الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين وبعد:ـ
ومن جملة أباطيل حزب التحرير قولهم بجواز مصافحة الرجل المرأة الأجنبية مُدعين أن الرسول صافح النساء عند مبايعته للنساء وذلك بدليل حديث أم عطية المروي في البخاري ذكروا ذلك في كتاب الخلافة والكتاب المسمى بالشخصية الإسلامية. وقال حزب التحرير في منشور لهم بتاريخ 7/4/1980 الموافق 21 جمادى الأولى 1400هـ ما نصه: وإذا أمعنا النظر في الأحاديث التي فهم منها بعض الفقهاء تحريم المصفحة نجد أنها لا تتضمن تحريما أو نهيا.اهـ وختموا منشورهم هذا بقولهم: وما يصدق على المصافحة يصدق على القبلة.اهـ
وأما حديث البخاري الذي استدل به حزب التحرير على دعواهم بجواز مصافحة الرجل المرأة الأجنبية وهي غير المحارم فهو تحريف للكلم عن مواضعه فليس في الحديث ما يُشير إلى أن النبي كانت مبايَـعَـتُه للنساء بالمصافحة بدليل ما رواه ابن حبان في صحيحه باب بيعة الأئمة وما يُستحب لهم: عن أميمة بنت رقيقة وإسحق بن راهويه عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لا أصافح النساء. والحديث صحيح صححه ابن حبان وإسناد إسحق بن راهويه قال فيه الحافظ ابن حجر أمير المؤمنين بالحديث: حسنٌ.
وأما قول أم عطية في البخاري: بايعنا النبي فقرأ علينا: {أن لا يُشركن بالله شيئا} ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة منّـا يدها فقالت: فلانة أسعدتني وأنا أريد أن أجزيها فذهبت ثم رجعت. يُجاب عنه بأنه ليس نصا في مس الجلد للجلد خلافا لـما فهمه حزب التحرير من أنه نص في المصافحة وهو فهم فاسد، وإنما يتعين تأويله على معنى أنهن كُنَّ يُـشرنَ بأيديهن عند المبايعة بلا مماسة توفيقا بين الحديثين الثابتين لأنه يتعين الجمع بين الحديثين إذا كان كل واحد منهما ثابتا أي كان كلٌّ منهما صحيحا أو كان أحدهما صحيحا والآخر حسنا، ولا يجوز إلغاء أحدهما.
والذي يدل أيضا أن المبايعة لم تكن بطريق المصافحة إنما بالقول ما رواه البخاري في الصحيح ولفظه: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه أخبرني عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر من المؤمنات بهذه الآية: {ياأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يُبايعنك} إلى قوله: {غفور رحيم} قال عروة: قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد بايعتك كلاما، ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما بايعهن إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك.اهـ فهل بعد كلام عائشة يُعول على كلام أراذل من الناس شذوا وحرفوا الكلم عن موضعه وقالوا بما لم يقل به عالم قط، فلو كانت المبايعة بالمصافحة كما زعموا لكان في كلام عائشة هذا تناقض. فمن أخبر بالحادثة وكيفية مبايعة النبي النساء عائشة أم حزب التحرير؟؟.
وأما قولها: فقبضت امرأة منّـا يدها فهذا ليس فيه تصريح بأن غيرها من النساء صافحن بلا حائل كما يدعي حزب التحرير.
ثم إن المبايعة ليس من شرطها مس الجلد بالجلد بل هي عبارة عن المعاقدة والمعاهدة كما قال ابن المنظور في لسان العرب ما نصه: “وبايعه عليه مبايعة: عاهده” وفي الحديث: ألا تبايعوني على الإسلام، هو عبارة عن المعاقدة والمعاهدة فليست المبايعة من شرطها لغة وشرعا مس الجلد للجلد، فالمبايعة تصدق على المبايعة بلا مس ولكن للتأكيد بايع النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة في بيعة الرضوان بالأخذ باليد وقد تكون المبايعة بالمكاتبة.
ثم إن حديث البخاري جاء مفسرا عند أبي داود في المراسيل بأن المبايعة كانت تقع بحائل فقد روى أبو داود في المراسيل عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أُتيَ بـبُردٍ قَطَري فوضعه على يده وقال: لا أصافح النساء. وروى عبد الرزاق في مصنفه من طريق إبراهيم النخعي مرسلا نحوه، وكذلك روى سعيد بن منصور من طريق قيس بن أبي حازم. وأخرج مثل رواية أبي داود أيضا يحيى بن سلام في تفسيره عن الشَعبي أنهنّ كنَّ يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوب. وفي هذا رد لمزاعم التحريرية من أن المبايعة كانت تقع بالمصافحة بلا حائل.
وروى ابن إسحق في المغازي من رواية موسى بن بُكير عن قيس بن أبي حازم عن أبان بن صالح أنه صلى الله عليه وسلم كان يغمس يده في إناء فتغمس المرأة يدها فيه، قال الحافظ ابن حجر في الفتح ما نصه: ويحتمل أن يكون المصافحة بحائل مرة والمبايعة بغمس يده في الماء في إناء وغمس المرأة المُبايِعَة يدها فيه.أي مرة أخرى.
والذي يدل أيضا على أن مبايعة النبي للنساء لم تكن بالمصافحة بلا حائل ما رواه النسائي والطبري من طريق محمد بن المنكدر أن أميمة بنت رُقيقةَ ـ بضم الراء مصغر ـ أخبرته أنها دخلت في نسوة تبايع فقلن يا رسول الله ابسط يدك نصافحك، فقال: إني لا أصافح النساء ولكن سآخذ عليكن، فأخذ علينا حتى بلغ {ولا يعصينَكَ في معروف} وقال: فيما أطقتن واستطعتنَّ، فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا. وعند ابن حبان: إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة، وفي رواية الطبري زيادة قالت: وما صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم منا أحدا.
فبهذا البيان بطل تأويل التحريرية أتباع حزب التحرير ما أخرجه البخاري في الصحيح من قول عائشة: والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، بأن نفيها محمول على حسب علمها لا على الواقع.
ثم إن تمسك حزب التحرير بما ورد في الحديث: أنه مد يده على دعواهم أن المبايعة كانت بالمصافحة بغير حائل فهو تممسك واه واه لأنه لا يلزم من مدّ يده صلى الله عليه وسلم من خارج البيت ومدّهنّ أيديهن من داخل البيت ثم قال: اللهم اشهد، المصافحة بمس اليد باليد، فكيف يحتجون بهذا على ردّ حديث أميمة بنت رقيقة وحديث أسماء بنت يزيد قوله صلى الله عليه وسلم: إني لا أصافح النساء، وهذا شأن من يخوض في الاستدلال بالحديث لهوى في نفسه من غير أن يكون له إلمام بالحديث،.
ويدل أيضا على حرمة مصافحة المرأة الأجنبية ما رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار والبيهقي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن أحدكم في رأسه بمخيط من حديد خيرٌ لـه من أن يَمسَّ امرأة لا تحل لـه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد والمنذري في الترغيب والترهيب: ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح. وحسنه الحافظ ابن حجر .
ثم إن تأويل حزب التحرير المسَّ الوارد بالحديث بمعنى الجماع فهو عبث بالنصوص لأن تفسير المس بالجماع مجاز ولا يعدل إلى المجاز إلا بدليل عقلي أو نقلي بشرط أن يكون العقلي قطعيا والنقلي ثابتا وفي غير ذلك تأويل النص من الحقيقة إلى المجاز عبث بالنص كما ذكر الأصوليون من الشافعية والحنفية وغيرهم لأن النصوص تصان عن العبث.
فتبين أن حزب التحرير افتروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبوا عائشة رضي الله عنها وحرفوا اللغة العربية وأباحوا ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وردوا النصوص الواردة بحرمة مصافحة الرجل المرأة الأجنبية وهي غير محارمه.
ثم إن دعوى حزب التحرير أن حديث الطبراني في تحريم مصافحة الرجلالمرأة الأجنبية من قبيل خبر الآحاد وخبر الآحاد لا يعمل به في الأحكام فالجواب على ذلك بما قرره علما الأصول من أن خبر الآحاد حجة كالشيخ الإمام الأصولي المتبحر أبي إسحق الشيرازي حيث قال في كتابه التبصرة ما نصه: مسألة: يجب العمل بخبر الواحد من جهة الشرع.اهـ وكذا نقل النووي في شرحه على مسلم عن جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول العمل بخبر الواحد حيث قال النووي ما نصه: والشرع قد جاء بوجوب العمل بخبر الواحد.اهـ
فقول حزب التحرير بجواز مصافحة الرجل المرأة الأجنبية بلا حال اجتهاد على خلاف النص فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العين تزني وأن اليد تزني، روى مسلم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال: واليد زناها البطش. والبطش هو الإمساك باليد لأن البطش لـه معنيان في اللغة: أحدهما الأخذ بعنف والثاني عمل اليد. قال الفيومي في المصباح: “بطشت اليد: عملت”، والمراد بالبطش الوارد في حديث: وزنى اليد البطش، هو الإمساك باليد بمصافحة أو غمز لشىء من بدنها للتلذذ والاستمتاع بها، أو لغير ذلك بدون حائل فلو لم يرد نص شرعي على حرمة مصافحة الرجل المرأة الأجنبية إلا هذا لكفى، فلا جواب لحزب التحرير عن هذا الحديث، فلو كان المراد بالبطش الجماع في هذا الحديث لم يقل النبي بعد ذلك: والفرج يصدق ذلك أو يُكذبه، فالمسألة ظاهرةو ليس فيها خفاء فلم يبق للتحريرية إلا المكابرة.
فانظر أيها القارىء إلى فساد قولهم: إنه لا يحرم المشيُ للزنى ولا تحرم قبلة الرجل للمرأة الأجنبية وبالعكس وكذا الغمز والمص ولمس ثوب المرأة بشهوة وعدّوا كل ذلك من المباحات، أليس هذا الكلام فخالفا لحديث الطبراني الذي ذُكر آنفا ولحديث مسلم: كُتب على ابن ءادم نصيبه من الزنى مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرِجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويُصدق ذلك الفرج ويكذبه. وعند أبي داود: واليدان تزنيان فزناهما البطش والرجلان تزنيان فزناهما المشي والفم يزني فزناهُ القُبَل. وما فعلوه ردا للنصوص ورد النصوص كفر كما قال الإمام النسفي.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website