اعلم رحمك الله تعالى أن الله تعالى جعل ءايات القرءان وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم فيه المحكم وفيه المتشابه ومعنى المحكم: ماكان واضح الدلالة على المعنى المراد نحو قوله تعالى:{ليس كمثله شئ} فهذه الآية معناها أن الله لايشبه شئ ولا شئ يشبه الله. وأما المتشابه: فهو ما يحتمل أوجهاً عديدةً بحسب اللغة العربية ويحتاج للنظر للوصول إلى معناه المراد وحمله على ما يوافق الآيات المحكمات. وقد جعل الله تعالى الآيات المحكمات الأصل والمرجع الذي لا يجوز الخروج عنه عند تفسير أي نص قرءاني أو حديثي قال تعالى:{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب} معناها: أن الآيات المحكمات هن المرجع والأصل الذي لا يخرج عنه في تفسير أي آية أو حديث. والله تعالى له أن يبتلي عباده بما شاء ومن جملة ما ابتلاهم به أن جعل في القرءان والحديث المحكم والمتشابه فضلّ أناسٌ حملوا المتشابه على ظاهره وجعلوا القرءان متناقضاً والحديث كذلك وهدى الله أهل السنة والجماعة للحق والصواب ففهموا الآيات المتشابهات على وجهها المراد وفسروها على وجه ينسجم مع الآيات المحكمات فقالوا في قول الله تعالى:{الرحمن على العرش استوى} هو إخبار عن قهر الله للعرش وأنه مسيطر عليه ففي لغة العرب يقال: استوى فلان على الممالك بمعنى القهر والغلبة وليس ذلك نقصا في حق الله ولا يفيد المغالبة كما أنك إذا قلت خلق الله الخلق ليس معناه أن الله كان عاجزا ثم صار قادرا بل المعنى أوجد الله الخلق بتخليقه الأزلي ففعل الله أزلي والمفعول حادث وفائدة تخصيص العرش بالذكر دون سائر المخلوقات مع كون الله قاهر كل شئ أن العرش هو أكبر جسم خلقه الله فإذا فهم أن الله مسيطر عليه فهم أن الله مسيطر على كل شئ كما قال الله تعالى: {وهو رب العرش العظيم} مع أنه ربُ كل شئ ثم كلمة استوى في لغة العرب قال الحافظ المتبحر أبوبكر بن العربي:إن لها خمسة عشر معنى فلماذا ترك المشبهة المجسمة نفاة التوسل المعاني اللائقة بالله وحملوها على معاني الخلق من الجلوس والاستقرار والكون في جهة فوق العرش تعالى الله عن ذلك. فمن جملة معاني استوى قهر وحفظ وأبقى وهذه تليق بالله ومن جملة معانيها تم وجلس واستقر ومال عن الاعوجاجِ ونضِج وهذه المعاني تليق بالخلق ولا تليق بالخالق قال الإمام أبو جعفر الطحاوي المتوفى سنة ثلاثمائة وسبع وعشرين للهجرة عن الله: تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات وقال: ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر . ومعاني البشر كثيرة وهي صفاتهم منها الجلوس والاستقرار والقعود والكون في مكان وجهة فكل هذا لا يجوز على الله. ثم المحدود في لغة العرب معناه ماله حجم إن كان صغيرا أو كبيرا والجالس على شئ له حجم إما بقدر ماجلس عليه أو أوسع أو أقل وفي كل هذه الأحوال لا يكون إلا مخلوقا تعالى الله عن ذلك. وقوله لا تحويه الجهات الست معناه الله موجودٌ بلا مكان روى الحافظ أبو نعيم عن علي رضي الله عنه أنه قال: من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود.
أما قوله تعالى:{إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش} فثم هنا بمعنى الواو المعنى الله خلق السموات والأرض وما بينهما وهو قاهرٌ العرش الذي خلقه قبل السموات والأرض. قال الشاعر العربي:
إن من ساد ثم ساد أبوه * ثم قد ساد قبل ذلك جده
فظاهر هنا أن ثم هنا جاءت لمعنى الواو وليس لمعنى الترتيب.
وأما قوله تعالى:{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} فليس معناه أن الله يسكن في جهة فوق إنما المعنى أن الكلام الطيب كذكر الله والعمل الصالح تسجله الملائكة وترفعه إلى السماء التي هي محل كرامة الله. ثم يقال لهؤلاء المشبهة المجسمة لم لم تأخذوا بظاهر الآية {وهو معكم أين ماكنتم} فتقولوا إن الله مع كل إنسان في كل مكان والعياذ بالله ولم لم تأخذوا بظاهر قوله تعالى:{فأينما تولوا فثم وجه الله} وتقولوا إن الله يحيط بالعالم يحدق به ولم لم تأخذوا بظاهر قوله تعالى: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} فتقولوا إن الله يسكن الأرض كما يسكن السماء بزعمكم ولم لم تأخذوا بظاهر قوله تعالى:{والله من ورائهم محيط} ولم لم تأخذوا بظاهر قوله تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم} فتجعلوا بزعمكم الكفار في مكان مع الله فإن قلتم لا يليق بالله أن يكون في جهة الأرض فلذلك أولنا هذه الآيات فيقال لكم: لا يليق بالله أن يكون في جهة من الجهات لا جهة فوق ولا جهة تحت فارجعوا عن تشبيهكم لله بخلقه وإثبات جهة فوق له وإثبات الجلوس له وإثبات النزول والصعود الحقيقيين له واعتقدوا عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة الرسول والصحابة ومن تبعهم بإحسان أن الله ليس جسما وأنه موجود بلا مكان ولا جهة.
وأما قوله تعالى: {وهو العلي العظيم} فمعناه علو القدر لا المكان والجهة والعظيم أعظم من كل شئ قدرا لا حجما.
وأما قوله تعالى:{سبح اسم ربك الأعلى} فمعناه الذي هو أعلى من كل شئ قدرا.
وأما قوله تعالى: {يخافون ربهم من فوقهم} فمعناه فوقية القهر لا فوقية الجهة والمكان.
وأما ماحصل مع الرسول في المعراج فلم يقل أحد من المسلمين إن الرسول وصل إلى مكان ينتهي إليه وجود الله أو أن الرسول التقى بالله كما يلتقي المخلوق بالمخلوق بل المراد بالمعراج تشريف الرسول وتعظيم مكانته بإطلاعه على عجائب العالم العلوي ووصوله إلى مكان لم يصله أحد من البشر وإلا فإن الله تعالى كان موجودا قبل المكان قبل الجهات قبل السموات والأرض والعرش والكرسي كان موجودا بلا مكان وهو الذي يغير ولا يتغير فمازال موجودا بلا مكان. ثم المكان هو الفراغ الذي يشغله الحجم فلو كان الله في مكان لكان حجما تعالى الله عن ذلك قال تعالى: {وكل شئ عنده بمقدار} معناه خلق الله المخلوقات على مقادير مختلفة من الأحجام الكبير والصغير وما بين ذلك فهل يعقل أن يكون الخالق كشئ من خلقه تعالى الله عن ذلك.
وأما ما جاء في حديث المعراج أن موسى قال للرسول ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فليس معناه ارجع إلى المكان الذي فيه ربُك إنما معناه ارجع إلى المكان الذي تتلقى فيه الوحي من ربك لاستحالة المكان والجهة على الله. وأما قوله تعالى: {ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى} فمعناه دنا جبريل من محمد وتدلى إليه حتى كان ما بينهما قدر ذراعين بل أقرب.
وأما حديث: لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إلى ءاخره فمعناه عنديةُ التشريف لا المكان والجهة فهل يقول هؤلاء المجسمة والمشبهة في قوله تعالى: {مسومة عند ربك} إن تلك الحجارة في مكان فيه الله بزعمهم وهل يقولون في قوله تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم} إن الكفار في مكان مع الله والعياذ بالله.
واما حديث الصحيحين: “ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء“ فالمقصود به جبريل عليه السلام الذي هو رسول الوحي.كما في قول الله تعالى ءأمنتم من في السماء فقد فُسر بالملائكة كما قال الحافظ العراقي الذي روى حديث الراحمون يرحمهم الرحيم ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء فأهل السماء هم الملائكة وهذه الرواية تفسر الرواية المشهورة الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء أي الملائكة. ورحمة الملائكة لنا تكون باستغفارهم لنا والدعاء.
وأما حديث مسلم والذي فيه أن الرسول قال للجاريةِ أين الله فقالت في السماء فمعناه رفيع القدر جداً إذ لا يجوز أن يحكم الرسول بالإسلام على إنسان يجعل لله مكاناً لأن المكان من صفات الخلق وهذا الحديث كما قال الحافظ النووي من الأحاديث المتشابهة التي لا يجوز حملها على الظاهر لأن حمل النصوص المتشابهة على الظاهر يؤدي إلى التناقض والتناقض في كلام الله مستحيل.
فالحق الذي عليه الرسول والصحابة وكل المسلمين أن الله تعالى خالق كل شئ خالق الحجم اللطيف كالنور والريح والملائكة وخالق الحجم الكثيف كالإنسان والحجر والعرش وخالق صفات الأحجام كالحرارة والبرودة والحركة والسكون وهو تعالى لا يشبهها ولا يتصف بصفاتها فهو موجود بلا مكان ولا جهة أزلا وأبدا ولا يتغير.
وليحذر من المشبهة المجسمة نفاة التوسل الذين يكفرون المسلمين بلا حق ويعتقدون في الله الجسمية والجهة والمكان والجلوس والحركة والسكون تعالى الله عما يقولون وهم بذلك كذبوا قوله تعالى ليس كمثله شئ وليحذر من الحافظ الذهبي المجسم المشبه ومن كتابه المسمى العلو للعلي الغفار الذي حشاه بالتشبيه والتجسيم. كما يجب الحذر من ابن القيم الجوزية الذي هو تلميذ ابن تيمية وكلاهما مشبهان مجسمان يعتقدان في الله الجهة والمكان وقد صرحا بذلك في كتبهما فلا يجوز الاعتماد عليهما بل يجب الحذر منهما ومن كتبهما ومن اتباعهما.
نسأل الله أن يثبتنا على الحق ما أحيانا وأن يحفظنا من فتنة التشبيه وأن يكف شر هذه الفتنة عن المسلمين والله أعلم وأحكم.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
اعلم رحمك الله تعالى أن الله تعالى جعل ءايات القرءان وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم فيه المحكم وفيه المتشابه ومعنى المحكم: ماكان واضح الدلالة على المعنى المراد نحو قوله تعالى:{ليس كمثله شئ} فهذه الآية معناها أن الله لايشبه شئ ولا شئ يشبه الله. وأما المتشابه: فهو ما يحتمل أوجهاً عديدةً بحسب اللغة العربية ويحتاج للنظر للوصول إلى معناه المراد وحمله على ما يوافق الآيات المحكمات. وقد جعل الله تعالى الآيات المحكمات الأصل والمرجع الذي لا يجوز الخروج عنه عند تفسير أي نص قرءاني أو حديثي قال تعالى:{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب} معناها: أن الآيات المحكمات هن المرجع والأصل الذي لا يخرج عنه في تفسير أي آية أو حديث. والله تعالى له أن يبتلي عباده بما شاء ومن جملة ما ابتلاهم به أن جعل في القرءان والحديث المحكم والمتشابه فضلّ أناسٌ حملوا المتشابه على ظاهره وجعلوا القرءان متناقضاً والحديث كذلك وهدى الله أهل السنة والجماعة للحق والصواب ففهموا الآيات المتشابهات على وجهها المراد وفسروها على وجه ينسجم مع الآيات المحكمات فقالوا في قول الله تعالى:{الرحمن على العرش استوى} هو إخبار عن قهر الله للعرش وأنه مسيطر عليه ففي لغة العرب يقال: استوى فلان على الممالك بمعنى القهر والغلبة وليس ذلك نقصا في حق الله ولا يفيد المغالبة كما أنك إذا قلت خلق الله الخلق ليس معناه أن الله كان عاجزا ثم صار قادرا بل المعنى أوجد الله الخلق بتخليقه الأزلي ففعل الله أزلي والمفعول حادث وفائدة تخصيص العرش بالذكر دون سائر المخلوقات مع كون الله قاهر كل شئ أن العرش هو أكبر جسم خلقه الله فإذا فهم أن الله مسيطر عليه فهم أن الله مسيطر على كل شئ كما قال الله تعالى: {وهو رب العرش العظيم} مع أنه ربُ كل شئ ثم كلمة استوى في لغة العرب قال الحافظ المتبحر أبوبكر بن العربي:إن لها خمسة عشر معنى فلماذا ترك المشبهة المجسمة نفاة التوسل المعاني اللائقة بالله وحملوها على معاني الخلق من الجلوس والاستقرار والكون في جهة فوق العرش تعالى الله عن ذلك. فمن جملة معاني استوى قهر وحفظ وأبقى وهذه تليق بالله ومن جملة معانيها تم وجلس واستقر ومال عن الاعوجاجِ ونضِج وهذه المعاني تليق بالخلق ولا تليق بالخالق قال الإمام أبو جعفر الطحاوي المتوفى سنة ثلاثمائة وسبع وعشرين للهجرة عن الله: تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات وقال: ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر . ومعاني البشر كثيرة وهي صفاتهم منها الجلوس والاستقرار والقعود والكون في مكان وجهة فكل هذا لا يجوز على الله. ثم المحدود في لغة العرب معناه ماله حجم إن كان صغيرا أو كبيرا والجالس على شئ له حجم إما بقدر ماجلس عليه أو أوسع أو أقل وفي كل هذه الأحوال لا يكون إلا مخلوقا تعالى الله عن ذلك. وقوله لا تحويه الجهات الست معناه الله موجودٌ بلا مكان روى الحافظ أبو نعيم عن علي رضي الله عنه أنه قال: من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود.
أما قوله تعالى:{إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش} فثم هنا بمعنى الواو المعنى الله خلق السموات والأرض وما بينهما وهو قاهرٌ العرش الذي خلقه قبل السموات والأرض. قال الشاعر العربي:
إن من ساد ثم ساد أبوه * ثم قد ساد قبل ذلك جده
فظاهر هنا أن ثم هنا جاءت لمعنى الواو وليس لمعنى الترتيب.
وأما قوله تعالى:{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} فليس معناه أن الله يسكن في جهة فوق إنما المعنى أن الكلام الطيب كذكر الله والعمل الصالح تسجله الملائكة وترفعه إلى السماء التي هي محل كرامة الله. ثم يقال لهؤلاء المشبهة المجسمة لم لم تأخذوا بظاهر الآية {وهو معكم أين ماكنتم} فتقولوا إن الله مع كل إنسان في كل مكان والعياذ بالله ولم لم تأخذوا بظاهر قوله تعالى:{فأينما تولوا فثم وجه الله} وتقولوا إن الله يحيط بالعالم يحدق به ولم لم تأخذوا بظاهر قوله تعالى: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} فتقولوا إن الله يسكن الأرض كما يسكن السماء بزعمكم ولم لم تأخذوا بظاهر قوله تعالى:{والله من ورائهم محيط} ولم لم تأخذوا بظاهر قوله تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم} فتجعلوا بزعمكم الكفار في مكان مع الله فإن قلتم لا يليق بالله أن يكون في جهة الأرض فلذلك أولنا هذه الآيات فيقال لكم: لا يليق بالله أن يكون في جهة من الجهات لا جهة فوق ولا جهة تحت فارجعوا عن تشبيهكم لله بخلقه وإثبات جهة فوق له وإثبات الجلوس له وإثبات النزول والصعود الحقيقيين له واعتقدوا عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة الرسول والصحابة ومن تبعهم بإحسان أن الله ليس جسما وأنه موجود بلا مكان ولا جهة.
وأما قوله تعالى: {وهو العلي العظيم} فمعناه علو القدر لا المكان والجهة والعظيم أعظم من كل شئ قدرا لا حجما.
وأما قوله تعالى:{سبح اسم ربك الأعلى} فمعناه الذي هو أعلى من كل شئ قدرا.
وأما قوله تعالى: {يخافون ربهم من فوقهم} فمعناه فوقية القهر لا فوقية الجهة والمكان.
وأما ماحصل مع الرسول في المعراج فلم يقل أحد من المسلمين إن الرسول وصل إلى مكان ينتهي إليه وجود الله أو أن الرسول التقى بالله كما يلتقي المخلوق بالمخلوق بل المراد بالمعراج تشريف الرسول وتعظيم مكانته بإطلاعه على عجائب العالم العلوي ووصوله إلى مكان لم يصله أحد من البشر وإلا فإن الله تعالى كان موجودا قبل المكان قبل الجهات قبل السموات والأرض والعرش والكرسي كان موجودا بلا مكان وهو الذي يغير ولا يتغير فمازال موجودا بلا مكان. ثم المكان هو الفراغ الذي يشغله الحجم فلو كان الله في مكان لكان حجما تعالى الله عن ذلك قال تعالى: {وكل شئ عنده بمقدار} معناه خلق الله المخلوقات على مقادير مختلفة من الأحجام الكبير والصغير وما بين ذلك فهل يعقل أن يكون الخالق كشئ من خلقه تعالى الله عن ذلك.
وأما ما جاء في حديث المعراج أن موسى قال للرسول ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فليس معناه ارجع إلى المكان الذي فيه ربُك إنما معناه ارجع إلى المكان الذي تتلقى فيه الوحي من ربك لاستحالة المكان والجهة على الله. وأما قوله تعالى: {ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى} فمعناه دنا جبريل من محمد وتدلى إليه حتى كان ما بينهما قدر ذراعين بل أقرب.
وأما حديث: لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إلى ءاخره فمعناه عنديةُ التشريف لا المكان والجهة فهل يقول هؤلاء المجسمة والمشبهة في قوله تعالى: {مسومة عند ربك} إن تلك الحجارة في مكان فيه الله بزعمهم وهل يقولون في قوله تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم} إن الكفار في مكان مع الله والعياذ بالله.
واما حديث الصحيحين: “ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء“ فالمقصود به جبريل عليه السلام الذي هو رسول الوحي.كما في قول الله تعالى ءأمنتم من في السماء فقد فُسر بالملائكة كما قال الحافظ العراقي الذي روى حديث الراحمون يرحمهم الرحيم ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء فأهل السماء هم الملائكة وهذه الرواية تفسر الرواية المشهورة الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء أي الملائكة. ورحمة الملائكة لنا تكون باستغفارهم لنا والدعاء.
وأما حديث مسلم والذي فيه أن الرسول قال للجاريةِ أين الله فقالت في السماء فمعناه رفيع القدر جداً إذ لا يجوز أن يحكم الرسول بالإسلام على إنسان يجعل لله مكاناً لأن المكان من صفات الخلق وهذا الحديث كما قال الحافظ النووي من الأحاديث المتشابهة التي لا يجوز حملها على الظاهر لأن حمل النصوص المتشابهة على الظاهر يؤدي إلى التناقض والتناقض في كلام الله مستحيل.
فالحق الذي عليه الرسول والصحابة وكل المسلمين أن الله تعالى خالق كل شئ خالق الحجم اللطيف كالنور والريح والملائكة وخالق الحجم الكثيف كالإنسان والحجر والعرش وخالق صفات الأحجام كالحرارة والبرودة والحركة والسكون وهو تعالى لا يشبهها ولا يتصف بصفاتها فهو موجود بلا مكان ولا جهة أزلا وأبدا ولا يتغير.
وليحذر من المشبهة المجسمة نفاة التوسل الذين يكفرون المسلمين بلا حق ويعتقدون في الله الجسمية والجهة والمكان والجلوس والحركة والسكون تعالى الله عما يقولون وهم بذلك كذبوا قوله تعالى ليس كمثله شئ وليحذر من الحافظ الذهبي المجسم المشبه ومن كتابه المسمى العلو للعلي الغفار الذي حشاه بالتشبيه والتجسيم. كما يجب الحذر من ابن القيم الجوزية الذي هو تلميذ ابن تيمية وكلاهما مشبهان مجسمان يعتقدان في الله الجهة والمكان وقد صرحا بذلك في كتبهما فلا يجوز الاعتماد عليهما بل يجب الحذر منهما ومن كتبهما ومن اتباعهما.
نسأل الله أن يثبتنا على الحق ما أحيانا وأن يحفظنا من فتنة التشبيه وأن يكف شر هذه الفتنة عن المسلمين والله أعلم وأحكم.