الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله وسلم على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين .
ليعلمْ أنّ أحمدَ بنَ تيميةَ، وُلِدَ بحرّانَ ببيتِ علمٍ منَ الحنابلةِ، وكانَ أبوه رجلًا هادئًا أكرمَه علماءُ الشامِ ورجالُ الحكومةِ حتّى وَلَّوْه عدَّةَ وظائفَ علميةٍ مساعدةً له، وبعدَ أن ماتَ والدُه ولَّوا ابنَ تيميةَ هذا وظائفَ والدِه بل حضروا درسَه تشجيعًا له على المضيِّ في وظائفِ والدِه وأثنَوْا عليه خيرًا . لكنَّ ثناءَ هؤلاءِ غرَّ ابن تيميةَ ولم ينتبهْ إلى الباعثِ على ثنائِهم، فبدأ يذيعُ بِدَعًا بينَ حينٍ وءاخر، فتخلَّوا عنه واحدًا إثرَ واحدٍ على توالي فِتَنِهِ .
ثمَّ إنَّ ابنَ تيميةَ وإن كانَ ذاعَ صيتُه وكَثُرَتْ مؤلّفاتُه وأتباعُه، هوَ كما قالَ فيه المحدثُ الحافظُ الفقيهُ وليُّ الدين العراقيّ في كتاب [ الأجوبة المرضية على الأسئلة المكية ] : ” إنّه خَرَقَ الإجماعَ في مسائلَ كثيرةٍ قيلَ تبلغُ ستينَ مسألةً بعضُها في الأصولِ – أي في العقائدِ – وبعضُها في الفروعِ – أي في الفقه – خالف فيها بعدَ انعقادِ الإجماع عليها ” اهـ . وتَبِعَه على ذلكَ خلقٌ من العوامِ وغيرُهم، فأسرعَ علماء عصرِه في الرَّدِّ عليه وتبديعِه، منهم الإمامُ الحافظُ تقيُّ الدينِ عليُّ بنُ عبدِ الكافي السبكيُّ قال في الدُّرَّةِ المُضِيَّةِ(1) ما نصُّه : ” أما بعدُ، فإنّه لمّا أحدثَ – أي ابتدعَ – ابنُ تيميةَ ما أحدثَ في أصولِ العقائدِ، وتقضَ مِنْ دعائِمِ الإسلامِ الأركانَ والمعاقدِ، بعدَ أنْ كانَ مستترًا بتبعيّة الكتابِ والسنةِ، مظهِرًا أنه داعٍ إلى الحقِّ هادٍ إلى الجنّةِ فَخَرَجَ عن الاتباعِ إلى الابتداعِ، وشذَّ عن جماعةِ المسلمينَ بمخالفةِ الإجماعِ، وقال بما يقتضي الجسميةَ والتركيبَ في الذاتِ المقدسِ ” اهـ .
وأمّا مقالاتُه التي خالفَ فيها في أصولِ الدينِ فمنها قوله : ” إنَّ العالمَ قديمٌ بالنوعِ ولم يزلْ مع اللهِ مخلوقٌ دائمًا “، ومنها قولُه بالجسميةِ والجهةِ والانتقالِ، وهو مردودٌ .
وصرَّحَ في بعضِ تصانيفِه بأنَّ اللهَ تعالى بقدْرِ العرشِ لا أكبر منه ولا أصغر، تعالى اللهُ عنْ ذلكَ، ومنها قولُه إن الأنبياءَ عليهم السلام غير معصومين، وإن نبيَّنا عليه الصلاة والسلام ليس له جاهٌ ولا يتوسلُ به أحدٌ إلا ويكونُ مخطئًا، وأنّ إنشاءَ السفرِ لزيارةِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم معصيةٌ لا تُقْصَرُ فيها الصلاةُ، وبالغَ في ذلكَ ولم يقلْ بها أحدٌ من المسلمينَ قبلَه . وأنَّ عذابَ أهلِ النار ينقطعُ ولا يتأبَّدُ، حكاهُ بعضُ الفقهاءُ عنْ تصانيفِه .
وقد استُتيبَ مرات وهو ينقضُ مواثيقَه وعهودَه في كلِّ مرةٍ حتى حُبِسَ بفتوى مِنَ القُضاةِ الأربعةِ الذينَ أحدُهم شافعيٌّ وهو القاضي بدرُ الدينِ محمدُ بنُ إبراهيم بن جماعة، والآخرُ مالكيٌّ وهو القاضي محمدُ بنُ أبي بكرٍ، والآخرُ حنفيٌّ وهو القاضي محمدُ بنُ حرير الأنصاريُّ، والآخرُ حنبليٌّ وهو القاضي أحمدُ بن عمر المقدسيُّ، – ذكرَ ابنُ المعلمِ القرشيُّ في كتاب [ نجم المهتدي ورجم المعتدي ] أن القضاةَ الأربعة حكموا على ابن تيميةَ بالحبسِ – وحكموا عليه بأنّه ضالٌّ يجبُ التحذيرُ منه كما قال ابنُ شاكر الكُتُبي في عيونِ التاريخِ وهو من تلامذةِ ابن تيميةَ، وأصدَرَ الملكُ محمدُ بن قلاوون منشورًا ليُقْرَأَ على المنابرِ في مصرَ وفي الشامِ للتحذيرِ منه ومِنْ أتباعِه واعْتُقِلَ بالقلعَةِ إلى أنْ ماتَ سنةَ 728 هـ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر مقدمة الدرة المضية للإمام السبكي
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله وسلم على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين .
ليعلمْ أنّ أحمدَ بنَ تيميةَ، وُلِدَ بحرّانَ ببيتِ علمٍ منَ الحنابلةِ، وكانَ أبوه رجلًا هادئًا أكرمَه علماءُ الشامِ ورجالُ الحكومةِ حتّى وَلَّوْه عدَّةَ وظائفَ علميةٍ مساعدةً له، وبعدَ أن ماتَ والدُه ولَّوا ابنَ تيميةَ هذا وظائفَ والدِه بل حضروا درسَه تشجيعًا له على المضيِّ في وظائفِ والدِه وأثنَوْا عليه خيرًا . لكنَّ ثناءَ هؤلاءِ غرَّ ابن تيميةَ ولم ينتبهْ إلى الباعثِ على ثنائِهم، فبدأ يذيعُ بِدَعًا بينَ حينٍ وءاخر، فتخلَّوا عنه واحدًا إثرَ واحدٍ على توالي فِتَنِهِ .
ثمَّ إنَّ ابنَ تيميةَ وإن كانَ ذاعَ صيتُه وكَثُرَتْ مؤلّفاتُه وأتباعُه، هوَ كما قالَ فيه المحدثُ الحافظُ الفقيهُ وليُّ الدين العراقيّ في كتاب [ الأجوبة المرضية على الأسئلة المكية ] : ” إنّه خَرَقَ الإجماعَ في مسائلَ كثيرةٍ قيلَ تبلغُ ستينَ مسألةً بعضُها في الأصولِ – أي في العقائدِ – وبعضُها في الفروعِ – أي في الفقه – خالف فيها بعدَ انعقادِ الإجماع عليها ” اهـ . وتَبِعَه على ذلكَ خلقٌ من العوامِ وغيرُهم، فأسرعَ علماء عصرِه في الرَّدِّ عليه وتبديعِه، منهم الإمامُ الحافظُ تقيُّ الدينِ عليُّ بنُ عبدِ الكافي السبكيُّ قال في الدُّرَّةِ المُضِيَّةِ(1) ما نصُّه : ” أما بعدُ، فإنّه لمّا أحدثَ – أي ابتدعَ – ابنُ تيميةَ ما أحدثَ في أصولِ العقائدِ، وتقضَ مِنْ دعائِمِ الإسلامِ الأركانَ والمعاقدِ، بعدَ أنْ كانَ مستترًا بتبعيّة الكتابِ والسنةِ، مظهِرًا أنه داعٍ إلى الحقِّ هادٍ إلى الجنّةِ فَخَرَجَ عن الاتباعِ إلى الابتداعِ، وشذَّ عن جماعةِ المسلمينَ بمخالفةِ الإجماعِ، وقال بما يقتضي الجسميةَ والتركيبَ في الذاتِ المقدسِ ” اهـ .
وأمّا مقالاتُه التي خالفَ فيها في أصولِ الدينِ فمنها قوله : ” إنَّ العالمَ قديمٌ بالنوعِ ولم يزلْ مع اللهِ مخلوقٌ دائمًا “، ومنها قولُه بالجسميةِ والجهةِ والانتقالِ، وهو مردودٌ .
وصرَّحَ في بعضِ تصانيفِه بأنَّ اللهَ تعالى بقدْرِ العرشِ لا أكبر منه ولا أصغر، تعالى اللهُ عنْ ذلكَ، ومنها قولُه إن الأنبياءَ عليهم السلام غير معصومين، وإن نبيَّنا عليه الصلاة والسلام ليس له جاهٌ ولا يتوسلُ به أحدٌ إلا ويكونُ مخطئًا، وأنّ إنشاءَ السفرِ لزيارةِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم معصيةٌ لا تُقْصَرُ فيها الصلاةُ، وبالغَ في ذلكَ ولم يقلْ بها أحدٌ من المسلمينَ قبلَه . وأنَّ عذابَ أهلِ النار ينقطعُ ولا يتأبَّدُ، حكاهُ بعضُ الفقهاءُ عنْ تصانيفِه .
وقد استُتيبَ مرات وهو ينقضُ مواثيقَه وعهودَه في كلِّ مرةٍ حتى حُبِسَ بفتوى مِنَ القُضاةِ الأربعةِ الذينَ أحدُهم شافعيٌّ وهو القاضي بدرُ الدينِ محمدُ بنُ إبراهيم بن جماعة، والآخرُ مالكيٌّ وهو القاضي محمدُ بنُ أبي بكرٍ، والآخرُ حنفيٌّ وهو القاضي محمدُ بنُ حرير الأنصاريُّ، والآخرُ حنبليٌّ وهو القاضي أحمدُ بن عمر المقدسيُّ، – ذكرَ ابنُ المعلمِ القرشيُّ في كتاب [ نجم المهتدي ورجم المعتدي ] أن القضاةَ الأربعة حكموا على ابن تيميةَ بالحبسِ – وحكموا عليه بأنّه ضالٌّ يجبُ التحذيرُ منه كما قال ابنُ شاكر الكُتُبي في عيونِ التاريخِ وهو من تلامذةِ ابن تيميةَ، وأصدَرَ الملكُ محمدُ بن قلاوون منشورًا ليُقْرَأَ على المنابرِ في مصرَ وفي الشامِ للتحذيرِ منه ومِنْ أتباعِه واعْتُقِلَ بالقلعَةِ إلى أنْ ماتَ سنةَ 728 هـ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر مقدمة الدرة المضية للإمام السبكي