القول بذلك لا نَعتبره صحيحًا، سيّدُنا عمر قبلَ أن يُسلِم كان جَافيًا غلِيظًا ثم بعدَ أن أسلَم انقلَبَ رحيمًا بالمؤمنين شفِيقًا علَيهم لصَغِيرهم وكبيرِهم ووجِيْهِهم وخَامِلهم، وُجِدَ فيما مضَى نَبيّ أبوه كافرٌ ونبيّ ابنُه كافر. قَد يكتَسبُ الإنسانُ الخُلُقَ الحسَن مِن صاحبٍ لهُ وقد يكتَسِبُ خِلاف ذلك بطريق الصُّحبَة.
حُسنُ الخُلق قد يكون جِبِلّيًّا وقد يكونُ مُكتَسبًا، بعضُ الناس ينشؤون مِن أصل نَشأتهم على أخلاقٍ حَسَنة وبعضُ الناس بعدَ أن كانُوا شَرسين وعلى حالةٍ عَسِرةٍ يَنقَلبُون إلى عَكس ذلك، لذلكَ وَفدُ عبدِ القَيس زعيمُهم لما جاءَ إلى رسولِ الله قال لهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم “إنّ فِيكَ لخَصلتَين يُحبّهُما اللهُ” فقال يا رسولَ الله هل ذلك شىءٌ جُبِلتُ عليه أم اكتَسبتُه قال “بل جُبِلتَ عليه، فقال: الحمدُ لله الذي جبَلَني على خُلُقَين يُحبُّهما الله” رواه البخاري في الأدب المفرد ورواه مسلم وابن حبان ووغيرهم، معناهُ أنتَ مِن أصلِ نَشأتِك هكذا، قال فيكَ الحِلمُ والأناةُ، فحمِدَ الله تعالى على أنّ اللهَ جبَلَه على خلُقَين يحبُهُما اللهُ ورسولُه، مِن هذا الحديث نَأخُذُ أنّ الإنسانَ قَد يكونُ مِن أوّل نشأتِه على أخلاقٍ حَسَنةٍ مَرضيّة وقد يكونُ على خِلافِ ذلك في أوّل نَشأته ثم يكتَسب بصحبةٍ أو بطريقِ الدّراسة (خلقًا حسَنًا)، كم مِنَ الناس كانوا أهلَ فظَاظةٍ وغِلْظةٍ ثم انقَلبُوا إمّا بصُحبةِ أُناسٍ طيّبينَ وإمّا بتَعلّم ودراسةِ العِلم الذي يُهذّبُ الأخلاق. اهـ
قال الحافظ النووي في شرح مسلم (1/190): وأمّا الحِلمُ فهو العَقلُ وأمّا الأناةُ فهيَالتّثبت وتَركُ العجَلة، وهى مقصورةٌ، وسببُ قول النبى صلى الله عليه وسلم ذلك لهُ ما جاء فى حديثِ الوَفد أنهم لـمّا وصَلُوا المدينةَ بادَرُوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وأقامَ الأشَجُّ عندَ رِحالـِهم فجمعَها وعَقَلَ ناقَتَه ولَبِس أحسنَ ثيابِه ثم أَقبَلَ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقرّبَه النّبيّ صلى الله عليه وسلّم وأَجْلَسَه إلى جَانبِه ثم قال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم: تُبايعُون على أنفُسِكم وقومِكم، فقال القَومُ نعَم، فقال الأشَجّ: يا رسولَ الله إنّك لم تزاول الرجلَ عن شىءٍ أشَدّ عليه مِن دِينه، نُبايعُك على أنفُسِنا ونُرسل مَن يَدعُوهم فمَن اتبَعَنا كانَ مِنّا ومَن أبَى قاتَلناه قال: صَدقتَ إنّ فِيكَ خَصلتَين” الحديث قال القاضي عياض فالأناةُ تَربُّصُه حتى نظَر فى مصَالحِه ولم يَعجَل والحِلْم هذا القول الذى قالَه الدّال على صِحّة عَقلِه وجَودةِ نظَره للعَواقب، قلت: ولا يخالف هذا ما جاء في (مسند أبي يعلى) وغيره أنَّه لـمَّا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ للأشجِّ “إنَّ فيك خصلتين” الحديث.قال: يا رسول الله كانا فيَّ أم حدثا؟ قال “بل قديم“.قال: قلت: الحمد للَّه الَّذي جبلني على خلقين يحبُّهما. اهـ
(الحِلم بالكسر الأناة والعقل. وتأَنــّى إذا رفَق، واستَثنيتُ أي انتَظرت وترَبّصت، واستَأنِ في أمرك أي لا تَعجَل، والأناةُ التّؤدَة، وتأَنّى في الأمرِ أي ترَفّق وتَنظر.)
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website