالم من المعارضة بالمثل، أي أن هذا الأمر الخارق يوافق دعوى النبي، فما لم يكن موافقا للدعوى لا يسمى معجزة كالذي حصل لمسيلمةَ الكذابِ الذي ادعى النبوة من أنه مسح على وجه رجل أعور فعميت عينه الأخرى، فهذا مناقض لدعواه وليس موافقا، وأما نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد رد عين قَتادة رضي الله عنه بعد انقلاعها يوم بدر فسالت حدقته على وجْنته فأرادوا أن يقطعوها فسألوا رسول الله فقال: ” لا ” فدعا به فغمز حدقته براحته الشريفة، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت، ومعنى سالم من المعارضة بالمثل: أي لا يستطيع المكذبون أن يفعلوا مثله، فإذا ادعى رجل أنه نبي وقارن دعواه خارق ثم ادعى ءاخر أن المدعي ليس بنبي وأظهر خارقا مثله دل على أن الأول ليس بنبي، وقد تحدى فرعون موسى عليه السلام فجمع فرعون سبعين ساحرا من كبار السحرة الذين عنده، فألقوا حبالهم التي في أيديهم فخُيِّل للناس أنها حيات تسعى، فألقى سيدنا موسى بعصاه فانقلب العصا ثعبانا حقيقيا فتحة فِيهِ أربعون ذراعا فأكل تلك الحبال التي رماها السحرة، فعرف السحرة أن هذا ليس من قبيل السحر وإنما هو أمر خارق للعادة لا يستطيعون معارضته بالمثل فخروا ساجدين لله وأسلموا وقالوا: ءامنا برب موسى وهارون.
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم معجزة انشقاق القمر ومعجزة نبع الماء الزلال الصافي من بين أصابعه عليه السلام، وتسبيح الطعام في يديه وتسبيح الحصى بين يديه، وإنطاق العجماء وشهادة الذئب وحنين الجذع ومعجزة الإسراء والمعراج، وقيل أن المعجزات التي حصلت في حال حياته بين الألفِ والثلاثةِ ءالافٍ عددا، وأعظم معجزاته صلى الله عليه وسلم معجزة القرءان الكريم، وكل هذه المعجزات تدل على صدقه عليه الصلاة والسلام.
وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعظمَ الأنبياء معجزات، فقد نقل ابن أبي حاتم في كتاب مناقب الشافعي عن الشافعي قال: ” ما أعطى الله شيئا ما أعطى محمدا، فقلت أعطى عيسى إحياء الموتى، قال: أعطي محمد حنينَ الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذلك”
وقد قال بعض المادحين:
إن كان موسى سقى الأسباط من حجر
فإن في الكف معنىً ليس في الحجر
إن كان عيسى برى الأعمى بدعوتـه
فكم براحته قـد رد مـن بصـر
روى ابن حبان وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أين تريد ؟ قال: إلى أهلي، فقال له عليه السلام: ” هل لك إلى خير ” فقال الأعرابي: ما هو ؟ فقال: ” تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ” يعني أمره أن يدخل في دين الإسلام، فقال الأعرابي: هل من شاهد على ما تقول ؟ أي ما الدليل على صدقك، فقال عليه السلام له: ” هذه الشجرة ” فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في شاطئ الوادي فأقبلت إلى رسول الله تخد الأرض خدا، جذورها في الأرض وكأنها تفلحها وهي تمشي إلى الرسول المصطفى حتى كانت بين يديه، فاستنطقها عليه السلام فقال لها: ” من أنا ؟ قالت: أنت رسول الله، قال: ” من أنا ؟ قالت: رسول الله، قال: ” من أنا ؟ قالت: رسول الله، فقال الأعرابي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك محمد رسول الله، ثم أمرها رسول الله فعادت إلى مكانها، فقال الأعرابي: أرجع إلى قومي فإن اتبعوني وإلا رجعت فكنت معك ” شجرة جاءت إلى رسول الله تشهد بصدقه عليه السلام فلا شك أنه صادق وأنه رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وروى البخاري وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان له في مسجده جذع نخلة يابسٍ مقطوع من دعائم المسجد، وكان عليه السلام إذا أراد أن يخطب بالناس يتكئ عليه، فقالت امرأة يوما: يا رسول الله لي ولد نجار فلو نصنع لك منبرا ؟ فقال: ” إن شئتم ” فصنعوا منبرا له عليه السلام، فلما كان يوم الجمعة صعد على المنبر وترك ذلك الجذع، فسمع صلى الله عليه وسلم ومن كان معه في المسجد صوتا وبكاء وأنينا كأنين الطفل الباكي يصدر من ذلك الجذع، فترك رسول الله المنبر ونزل إلى ذلك الجذع فالتزمه وضمه إلى صدره فسكن الجذع، ثم خاطبه قائلا: ” اختر أن أغرسك في المكان الذي كنت فيه فتكون كما كنت (يعني قبل أن تصير جذعا) وإن شئت أن أغرسك في الجنة فتشرب من أنهارها فيحسن نبتك وتثمر فيأكل منك أولياء الله ” ثم قال عليه السلام: ” اختارَ أن أغرِسَهُ في الجنة “.
جذع خشبي يبيس ليس من ذوات الأرواح يحن لرسول الله، يئن لفراق النبي عليه السلام، قد خلق الله فيه الإدراكَ والمحبةَ والشوق والحنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلوبنا من لحم ودم فكيف لا تحن إليه، كيف لا نحبه، كيف لا نعشقه، نحب محمدا ونعشق محمدا ونصدق محمدا ونتبع محمدا صلى الله عليه وسلم فهو الصادق المصدوق.
وكان الحسن البصري رضي الله عنه إذا حدّثَ بهذا الحديث يقول: ” يا معشر المسلمين الخشبةُ تحنُّ إلى رسول الله شوقاً إلى لقائهِ فأنتم أحقُّ أن تشتاقوا إليه ”
وروى الحاكم في المستدرك وابن عَديٍّ وغيرُهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محتفا ببعض أصحابه، فأقبل رجل من الأعراب من بني سُليم وكان قد اصطاد ضبا، والضب نوع من الحيوانات يعيش في الصحراء، جعله في كمه ليعود به إلى أهله لأكله، وفي طريق عودته مر عليهم فسأل: على من هذه الجماعة ؟ فقالوا: على الرجل الذي يزعمون أنه نبي، فشق الأعرابي الجماعة وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد، ما اشتملت النساء على ذي لهجة أكذب منك ولا أبغض منك إليَّ، ولولا أن تسميني العرب عجولا لقتلتك ولسررت الناس بقتلك، فرد النبي على الأعرابي، فرد الأعرابي على النبي مستهزءا به يقول له: وتكلمُني أيضا، اللآت والعزى لا ءامنت بك إلا أن يؤمن بك هذا الضب الميت، ثم خلع الضب الميت من يده وطرحه بين يدي رسول الله محمد وقال: إن ءامن بك هذا الضب الميت ءامنت بك، فقال عليه الصلاة والسلام للضب الميت: ” يا ضب ” فقال الضب: لبيك وسعديك يا رسول رب العالمين، بلسان عربي مبين يفهمه جميع الحاضرين، فقال له الرسول: ” ومن تعبد يا ضب ؟ قال: الله الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي الجنة رحمته وفي النار عذابه، فقال له: ” ومن أنا يا ضب ؟ قال: أنت رسول رب العالمين وخاتمُ المرسلين قد أفلحَ من صدقك وقد خاب من كذبك، فقال الأعرابي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك محمد رسول الله، والله لقد أتيتك وما على وجه الأرض أحد أبعضُ منك إلي، ووالله لأنت الساعة أحبُّ إلي من نفسي ووالدي وولدي، ولقد ءامنت بسري وعلانيتي وداخلي وخارجي، فقال عليه الصلاة والسلام: ” الحمد لله الذي هداك إلى الدين الذي يعلو ولا يُعلى عليه “.
إلى دين الإسلام، إلى دين كل الأنبياء، إلى دين كل المرسلين، إلى دين كل نبي ورسول من لدن ءادم إلى خاتم الأنبياء محمد عليهم الصلاة والسلام، هو دين كل الأنبياء، هو دين محمد عليه الصلاة والسلام، هذا محمد الذي نحبه، هذا محمد الذي نتبعه، هذا محمد الذي نعشقه، هذا محمد الذي نسأل الله شفاعته، هذا محمد الذي نسأل الله أن نراه، أن نرى محمدا في المنام على صورته الأصلية، هذا حبيبنا محمد، هذا قائدنا محمد، هذا عظيمنا محمد، هذا قرة أعيننا محمد، هذا شفيعنا بإذن الله، محمد عليه الصلاة والسلام هو الصادق المصدوق، محمد رسول الله صادق الوعد الأمين الذي يستحيل عليه الكذب، هو الصادق في جميع ما أخبر به وبلغه عن الله تعالى، ودليل صدقه هذه المعجزات التي حصلت على يديه.
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم معجزة انشقاق القمر، فقد شق صلى الله عليه وسلم القمر حتى صار فرقتين، روى البخاري وأحمد: سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم ءاية فأراهم انشقاق القمر فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل فقالوا: سحرنا محمد، فأنزل الله قوله :” اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ” القمر، والآية: هي المعجزة والأمر الخارق للعادة الذي يظهر على يد النبي تأييدا له عليه السلام فيما يدعو إليه، وقد علموا أن القمر قد شق نصفين، وهذا يدل على صدقه صلى الله عليه وسلم.
وروى البخاري أنه يوم الحديبية عطش الناس فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ” ما لكم ؟ قالوا: يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك، وكان بين يديه عليه السلام ركوةٌ فيها ماء، فوضع يده الشريفة في تلك الركوة فتفجر الماء الزلال الصافي من بين أصابعه كأمثال العيون فشرب الجيش وتوضؤوا من هذا الماء الذي خرج من بين أصابعه، سئل جابر: كم كنتم ؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة ”
ألف وخمسمائة شخص استعملوا هذا الماء فشربوا وتوضؤوا، وخبرهم هذا خبر متواتر يفيد العلم اليقيني القاطع الجازم، ألف وخمسمائة شخص لا يجتمعون بحسب العادة على كذبة، لذلك نصدق بهذا كما لو أننا رأيناه بأعيننا ولمسناه بأيدينا ولا نشك فيه.
فكما أنهم يصدقون برجل اسمه نابليون بونابارت لأن جمعا كبيرا من الناس رأوه فأخبروا جمعا كبيرا وهؤلاء أخبروا جمعا كبيرا وهكذا، فما ذكرناه لا بد أن يكون حقا وصدقا، وكما نصدق بوجود أمريكا وكندا وأستراليا ولو لم نرها إلى غير ذلك من الأمور التي علمت بالتواتر، كذلك المعجزات فقد وصلتنا بالتواتر، فإذاً سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صادق في جميع ما أخبر به وبلغه عن الله.
—————————————————————————————————-
النقطة الثامنة
- القرءان الكريم:
إن القرءان الكريم من جملة معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم بل هي أعظم معجزاته عليه السلام، فكل ما في القرءان حق، وكل ما في القرءان صدق، وفي القرءان الكريم قوله تعالى :” إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ” آل عمران، وقوله تعالى :” وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ” آل عمران.
فالذي يكون رابحا في الآخرة لا بد أن يكون على دين الإسلام، وهذه النقاط التي ذكرناها إذا ذكرت لشخص فسلم بما مر، نقول له: ادخل في دين الإسلام، قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.
بعض الناس أسلموا بعد أن ذكرت لهم هذه النقاط، وبعضهم قال أن هذه النقاط التي ذكرناها صحيحه ولكن لا نريد الدخول في الإسلام، وأحيانا نحتاج أن نظهر لهؤلاء التناقضات التي في كتابهم، فبعضهم بعد ذلك تشهدوا فدخلوا في الإسلام، وبعضهم لا بهذا ولا بغيره، قلوبهم مقفلة والمهدي من هداه الله.
إمرأة نصرانية قالت لواحد من إخواننا من أهل السنة: إذا أقنعتموني بالدليل العقلي أدخل في الإسلام، فذكر لها هذه النقاط الثمانية فوافقت عليها، فقال لها: تشهدي، أدخلي في دين الإسلام، فالله تعالى يقول :” إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ” قالت: ونحن عندنا الإنجيل، فقال لها: الذي بين أيديكم فيه أشياء أنت قلتِ عنها فيما ذكرنا من قبل أن الرب لا يوصف بها، ألم تقولي أن الرب لا يندم وقلتِ أن الرب لا يسيئ ؟ فقالت: بلى، ثم فتح لها كتابهم المسمى (العهد القديم) حيث يقولون فيه: ” فندم الرب على الشر الذي أراده بشعبه ” وقالوا: ” فتضرع موسى إلى ربه قائلا له: يا رب ارجع عن نمو غضبك واندم على الشر بشعبك “، يقولون: ” فندم الرب على الشر الذي أراده بشعبه “، فقال لها: أنت قلتِ بأن الرب لا يندم، فقالت: هذا الكتاب الذي معك غير الذي عندي، فقال لها أحضري الكتاب الذي عندك حتى أثبت لك أن فيه هذا الكلام وفيه أشياء أخرى، فقالت: الآن لا أستطيع، فقال لها: غدا، فقالت: غدا الأحد (عطلة) فقال: الإثنين، فقالت: الإثنين، قال: فاتفقنا على موعد يوم الإثنين في الساعة التاسعة مساءا بعد أن تنهي عملها، وفي الساعة الثامنة والنصف اتصلوا معه وقالوا: هي تعتذر منك كثيرا فقد طرأ لها عمل فلن تستطيع أن تأتي، ولكن لا تظن أنها تتهرب بل ستأتي، فقال: متى ؟ قالوا: هي تحدد وقتا ءاخر، فقال: في أي وقت نحن جاهزون، قال: وإلى اليوم ما زالت تأتي.