هذا جزء من رد على المدعو ناصر الدين الالباني الذي اقدم على تصحيح وتضعيف احاديث استقلالا وهو ليس اهلا لذلك.
نصيحة عامة في بيان من له حق التصحيح والتضعيف
أيها القرّاء هاكم ميزانا يعرف به من له حق التصحيح والتضعيف في الحديث ومن ليس له ذلك ومن هو الحافظ. التصحيح والتضعيف من وظيفة الحافظ، فلنقدّم تعريف الحافظ الذي له أهلية ذلك ثم لنتبعه بنصوص علم الحديث القاضية باختصاص الحافظ بذلك دون من سواه.
ففي “التدريب شرح التقريب مختصر علوم الحديث ” عن الحافظ تقي الدين السبكي ما لفظه (1):”أنه سأل شيخه الحافظ جمال الدين المِزيّ عن حد الحفظ الذي إذا انتهى إليه الرجل جاز أن يطلق عليه الحافظ؟ قال: يرجع إلى أهل العرف، فقلت: وأين أهل العرف؟ قليل جدّا، قال: أقل ما يكون أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم ليكون الحكم للغالب، فقلت له: هذا عزيز في هذا الزمان” اهـ. ثم ذكر (2) عن الحافظ ابن سيد الناس أن الحافظ من توسع في معرفة الحديث رواية ودراية وجمع الروايات والاطلاع على كثير من الرواة رالروايات في عصره بحيث يكون ما يعرفه من شيوخه وشيوخ شيوخه طبقة بعد طبقة أكثر مما يجهله منها.
ثم قال السيوطي (3): “وسأل شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر شيخه أبا الفضل العراقي فقال: ما يقول سيدي في الحد الذي إذا بلغه الطالب في هذا الزمان استحق أن يسمى حافظا، وهل يُتسامح بنقص بعض الأوصاف التي ذكرها المِزيّ وأبو الفتح في ذلك لنقص زمانه أم لا؟ فأجاب: الاجتهاد في ذلك يختلف باختلاف غلبة الظن في وقت ببلوغ بعضهم للحفظ وغلبته في وقت ءاخر، وباختلاف من يكون كثير المخالطة للذي يصفه بذلك، وكلام المِزيّ فيه ضيق، بحيث لم يسم ممن رءاه بهذا الوصف إلا الدمياطي وأما كلام أبي الفتح فهو أسهل بأن ينشط بعد معرفة شيوخه إلى شيوخ شيوخه وما فوق” اهـ.
ثم قال السيوطي (4): “ومن ألفاظ الناس في معنى الحفظ قال ابن مهدي الحفظ: الإتقان ” اهـ، ثم قال (5): “ومما روي فى قدر حفظ الحفاظ قال أحمد بن حنبل: انتقيت المسند من سبعمائة ألف حديث وخمسين ألف حديث ” اهـ، ثم قال (6): “وقال البخاري: احفظ مائة ألف حديث: صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، وقال مسلم: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة” اهـ.
ثم قال عن الحاكم (7): “وسمعت أبا بكر- يعني ابن أبي دارم الحافظ بالكوفة- يقول: كتبت بأصابعي عن مطين مائة ألف حديث” أهـ.
ثم من المهم في هذا العلم التلقي كما ذكر الحافظ السِّلفي فقال في أبيات له منها هذان البيتان:
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
بادِر إلى حفظ الحديث وكتبه واجهدْ على تصحيحه من كتبه
واسمعه من أشياخه نقلا كما سمعوه من أشياخهم تسعد به
وقال ابن الصلاح في علوم الحديث (8): “وأما التصحيف فسبيل السلامة الأخذ من أفواه أهل العلم أو الضبط، فإن من حرم ذلك وكان اخذه وتعلمه من بطون الكتب كان من شأنه التحريف ولم يفلت من التبدبل والتصحيف” اهـ.
اخبرنا هل ينطبق عليك هذا الوصف، وهل يعرف لك شيوخ في الحديث وسماع من ألفاظهم، ولا أراك إلا مطالعا من المطالعين، وهل قرأت في ترجمة لحافظ أو محدث أنه اقتصر على المطالعة من غير أن يدور على الشيوخ ويسمع منهم كما سمعوا ممن قبلهم على عادة أهل الإسناد؟.
ثم لنقارن بين ما كان يوجد من كتب الحديث على اختلاف أنواعها في تلك العصور وما يوجد بين أيدينا اليوم منها ليعلم بُعد البون بين من يتسور مرتبة صناعة التصحيح والتضعيف ممن هو بين أظهرنا اليوم وبين أهل الحفظ والصناعة الصادقين المحققين الذين هم أهلها.
ذكر الحافظ ابن حجر في “التلخيص الحبير”- أنه مرّ لاستقصاء طرق حديث: “إنما الأعمال بالنيات” على أكثر من ثلاثة ءالاف جزء من الأجزاء الحديثة (9). وهذه الأجزاء في عرفهم ما عدا الجوامع والمسانيد والمعاجم والمشيخات والأطراف ولا يوجد اليوم بين أظهرنا أكثر من خمسين جزءا.
سلوا عصرينا هذا الذي نحن بصدد الرد عليه كم عنده من هذه الأجزاء وكم رأت عيناه منها؟ فالسنن الستة من قبيل الجوامع، ومسانيد أحمد والبزار وأبي يعلى من قبيل المسانيد، والمعاجم ما كان من قبيل معجم الطبراني.
وأجمع كتاب للمتون يوجد بين أظهرنا اليوم “الجامع الكبير للسيوطي”، قال عنه بعض تلاميذه انه يحتوي على ثمانين ألف حديث. وهو عزيز الوجود اليوم توجد نسخة كاملة بزبيد، ونسخة بعكا، ونسخة هنا بدمشق بيد رجل، ونسخة بمصر (طبع مؤخرا(.
وأما “سنن البيهقي” وهو أكبر كتاب حجما في الحديث يقتنيه الواحد منا (قبل ان يطبع الجامع الكبير) لكنه لا يحتوي على نصف ما يحتوي عليه “الجامع الكبير”.
فاذا وضح هذا وتقرر فلنشرع في إيراد نصوص كتب الحديث على أن التصحيح والتضعيف على الاستقلال من وظيفة الحافظ لا غير، وهذا هو المقصود الأَوّلي من النصيحة.
قال الحافظ السيوطي في ألفيته (10) في علم الأثر:
وخذه حيث حـافط عليه نص ومن مصنف بجـمعه يخص
وقال الحافظ سراج الدين البلقيني كما في “التدريب” (11): “الحسن لما توسط بين الصحيح والضعيف عند الناظر كان شيئا ينقدح في نفس الحافظ،
وقد تقصر عبارته عنه كما قيل في الاستحسان فلذلك صعب تعريفه وسبقه إلى ذلك ابن كثير” اهـ.
ففيه كما ترى اشتراط الحفظ في التحسين وأنه من خصائص الحافظ وبالأولى التصحيح (12).
وقال النووي في مختصر علوم الحديث (13) : “وقولهم: حديث حسن الإسناد أو صحيحه دون قولهم حديث صحيح أو حسن، لأنه قد يصح أو يحسن الإسناد دون المتن لشذوذ أو علة، فإن اقتصر على ذلك حافظ معتمد فالظاهر صحة المتن وحسنه ” اهـ.
وقال السيوطي من التدريب تفريعا على قول النووي في المتن المذكور ءانفا ما نصه: “من رأى في هذه الأزمان حديثا صحيح الإسناد في كتاب
أو جزء ولم ينص على صحته حافظ معتمد، قال الشيخ:- يعني ابن الصلاح-: لا يحكم بصحته لضعف أهلية أهل هذه الأزمان، والأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته” انتهى كلام النووي (14) ما نصه (15): “ولم يتعرض المصنف ومن بعده كابن جماعة وغيره ممن اختصر ابن الصلاح، والعراقي في الألفية، والبلقيني، وأصحاب النكت إلا للتصحيح فقط وسكتوا عن التحسين” اهـ.
ثم قال (16): “ثم تأملت كلام ابن الصلاح فرأيته سوى بينه وبين التصحيح حيث قال: “فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في كتبهم” وقد منع فيما سيأتي، ووافقه عليه المصنف وغيره، أن يجزم بتضعيف الحديث اعتمادا على ضعف إسناده لاحتمال أن يكون له إسناد صحيح غيره. ولا شك أن الحكم بالوضع أولى بالمنع قطعا إلا حيث لا يخفى كالأحاديث الطوال الركيكة التي وضعها القصاص أو ما فيه مخالفة للعقل أو الإجماع ” اهـ.
فهذا صريح في دفع ما صنع هذا الكاتب من الإقدام على التضعيف للأحاديث المذكورة من غير أن يكون له في ذلك سلف صرح بذلك، وهو يعلم من نفسه أنه ليس بحافظ بل ولا عشر الحافظ في المعنى، ألا فاعجبوا له، ثم اعجبوا.